- ThePlus Audio
كيف يهتك الله العصم وينتقم من العباد وهو أرحم الراحمين؟
بسم الله الرحمن الرحيم
كيف يرتدع الإنسان عن المعصية؟
هنالك عدة موجبات لردع الإنسان عن المنكر باختلاف درجاتهم. فمن الناس وعلى رأسهم أولياء الله عز وجل، فتكفيهم النظرة الإلهية وأنهم بعين الله الناظرة وأن الله يرى ويسمع وهو معهم أينما كانوا. ومن الناس من يرتدع عن المعاصي إذا علم آثارها المخربة المهلكة في الدنيا قبل البرزخ والآخرة. ولذا نرى أمير المؤمنين (ع) لا يذكر الذنوب بعينها في مستهل دعاء كميل وإنما يذكر آثارها. فيقول (ع): (اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِيَ اَلذُّنُوبَ اَلَّتِي تَهْتِكُ اَلْعِصَمَ)[١].
احذر لحظة هتك العصمة…!
إن من صفات الله عز وجل، أنه يستر على العباد، حتى ليُخفي الذنب عن الملكين الكاتبين كرامة له، ولعظم وجاهته عند الملائكة؛ فلا يهتك ستره أمامها. ولكن تراكم هذه المعاصي وبعض المعاصي المحددة هي التي تهتك هذه العصمة. تصور ميزانا وضعت ثقلا في كفة وفي كفة تضع الحنطة تصبها شيئا فشيئا إلى أن تتساوى الكفتان إلى درجة لو وضعت حبة حنطة واحدة لرجحت الكفة. كذلك هي المعاصي التي تتراكم وتتراكم إلى أن تصل إلى درجة تكون المعصية قاصمة للظهر، هاتكة للعصمة.
قد تعصي الله عز وجل عمراً، فيتجاوز عنك رب العالمين، ولا يهتك لك هذه العصمة، ولكن نظرة سريعة محرمة، قد تهتك هذه العصمة. ونحن لا نعلم متى تُهتك العصمة؛ فيأتيني المؤمن ويقول لي: إن أموي كانت مستوثقة وعلى ما يرام وفجأة انقلب كل شيء ووجدت تغييرا في المزاج وفي الأولاد وفي الأموال.
متى ينتقم الله من العبد؟
ومن الذنوب ما تُنزل النقم، فيقول (ع): (اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِيَ اَلذُّنُوبَ اَلَّتِي تُنْزِلُ اَلنِّقَمَ). إنه لم يقل: تنزل العذاب؛ فلو قال ذلك لكان الأمر هيناً؛ ولكنه قال: تُنزل النقم، أي الذنوب التي تُعجل الانتقام الإلهي. قد يضرب المعلم تلميذه تأديبا وهذا يحصل خاصة في الأزمنة السابقة حيث كانوا يستعملون الخيزران على سبيل المثال ولكن ذلك من باب التأديب لا الانتقام. إن الانتقام فعل العدو بعدوه. إن الله سبحانه هو أشفق بك من كل أحد؛ فكيف يصل الأمر إلى أن ينتقم منك؟
الخوف من تغيير النعم، ودعاء النبي (صلى الله عليه وآله)
ومن الذنوب التي ذكرها الإمام (ع)، ما تُغير النعم. ولذا كان من دعاء النبي (ص): (اَللَّهُمَّ لاَ تَنْزِعْ مِنِّي صَالِحَ مَا أَعْطَيْتَنِي أَبَداً، اَللَّهُمَّ لاَ تُشْمِتْ بِي عَدُوّاً وَ لاَ حَاسِداً أَبَداً، اَللَّهُمَّ لاَ تَرُدَّنِي فِي سُوءٍ اِسْتَنْقَذْتَنِي مِنْهُ أَبَداً، اَللَّهُمَّ وَ لاَ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ أَبَداً)[٢]
إن الأئمة (ع) نور واحد وكلماتهم تفسر بعضها بعضا. فقد روي عن الإمام زين العابدين (ع) ذكر هذه الذنوب التي اكتفى أمير المؤمنين (ع) بذكر آثارها، وأضاف إليها الذنوب التي تقطع الرجاء وهي لم ترد في دعاء كميل. ولكن متى ينقطع الرجاء؟ عند القنوط واليأس من رحمة الله عز وجل وهذه كبيرة من الكبائر وحاله حال من يرتكب الزنا. إن الزاني يرتكب بفعله كبيرة من الكبائر والآيس من رحمة الله عز وجل الذي لا يرتكب معصية الزنا مرتكب للكبيرة أيضا. وينبغي الالتفات إلى هذه الموازين.
ومن الذنوب القاطعة للرجاء؛ الثقة بغير الله عز وجل. إذا وقعت في شدة فلا بأس أن تهذب إلى الطبيب أو تطلب العون من صديق، ولكن لا تعتقد أن بيده الحل والعقد، بل قل: يا رب، قصدته وأريد منك أن تسخره لي. ولذا نرى أحيانا يذهب المريض لثقته بالطبيب إلى بلاد الغرب للعلاج ويصرف الأموال الطائلة ولكنه يخيب في نهاية المطاف وتفشل عمليته، لأنه وثق بغير الله عز وجل. ألا يقول الخليل (ع): (وَإِذَا مَرِضۡتُ فَهُوَ يَشۡفِينِ)[٣]. راجع الطبيب ولكن لتكن ثقة بالله وبأنه هو المدبر وهو الشافي والطبيب ليس إلا وسيلة يجري على يده الشفاء.
هل تعرف الذنوب التي تُظلم الهواء؟
ومن الذنوب التي يذكرها الإمام زين العابدين (ع): (اَلذُّنُوبُ اَلَّتِي تُظْلِمُ اَلْهَوَاءَ)[٤]. إننا نُنير الفضاء بالمصابيح ولكن كيف نُنير البواطن؟ إننا ندخل إلى بعض البيوت التي هي أشبه بالقصور، فتنقبض قلوبنا ونتمنى الخروج منه سريعا، وندخل إلى كوخ متواضع، فنشعر من الأنس فيه ما نود البقاء فيه أبدا. ولكن ما هي هذه الذنوب التي تُظلم الهواء؟ يقول (ع): (اَلسِّحْرُ وَ اَلْكِهَانَةُ وَ اَلْإِيمَانُ بِالنُّجُومِ وَ اَلتَّكْذِيبُ بِالْقَدَرِ وَ عُقُوقُ اَلْوَالِدَيْنِ)[٥]. وبإمكانك أن ترى هذه الظلمة في وجوه السحرة والكهنة الذين يُمكنه فعل الأعاجيب والإخبار ببعض الأمور الغيبية؛ ولكنهم بالرغم من ذلك لا تود الجلوس معهم ولا النظر إليهم لهذه الظلمة والرائحة الكريهة فيهم.
والإيمان بالنجوم من هذه الذنوب. إننا نجد البعض يفتح الصحف ويتضفح المواقع بحثا عن الأبراج وأي برج هو برج ميلاده وأمثال هذه الأمور. إنه ينظر ما يتعلق من الأخبار ببرج ميلاده، فيحزن ويقول: إنني وُلدت في برج كذا والنجوم تدل على كذا وكذا وهو يعيش الوهم والظلمة الباطنية جراء ذلك. ومن هذه الذنوب؛ التكذيب بالقدر. وهو أن يعتقد المرء أنه فعال لما يشاء ولا يرى أن الله عز وجل على كل شيء قدير.
خلاصة المحاضرة
- قد تعصي الله عز وجل عمراً، فيتجاوز عنك رب العالمين، ولا يهتك لك هذه العصمة، ولكن نظرة سريعة محرمة، قد تهتك هذه العصمة. ونحن لا نعلم متى تُهتك العصمة؛ فيأتيني المؤمن ويقول لي: إن أموي كانت مستوثقة وعلى ما يرام وفجأة انقلب كل شيء ووجدت تغييرا في المزاج وفي الأولاد وفي الأموال.
- هنالك عدة موجبات لردع الإنسان عن المنكر. فمن الناس – على رأسهم أولياء الله عز وجل – فتكفيهم النظرة الإلهية وأنهم بعين الله الناظرة وأن الله يرى ويسمع وهو معهم أينما كانوا. ومن الناس من يرتدع عن المعاصي إذا علم آثارها المخربة المهلكة في الدنيا التي ذكرها الأمير (ع) في دعاء كميل.