Search
Close this search box.
  • كيف يعالج الحب مسألة العصيان عند الإنسان؟!
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

كيف يعالج الحب مسألة العصيان عند الإنسان؟!

بسم الله الرحمن الرحيم

هذه هي الحاجة التي تستحق أن تفني عمرك من أجلها…!

لا يتفاعل مع دعاء أمير المؤمنين (ع) المعروف بالمناجاة الشعبانية إلا الخواص من شيعته. ولكن هل لدينا دليل على ما ذكرنا؟ للنتأمل هذه العبارة التي وردت في هذا الدعاء: (إِلَهِي مَا أَظُنُّكَ تَرُدُّنِي فِي حَاجَةٍ قَدْ أَفْنَيْتُ عُمُرِي فِي طَلَبِهَا مِنْكَ)[١]. ما هي الحاجة التي أفنينا عمرنا في طلبها؟ هل هي الزوجة؟ إننا وإن تزوجنا أجمل زوجة؛ فستجنب أطفالا ويتقدم بها العمر وتنتهي الشهوة. ثم إننا إن تسنمنا أرقى المناصب؛ فسنتقاعد بعد الستين والسبعين، فتزول حلاوة الكرسي، والدنيا برمتها تنتهي.

فليست إذن حاجتنا هذه؛ فما هي هذه الحاجة التي نطلبها إلى آخر لحظة من العمر؟ إنها ما خُلقنا من أجله. هو أن يطلب الإنسان من ربه أن يكون عبداً كما يُحب ويرضى، وكما قال سبحانه: (وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ)[٢]. ولهذا نقرأ في بعض الأدعية: أنت كما أريد؛ فاجعلني كما تريد. وقد أشار الحسين (ع) في دعاء عرفة إلى هذه الحاجة في قوله: (أَسْأَلُكَ اَللَّهُمَّ حَاجَتِيَ اَلَّتِي إِنْ أَعْطَيْتَهَا لَمْ يَضُرَّنِي مَا مَنَعْتَنِي وَإِنْ مَنَعْتَنِيهَا لَمْ يَنْفَعْنِي مَا أَعْطَيْتَنِي)[٣].

عبارة لا يجرأ عليها إلا أمير المؤمنين (عليه السلام)

وهناك عبارة أخرى في هذا الدعاء لا يتجرأ أن يقولها إلا أمير المؤمنين (ع) وأمثاله من أئمة أهل البيت (ع)، وهي: (إِنْ أَدْخَلْتَنِي اَلنَّارَ أَعْلَمْتُ أَهْلَهَا أَنِّي أُحِبُّكَ)[٤]. ما هذه الحب الذي يحويه قلب أمير المؤمنين (ع)؟ إننا من الممكن أن نحب رب العالمين؛ ولكن عندما نقع في المصيبة تزول هذه المحبة أو تتزلزل. فإما أن يكفر أحدنا لا قدر الله أو يصبر على مضض؛ فتبقى في قلبه هيبة وخشية من الله سبحانه؛ ولكن المحبة تزول. وهكذا هم أكثر أبناء الدنيا.

إن الإمام (ع) يقول: لو أدخلتني النار الكبرى، وأذقتني عذاب جهنم الذي لا يخطر على بال أحد كما هو النعيم في الجنة؛ سأقول لأهل النار: اشهدوا أن حبي ما زال. لا أدري هل أحدنا في الواقع يمكنه أن يعقل هذا المعنى؟ وهو أن حب أمير المؤمنين (ع) في الجنة والنار على حد سواء؟ هل تتخيل هذه المنزلة، وهذا المقام لأمير المؤمنين (ع) الذي هو في مرتبة النبي (ص) والذي لا يدانيه في هذه المرتبة أحد ولا يقاس به من الناس أحد. ولهذا حق للشاعر أن يقول:

أنّى سـاوَوْكَ بمَـــــــن ناوَوْك
وهـل سـاوَوْ نَعْــلَي قنبر[٥]

لا يُمكن النزوع عن المعاصي إلا بالمحبة…!

ثم يقول (ع) في هذا الدعاء: (إِلَهِي لَمْ يَكُنْ لِي حَوْلٌ فَأَنْتَقِلَ بِهِ عَنْ مَعْصِيَتِكَ إِلاَّ فِي وَقْتٍ أَيْقَظْتَنِي لِمَحَبَّتِكَ)[٦]. وهذه العبارة درس لأهل المعاصي. إنك إن قلت لصاحب المعصية: احذر نار جهنم، لقال لك: دعنا الآن نستمتع، وسنستغفر في أخريات الحياة بعد عمر طويل. فلا العقارب ولا الحيات ولا النار ولا الحميم مما يُحرك فيه ساكنا. أما قد يتحرك هذا العاصي بدافع من السماء، وهو قوله الإمام (ع): (أَيْقَظْتَنِي لِمَحَبَّتِكَ)؛ فالمحب لا يخالف محبوبه.

ولذلك نلاحظ في الزيجات التي يعشق فيها الرجل زوجته ولا يكون زواجهم ذلك مبتن على العقل؛ يمتثل الزوج لكل ما يصدر عن الزوجة. فتقول له مثلا: اقطع صلتك بأبويك؛ فيقول: على الرأس والعين. أو تقول له: لنترك أرض الوطن، ونذهب إلى ديار الغربة، فيوافقها دون معارضة؛ فالحب يعمي ويصم. إن الزوج العاشق لزوجته يُصبح عبدا لها والمرأة التي تعشق زوجها؛ تُصبح له أمة. إن أمير المؤمنين (ع) يبين لنا في دعائه؛ أن ضمان ترك المعصية المحبة الإلهية. إن من وصل إلى مقام العشق الإلهي لا يمكنه العصيان، وهذا ما يصطلح عليه بالعصمة النازلة أو العدالة العالية.

أوساخ الغفلة…!

ومما يذكره أمير المؤمنين (ع) في دعائه: (وَلِتَطْهِيرِ قَلْبِي مِنْ أَوْسَاخِ اَلْغَفْلَةِ عَنْكَ)[٧]. إننا نظن أن الأوساخ من المعاصي هي النظر الحرام أو الاستماع للحرام أو الزنى والسرقة وإلى آخره؛ ولكن أمير المؤمنين (ع) يعد من الأوساخ: الغفلة. فإن دعيت إلى مجلس عرس أو إلى وليمة، وانشغلت مع البطالين؛ صرت غافلاً ومتسخاً. إنك خرجت من المسجد نظيفاً؛ فذهبت إلى دواوين الغافلين من أهل الدنيا؛ فخرجت من عندهم ملوثاً متسخا. لا تقل: لإإنني لم أرتكب حراماً، وإنما تسامرت وضحكت، ونظرت إلى التلفاز وإلى ما هب ودب؛ فهذه أمور هي لأولياء الله مدمرة. لا تفقد هذه النقاوة التي حصلت عليها في العمرة والمسجد والزيارات؛ بجلوسك مع أهل الغفلة من أهل الدنيا. لقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه نهى أصحابه عن مجالسة الموتى، (فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اَللَّهِ وَ مَا اَلْمَوْتَى قَالَ كُلُّ غَنِيٍّ مُتْرَفٍ)[٨].

[١] بحار الأنوار  ج٩١ ص٩٦.
[٢] سورة الذاريات: ٥٦.
[٣] بحار الأنوار  ج٩٥ ص٢١٦.
[٤] بحار الأنوار  ج٩١ ص٩٦.
[٥] شاعر أهل البيت السيد رضا الهندي.
[٦] بحار الأنوار  ج٩١ ص٩٦.
[٧] زاد المعاد  ج١  ص٤٧.
[٨] الخصال  ج١ ص٢٢٨.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن الزوج العاشق لزوجته يُصبح عبدا لها والمرأة التي تعشق زوجها؛ تُصبح له أمة. إن أمير المؤمنين (ع) يبين لنا في مناجاته الشعبانية؛ أن ضمان ترك المعصية المحبة الإلهية. إن من وصل إلى مقام العشق الإلهي لا يمكنه العصيان، وهذا ما يصطلح عليه بالعصمة النازلة أو العدالة العالية.
Layer-5.png