Search
Close this search box.
  • كيف يحل على الإنسان سخط الله؟
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

كيف يحل على الإنسان سخط الله؟

بسم الله الرحمن الرحيم

من أرق مناجاة أهل البيت (عليهم السلام)

إن مناجاة أمير المؤمنين (ع) البليغة في شهر شعبان في من أرق مناجاة أهل البيت (ع). إن أمير المؤمنين (ع) في جوف الليالي عندما كان يلهج بهذه المناجاة؛ كانت له حالات نحن لا نتعقلها، وإنما نحن نقرأ الدعاء قراءة، ونتفاعل جزئياً.

لماذا فرق الإمام (عليه السلام) بين الغضب وحلول السخط؟

من فقرات هذا الدعاء الشريف قوله (ع): (إِلَهِي أَعُوذُ بِكَ مِنْ غَضَبِكَ وَ حُلُولِ سَخَطِكَ)[١]. لماذا فرق الإمام (ع) بين الغضب وحلول السخط؟ إن أولياء الله أعرف بمرادهم من غيرهم؛ إلا أننا نحوم حول هذه المعاني حومانا: إن الغضب واضح، هذا الذي نتعوذ به في سورة الفاتحة في قوله تعالى: (صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ)؛ فقد يكون الإنسان ضالاً قد ضيع الطريق ولكنه غير مغضوب عليه. إن الضلال لا ينافي الغضب، والضال ضالٌ ولو كان معذوراً. إذا ما انحرف الإنسان عن الجادة سهواً؛ لكان مصيره السقوط في الوادي. أما الذي يتعمد أن يخرج عن الطريق ثم تأكله السباع؛ فهذا مغضوب عليه.

لولا فضل الله لاتبعنا الشياطين إلا قليلا

ولا بأس بإشارة لطيفة في هذه السورة في قوله تعالى: (صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ)؛ أي يا رب، الهداية إلى الطريق القويم بحاجة إلى إنعام منك؛ فأنا جهدي لا يوصلني إلى شيء مما أريد. إنني أريد أن أمشي في الطريق وهناك من أقسم بعزة الله لأغوينهم أجمعين، وهو الذي يأتينا من بين أيماننا وشمائلنا، ويجري فينا مجرى الدم في العروق؛ فكيف أقاوم هذا اللعين بخبرة تتجاوز آلاف السنين؟ مع من؟ مع الأنبياء والمرسلين؛ فكيف بهذا الفقير الضعيف الذي يكون ألعوبة بيد الشيطان لولا رحمتك.

كيف بحل علينا السخط الإلهي؟

ولهذا ثق أنك بمحاولاتك وبما تبذله من وسعك؛ فإن الله سبحانه سيجتبيك، فكما قال سبحانه: (ٱللَّهُ يَجۡتَبِيٓ إِلَيۡهِ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِيٓ إِلَيۡهِ مَن يُنِيبُ)[٢]. فالغضب معلوم. أما حلول سخطك؛ فهو مما ينبغي أن نتوقف عليه قليلا. إن المثال الذي يقرب لنا الفكرة هو مثال السحب المتراكمة. إن السحاب عادة ما تكون سحابة خير ومطر. وهذه السحب تتراكم بأن يزجيها رب العالمين أي يدفعها؛ فهو يدفع سحابة من هنا وسحابة من هناك فتتراكم فيخرج الودق من خلالها، وينزل علينا مطراً مباركاً. إن هذه السحابة فيها خاصية الإمطار؛ إلا أنها ينبغي أن تتراكم حتى تتنجز عملية المطر. والأمر نفسه في السخط. فقد يكون السخط الإلهي معلقاً؛ فتكذب كذبةً فتأتي سحابة الغضب، وتغتاب غيبةً فتأتي سحابة أخرى، ونظرة محرمة تأتي بسحابة ثالثة وإذا بالصاعقة تنزل عليك.

ويُمكن القول: أن السخط الإلهي تراكمي، وكما قال سبحانه: (يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِ)[٣]. فلا تقل كما يقول بعض الجهال: إنني عصيت ربي اليوم ولم أر شيئاً؛ فالكلام في عواقب الأمور. يقول تعالى: (ثُمَّ كَانَ عَٰقِبَةَ ٱلَّذِينَ أَسَـٰٓـُٔواْ ٱلسُّوٓأَىٰٓ أَن كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ بِهَا يَسۡتَهۡزِءُونَ)[٤]. فهؤلاء أسائوا السوءا وعملوا منكرا هنا ومنكرا هناك؛ فكانت النتيجة التكذيب بآيات الله. ولهذا نقول للمتمادي في الانحراف الأخلاقي: احذر الانحراف الفكري في الأخير. ولهذا نرى بعض كبار المنحرفين؛ يُلحد فجأة، ويُنكر أئمة أهل البيت (ع)، ويخرج عن الطريق القويم، وهو يقول: لا أدري كيف وصلت إلى هنا. نحن ندري…! إن هذه المعاصي هي التي توجب حلول السخط.

رحمة الله بالعباد في الدنيا والآخرة

ومن فقرات هذا الدعاء قوله (ع): (إِلَهِي لَمْ يَزَلْ بِرُّكَ عَلَيَّ أَيَّامَ حَيَوتِي فَلاَ تَقْطَعْ بِرَّكَ عَنِّي فِي مَمَاتِي)؛ أي يا رب، لقد عاملتني بالجميل في الدنيا ولم أخل من نعمك طرفة عين؛ فلا تعاملني في البرزخ إلا بفضلك، ولا تعاملني بعدلك. ويا رب، في دار الدنيا كثيرا ما عفوت عني، وأنا في عالم البرزخ أحوج إلى عفوك.

اجعل هذه الوريقة في كفنك…!

وهناك عمل جميل أوصي به دائما: إنك في دار الدنيا، والأقلام سليمة، ويدك تكتب؛ فما المانع أن تكتب رسالة إلى الله عز وجل وأنت حي، ثم أوص أن تُجعل هذه الرسالة في كفنك؛ فأنت الميت لا قلم لك ولا إصبع. قم حاول أن تكتب هذه الرسالة في ساعة مباركة في مشهد مبارك في الحرم النبوي أو الحرم المكي مثلاً، يكون مفادها: اللهم إن هذا أول قدومي عليك أو إليك، وإن الضيف إذا نزل بقوم يُكرم، وأنت أولى بالكرامة. إلهي ما دمت حياً عصيتك وأنت أحسنت الي والآن انقطع عصياني، وأنا ميت فلا تقطع إحسانك عني. فلو كتبت هذا الدعاء بصلوات قبلها وبعدها، ووُضع في الكفن؛ لقلت في ساعة المسائلة للملكين: قدما هذه الورقة إلى رب العالمين. ألا ترجوا أن يعفو الله عنك؟ إن هذا المضمون منسوب إلى النبي (ص)؛ ولكن مناجاة أمير المؤمنين (ع) واضحة بنفس المضامين: (إِلَهِي لَمْ يَزَلْ بِرُّكَ عَلَيَّ أَيَّامَ حَيَوتِي فَلاَ تَقْطَعْ بِرَّكَ عَنِّي فِي مَمَاتِي).

[١] الصحیفة العلویّة  ج١ ص١٨٥.
[٢] سورة الشورى: ١٣.
[٣] سورة النور: ٢١.
[٤] سورة الروم: ١٠.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • من فقرات المناجاة الشعبانية قوله (ع): (إِلَهِي لَمْ يَزَلْ بِرُّكَ عَلَيَّ أَيَّامَ حَيَوتِي فَلاَ تَقْطَعْ بِرَّكَ عَنِّي فِي مَمَاتِي)؛ أي يا رب، لقد عاملتني بالجميل في الدنيا ولم أخل من نعمك طرفة عين؛ فلا تعاملني في البرزخ إلا بفضلك، ولا تعاملني بعدلك.
Layer-5.png