كيف نرتبط قلبا وشعوريا وعاطفيا بالإمام المهدي (عج)؟
بسم الله الرحمن الرحيم
كيف هي علاقتنا بإمام زماننا (عجل الله فرجه)؟
إن علاقتنا بإمام زماننا (عج) تتكون من ثلاث شعب: الشعبة الأولى تتعلق بالجانب النظري، وهو أن نعتقد بأنه إمام زماننا، وندين له بالولاء. فيُمكن القول: أن علاقتنا به (عج) هي علاقة مبدئية عقدية؛ فهو إمام العصر وصاحب الزمان الذي نحشر تحت لوائه يوم القيامة، وتنزل عليه مقدراتنا في ليلة القدر، وهو الإمام الذي لولاه لساخت الأرض بأهلها.
ارتباط سورة القدر بمن تتنزل عليه المقادير
من الأمور التي يُستحب للمؤمن إدمانها؛ قراءة سورة القدر في الركعة الأولى من كل صلاة طوال العام؛ إذ يعتقد البعض من العلماء أن علاقتنا بهذه السورة، إنما هي علاقة بصاحب تلك الليلة. فعندما تقرأ قوله تعالى: (إِنّٰا أَنْزَلْنٰاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)[١]، تذكر من تنزلت عليه المقدرات في ليلة القدر؛ فهو المحور والعمدة وهو العماد وهو الذي تتنزل عليه المقدرات في تلك الليلة.
كيف ينظر الإمام في المقادير؟
ثم إن الإمام (عج) لا يتلقى المقدرات تلقيا آليا؛ بل إنه ينظر في المقدرات مثلا ويرى أن زيدا أو عمرا من المؤمنين له خدمة وفضل ومع ذلك قد ارتكب زلة كبيرة، فهو يطلب من الله شفقة به في مثل هذه الحالة أن يغير التقدير ودعوته لا ترد.
العلاقة العاطفية بالإمام
الشعبة الثانية: العلاقة العاطفية التي تتشكل بين المأموم وإمام زمانه. عندما يرى الجندي في الجيش المقتحم المنتصر، حسن إدارة قائده، وأن نصرهم كان بتأييد منه وإشراف، فمن الطبيعي أن تتكون علاقة عاطفية بين القائد والمقود. إن الإمام (عج) هو حامل راية الإسلام وراية الولاية في زمن الغيبة، وهو الذي يرعى شئون شيعته كما نجد ذلك جليا في التوقيع المعروف: (إِنَّا غَيْرُ مُهْمِلِينَ لِمُرَاعَاتِكُمْ وَلاَ نَاسِينَ لِذِكْرِكُمْ وَلَوْ لاَ ذَلِكَ لَنَزَلَ بِكُمُ اَللَّأْوَاءُ وَاِصْطَلَمَكُمُ اَلْأَعْدَاءُ)[٢]؛ فلولا العناية الشريفة لكنا في خبر كان.
تأمل تاريخيا في الأعداء الذين حاولوا القضاء على هذه الزمرة الطاهرة والطائفة الناجية منذ زمن الأمير (ع) وإلى يومنا هذا، لترى يد الرعاية واضحة لهذه الطائفة. إن الإمام (عج) في زماننا هذا هو المدافع عن بيضة الإسلام، وهو كالشمس وراء السحاب كما ورد ذلك في الروايات الشريفة.
اتبع العاطفة بالعمل
الشعبة الثالثة: المتابعة العملية وهي أساس هذه العلاقة والعمدة فيها. فأن تجلس في زاوية مريحة وتقول: هذا إمامي الإمام الثاني عشر وأن تلقن نفسك بأنك تحبه وهو قائدك وما شابه ذلك، فلن يُجدي معك ذلك شيئا. إن هذا الذكر الباطني يحتاج إلى موقف عملي منك. قد تجلس على شاطئ البحر وتعيش هذه المشاعر وأضعافها، فهي لن تكلفك شيئا ولكن الذي يُميز الصادق عن غيره، اتخاذ الموقف العملي تجاه إمام زمانه (عج).
الإمام المهدي (عجل الله فرجه) في كلمات آبائه (عليهم السلام)
لقد كان إمامنا الصادق (ع) مع ما يفصله عن ولده المهدي (عج) من الأئمة (ع) كان يذكره بلوعة فيقول: (سَيِّدِي غَيْبَتُكَ نَفَتْ رُقَادِي وَضَيَّقَتْ عَلَيَّ مِهَادِي وَاِبْتَزَّتْ مِنِّي رَاحَةَ فُؤَادِي)[٣]. وقد كان الإمام الكاظم (ع) يذكره قائلا: (بِأَبِي… أَسْمَرُ اَللَّوْنِ يَعْتَادُهُ مَعَ سُمْرَتِهِ صُفْرَةٌ مِنْ سَهَرِ اَللَّيْلِ بِأَبِي مَنْ لَيْلَهُ يَرْعَى اَلنُّجُومَ سَاجِداً وَرَاكِعاً بِأَبِي مَنْ لاَ يَأْخُذُهُ فِي اَللَّهِ لَوْمَةُ لاَئِمٍ مِصْبَاحُ اَلدُّجَى بِأَبِي اَلْقَائِمُ بِأَمْرِ اَللَّهِ)[٤]. وكذا كان يذكره أئمتنا (ع) جميعهم.
لقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ اَلْقَائِمِ فَلْيَنْتَظِرْ وَلْيَعْمَلْ بِالْوَرَعِ وَمَحَاسِنِ اَلْأَخْلاَقِ وَهُوَمُنْتَظِرٌ فَإِنْ مَاتَ وَقَامَ اَلْقَائِمُ بَعْدَهُ كَانَ لَهُ مِنَ اَلْأَجْرِ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ أَدْرَكَهُ فَجِدُّوا وَاِنْتَظِرُوا هَنِيئاً لَكُمْ أَيَّتُهَا اَلْعِصَابَةُ اَلْمَرْحُومَةُ)[٥].لقد جمع الصادق (ع) بين الخصلتين؛ الانتظار القلبي والسلوك العملي، ثم يطلب في ختام هذه الرواية الجد في مقام العمل. إن الانتظار أمر باطني لابد وأن يكون إلى جانبه أمر خارجي وهو الجد في العمل.
من صفات المنتظر؛ العمل بالورع وبمحاسن الأخلاق
لقد طلب الإمام (ع) العمل بالورع وهو ترك المعاصي بل الوصول إلى مرحلة تشمئز النفس من العصيان ويثقل عليها ذلك ثم لا تميل إلى الحرام أبدا. ولكن ينبغي بالإضافة إلى هذا الورع أن يعمل بمحاسن الأخلاق أيضا؛ وهو الانضباط في السلوك، وفي الباطن. قد يحسد المؤمن أحدهم ولكن لا يُظهر حسده وقد يغضب ويكظم غيظه ويشعر بحالة من التكبر في نفسه، ولكنه في مقام العمل يتواضع، وهذا أمر حسن مطلوب وهو على سبيل النجاة؛ ولكنه ليس على الجادة المستيقيمة تماماً. إن الفخر كل الفخر أن يجمع بين الملكة الباطنية والاستقامة في مقام العمل.
خلاصة المحاضرة
- من الأمور التي يُستحب للمؤمن إدمانها؛ قراءة سورة القدر في الركعة الأولى من كل صلاة طوال العام؛ إذ يعتقد البعض من العلماء أن علاقتنا بهذه السورة، إنما هي علاقة بصاحب تلك الليلة. فعندما تقرأ (إِنّٰا أَنْزَلْنٰاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)، تذكر من تنزلت عليه المقدرات في ليلة القدر.