• ThePlus Audio
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

كيف نحول زيارة الحسين (عليه السلام) إلى فرصة للتكامل؟

بسم الله الرحمن الرحيم

الهجرة إلى الحسين (عليه السلام) هجرة إلى الله عز وجل

إن زيارة الأربعين أصبحت اليوم من مصاديق الهجرة إلى الله عز وجل. فكما أن الذي يخرج من بيته إلى الحج ثم يموت في الطريق، يقع أجره على الله عز وجل، فكذلك زائر الحسين (ع) الذي يموت في طريقه إليه، والذي تتولى غسله وتجهيزه الملائكة وهذا ما ورد في الروايات الشريفة. وهذه الروايات التي تتحدث عن الزيارة والتي نجدها مفصلة في كتاب كامل الزيارات، لا ينبغي أن تغيب عن المؤمن في أي زيارة. من المفيد والضروري أن يصطحب المؤمن في زيارة الأربعين أو في غيرها، هذا الكتاب القيم الذي هو منجم هذه الروايات المنقوشة في الحرم الشريف. وينبغي أن يقرأ المؤمن هذه الرويات بتعمن ليزداد معرفة بالإمام (ع) ويزداد تفاعلا في زيارته تبعا لذلك.

شبهات حول المسيرة الأربعينية

لقد أصبحت الهجرة الحسينية اليوم من القضايا البديهية وإن حاول البعض إثارة شبهات حول المشي في زيارة الأربعين، إلا أن علمائنا قد أجابوا عليها بحمدالله وأثبتوا من كتب الفريقين أنها حركة ربانية. أما ما يتعلق بكتبنا فهو ما ورد في ثواب كل خطوة يخطوها الزائر ماشيا إلى الحسين (ع) والتي نستشف من خلالها مطلوبية هذه الحركة في زمانهم وفي كل الأزمنة مع تيسر ركوب الدواب على مختلف أشكالها.

وأما استدلالهم بكتب العامة، فهي الرواية التي وردت في كتاب البخاري حول الأقدام التي اغبرت في سبيل الله عز وجل والتي تنطبق بصورة غير مباشرة على أقدام الزائرين المشاة الذين لم يخرجوا من بيوتهم ولم يقطع البعض منهم آلاف الأميال إلا ابتغاء مرضاة الله عز وجل. وهذه الأقدام تشبه أقدام المجاهدين المرابطين أو المقاتلين في سبيل الله عز وجل التي لها ما لها من المزايا عند الله عز وجل. ثم إن هذه الزيارة من الزيارات الشاقة وقد ورد عنه (ص): (أَفْضَلُ اَلْأَعْمَالِ أَحْمَزُهَا.)[١]

لا يجب بناء الضريح على القبر…!

هذا وقد سمعت من أحد المراجع أنه قال: لا يجب بناء الضريح على القبر ولكن رفعه بعد البناء هتك ووهن. وبناء على ذلك نقول: إن زيارة الأربعين أصبحت اليوم معلما من معالم التشيع وشعيرة من شعائر أهل البيت (ع)، فكيف يدعوا البعض إلى تركها أو كيف يمكنه التشكيك في الأدلة التي ترتبط بها؟ فلا مبرر ولا منطق لمن يقول ويحاول أن يحارب هذه الشعيرة ببعض الأدلة الواهية.

وقد أصبحت هذه الزيارة محطة من المحطات التي يتزود منها المؤمنون كل عام من مختلف أنحاء العالم ويحفظون من خلالها إيمانهم. لقد ذهبت إلى بلاد الغرب بعد زيارة الأربعين، فعلمت هناك أن هذه الزيارة هي سر ثبات المؤمنين على الإيمان في بلاد الغرب وعوائلهم. تجد أبنائهم في تلك البلاد خاصة النائية منها التي تقرب من القطب الشمالي، لا يعرف من معالم الدين شيئا وهم معرضون لارتكاب المعاصي، ولكنهم يشاركون في الأربعين فيتحصن إيمانهم، ويتفاعل في هذه الزيارة أطفالهم وحتى زوجاتهم الأجنبيات. إنها محطة لشحن القلوب جميعا المقيم والظاهن والقريب والغريب. وإن كنا لا نجد غريبا في هذه الزيارة بعد أن ينصهر الجميع في بوتقة الحسين (ع). فكيف يطاوعه قلبه من يقف موقفا سلبيا من هذه مسيرة بهذه العظمة وبهذا الرونق؟

أكبر حدث على وجه الأرض

وإذا تأملنا ما يُنشر من إحصائيات وجدنا أن التجمع في هذه الزيارة من البصرة إلى كربلاء المقدسة هو أكبر تجمع بشري على وجه الأرض وأكبر مائدة ممدودة وأكبر حركة تطوعية وأكبر إنفاق تطوعي بغض النظر عن الإنفاق الحكومي.وأما التعاون والتكاتف والتعاضد والانسيابية في تسيير الزائرين ورجعوهم إلى أوطانهم سالمين معافين من الأمراض والأوبئة ومما يُمكن أن يحصل في مثل هذه التجمعات من التدافع فهو لا يحتاج إلى بيان. لم نسمع أن أحدا مات في أيام الأربعين جراء التدافع، الأمر الذي نسمع به كثيرا في متى ومزدلفة.

وأما استتباب الأمن والحفاظ على أرواح الزائرين من الإرهاب الكافر، فهو من المعجزات أيضا. لقد سلمت مواكب الأربعين تقريبا وكانت هناك يد ترعى زوار الحسين (ع) في قمة الانفلات الأمني والمخاطر التي كانت تحدق بالزائرين من قبل الإرهابيين وإن كان ثمة شهداء سقطوا هنا وهناك. ولا نغالي إن قلنا: إنها لمحة مصغرة للدولة المهدوية الكريمة، ألسنا نقرأ في زمان ظهور الإمام المهدي (عج) أحدهم لا يدفع مالاً في مقابل البضاعة التي يأخذها ويكتفي بأن يصلي على النبي وآله؟ وفي هذه الزيارة إذا رأينا من يبيع على الزائرين شيئا، يكون نشازا في مسيرة العطاء هذه.

الحب في الزائر يبلغ القمة في هذه الأيام

وإنني لا أرتاب في أن الرجل في هذه الزيارة لو رأى غريمه أو قاتل ولده أو أحد أحبته لما أخذ بتلابيبه إن كان حسينيا حقا ولعفى عنه لأنه زائر الحسين (ع). إن المودة تتجلى في أعلى صورها، كما يتجلى الإنفاق في أبهى صوره وكذلك الأمر في التجاذب الإنساني والتقارب القلبي والتوادد العاطفي التي كلها من بركات الحسين (ع). ويجدر الذكر: كلما ازداد أحدنا معرفة بمقامات الأئمة (ع) عموماً وبمقامات الحسين (ع) خصوصاً، تميزت زيارته أكثر.

ولا ريب في أن هذه الزيارة من شعائر الله عز وجل. ولقد أطلق القرآن الكريم الشعيرة على أمرين؛ الصفا والمروة والبدن وهو الحيوان أو الأضحية التي تساق إلى منى. ولكن ما معنى الشعيرة؟ الشعيرة تعني العلامة الدالة على الشيء. ولهذا نجد لكل دولة شعار وعلم يدلان على تلك الدولة. يقول سبحانه: (يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُحِلُّواْ شَعَـٰٓئِرَ ٱللَّهِ وَلَا ٱلشَّهۡرَ ٱلۡحَرَامَ وَلَا ٱلۡهَدۡيَ وَلَا ٱلۡقَلَـٰٓئِدَ)[٢]؛ أي لا تقتلوا الهدي الذي سيق إلى منى فهو معد للذبح هناك في الحج، ولا الحاج فهو مقدر. ولكن ماذا صنعوا بالحسين (ع)؟ أليس الحسين (ع) من شعائر الله عز وجل؟

نية الزيارة

واجعل سعيك في الزيارة واجعل بكائك عند الضريح واجعل ندبتك على الحسين (ع) بهذه النية: يا رب، الحسين (ع) علامتك وهذه القبة والضريح يمثلان السماء في الأرض كما تمثل الكعبة السماء. وكما أن في الكعبة زاوية فيها حجر وهنا زاوية فيها حجة الله على الأرض. ولكن شتان بين حجر وبين حجة الله وحبيب الله وولي الله الذي دفن ببدن مضرج بالدماء. واعلم أنك بهذه الندبة وبهذه الدموع تكون مشمولا بدعاء لإمام الصادق (ع)، وقد روي عنه أنه قال: (وَمَا عَيْنٌ أَحَبَّ إِلَى اَللَّهِ وَلاَ عَبْرَةٌ مِنْ عَيْنٍ بَكَتْ وَدَمَعَتْ عَلَيْهِ)[٣].

في هاتين الحالتين تكون في أعلى درجات النزاهة

واعلم أن الواحد منا يكون في أعلى درجات النزاهة في السنة مرتين؛ بعد ليالي القدر المباركة وبعد زيارة الأربعين. فحاول جهدك الإبقاء على هذه النقاوة والحفاظ على ما اكتسبته من كرامة. إن هذه العين التي بكت على الحسين (ع) شهرين كاملين في محرم وصفر، لهي عين معقمة طاهرة من لوث المعاصي وجدير بنا الحفظ على هذه الطهارة في سائر الأشهر. فلا تفتح عينك التي بكيت بها على الحسين (ع) على ما يحرم النظر إليه ولا تلوث اليد التي خدمت بها زوار الحسين (ع) ولا الرجل التي سعيت بها إلى مشهده.

ثم يقول الإمام الصادق (ع): (مَا مِنْ بَاكٍ يَبْكِيهِ إِلاَّ وَقَدْ وَصَلَ فَاطِمَةَ وَأَسْعَدَهَا عَلَيْهِ وَوَصَلَ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَأَدَّى حَقَّنَا)[٤]. إن الإمام المعصوم (ع) يتحدث عن تأدية حقهم، ولكن كيف؟ إنه ليس أمرا هينا. كيف نؤدي حق أئمتنا (ع)؟ من نحن وما عباداتنا وسعينا وصومنا وحجنا؟ إلا أن الإمام (ع) عند يصل الأمر بالبكاء على الحسين (ع) يقول: (أَدَّى حَقَّنَا). إنه حقا لأمر عظيم ووسام من أعظم الأوسمة وأغلاها في عالم الوجود.

حال الباكين على الحسين (عليه السلام) يوم القيامة

ثم يصف الإمام (ع) القيامة الخافضة الرافعة وأهوالها وفزعها وما يشعر به الناس في ذلك اليوم من الخوف والهلع، ويبين أن الباكي على الحسين (ع) لا يشعر بشيء من ذلك وأنه آمن، فيقول: (مَا مِنْ عَبْدٍ يُحْشَرُ إِلاَّ وَعَيْنَاهُ بَاكِيَةٌ إِلاَّ اَلْبَاكِينَ عَلَى جَدِّيَ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَإِنَّهُ يُحْشَرُ وَعَيْنُهُ قَرِيرَةٌ وَاَلْبِشَارَةُ تِلْقَاهُ وَاَلسُّرُورُ بَيِّنٌ عَلَى وَجْهِهِ وَاَلْخَلْقُ فِي اَلْفَزَعِ وَهُمْ آمِنُونَ وَاَلْخَلْقُ يُعْرَضُونَ وَهُمْ حُدَّاثُ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ تَحْتَ اَلْعَرْشِ وَفِي ظِلِّ اَلْعَرْشِ لاَ يَخَافُونَ سُوءَ يَوْمِ اَلْحِسَابِ)[٥].

ثم يُطلب منهم الدخول إلى الجنة بعد أن حدثهم الحسين (ع) وحدثوه، فيأبون ذلك، تقول الرواية: (فَيَأْبَوْنَ وَيَخْتَارُونَ مَجْلِسَهُ وَحَدِيثَهُ وَإِنَّ اَلْحُورَ لَتُرْسِلُ إِلَيْهِمْ إِنَّا قَدِ اِشْتَقْنَاكُمْ مَعَ اَلْوِلْدَانِ اَلْمُخَلَّدِينَ فَمَا يَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ إِلَيْهِمْ لِمَا يَرَوْنَ فِي مَجْلِسِهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مِنَ اَلسُّرُورِ وَاَلْكَرَامَة)[٦]. إنهم يفضلون الجلوس مع الحسين (ع) على الجلوس مع الحور العين، والبقاء معه (ع) أحب إليهم من المكوث في قصورهم.

الأنس بالحسين (عليه السلام) في الدنيا

لماذا لا نصل إلى هذه الدرجة في الدنيا؟ إذا زرت الحسين (ع)، فزره بالزيارة المطلقة الخاصة وصل ركعتين، ثم اقرأ ما تيسر من القرآن، ولكن بعد ذلك خذ زاوية من الصحن الشريف، وخاطب الإمام (ع) قائلا: يا أبا عبد الله، حدثني كما تحدث زائريك يوم القيامة فإني أريد أنساً بك لا بسواك. فإذا وصلت إلى هذا الأنس لا تجد في الحياة أنسا ولا ميلا ولا عشقا لشيء كعشقك لزيارته والمكوث في حضرته. كيف لا وقد ورد في بعض الروايات؛ أن الزائر لو علم ما في زيارته، لاتخذ كربلاء موطناً له، ولما ترك الناس هذه البلدة أبدا.

[١] بحار الأنوار  ج٨٢ ص٣٣٢.
[٢] سورة المائدة: ٢.
[٣] مستدرك الوسائل  ج١٠ ص٣١٣.
[٤] مستدرك الوسائل  ج١٠ ص٣١٣.
[٥] مستدرك الوسائل  ج١٠ ص٣١٣.
[٦] مستدرك الوسائل  ج١٠ ص٣١٣.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن زيارة الأربعين أصبحت اليوم من مصاديق الهجرة إلى الله عز وجل. فكما أن الذي يخرج من بيته إلى الحج ثم يموت في الطريق، يقع أجره على الله عز وجل، فكذلك زائر الحسين (ع) الذي يموت في طريقه إليه، والذي تتولى غسله وتجهيزه الملائكة وهذا ما ورد في الروايات الشريفة.
  • إذا زرت الحسين (ع)، فزره بالزيارة المطلقة الخاصة وصل ركعتين، ثم اقرأ ما تيسر من القرآن، ولكن بعد ذلك خذ زاوية من الصحن الشريف، وخاطب الإمام (ع) قائلا: يا أبا عبد الله، حدثني كما تحدث زائريك يوم القيامة فإني أريد أنساً بك لا بسواك.
Layer-5.png