• ThePlus Audio
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

كيف تُكتسب معرفة الأئمة (عليهم السلام)؟

بسم الله الرحمن الرحيم

هل علاقتك بالله وبأوليائه علاقة نموذجية؟

لا يُمكن لأي واحد منا أن يدعي أن علاقته بالله عز وجل وبالمعصومين (ع) هي علاقة نموذجية، فلا يدعي ذلك إلا المعصوم. ولذا عندما يتكامل أحدنا ويصفو، يتجاوز عن الشهوات ويرى في قلبه ميلا إلى العالم الغيبي ويستمع بصلاته ويترك الحرام ويستذوق الواحب ويقوم الليل. وكلما اترقى في الإيمان درجة، ازدادت حسرته على ما كان عليه من قبل ذلك. فالذي يصعد إلى القمة وينظر من أعلى الجبل إلى أسفل الوادي، يتحسر على الأيام التي قضاها في تلك الوديان السحيقة وكان بإمكانه أن يترفع ذلك الارتفاع.

ولذلك تجد للمؤمن وقفات في كل أربعينية وفي كل رمضانية وفي كل حجة وعمرة، ينظر إلى ما أسلف في الأيام الخالية ويحاول أن يرتقي في كل موسم. فكل إنسان هو أعلم بنفسه من غيره، وقد قال سبحانه: (بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ)[١]. الذي يعرفك جيداً هو رب العالمين أولا، ووليه ثانيا، والملك الموكل بك ثالثا، وأنت من بعد هؤلاء رقيب على نفسك رابعا. حاول أن تنظر إلى نفسك دائما وتراقبها باستمرار لكيلا تكون المغبون الذي وصفته هذه الرواية النبوية: (مَنِ اِعْتَدَلَ يَوْمَاهُ فَهُوَمَغْبُونٌ)[٢].

فإذا كان من اعتدل يوماه مغبون، فكيف بمن اعتدلت سنتاه؟ لا يقولن قائل: لقد وُفقت بحمدلله للحج والعمرة في شهري رجب وشعبان أو وُفقنا للزيارة مشيا في الأربعين، بل ليقل: ما الجديد فيها؟ العوام من الناس يفرحون بتكرار الأعمال وأولياء الله يفرحون بالعمل إذا كان متميزا عن سابقاته. يقول أحدهم إذا قام بحج أو عمرة: يا رب، تقبلها منا ولكنه يعيش في قرارة نفسه حالة من عدم الارتياح والرضا.

كيف نحول علاقتنا بالمعصوم إلى علاقة متميزة؟

إن المقامات المعنوية ليست مبذولة للجميع. نعم، إن أصحاب الجنة يستمتعون بالحور والقصور والغلمان ولكن ليس كلهم ينال مقام: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)[٣]، ولا كلهم يكونون حداث الحسين (ع) يوم القيامة. إن حداث الحسين (ع) لتشتاق إليهم الحور فترسل إليهم، فيتجاهلونهن رغبة بالحسين (ع) وحديثه عنهن. ولكن هل يُمكن أن ننال شيئا من هذا المقام في دار الدنيا؟ هل بالإمكان الوصول إلى درجة نشعر فيها بآثار السلام والزيارة عندما نسلم على الحسين (ع) ونزوره؟

إذا زرت الحسين بزيارة الوارث أو بزيارة عاشوراء، فمن المفروض أن ترى في قلبك حلاوة أو سلاماً أو أمناً أو ارتياحاً ما. أما إذا دخلت الحرم مهموماً مضطربا وخرجت مهموما مضطربا فأين الزيارة إذن؟ إذا صليت عند رأس الحسين (ع) شاردا كما تصلي في منزلك، فأين الزيارة إذن؟

إنني سمعت عن بعض كبار الأولياء، أنهم ادعوا أنهم قد سمعوا الجواب بآذانهم البرزخية وإننا لنحمل ذلك على الصحة. فقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال في البقيع يوما: (ولولا تمريج في قلوبكم وتزيدكم في الحديث لسمعتم ما أسمع)[٤]. فهو يعني (ص): أنهم لو وصلوا إلى مرحلة من النقاء الباطني لسمعوا ما يسمع ولرأوا ما يرى. وبالطبع ليس الكل مرشح لهذه المقامات، وإنما هم قلة من العلماء والأولياء من ينالون ذلك، فتكون لهم عيون وآذان ما ورائية. وقد روي عن الرضا (ع) أنه قال: (اتَّقُوا فِرَاسَةَ اَلْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اَللَّهِ اَلَّذِي خُلِقَ مِنْهُ)[٥]. فإذا قال لك المؤمن شيئا أو أخبر إخبارا غير طبيعي، فخذه على محمل الجد، لأنه ولي الله عز وجل ولأنه مصداق حديث قرب النوافل الذي رواه الشيعة والسنة في كتبهم. فعندما تزور المعصوم، سله أثرا في باطنك.

من أين يأتي هذا الأثر؟

أولا: معرفة مقاماتهم التي قد وردت بصورة كاملة ومفصلة في الزيارة الجامعة. ولذا ينبغي أن يتأمل المؤمن مضامين هذه الزيارة ويراجع الكتب المصنفة في شرحها. فإذا تأملت ما ورد في هذه الزيارة من المضامين واستوعبتها جيدا، فلن تزور المعصوم كما كنت تزوره قبل استيعابها. وشتان بين من يزور المعصوم وهو يعلم شيئا من مقاماته وبين من لا يعلم من المعصوم إلا أنه إمام شهيد. شتان بين هذه المعرفة البسيطة والمعرفة المركبة.

زيارة تناسب جميع الأئمة (عليهم سلام)

إن هذه الزيارة من الزيارات الجامعة التي لا تختص بإمام دون غيره، بل هي زيارة مروية عن الإمام الهادي (ع) تناسب كل الأئمة (ع) جميعا، وهم جميعهم مصاديق ما ورد فيها من المضامين. مما ورد في هذه الزيارة أنهم: (مَوْضِعَ اَلرِّسَالَةِ وَمُخْتَلَفَ اَلْمَلاَئِكَةِ وَمَهْبِطَ اَلْوَحْيِ)[٦]. ومهبط الوحي لا يعني نزول جبرئيل بالضرورة لكي يقول قائل: هذا أمر مختص بالأنبياء. وإن كان جبرئيل قد نزل على الزهراء (س) عندما داخلها من الحزن على وفاة أبيها (ص) ما لم يعلمه إلا الله عز وجل. فكان جبرئيل ينزل عليها فيسليها وهي تسمع كلماته وتمليها على أمير المؤمنين (ع) فيكتبها في صحيفة عُرفت عند الشيعة بمصحف فاطمة (س).

حلقة الوصل بين السماء والأرض

وينبغي أن نعلم أن الإمام  في كل عصر؛ حلقة الوصل بين رب العالمين وبين البشرية لا في الأحكام فقط، وإنما في المقدرات أيضا. ولذا إن أردت أن تكون سعيدا طوال العمر، فلابد وأن تكون لك محطة ثابتة مع إمام زمانك (عج) في ليلة القدر وفي غيرها. فإن سعادتك وشقائك وتوفيقاتك تجري على يديه الشريفة في تلك الليلة المباركة.

ومن المعاني التي وردت في إحدى زيارات الحسين (ع) والتي تلخص نظرية الإمامة وفيها بيان لعظمة المعصوم من دون غلو –  (نَزِّهُونَا عَنِ اَلرُّبُوبِيَّةِ…، وَقُولُوا بَعْدَ ذَلِكَ مَا اِسْتَطَعْتُمْ)[٧] – هو: (إِرَادَةُ اَلرَّبِّ فِي مَقَادِيرِ أُمُورِهِ تُهْبَطُ إِلَيْكُمْ وَتَصْدُرُ مِنْ بُيُوتِكُمْ)[٨]. وفي قولنا: إرادة الرب، ننفي الغلو ونبين أن يداه سبحانه مبسوطتان خلاف قول اليهود: (يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ)[٩]، فهو حاكم أبدي سرمي كان ولا زال وإرادته هي الحاكمة أبدا. وقد شاء أن يرى الحسين (ع) قتيلا فاستسلم، وأن يرى زينب (س) سبية، فاستسلمت. وفي قولنا: تصدر من بيوتكم، نعلم أن المعصوم عندما يتكلم، إنما هو الناطق عن الله عز وجل وهو مجرى إرادة رب العالمين، ومظهر أسمائه الحسنى وإلى آخر ذلك.

ولا يعني ذلك أنه لا حق له في التدخل وتغيير المقدرات. لقد أعطى رب العالمين للمعصوم الحق أن يسأله تغيير المقدرات. فلا يقولن قائل: إنني شقي وانتهى الأمر. بل خاطب الإمام (عج) وقل له في ليلة القدر: إنني إن كتبت من الأشقياء، فهذا قضاء مبرم وقد جف القلم بما هو كائن، ولكنك يا مولاي فوق كل ذلك. فإذا سأل الإمام (عج) ربه تغيير ذلك، فسوف يتغير كل شيء كما تغير الحر بن يزيد بنظرة من الحسين (ع) وصل مداها إلى عمقه.

ساسة العباد شاءوا أم أبوا…!

من مقاماتهم أنهم: (سَاسَةَ اَلْعِبَادِ)[١٠]، لو اكتفى المعصوم بأن يكون زاهدا عابدا متخذا الدين وسيلة للترهبن والعبادة لما تعرض لهم الطغاة. لو جلس الحسين (ع) في المدينة عند قبر جده (ص) يتلو القرآن، لما فعل به يزيد ما فعل. لقد كان سائسا من ساسة العباد وحاكما يحمل هم الإصلاح في قلبه. وفي هذه الصفة ينبغي أن يتأسى بهم شيعتهم، وأن يكون من همهم، إصلاح الناس وإنقاذهم من الحيرة. أن تكون عابداً في زاوية أو أن تكون صاحب ختمة ووردٍ فليس هذا سبيل أئمة أهل البيت (ع). إن أمير المؤمنين (ع) كان يغشى عليه من جلال الله عز وجل في الليل إلى درجة يظنه من رآه ميتا، وله ما له من المناجاة المعروفة في ظلم الليالي ولكنه كان في النهار يحصد رئوس المارقين والناكثين والقاسطين. إن أئمتنا (ع) هم رهبان الليل وأسود النهار.

قلبه مع الرب ولسانه ينطق بالحكمة للناس

من الفقرات التي وردت في المناجاة الشعبانية التي كان يلهج بها كل الأئمة (ع) والتي ينبغي أن يطلبها من الله عز وجل كل واحد منا، قوله (ع): (إِلَهِي وَاِجْعَلْنِى مِمَّنْ نَادَيْتَهُ فَأَجَابَكَ وَلاَحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلاَلِكَ فَنَاجَيْتَهُ سِرّاً وَعَمِلَ لَكَ جَهْراً)[١١]. أي أن يناجي قلبك ويتكلم لسانك مع الناس؛ اللسان الذي تنفجر منه ينابيع الحكمة. نعم، إن المؤمن صموت ساكت ولكنه إذا تلكم انعكس نور باطنه على اللسان. بعبارة أخرى يُمكننا القول: أن علاقة المعصوم بربه هي أرقى علاقة وشفقته على الخلق أرقى شفقة. ماذا قال أمير المؤمنين (ع) عندما سمع باعتداء على ذمية في بلاد المسلمين؟ ألم يقل (ع): (فَوَ اَللَّهِ لَوْ أَنَّ اِمْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِنْ هَذَا أَسَفاً مَا كَانَ عِنْدِي مَلُوماً بَلْ كَانَ بِهِ جَدِيراً)[١٢]؟ فإذا كانت هذه شفقته على ذمية، فكيف هي شفقته على المسلمة؟ فكيف إذا كانت مؤمنة؟ فإن لم يكن أحدنا شفيقا رفيقا رحيما هو بعيد عن أمير المؤمنين وعن ذريته (ع).

كيف أكسب معرفة الأئمة (عليهم السلام)؟

فمن موحبات تحول الإيمان البسيط المتعارف الى إيمان مركب متميز، المعرفة بمقاماتهم (ع). اقرأ الكتب المرتطبة واجلس تحت أعواد المنابر وهذا هو الطريق الطبيعي لكسب هذه المعرفة. ولكن لا تنسى ما تقوله في التعقيب: (اَللَّهُمَّ عَرِّفْنِي نَفْسَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لَمْ أَعْرِفْكَ وَ لَمْ أَعْرِفْ رَسُولَكَ اَللَّهُمَّ عَرِّفْنِي رَسُولَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي رَسُولَكَ لَمْ أَعْرِفْ حُجَّتَكَ اَللَّهُمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي)[١٣]. أي يا رب، أريد معرفة إشراقية بعد هذه الصلاة التي صليتها على أمل أن تقذف في قلبي نور الإيمان. وسل الله هذه المعرفة عند الضريح، فهي أجل دعوة.

ماذا تطلب بعد البكاء عند الضريح؟

فإذا بكيت عند الضريح إلى حد الإغماء فسل بعده أولا: فرج إمام زمانك (عج)، وسل ثانيا: هذه المعرفة. لا تطلب الشفاء أولا وإن كنت محملا بالأسقام والآلام من رأسك إلى أخمص قدميك؛ فهذه المعرفة أهم من الشفاء الظاهري. إذا مات الإنسان انقطعت آلامه الجسدية ولا فرق بعد الموت بين جسد سليم وآخر سقيم، ولكن شتان بين من يذهب بهذه المقامات وبين من يخرج صفر اليدين منها. اطلب من الحسين (ع)، النظرة التي نظر بها (ع) إلى الحر فختم حياته بالشهادة بعد لحظات منها. قل: يا أبا عبد الله، أنا أسير الشهوة والغضب والوهم، فاجعلني حرا بما لهذه الكلمة من معنى. فإذا أُطلق سراحك وخرجت من أسر مثلث الشر هذا، عندها تستطيع أن تكون وجوداً فاعلاً مباركاً أينما كنت. فإن صرت أباً، كنت أباً مباركاً، وإن صرت زوجاً، كنت زوجاً مباركاً، وإن صرت أماً، كنت أماً مباركة وإلى آخر ذلك.

[١] سورة القيامة: ١٤-١٥.
[٢] مجموعة ورّام  ج٢ ص٢٩.
[٣] سورة القيامة: ٢٢-٢٣.
[٤] بقيع الغرقد في دراسة شاملة، الأميني، محمد أمين، ج ١ ص ٩٥.
[٥] المحاسن  ج١ ص١٣١.
[٦] مفاتيح الجنان.
[٧] اثبات الهداة  ج٥ ص٣٩٤.
[٨] كامل الزيارات  ج١ ص١٩٧.
[٩] سورة المائدة: ٦٤.
[١٠] مفاتيح الجنان.
[١١] زاد المعاد  ج١ ص٤٧.
[١٢] دعائم الإسلام  ج١ ص٣٩٠.
[١٣] جمال الأسبوع  ج١ ص٥٢١.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إذا كان من اعتدل يوماه مغبون، فكيف بمن اعتدلت سنتاه؟ لا يقولن قائل: لقد وُفقت بحمدلله للحج والعمرة في شهري رجب وشعبان أو وُفقنا للزيارة مشيا في الأربعين، بل ليقل: ما الجديد فيها؟ العوام من الناس يفرحون بتكرار الأعمال وأولياء الله يفرحون بالعمل إذا كان متميزا عن سابقاته.
Layer-5.png