• ThePlus Audio
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

كيف تكون في عداد الخاشعين؟

بسم الله الرحمن الرحيم

مصادر علم الإمام

إن حديث الأئمة (ع) هو حديث جدهم المصطفى (ص)، فقد نهلوا من نميره وأخذوا العلم منه. فعندما يروي أحد الأئمة (ع) رواية ليس بالضرورة أن ينسبها إلى أبيه، وبإمكانه أن يقول: قال رسول الله (ص) من دون واسطة بينه وبين جده (ص). ونحن لا نحيط علما بعلم الأئمة (ع)؛ كيف هو؟ وما هو مصدره؟ وغير ذلك. ولكن ينبغي أن نعلم إجمالا؛ أن لهذا العلم مصادر وروافد منها: ما وصل إليهم من جدهم المصطفى (ص)، فقد فتح لأمير المؤمنين (ع) ألف باب من العلم ونقل أمير المؤمنين (ع) تلك العلوم إلى أبنائه (ع). ومنها ما يُلقى في روعهم أو يصل إليهم عبر ملك موكل بهم؛ إذا لم تنقطع صلة المعصوم بعالم الغيب. فيُمكن القول: إن علومهم كلها تنتهي إلى عالم الغيب وهذا من المسلمات.

رواية عاطفية

وهذه الرواية التي نحن بصددها عن الإمام موسى بن جعفر (ع)، هي وصيته لهشام بن الحكم ويروي هذه الكلمة فيها عن جده أمير المؤمنين (ع) من دون واسطة ويقول: (قَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ: إِنَّ لِلَّهِ عِبَاداً كَسَرَتْ قُلُوبَهُمْ خَشْيَتُهُ فَأَسْكَتَتْهُمْ عَنِ اَلْمَنْطِقِ وَإِنَّهُمْ لَفُصَحَاءُ عُقَلاَءُ)[١]. وهذه الوصايا بصورة عامة فيها البعض من الفقرات العلمية التأملية العقلانية، وفيها البعض من الفقرات التي تحمل زخما عاطفيا، ورقة يجدها صاحب القلب الرقيق.

الخوف من النار أم الخوف من مقام الله؟!

إن عباد الله الصالحين، قد اجتازوا بعض المراحل كالخوف من نار جهنم، فهم يخشون هذه النار، ولكن خشيتهم وخوفهم من مقام الله عز وجل أعظم وأكبر وهذه صفة من صفات الملائكة التي ذكرها سبحانه في كتابه فقال: (وَهُم مِّنۡ خَشۡيَتِهِۦ مُشۡفِقُونَ)[٢]. والملائكة من أكثر الموجودات خشية بين يدي الله عزوجل والحال أن الملك لا يعصي ربه ولا يخاف من النار ولكنهم ترتعد فرائصهم من خشية الله وهم من هيبة الله مشفقون. إنهم يرون التجليات الإلهية العميقة ويرون الله عز وجل في مقام الهيبة والجلال والجمال، فتخشع قلوبهم باستمرار، لاستمرار هذه التجليات.

اعترف بهذه النعمة…!

قد يفتح الله عز وجل للمؤمن باباً من أبواب الأنس بعالم الغيب، فيتوقع استمرار ذلك على وتيرة واحدة. إن بعض المقامات مختصة بالأنبياء والأوصياء (ع)، فلا تتوقع أن تكون على حالة واحدة ليلك ونهارك. فحتى كبار العارفين بالله عز وجل، تمر عليهم فترات تكون فيها قلوبهم كالخرقة البالية وكالحجر الأصم. ولعدم استمرار هذه الحالة أسباب بالطبع، منها: أولاً: التقصير في المحافظة على هذه الحالة. ينبغي أن تعلم أن هذه الحالات من منن الله على العبد؛ فهو إن مد الملايين في هذه الأرض بالأموال والبلاد الجميلة، كما يفعل مع سكان النصف الشمالي من الكرة الأرضية، حيث أعطاهم سبحانه أجمل البلاد وهم ثراء منا؛ بل متسلطون علينا، وهم ألد أعداء الله عز وجل، إلا أنه أعطاك هذه الحالات التي لا تضاهيها نعمة على وجه الأرض. ولذا تحتاج إلى اعتراف بهذه المنة وشكر بليغ.

لا تبرح المكان لحين تفريغ الشحنة…!

فإذا أتتك هذه الرقة في حالة من الحالات، لا تتحول عنها. فإذا كنت أمام الضريح المقدس على سبيل المثال في حرم الكاظمين أو في السجود، وأتتك رقة ونفحة، فلا تبرح المكان ولا تستعجل الخروج لكي تدرك غداء أو عشاء إلى أن تنتهي هذه الحالة وتفرغ هذه الشحنة.

وإذا اعترت الإنسان هذه الرقة الباطنية، فلن يشبعه شيء في هذه الدنيا، وسيزهد في كل متع الدنيا وترخص أمام هذه المتعة الباطنية. ولهذا تجد المؤمن بقلب منكسر، ولا يُكثر من الضحك والمزاح، لوجود خيط الحزن هذا في وجوده والذي لا يفارقه أبدا. إنه دائم الحزن لسببين؛ إذا ذهبت الرقة حزن على فراقها، وإذا جائت الرقة خاف من ذهابها. ولكنه لا يظهر هذا الحزن لما روي: (بُشْرُهُ فِي وَجْهِهِ وَحُزْنُهُ فِي قَلْبِهِ)[٣].

هذا ونرى البعض من الناس لا يُحب الحزن أن يمر به أبدا، فسرعان ما يلجأ إلى العقاقير التي تذهب عنه الحزن، ويسارع إلى مجالس البطالين إذا وجد في قلبه انقباضا لشيء من أمور الدنيا. وهذا الحزن بالطبع، فاقد للقيمة، وهو عذاب في الدنيا وخسارة في الآخرة. إن الحزن القيم هو الحزن الذي يكون لفقدات المعاني السامية.

ولهذا تجد المؤمن من أسرع الناس دمعةً. ومن المعروف أن الدمعة تسيل على الخدين؛ ولكن يصل الأمر بالبعض من المؤمنين أن تقفز الدمعة من عينيه عند البكاء. انظروا إلى قوة اندفاع الدمعة في وجوده. وقد كان النبي وآل النبي (ص) يبكون بأقل موجب للبكاء، فقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال لمن قال له: أسرع الشيب إليك يا رسول الله: (شَيَّبَتْنِي هُودُ)[٤]. ونحن نقرأ سورة هود عشرات المرات، ولا تحرك فينا ساكناً…! إننا نشيب عند فقد العزيز ولكن النبي (ص) شيبته هذه الآية: (فَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطۡغَوۡاْۚ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرࣱ)[٥]، إذ أن الأمر بالاستقامة أمر خطير.

ماذا فعل هذا الرجل حتى قطع الإمام (عليه السلام) صلته به؟

إن البعض منا يُبتلى ببلية لا يجد لها سببا، وهو يشرق ويغرب بحثا عن أسباب هذه المصيبة وهو لا يعلم أن الحل بيده. والبلية هي أن تكسر قلب ولي من أولياء الله عز وجل. بل إياك أن تبتلى بكسر قلب حيوان، فقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (دَخَلَتِ اِمْرَأَةٌ اَلنَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خِشَاشِ اَلْأَرْضِ.)[٦] وهذه الرواية وإن كانت بحاجة إلى تحقيق سندي، إذ كيف تدخل امرأة إلى النار بسبب هرة، إلا أنها تكشف عن نهي شديد عن الإساءة حتى إلى الحيوان.

وقد قطع الإمام زين العابدين (ع) – وهو مظهر الرأفة والرحمة – صلته برجل نفّر غزالا كان قد دنى من السفرة التي كانوا يجلسون عليها يتقمم، وقال له: (أَخْفَرْتَ ذِمَّتِي – لاَ كَلَّمْتُكَ كَلِمَةً أَبَداً.)[٧] فكيف إذا كسرت قلب مؤمن؟ فكيف إذا كان وليا من أولياء الله؟ وعندما نتحدث عن الأولياء لا نعني بالضرورة أولئك الذين يشار إليهم بالبنان، ومراجع التقليد والمجتهدين؛ فقد يكون الولي في ثوب إنسان تحتقره. فلا ينبغي أن يحتقر الإنسان ذنباً، فلعله هو المهلك؛ ولا يحتقر طاعة، فلعلها هي المنجية؛ ولا يحتقر مؤمنا فلعله من أولياء الله عز وجل.

إذا أردت أن تنتكس في حياتك، فافعل هذا…!

لقد أتاني طالب من طلبة العلم وقال لي: لقد ابتليت بإهانة أحدهم وذهب ولم أجده بعدها، ولكن ساءت أموري بعد ذلك وانقلبت رأسا على عقب. فإذا رأيت انقلاباً في التجارة أو في الرزق أو في التوفيق، فلعل هذا سبب من الأسباب وأنت لا تعلم. ثم قال لي طالب العلم هذا: توسلت إلى الله عز وجل مدة مديدة، وقلت: يا رب، أرني وليك هذا، فرأيته في إحدى الأماكن وغاب عن بصري ثم بعد التوسل الشديد رأيته وقلت له: يا فلان، أبرئني الذمة، فقد أهنتك في ذلك اليوم. يفقال له الولي: لا أسامحك..!. اذهب وتعال لي بعد فترة. وجعل صاحبنا يغلي غليانا مضاعفا إلى ذلك الحين الذي التقى به مرة أخرى وقال له: اذهب ولا تكررها، فقد سامحتك…! يبدو أنه لم يكن يريد أن يكون عفوه رخيصا، ليعلم طالب العلم قدر ذلك العفو عنه.

وقد رأيت في المشاهد الشريفة، من لا أتوقع فيهم مقاماً، فوجدت في البعض من هؤلاء العوام مقاماً من المقامات ما وجدته حتى في كثير من العلماء المعروفين. إن الرجل تجده فلاحا أو عاملا بسيطا، فتعرف من كلامه، أنه قد وصل إلى عمق الكتب الأخلاقية وإلى مضامين تلك الكتب التي نكتفي نحن منها بالقراءة. ولا يمكن تمييز هؤلاء من بين الناس، ولذلك نقول: إياك أن تتورط في عبد منكسر القلب، لما روي: (أَنَا عِنْدَ اَلْمُنْكَسِرَةِ قُلُوبُهُمْ)[٨]

والخاشع لا يحتاج إلى من يوصيه بالسكوت، بخلاف البعض الذي يوصف بمن يحمل في باطنه إذاعة، لو سكت لمات قهرا وكمدا. فهو يتكلم لينفس ما في جوفه ولا يرعى حرمة حتى في المشاهد المشرفة، فتراه يخوض في الباطل ويغتاب عند الضريح…! وهذا وصف الخاشعين المروي عن الإمام موسى بن جعفر (ع): (فَأَسْكَتَتْهُمْ عَنِ اَلْمَنْطِقِ وَإِنَّهُمْ لَفُصَحَاءُ عُقَلاَءُ). فليس صمتهم لعي في ألسنتهم، فلو خطب أحدهم لما استطاع خطيب أن يجاريه. وإذا تكلم مع أحد، فإنه يمن عليهم من وقته منة. والحديث هو من عمر الإنسان ولا ينبغي أن يكون في غير محله.

لقد روي عن الإمام موسى بن جعفر (ع) أنه قال في وصيته لهشام: (يَا هِشَامُ أَوْحَى اَللَّهُ تَعَإلى إلى دَاوُدَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قُلْ لِعِبَادِي لاَ يَجْعَلُوا بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ عَالِماً مَفْتُوناً بِالدُّنْيَا فَيَصُدَّهُمْ عَنْ ذِكْرِي وَعَنْ طَرِيقِ مَحَبَّتِي وَمُنَاجَاتِي أُولَئِكَ قُطَّاعُ اَلطَّرِيقِ مِنْ عِبَادِي إِنَّ أَدْنَى مَا أَنَا صَانِعٌ بِهِمْ أَنْ أَنْزِعَ حَلاَوَةَ مَحَبَّتِي وَمُنَاجَاتِي مِنْ قُلُوبِهِمْ)[٩].

قد يقرأ الإنسان الكثير من الكتب، وتختمر تلك الكتب والموسوعات في ذهنه، فالبعض من الناس له قدرة على الحفظ قوية، فهو يستمع إلى قصيدة لمرة واحدة، فيحفظها عن ظهر قلب. ومع ذلك يكون فصيح اللسان، بليغ الكلام. ونجد الكثير من هؤلاء في تاريخ العرب، حيث كانوا يهجون بعضهم البعض بأنواع الهجاء. ولا قدسية للذاكرة القوية والعقلية الفذة التي يوصف صاحبها بالنابغة، ولا للسان الفصيح الذي إذا قال بذ القائلين، ولكن القدسية في النور الذي يقذفه الله في قلب من يشاء. فقد ورد في حديث عنوان: (لَيْسَ اَلْعِلْمُ بِكَثْرَةِ اَلتَّعَلُّمِ وَإِنَّمَا هُوَنُورٌ يَقْذِفُهُ اَللَّهُ تَعَإلى فِي قَلْبِ مَنْ يُرِيدُ اَللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ)[١٠].

طبيب يداوي الناس وهو مدخن…!

فأما العالم الذي لا يعمل بما يقول، فهو كالطبيب الأخصائي في أمراض الرئتين الذي يتحدث عن أضرار التدخين وهو بين الفينة والفينة ينفث الدخان في الهواء من سيجارته التي يحملها بيده. أليس هذا مشهد مضحك؟ والعالم الذي لا يعمل بما يقول، مسكين مفتون بالدنيا. وليس بالضرورة أن يكون مفتونا بجميع متع الدنيا التي وصفها سبحانه في قوله: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٰتِ مِنَ ٱلنِّسَآءِ وَٱلۡبَنِينَ وَٱلۡقَنَٰطِيرِ ٱلۡمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلۡفِضَّةِ وَٱلۡخَيۡلِ ٱلۡمُسَوَّمَةِ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ وَٱلۡحَرۡثِ)[١١]؛ فقد يُحجب القلب عن الله عز وجل بالتعلق بمتعة من متع الدنيا أو بشيء من حطامها، قد تكون السبحة التي في يدك. فأنت عاشق الدنيا ما دام قلبك في هذه السبحة، وهو قلب ملوث. إننا نرى البعض يطوف حول الضريح وبيده سبحة من حجر كريم، وعينه على الإمام من جانب وعلى سبحته لئلا تؤخذ منه مثلا.

شهيد الحمار

هل يشك أحد في عظمة القتال في ركاب النبي الأعظم (ص) وفي قدسية تلك الحرب التي يحمل فيها لواء رسول الله (ص) أمير المؤمنين (ع)؟ ولكن هناك مسكين في جيش النبي (ص) لم تكن عينه على النساء ولا على البنين ولا على المزرعة ولا على قطيع من الإبل، وإنما كانت عينه على حمار…! فكان يقاتل لكي يأخذ الحمار غنيمةً، ولكن خانه القضاء والقدر وقتل قبل أن يصل إلى بغيته، فسمي شهيد الحمار. ونجد الكثير من هؤلاء في زماننا وبيننا. ترى الرجل يشتري دابة من حديد، فيولي من الاهتمام أكثر ما يولي الزوجة والأولاد.

أنزع منهم حلاوة ذكري…!

إن الله عز وجل يوصف بالمتكبر ولكن ما هو معنى المتكبر؟ هل هو معنى سلبي؟ كلا، المتكبر هو الذي لا يجعل محبته في قلب متعلق بشيء من متاع الدنيا كهذا الذي قد تعلق بسبحته أو ذاك الذي أصبح قلبه وعاء لدابته. إن الله عز وجل أجل من أن يحل في قلب قد امتلأ بحب الدنيا. إن الله سبحانه قد جعل محبته في قلوب الأنبياء والمرسلين، فمن أنت وما وزنك أيها الصعلوك الذي امتلأ قلبك بحب الدنيا أن يجعل الله فيه شيئا من حبه؟

فماذا يفعل الله سبحانه بهذا العالم المفتون بكتبه وبمنبره ومن عينه على الجمهور والمريدين؟ (إِنَّ أَدْنَى مَا أَنَا صَانِعٌ بِهِمْ أَنْ أَنْزِعَ حَلاَوَةَ مَحَبَّتِي وَمُنَاجَاتِي مِنْ قُلُوبِهِمْ)[١٢]، وثمة عقوبات لم يذكرها الإمام (ع) لهشام وإنما ذكر الأدنى من العقاب. إن أدنى العقوبات هي لعمري أعظم المصيبات. إنها الكارثة الكبرى أن يناجي الإنسان ربه في صلاته وفي ليالي القدر وفي الطواف بعد أن رزقه الله الحج بعد عمر مديد وصبر طويل، فيجد قلبه كالحجر الصلد.

لا تتبع قطاع الطرق

لقد رأيت بعض المساكين في يوم عرفة بعد الزوال، مستلقيا نائماً إلى غروب الشمس، وليس له حتى مزاج قراءة دعاء الحسين (ع) في يوم عرفة. فهو في ذلك اليوم يتناول طعاماً ثقيلاً كباقي الأيام، ثم ينام إلى المغرب ويركب الدابة إلى مزدلفة. كم هذا مسكين أن تكون هذه حالته وقد وصل إلى عرفة بعد جهد جهيد؟

وفي هذه الرواية، نرى إصبع الملامة متوجها إلى الناس أنفسهم، فهم الذين يجعلون بينهم وبين ربهم عالما مفتونا بالدنيا. لماذا تجعل قلبك وفكرك بيد المزيفين من العلماء؟ يأتينا من ينادي: يا لله، ويا للمسلمين، وامصيبتاه، لقد ذهب ديني ودنياي. فنقول له: لم؟ فيقول: اتبعت مزيفاً قاطع طريق…!

كيف نعلم العالم الحقيقي من المزيف؟

أولا: لا ينبغي أن تتبع أحداً من غير دليل. إن الله عز وجل لم يأمرنا باتباع الأنبياء إلا بعد إتيانهم بالمعاجز، فكيف تتبع من لا دليل على اتباعه؟ وكيف تصدق وتؤمن به وأنت لا تعرفه؟

ثانيا: لماذا تتبعه في كل شيء؟ إذا نطق بما لا يطابق الموازين، فاضربه وكلامه عرض الحائط. لقد نزلت عن المنبر ذات يوم بارد، وعادة ما ينزل الخطيب من المنبر وجسمه قد تعرق، فغطيت وجهي، فالتقى بي أحدهم وقال لي: هل تأمرنا يا شيخ بأن نغطي وجهنا جميعا؟ قلت له: يا فلان، إنها حالة خاصة، وقد غطيت وجهي اتقي البرد أن يصيبني. ولولا أنني زجرته لغطى وجهه حتى في الصيف الحار…! لماذا هذا التعبد؟ لماذا هذه التبعية العمياء؟ قلت له: اتبع ما يجوز الاتباع فيه، ولا داعي أن تقد كل ما تراه.

لابد من الرجوع إلى المراجع

ثالثا: نحن لا نأخذ الدين إلا من مراجع التقليد. هل نأخذ ديننا من الأئمة (ع)؟ كلا، هم ليسوا بيننا. هل نأخذ الدين من الروايات؟ كلا، فنحن لا نعلم الصحيح من غيره ولا نعلم المتعارضات ولا نعلم كيف نتعامل مع الرواية إذا خالفت الكتاب والإجماع وإلى آخر ذلك. فليس لنا بد من الرجوع إلى المجتهد الذي يلعب دور الوسيط. فإذا رأيت إنساناً يحيي الميت بين يديك كعيسى بن مريم (ع) وسألته عن مرجعه فقال لك: إنني أقلد نفسي، فاضرب به عرض الجدار. فأنت إما أن تكون محتاطاً أو مجتهداً أو مقلداً، فإذا كنت الرابع، كنت الهالك.

هؤلاء حجج الله في زمان الغيبة

إن مراجعنا العظام هم حجج الله علينا في زمان الغيبة. أو تعلم كم تخلصك هذه العبارة في أول الرسالة العملية: (العمل بهذه الرسالة مبرئ للذمة إن شاءالله). هل يستطيع غير الفقيه أن يقول هذه الكلمة؟ لو رأيت أحداً غير الفقيه، يقول هذه المقالة؛ فاعلم أنه من أفسق خلق الله. ماذا ستجيب ربك يوم القيامة إذا اتبعت غير الفقيه؟ ماذا تجيب إمامك جعفر بن محمد الصادق (ع)؟

فلا تصدق كل أحد واتبع الدليل وكن عاقلا، وسل الله عز وجل أن يبصرك ولا تتبع الكرامات وخوارق العادات. رأيت عالما قد جاء من الهند ينقل لنا الأعاجيب عن أناس هم في قمة القذارة، ولكن يأتون بالخوارق. أفنتبع كل من قام بأمر خارق؟ هل نتبع عابد الفئران لأنه يأتي بالخوارق والأعاجيب؟ هل هذا هو الدليل والبرهان؟ أليس سبحانه يقول: (قُلۡ هَاتُواْ بُرۡهَٰنَكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ)[١٣]؟ ألم يصف سبحانه سحر سحرة فرعون بالسحر العظيم؟ فإن اشتبه عليك الأمر، فزر الحسين (ع) وثل تحت القبة الشريفة عند الرأس إن كنت متحريا عن أمر وقل: يا رب، بحق الحسين (ع) أخرجني من حيرتي.

[١] تحف العقول ج١ ص٣٨٣.
[٢] سورة الأنبياء: ٢٨.
[٣] بحار الأنوار  ج٦٤ ص٣١٠.
[٤] تفسير نور الثقلين  ج٥ ص٤٨٧.
[٥] سورة هود: ١١٢.
[٦] مستدرك الوسائل  ج٨ ص٣٠٣.
[٧] كشف الغمة  ج٢ ص١٠٩.
[٨] منیة المرید  ج١ ص١٢٢.
[٩] تحف العقول  ج١ ص٣٨٣.
[١٠] منیة المرید  ج١ ص١٦٧.
[١١] سورة آل عمران: ١٤.
[١٢] بحار الأنوار  ج ١  ص ١٥٤.
[١٣] سورة البقرة ١١١.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن مراجعنا العظام هم حجج الله علينا في زمان الغيبة. أو تعلم كم تخلصك هذه العبارة في أول الرسالة العملية: (العمل بهذه الرسالة مبرئ للذمة إن شاءالله). هل يستطيع غير الفقيه أن يقول هذه الكلمة؟ لو رأيت أحداً غير الفقيه، يقول هذه المقالة؛ فاعلم أنه من أفسق خلق الله.
  • نحن لا نأخذ الدين إلا من مراجع التقليد. هل نأخذ ديننا من الأئمة (ع)؟ كلا، هم ليسوا بيننا. هل نأخذ الدين من الروايات؟ كلا، فنحن لا نعلم الصحيح من غيره ولا نعلم المتعارضات ولا نعلم كيف نتعامل مع الرواية إذا خالفت الكتاب والإجماع وإلى آخر ذلك. فليس لنا بد من الرجوع إلى المجتهد.
  • لا ينبغي أن تتبع أحداً من العلماء من غير دليل واضح وبرهان ساطع. إن الله عز وجل لم يأمرنا باتباع الأنبياء إلا بعد إتيانهم بالمعاجز، فكيف تتبع من لا دليل على اتباعه؟ وكيف تصدق وتؤمن به وأنت لا تعرفه؟ ماذا ستجيب الله يوم القيامة إن سألك عن دليلك؟
  • فماذا يفعل الله سبحانه بهذا العالم المفتون بكتبه وبمنبره ومن عينه على الجمهور والمريدين؟ (إِنَّ أَدْنَى مَا أَنَا صَانِعٌ بِهِمْ أَنْ أَنْزِعَ حَلاَوَةَ مَحَبَّتِي وَمُنَاجَاتِي مِنْ قُلُوبِهِمْ)وثمة عقوبات لم يذكرها الإمام (ع) لهشام. إن أدنى العقوبات هي لعمري أعظم المصيبات.
  • الخاشع لا يحتاج إلى من يوصيه بالسكوت، بخلاف البعض الذي يوصف بمن يحمل في باطنه إذاعة، لو سكت لمات قهرا وكمدا. فهو يتكلم لينفس ما في جوفه ولا يرعى حرمة حتى في المشاهد المشرفة، فتراه يخوض في الباطل ويغتاب عند الضريح…!
Layer-5.png