- ThePlus Audio
كيف تصل إلى المقامات المعنوية بالحسين (عليه السلام)؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الإقامة القلبية عند الحسين (عليه السلام)؟!
من الأمور التي يهتم بها زائر الحسين (ع)، أن يجعل زيارته مقدمة للإقامة عند الحسين (ع). ولا أعني بالإقامة، الإقامة البدنية كما يقيم أهل كربلاء في تلك الأرض المقدسة؛ وإنما أعني بالإقامة هنا، الإقامة القلبية. بعبارة أخرى: الإقامة القلبية هي أن تخرج من عند الحسين (ع) ببدنك ويبقى قلبك عنده ويستقر هناك ولا يرجع معك إلى الوطن…!
ماذا أفعل بالإدبار في مشهد الحسين (عليه السلام)؟
يتفق أن يكون الزائر في قمة الخشوع والبكاء في الطريق إلى المشهد الشريف، فإذا ما وصل إلى الضريح انطفئ الشوف من دون أن يعلم سببه. هذا وقد كان في الطريق متفاعلا يقطع المسافات على أمل التفاعل الكبير عند قبر الحسين (ع)، ولكنه عندما يصل إلى القبر الشريف، تخفت النار المتأججة في قلبه.
تصفية النفس والاستغفار قبل الدخول إلى الروضة
وهنا لابد من تصفية النفس والاستغفار قبل الدخول إلى الروضة الشريفة. فقد تكون هذه الحالة عقوبة من الله عز وجل كما نقرأ في مناجاة الإمام زين العابدين (ع) في أسحار شهر رمضان المبارك: (إلهي لاَ تُؤَدِّبْنِي بِعُقُوبَتِكَ)[١]. فادع الله عز وجل وقل: يا رب، إن كنت معاقبي فلا تعاقبني في يوم عرفة ولا في ليالي القدر ولا في زيارة الحسين (ع) ولا تؤاخذني بسيئاتي هنا ولا تختم على قلبي. لا يكن هذا الختم بجوار قبر الحسين (ع)، فهذا مما لا أتحمله ومما لا أتوقعه. كيف تختم على قلبي وأنا أقطع المسافات لأيام وليال وأتحمل الحر والبرد والمرض والأذى، والأرجل المنتفخة وإلى آخره، ثم أدخل الحرم وقلبي كالخشبة اليابسة؟
وكثيرا ما يشتكي الزائرون من هذا الإدبار وهذه القسوة، فيقولون: كنا في أرض الوطن نتوقع انقلابا في الحال في حرم الحسين (ع) ودموعا عزيرة وبكاء مريرا، ولكننا وصلنا إلى الضريح، فلم نجد شيئا مما توقعناه. ولذا لابد من أن تهيئ نفسك قبل الدخول إلى الحرم والشريف وتذكر قول الله عز وجل: (وَسَقاهُم رَبُّهُم شَرابًا طَهورًا)[٢]؛ أي طهرهم مما سوى الله عز وجل كما ورد ذلك في الروايات الشريفة. فسل الله عز وجل أن يخصك بنظرة إلهية وبشراب طهور وأنت عند ذلك القبر الشريف.
ماذا أفعل في الحرم الحسيني؟
ومن الناس من يحتار فيما ينبغي له فعله في الحرم الشريف، ولهؤلاء أقول: لا تنسى هذه الصلاة التي ذُكرت في أكثر من مناسبة، والتي تُعرف بصلاة زيارة الحسين (ع) والتي يُستحب القيام بها عند الرأس الشريف. وتقرأ في هاتين الركعتين سورة ياسين قلب القرآن وسورة الرحمن عروس القرآن. ولهذه الصلاة خصوصية يعرفها أهلها، خاصة قول الله عز وجل: (سَلَٰمٞ قَوۡلٗا مِّن رَّبّٖ رَّحِيمٖ)[٣]. من التفت إلى هذه الآية، وصل إلى مقام السلام والأمن والأمان والاطمئنان الدائم الخاص بفئة معينة، لا السلام الذي يكون حتى مطلع الفجر والذي يشمل جميع المؤمنين.
المزايا التي يتحف الله بها زوار الحسين (عليه السلام)
إن من المزايا التي يتحف الله بها زوار الحسين (ع) بالإضافة إلى أنهم مشمولون بالشفاعة، هم يشفعون لمن أحبوا أيضا. وبالطبع إننا نتحدث عن الزائر الذي قبل الله زيارته. إن الحسين (ع) شافع مشفع وأبوه أمير المؤمنين (ع) شافع مشفع أيضا وزائر الحسين (ع) ببركة هذه الزيارة يتحول إلى شافع مصغر، إذ أن الشفاعة الكبرى هي للنبي ومن بعده لآله (ص). وأن تحظى يوم القيامة بمقام الشفاعة، هو ما روي عن الإمام الصادق (ع)، حيث قال: (يُنَادِي مُنَادٍ أَيْنَ زُوَّارُ قَبْرِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَيَقُومُ أُنَاسٌ كَثِيرٌ فَيُقَالُ لَهُمْ خُذُوا بِيَدِ مَنْ أَحْبَبْتُمْ اِنْطَلِقُوا بِهِمْ إِلَى اَلْجَنَّةِ)[٤].
لا تبخل على نفسك بزيارة الحسين (عليه السلام)
فلا تبخل بزيارة الحسين (ع) ولو في السنة مرة، فكيف بمن زاره أكثر من ذلك؟ إن من بركات الزيارة كما روي عن الإمام الصادق (ع) طول العمر في عافية وزيادة في الرزق وحياة سعيدة. ولذا يجد الزائر بعد زيارته انشراحا في الصدر وسعادة باطنية لا يجدها في أي مكان. إنني عندما أسمع بمؤمن مبتلى بمرض نفسي كالاكتئاب أو الوسواس القهري أو الاضطراب العصبي، أقول: أين أنت من هذه الزيارة؟ إن المؤمن أبعد ما يكون من هذه الاضطرابات النفسية التي تعالج بزيارة الحسين (ع). والإمام (ع) هو أكرم الكرماء، إذا أعطاك عطية لا يسلبها منك.
هذا وقد تكون للرجل مشكلة باطنية، فيزور الحسين (ع)، فينشرح قلبه ويتخلص من المعاصي ويزهد فيها أياما وليالي، ولكن سرعات ما يفقد هذه الحالة وتُسلب منه هذه النعمة بسوء اختياره. فحافظ على هذه النعم وسل الحسين (ع) عند الوداع، ألا تُسلب هذه الجوهرة الغالية؛ زيارة الأربعين. إنها بحق جوهرة غالية الثمن، فقد قطعت الطرق وأتعبت نفسك من أجل الحصول عليهاـ فلا تجعلها في معرض سرقة الشياطين، واطلب منه (ع) أن يحميها لك. فخاطب الإمام (ع) قائلا: يا مولاي، منك العطاء ومنك الحماية. فإذا تم لك ذلك، فقد نلت عطاء لا يزول أبد الآبدين.
الزيارة عن حب وشوق
وإذا زرت الحسين (ع)، فزره حباً وشوقاً، لما روي: (إِذَا كَانَ يَوْمُ اَلْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ أَيْنَ زُوَّارُ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَيَقُومُ عُنُقٌ مِنَ اَلنَّاسِ لاَ يُحْصِيهِمْ إِلاَّ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَيَقُولُ لَهُمْ مَا ذَا أَرَدْتُمْ بِزِيَارَةِ قَبْرِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَيَقُولُ يَا رَبِّ حُبّاً لِرَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَحُبّاً لِعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَرَحْمَةً لَهُ مِمَّا اُرْتُكِبَ مِنْهُ فَيُقَالُ لَهُمْ هَذَا مُحَمَّدٌ وَعَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَاَلْحَسَنُ وَاَلْحُسَيْنُ فَالْحَقُوا بِهِمْ فَأَنْتُمْ مَعَهُمْ فِي دَرَجَتِهِمْ اِلْحَقُوا بِلِوَاءِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَيَكُونُونَ فِي ظِلِّهِ وَهُوَ فِي يَدِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حَتَّى يَدْخُلُونَ اَلْجَنَّةَ جَمِيعاً فَيَكُونُونَ أَمَامَ اَللِّوَاءِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ وَمِنْ خَلْفِهِ.)[٥]
هل تريد قضاء الحوائج سريعا؟
ومن مزايا زيارة قبر الحسين (ع)، قضاء الحوائج. إن الإمام الصادق (ع) يعلمنا كيف نطلب من الحسين (ع) حاجتنا، من دون أن نقسم عليه بالأقسام الثقيلة، وبأخته الحوراء وغربتها وبما جرى عليها على سبيل المثال؛ بل يعلمنا أن نطلب ذلك بكل أدب. فقد روي عنه (ع) أنه قال: (مَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلْيَقِفْ عِنْدَ رَأْسِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَلْيَقُلْ – يَا أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّكَ تَشْهَدُ مَقَامِي وَتَسْمَعُ كَلاَمِي وَأَنَّكَ حَيٌّ عِنْدَ رَبِّكَ تُرْزَقُ فَاسْأَلْ رَبَّكَ وَرَبِّي فِي قَضَاءِ حَوَائِجِي فَإِنَّهَا تُقْضَى إِنْ شَاءَ اَللَّهُ تَعَالَى.)[٦] قل هذه الكلمات واعلم أن الأمر قد تم. سلم قضاء الحوائج إلى إمامك (ع)، فهو أدرى به وبوقت قضائها.
واعلم أنك إنما تطلب حوائجك من الله عز وجل وأنهم الوسيلة التي أمرنا الله باتخاذها، وأنه (ع) يسمع كلامك ويشهد مقامك ويردك سلامك، ولو كنت تمتلك أذنا برزخية ولو لم تستمع إلى الغناء والغيبة منذ بلوغك فلعلك كنت تسمع الجواب. ولكن أنى لطبلة الأذن الملوثة والمتسخة بالمعاصي أن تسمع الجواب الطاهر النير؟ لو كشف لك الغطاء، لسمعت ورأيت عجبا.
لا ترفعوا أصواتكم في محضر الحسين (عليه السلام)…!
وينبغي أن تكون في قمة الأدب عند الإمام (ع)، فلا ترفع صوتك بأي حال من الأحوال. يسألني البعض من المنتسبين في مشهد الحسين (ع)، عن أنهم يُجبرون أحيانا لرفع الصوت والتعامل بشيء من القسوة مع البعض من الزائرين وذلك لحفظ النظام، وهو أمر يستثقلوه كثيرا ويطلبون منه المخرج. إن يقف عند الضريح لإرشاد الزوار ونظمهم، عليه أن يكون مؤدباً، فهم في مسمع ومرآ من الإمام (ع)، ولا فرق في ذلك بين منتسب وزائر. فمن آداب الزيارة أن توقير خدمة الحسين (ع). إننا نرى أحيانا البعض من الزوار يتطاول على المنتسب بغير حق، وهذا يؤذي الإمام (ع) كما يؤذيه تطاول المنتسب على الزائر.
حذار من العودة بعد الزيارة إلى الوراء
ومن الأمور التي يحذرها الزائر هو أن ينتهي موسم الزيارة ويعود إلى ما كان عليه. إننا في موسم الزيارة وفي شهري محرم وصفر، نعيش حالات طيبة وتتنور قلوبنا بذكر الحسين (ع) ونلبس السواد في مصيبته، ولكن الخوف يعترينا من انتهاء هذا الموسم والمزايا التي نفتقدها، وتربص الشيطان بنا للانتقام وسلب ما اكتسبناه. لقد بكينا على الحسين (ع) شهرين وخدمنا في المواكب وذهبنا مشيا إليه، فندخل في ربيع الأول وننظر إلى القلوب فلا نرى فيها من هذه النفحات الحسينية والبركات شيئا.
ماذا نصنع إذن؟ سل الإمام (ع) في ساعة الوداع المسانخة وأن تكون قريبا منه وفي كفالته. إذا رق قلبك في إحدى الزيارات إلى الحسين (ع) بخلاف حالك في سائر الزيارات ورأيت قلبك يغلي شوقا بالرغم من صمتك الظاهري وجرت دمعتك ووصلت إلى الذروة الروحية، فأنت في أرقى حالاتك وساعتك تلك هي الساعة الذهبية التي ينبغي أن تدعو الله فيها وتخاطب الإمام (ع) قائلا: يا أبا عبدالله، سل ولدك المهدي (عج) أن يتكفلني وأن يأخذ بيدي. فهنيئاً لمن مسح الإمام (عج) على رأسه في زمان الغيبة ودعا له وقبله.
خلاصة المحاضرة
- ومن الأمور التي يحذرها الزائر هو أن ينتهي موسم الزيارة ويعود إلى ما كان عليه. إننا في موسم الزيارة وفي شهري محرم وصفر، نعيش حالات طيبة وتتنور قلوبنا بذكر الحسين (ع) ونلبس السواد في مصيبته، ولكن الخوف يعترينا من انتهاء هذا الموسم والمزايا التي نفتقدها، وتربص الشيطان بنا للانتقام.
- اعلم أنك إنما تطلب حوائجك من الله عز وجل عندما تطلبها من أئمتك (ع)، وأنهم الوسيلة التي أمرنا الله باتخاذها، وأن أي واحد منهم (ع) يسمع كلامك ويشهد مقامك ويردك سلامك، ولو كنت تمتلك أذنا برزخية ولو لم تستمع إلى الغناء والغيبة منذ بلوغك فلعلك كنت تسمع الجواب.