كيف أسيطر على غضبي؟
بسم الله الرحمن الرحيم
كيف أعالج غضب زوجي؟
من الدروس البليغة التي نتعلمها من سيرة الإمام المجتبى (ع) والتي هي ضرورية لكل البشرية هي مسألة ضبط الباطن، وبتعبيرنا الدارج؛ ضبط الأعصاب. لأن الإنسان عند الغضب يكون كمن سُلب عقله تماما كمن شرب المسكر. هذا ونرى البعض عندما يغضب؛ يتغير حتى شكله الظاهري، ويكون شكله شكل غير مألوف. إنني أذكر للمؤمنات، أنكن إذا رأيتن الزوج يغضب كثيرا؛ فيكفي في يوم من الأيام أن يأخذن له صورة في تلك الحال؛ فإذا ما سكت عنه الغضب أرينه الصورة، وقلن: هذه صورتك، وبهذه الطريقة كنت تتكلم. فلو كنت في محضر المرجع أو العالم أو في محضر إنسان وجيه، ما كنت فاعله؟ ألا تخشى من السقوط من عينه ومن إعراض الخلق؟ ولكن الزوجة المسكينة في خلوة الليل في غرفة النوم من لها؟
استغلال الشيطان للتراكمات والترسبات الروحية
لقد أصبح الغضب والتوتر والقلق من أمراض العصر وهي كلها من موجبات البعد عن الله عز وجل. حاول أن تُبعد عن نفسك كل موجب من موجبات التوتر لوجه الله ومن أجل نفسك. أنت بحاجة إلى نفس صافية عند الصلاة، وبحاجة إلى وضع باطني هادئ في الزيارة. إن الإنسان المضطرب لا صلاة له، ولا زيارة. أنت بحاجة إلى أن تبتعد عن كل المشوشات. ولا تقل: إنني بحمد الله هادئ في الحرم وتحت القبة أو في الحج، فنفسك فيها من الترسبات التي قد تطفو إلى السطح عند أول إثارة من قبل الآخرين. إن نفسك كحوض ماء ترسبت فيه الأتربة والأوساخ، ولكنه بحسب الظاهر حوض صاف؛ إلا أن الشيطان بيده عصى يحرك لك هذه الترسبات بمجرد أن تقف للصلاة وتقول: الله أكبر.
فإذا بقضية من القضايا التي كنت قد نسيتها والتي قد حدثت قبل من عشرين سنة مثلا؛ تراها ماثلة أمامك وتشغل تفكيرك في تلك اللحظة؟ وهذا ويقول البعض على سبيل المزاح: إنني إذا ضيعت شيئا أصلي لكي أجده…! حاول أن تضحي من أجل كسب هذا الهدوء بكل شيء. فإذا كانت لديك زوجة مزعجة مثلا؛ تحملها من أجل أن تصلي صلاة خاشعة. أبعد عن ذهنك كل مشوش، وأصلح كل مشوش في بالك، فإذا كانت لديدك كشكلة مع أحدهم حاول أن تُصلح الأمر قبل ليالي القدر لكي تنعم بليلة هانئة بعيدة عن المشوشات.
إن ما يؤذي الإنسان في أكثر الأحيان هو الكلام الذي يسمعه من هذا وذاك. اما الضرب فقلما يتعرض له. إنك تغضب إذا ضربك أحدهم على خدك؟ ولكن كم هي الأيام التي تتعرض فيها إلى الضرب قياسا بالأيام التي يتحدث فيها الناس عليك؟ إنها قليلة جدا؛ فأكثر ما يُزعج الكلام والإهانة. ولكن ما هو الكلام هذا الذي يُزعجنا ويستثير غضبنا؟
كلام الناس صورة على ورق
أولا: صورة في الذهن. إن هذا الذي يتكلم عليك؛ يخيلك وحشاً قبيحاً ظالماً، ويتخيلك في صورة غير صورتك. إنه لا يستطيع أن يعرف نفسه؛ فكيف يعرفك أنت ويُقيمك تقييما صحيحا؟ إن الشيطان يُصورك له إنساناً في منتهى السوء ثم يتكلم هو على صورتك الذهنية لا عليك أنت. فلماذا تتأذى منه؟ عادة ما يرسم الطفل صورة لأبويه، وهذه الرسمة غير جيدة، فهل تغضب عليه لأنه صورك على غير صورتك الحقيقية؟ هل تدخل في مشكلة معه؟ وعاتبته أو أنبته لقالوا لك: أين عقلك يا كبير؟ وكلام الناس صورة على ورق.
حاول أن تبين له صورتك الواقعية
ثم عليك أن تخلص هذا الذي تصورك في غير صورتك وتقول له: يا فلان، ليس الأمر كما تعتقد. إنني لست إنساناً عظيماً ولكنني أيضا لست بهذا السوء الذي تتصوره. لقد سول لك الشيطان. ولو فعل كل واحد منا ذلك، لانتهت أكثر من سبعين أو ثمانين بالمئة من مشاكلنا. هذا وإنني أعرف من المؤمنين من إذا أوذي من قبل أحدهم قال في قرارة نفسه: الحمدلله، سآخذه من رقبته يوم القيامة، وأقول له: لقد أهنتني في الدنيا، فأعطني من صلاتك وصيامك. فإذا أنت غني بحسنات هذا وذلك بعد أن كنت قد خرجت من القبر في يوم القيامة فقيراً. وهذا المسكين المتكلم يخرج من قبره غنياً ويصبح فقيراً.
هل ما يتحدثون به عليك وهم أم حق؟
فالحل الأول: أن تحلل كلام الآخرين. طبيب رأى في وجهك علامة مرض كإصفرار في الوجه أو ما شابه ذلك ثم أخبرك بذلك؛ فهل تغضب عليه؟ بل تدفع له مالاً لتدخل إلى عيادته، لأن كلامه يكشف عن الواقع. وهذا الذي يتكلم عليك بحق إنما يذكر عيبا من عيوبك، وكما روي عن الإمام الصادق (ع): (أَحَبُّ إِخْوَانِي إِلَيَّ مَنْ أَهْدَى إِلَيَّ عُيُوبِي)[١]. وأنت بين حالتين عندما يتكلم الشخص عليك؛ فأدخل الكلام إلى المختبر وحلله. هل هذا الذي يتحدث به عليك وهم؟ فإن كان كذلك، فاضرب عرض الحائط، وإذا كان واقعاً فأصلح له الأمر. قد تكون زوجتك صادقة في أنك إنسان بخيل. راجع العرف، وانظر كم تُنفق على العائلة؟ هل أنت مقصر بحقهم؟ أصلح الأمر. وإذا قال الناس عنك: أنت سريع الغضب، فلعلك هكذا وأنت لم تنتبه، فأصلح الأمر إن كان الأمر كما يقولون.
ألا تحبون أن يغفر الله لكم؟
ثانياً: مهما بالغ أخاك في أذيتك قل: إن الناس وإن كانوا قد آذوني كثيرا؛ ولكنني آذيت الله عز وجل أكثر من إيذاءهم لي. فطالما خالفناه وعصيناه، وكنا شيناً له ولأوليائه. قل: يا رب، إنني أتجاوز عن أخي هذا، عسى أن تتجاوز عني. وإذا أغضيت عن منظر شهوي مثير، قل: يا رب، رأيت حالي هذه وقد تقربت إليك بذلك؛ فخذ بيدي. أنت في موقف بطولي وقد قمت بعمل صالح، فاطلب السداد في تلك المواقف. إن موسى (ع) قال: (رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلۡتَ إِلَيَّ مِنۡ خَيۡرٖ فَقِيرٞ)[٢] بعد أن سقى للبنتين، وقام بعمل جيد. إنه لم يقاتل ولم يجاهد ولم يُقارع فرعون في هذا المقام، وإنما سقى للبنتين وذهب إلى ظل يستريح فيه فطلب من الله ذلك. خذها عادة موسوية؛ فإذا تصدقت بالمال، قل للفقير: ادع لي وأنت ادع أيضا. وإذا زرت المريض؛ اطلب منه أن يدعو لك، وفي ساعة الشهوة أو الغضب التي تتجاوزها؛ اطلب من الله سبحانه أن يتجاوز عنك.
الغضب المطلوب
قد يسأل سائل فيقول: إنني أكون أحيانا في موقف أحتاج فيه إلى أن أغضب. فعلى سبيل المثال: أدخل المنزل فأرى منكراً فهل أكون عندها حليماً؟ كلا، ليس هذا موضع الحلم؛ ولكن اغضب بمقدار ما يستوجب منك الأمر، لا أكثر ولا أقل. فاغضب على السافرة بمقدار سفورها. فإذا رأيت زوجتك لم تتحجب جيدا، وظهر قسم من شعرها أو زينت وجهها؛ فاغضب بالمقدار الذي تنبهها لا أكثر من ذلك. ثم أجل الانتقام أو الغضب إلى وقت تستطيع أن تتحدث فيه بهدوء. بعض المؤمنين ينهى عن المنكر ليس لله عز وجل، وإنما انتقاما لصديقه الذي تعرض إلى الغيبة؛ فلا تكن كذلك، وإنما حاول أن يكون غضبك لله لا لغيره.
هل تريد إصلاح الأهل والعيال؟
ثم ألا تريد من غضبك على الزوجة والعيال إصلاحهم؟ إذا سجدت لله بين الأذان والإقامة وقلت: ربي لك سجدت خاضعاً خاشعاً ذليلا؛ جعل الله محبتك في قلوب عباده. وإذا صرت محبوباً لا تحتاج إلى أن تغضب،. لقد روي أن النبي الأكرم (ص) عندما كان لا يعجبه شيء؛ كان يعرض بوجهه. إن الزوج المثالي إذا دخل بيته ورأى منكراً؛ لا يأكل طعاما في ذلك اليوم. فيقولون له أهله: ما بك؟ يقول: رأيت منكراً في المنزل. إن هذا الإنسان لو كان محبوبا أثر فيهم كلامه. وكذلك يؤثر كلامه على الناس جميعا، لأن رب العالمين ألقى محبته في قلوب العباد. يقال في سيرة بعض العلماء السلف: فلان رُزق القبول، لا قبول الأعمال، وإنما المقبولية الاجتماعية. إنه يتكلم الكلام فينفذ في قلوب الناس. وقد تكون للغضب نتائج عكسية. فلو رأوك غضبانا في المسجد وأنت إمام ذلك المسجد؛ لن يؤثر كلامك عليهم.
خلاصة المحاضرة
- قد يسأل سائل فيقول: إنني أكون أحيانا في موقف أحتاج فيه إلى أن أغضب. فعلى سبيل المثال: أدخل المنزل فأرى منكراً فهل أكون عندها حليماً؟ كلا، ليس هذا موضع الحلم؛ ولكن اغضب بمقدار ما يستوجب منك الأمر، لا أكثر ولا أقل.
- إن هذا الذي يتكلم عليك؛ يخيلك وحشاً قبيحاً ظالماً، ويتخيلك في صورة غير صورتك. إنه لا يستطيع أن يعرف نفسه؛ فكيف يعرفك أنت ويُقيمك تقييما صحيحا؟ إن الشيطان يُصورك له إنساناً في منتهى السوء ثم يتكلم هو على صورتك الذهنية لا عليك أنت. فلماذا تتأذى منه؟