- ThePlus Audio
كيف أخرج سبحانه يوسف (ع) من السجن وبرأه؟
بسم الله الرحمن الرحيم
التدبير الإلهي لإخراج يوسف (ع) من السجن بالأحلام…!
كان من التدبير الإلهي أن يرى السجين الذي كان مع يوسف (ع) في السجن، تلك الرؤيا التي كان يعصر فيها خمرا وأن يرى الملك سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وأن يرى سبع سنبلات خضر وأخر يابسات لكي تتهيئ مقدمات إخراج يوسف (ع) من السجن. لقد بين لنا سبحانه أن الهزل من البقر أكلت السمان ولكن لم يبين ارتباط السنبلات الخضر باليابسات؛ فلعل اليابسات أكلت السنابل الخضر بطريقة ما كما فعلت البقرات العجاف وإن كان أكل البقر للبقر أمر غير مألوف في عالم الحيوان، فالحيوانات المفترسة هي التي تأكل البقر. وكانت الرؤيا بكلها؛ وجود كائن ضعيف يأكل كائنا قويا، ولذا أراد الملك معرفة الأمر. فأمر من حوله من الوزراء والأعوان أو العلماء والكهنة الذين يدعون تعبير الرؤيا وقال لهم: (يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَأُ أَفۡتُونِي فِي رُءۡيَٰيَ إِن كُنتُمۡ لِلرُّءۡيَا تَعۡبُرُونَ)[١]. وعبر عن التعبير بالفتوى وكأنها مسألة بحاجة إلى فتوى.
للرؤيا تعبرون؟!
ولكن لماذا قال: تعبرون؟ عادة يعبر عن اجتياز مكان ما بالعبور، فيُقال: عبر النهر؛ أي قطعه. وكأن هذا المنام يحتاج إلى يعبر من ضفة الرموز والإبهام إلى ضفة الوضوح والحقيقة. ولكن عجز الجميع عن التعبير وقالوا: (أَضۡغَٰثُ أَحۡلَٰمࣲۖ وَمَا نَحۡنُ بِتَأۡوِيلِ ٱلۡأَحۡلَٰمِ بِعَٰلِمِينَ)[٢]. أي ما هي إلا أضغاث أحلام سببها تغيير المزاج وما شابه ذلك وليس من شأننا تأويل هكذا أحلام. هم كانوا يدعون أنهم عالمين بتأويل الأحلام ولكن وصفوا حلم الملك بأضغاث أحلام والأضغاث لا حظ لها من التأويل بزعمهم، وقد أرادوا بذلك صون ماء الوجه والحفاظ على وجاهتهم.
تذكر بعد أمة…!
وفي هذه الحادثة يتذكر السجين الذي كان قد أوصاه يوسف (ع) أن يذكره عند ربه، هذه الوصية، ويطلب منهم أن يرسلوه إليه لكي يأتي لهم بتأويل الرؤيا، فيقول عز من قائل: (وَقَالَ ٱلَّذِي نَجَا مِنۡهُمَا وَٱدَّكَرَ بَعۡدَ أُمَّةٍ أَنَا۠ أُنَبِّئُكُم بِتَأۡوِيلِهِۦ فَأَرۡسِلُونِ)[٣]. وقد ذكرنا آنفا أنه هو الذي أنساه الشيطان ذكر ربه، لا النبي يوسف (ع) وهنا تؤكد الآية ذلك وتشير إلى أن هذا الناجي الساقي قد تذكر بعد أمة. إنه قال: أنا أنبأكم بتأويله، وادعى أنه هو الذي سينبأهم، ولكنه أضمر في قلبه الذهاب إلى يوسف (ع) وأخذ التأويل منه. فقال لهم: أرسلون؛ أي ابعثوني إلى السجن لألتقي بيوسف (ع) وأطلب منه تعبير الرؤيا.
التزلف إلى الملك بسرقة التعبير…!
إنه أراد بذلك أن يتقرب إلى الملك بسرقة التعبير من يوسف (ع) ولذا لم يطلب مجيئ يوسف (ع) وإنما ذهب إليه بنفسه، وقال له بعد أن علم صدقه وتحقق ما أخبره به (ع): (يُوسُفُ أَيُّهَا ٱلصِّدِّيقُ أَفۡتِنَا فِي سَبۡعِ بَقَرَٰتࣲ سِمَانࣲ يَأۡكُلُهُنَّ سَبۡعٌ عِجَافࣱ وَسَبۡعِ سُنۢبُلَٰتٍ خُضۡرࣲ وَأُخَرَ يَابِسَٰتࣲ لَّعَلِّيٓ أَرۡجِعُ إِلَى ٱلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَعۡلَمُونَ)[٤]. أي آخذ التعبير ثم أرجع إلى القصر الملكي لأخبرهم بتعبير هذه الرؤيا التي شغلت الملك وشغلت المعبرين.
لم يعبر لهم الرؤيا فحسب؛ بل أمدهم بالحلول
وهنا لم يكتف يوسف (ع) بتعبير المنام وإنما ذكر الحل. فهو قد بين أن المنام يشير إلى قحط كبير ستتعرض له البلاد وبين لهم المخرج من هذا القحط بإعطاء الحلول العملية كتخزين القمح في سنوات الخصب قبل حلول القحط والجدب. فقال لهم: (تَزۡرَعُونَ سَبۡعَ سِنِينَ دَأَبࣰا فَمَا حَصَدتُّمۡ فَذَرُوهُ فِي سُنۢبُلِهِۦٓ إِلَّا قَلِيلࣰا مِّمَّا تَأۡكُلُونَ)[٥]. وقال لهم: ذروا المحصود من القمح في سنبلة لكيلا يفسد ويبقى في أيام الشدة والقحط. وينبغي أن تأكلوا أيضا باعتدال وأن تقتصدوا في هذه السنوات وعليكم بالتوفير لحين الانتهاء من هذه الفترة العصيبة.
وقد عبر عن البقرات العجاف بسنوات القحط، وأنهن سيأكلن ما يقدموه لهن إلا قليلاً مما يحصنون؛ أي مما يحرزونه في سنوات الجدب للبذر. فهم بحاجة إلى البذر أيضا كما هم بحاجة إلى الأكل مما يحصنون؛ أي ما يجعلونه في مكان حصين. وبعد هذه السنوات الفرج والخير، وهو قوله: (ثُمَّ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ عَامࣱ فِيهِ يُغَاثُ ٱلنَّاسُ وَفِيهِ يَعۡصِرُونَ)[٦]؛ أي يأتي بعد ذلك عام ينزل فيه الغيث ويكثر الزرع ويعصر الناس العنب والزيتون وغير ذلك.
وقال الملك ائتوني به…!
عندما وصل هذا التعبير إلى الملك؛ علم أنه ليس تعبير هذا الساقي ولذا كان من الطبيعي أن يبحث عن المعبر الذي عبر له بهذه الدقة، وطلب أن يأتوه به. وهنا جاءوا لإخراج يوسف (ع) من السجن ولكنه رفض الخروج من دون أن تثبت برائته. صحيح أنه اليوم أصبح مشهورا بتعبير رؤيا الملك ومقربا منه ولكنه يريد إثبات البراءة، فقال للساقي: (ٱرۡجِعۡ إِلَىٰ رَبِّكَ فَسۡـَٔلۡهُ مَا بَالُ ٱلنِّسۡوَةِ ٱلَّـٰتِي قَطَّعۡنَ أَيۡدِيَهُنَّۚ إِنَّ رَبِّي بِكَيۡدِهِنَّ عَلِيمࣱ)[٧]. وكأنه كان يقول: يا أيها الملك، اجمع النسوة بما فيهن زليخا، واسئله لماذا قطعن أيديهن وماذا كان تقصيري حتى جعلتموني في السجن طول هذه الفترة؟ كانت العزيز وزيرا للملك والملك فوق الوزير، فدعاهن وقال: (مَا خَطۡبُكُنَّ إِذۡ رَٰوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفۡسِهِ)[٨]؛ أي لماذا فعلتم هذا الفعل الشنيع بيوسف (ع)؟
براءة يوسف (ع) من كيد النساء وظهور الحقيقة
وهنا اعترفن بخطأهن وقلن: (حَٰشَ لِلَّهِ مَا عَلِمۡنَا عَلَيۡهِ مِن سُوٓءࣲ)[٩]، وهو بريء تمام البراءة. وهنا اعترفت زليخا بخطأها وقالت: (ٱلۡـَٰٔنَ حَصۡحَصَ ٱلۡحَقُّ أَنَا۠ رَٰوَدتُّهُۥ عَن نَّفۡسِهِۦ وَإِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ)؛ فأنا صاحبة هذه الجريمة وأنا التي دعوته إلى نفسي وهو من الصادقين. ثم قال: (ذَٰلِكَ لِيَعۡلَمَ أَنِّي لَمۡ أَخُنۡهُ بِٱلۡغَيۡبِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي كَيۡدَ ٱلۡخَآئِنِينَ)[١٠].
وهنا أراد يوسف (ع) أن يفهم العزيز أنه لم يقع شيء بينه وبين امرأته وأنه بريئ مما قرفته به زليخا وأنه لم يخن الأمانة. ونتعلم من هذه الآية الشريفة، أن الباطل يُكشف في نهاية المطاف مهما طال الزمن، فنحن لا ندري كم لبث يوسف (ع) في السجن ولكن الله عز وجل برأه ولم يمتد أثر هذا الكيد وقد أبطله الله سبحانه بخروجه من السجن عزيزا.
خلاصة المحاضرة
- كان من التدبير الإلهي أن يرى السجين الذي كان مع يوسف (ع) في السجن، تلك الرؤيا التي كان يعصر فيها خمرا وأن يرى الملك سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وأن يرى سبع سنبلات خضر وأخر يابسات لكي تتهيئ مقدمات إخراج يوسف (ع) من السجن.