• ThePlus Audio
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

كل زائر يأخذ من الأجر بحسب تحقيقه هذه الشروط…!

بسم الله الرحمن الرحيم

عمل ثوابه سبعين حجة من حجج النبي (صلى الله عليه وآله)

مما ينبغي التأمل فيه، مدى التفاوت بين أجور الزائرين للحسين (ع)، والتي تترواج بين حجة واحدة وألف حجة وعمرة. بل نستشف من بعض الروايات الشريفة ما قد يكون عند الله عز وجل أعظم من ألف حجة وعمرة وهو ما روي عن الإمام الصادق (ع) حيث قال: (كَانَ اَلْحُسَيْنُ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) ذَاتَ يَوْمٍ فِي حَجْرِ اَلنَّبِيِّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) يُلاَعِبُهُ وَيُضَاحِكُهُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ، مَا أَشَدَّ إِعْجَابَكَ بِهَذَا اَلصَّبِيِّ! فَقَالَ لَهَا: وَيْلَكِ وَيْلَكِ، وَكَيْفَ لاَ أُحِبُّهُ وَلاَ أُعْجَبُ بِهِ، وَهُوَثَمَرَةُ فُؤَادِي، وَقُرَّةُ عَيْنِي! أَمَا إِنَّ أُمَّتِي سَتَقْتُلُهُ، فَمَنْ زَارَهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ كَتَبَ اَللَّهُ لَهُ حِجَّةً مِنْ حِجَجِي. قَالَتْ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ، حِجَّةً مِنْ حِجَجِكَ! قَالَ: نَعَمْ، وَحِجَّتَيْنِ. قَالَتْ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ، حِجَّتَيْنِ مِنْ حِجَجِكَ! قَالَ: نَعَمْ، وَأَرْبَعاً. قَالَ: فَلَمْ تَزَلْ تَزِيدُهُ وَهُوَيَزِيدُ وَيُضْعِفُ حَتَّى بَلَغَ سَبْعِينَ حِجَّةً مِنْ حِجَجِ رَسُولِ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) بِأَعْمَارِهَا)[١].

هل تريد أن تحشر مع الحسين (عليه السلام)؟

لقد أراد النبي الأكرم (ص) في هذا الموقف أن يبين عظمة الحسين (ع) أمام عائشة وغيرها. وهناك الكثير من الروايات التي لم يسمع بها الكثير من المؤمنين وهي تذكر من الأجر والفضل ما لا تتحمله العقول. من هذه الروايات ما روي عن الإمام الصادق (ع) وهو يسأل أحدهم: (أَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ أَنْ تَحُجَّ عِشْرِينَ حَجَّةً وَتَعْتَمِرَ عِشْرِينَ عُمْرَةً أَوْ تُحْشَرَ مَعَ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ؟ فَقُلْتُ: لاَ بَلْ أُحْشَرُ مَعَ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ. قَالَ: فَزُرْ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ)[٢].

وباعتقادي أن مراد الإمام الصادق (ع) من أن يحشر الزائر مع الحسين (ع) هو: أن يخرج من القبر فيكون معه، فلا يرى أهوال القيامة والمرور على الصراط وغير ذلك وأن يدخل الجنة وهو معه ويكون في حي بني هاشم في الجنة وفي منطقتهم تزور النبي وآله (ص) كلما اشتهيت ذلك؛ فهذه مزية لا تضاهيها مزية.

كيف أكون مع الحسين (عليه السلام) ولم أجاهد جهاده؟

قد يسأل سائل فيقول: لقد بلغ الحسين (ع) ما بلغ بفضل جهاده وتضحياته الجسيمة وكذلك نال أصحاب الحسين (ع) ما نالوا بفضل صبرهم مع الحسين (ع) على القتل في سبيل الله عز وجل، فماذا قدمت أنا في سبيل الله لكي أحشر معه؟ إن هذا الأجر هو من باب التفضل والإحسان لا الاستحقاق. ما المانع من أن يلحقك الحسين (ع) بالشهداء والصالحين بزيارة واحدة؟ ولذا إن وصلت إلى الضريح وكنت ذات يوم حت قبته الشريفة، فقدم الطلب بإصرار وإلحاح ولا تمر عليه مرور الكرام؛ بل رقق القلب وأجر الدمع وقل: اللهم اجعلني عندك وجيها بالحسين (ع) في الدنيا والآخرة. لقد ذكر أحد الصحابة للنبي (ص) خشيته من أن لا يراه في الآخرة بعد أن تنعم برؤيته في الدنيا، فأبدى النبي (ص) سروره من كلامه. فكذلك كن أنت في زيارتك للحسين (ع) وتحدث معه عن خشيتك من أن لا تراه في الآخرة.

هذه هي الزيارة المثالية

كيف نحول زيارتنا إلى زيارة مثلى وإلى موجب من موجبات الحشر مع الحسين (ع) والكون معه؟ عندما نراجع الروايات الشريفة، نجد فيها عبارة تتكرر في زيارات المعصومين (ع) عموما وزيارة الحسين (ع) خصوصا وهي عبارة: عارفاً بحقه. إنني لا أريد الانتققاص من أجور الزائرين، فالزائر يرجع من الزيارة بعطاء كبير من عند الحسين (ع). ولكن الروايات الشريفة تريد منا أن نزور الحسين (ع) لا أن نزور قبره. نعم تُقبل الزيارة التي تقف فيها أمام الضريح ولكن الأرقى منها هي التي تتفاع فيها مع صاحب القبر. إن القبر تفارقه بعد انتهاء الزيارة وعودتك إلى أرض الوطن، ولكن إن وصلت إلى هذه الدرجة التي سأشرحها لك من خلال المثال الآتي، فلن تفارق الإمام (ع) أبدا.

ارتم في أحضان الحسين (عليه السلام)

لو أن طفلا فقد أباه أو ذهب إلى بلاد بعيدة ثم وجده بعد مدة، فقيل له: يا فلان، هذا أبوك، فاعرف حقه وقدره، فهل يعنون بذلك المعرفة المجردة، أم أنهم يقصدون بذلك أن يطيعه ويقبل يده ويمتثل أوامره ونواهيه؟ بالطبع إنهم يقصدون بعرفان الحق، الإطاعة والتواضع له وخدمته والقيام بأموره. فلا يكفي في عرفان حقه، أن تنشد شعراً أو أن تمدحه مديحاً؛ فكذلك عارف حق الحسين (ع) هو الذي يقر بإمامته. والإقرار بإمامته هو طرف الحبل والإقرار بمأموميتك طرف الحبل الآخر المتصل بقلبك. لا يُمكن للمأموم في صلاة الجماعة أن يستدبر القبلة، وإلا لم يصدق عليه عنوان المأموم، إذ أن المأموم هو التابع للإمام في حركاته وسكناته.

هل أنت مأموم كما ينبغي للإمام الحسين (عليه السلام)؟

فإذا اتبعت الإمام (ع)، فمن الطبيعي عندها أن تعود إلى الوطن وأنت مأموم إلى آخر عمرك. فعاهد الإمام (ع) وقل: يا أبا عبدالله، أعاهدك أن أكون متبعاً لك وأن أضع قدمي موضع قدمك، فعندها لا تستغرب أن يغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر. أما الذنوب الماضية فتغفر وأما الذنوب الآتية فلن تقع فيها. ومثال ذلك التطعيم، فالطفل الذي يطعم بلقاح مرض ما، فلن يصاب بذلك المرض وإن دخلت تلك الجرثومة في بدنه، فإنها لن تغلب البدن الذي أصبح محصنا بفضل ذلك اللقاح.

إن زائر الحسين (ع) يرجع وقد حصن نفسه بلقاح يمنعه من الذنوب والمعاصي. فلا تجعل الزيارة تقتصر على عالم الألفاظ والأبدان فحسب، ولا تجعل زيارتك مشياً على الأقدام وتقبيلاً للضريح فحسب – وإن كانت كلها أجزاء مكملة – ولكن الجزء المصيري وهو أن تكون متبعا له في كل شيء وهو ثمرة عرفان الحق الذي أشارت إليه الروايات الشريفة.

ولابد أن تكون الزيارة حبا وشوقا لا طلبا للحوائج. فقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (إِذَا كَانَ يَوْمُ اَلْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ أَيْنَ زُوَّارُ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ)[٣]؟ وكأن الله عز وجل يريد أن يميزنا بين الأمم وحتى بين من يعتقد بالنبي (ص) ولا يعتقد بولاية أمير المؤمنين وأبنائه المعصومين (ع). وهناك نرفع بإذن الله أيدينا فرحين كما يرفع الطالب المجد يده فرحا عندما يسأل الأستاذ: من الذي قد تهيأ للدرس اليوم؟

وهنا يأتي النداء من قبل العرش: (مَا أَرَدْتُمْ بِزِيَارَةِ قَبْرِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَيَقُولُونَ يَا رَبِّ أَتَيْنَاهُ حُبّاً لِرَسُولِ اَللَّهِ وَحُبّاً لِعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَرَحْمَةً لَهُ مِمَّا اُرْتُكِبَ مِنْهُ)[٤]. إن الهدف الأول هو حبهم لرسول الله (ص) الذي قال: (حُسَيْنٌّ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنِ)[٥]. لو كان لأي مسلم قليل إنصاف لما وسعه إلا الحضور في طريق المشاية الذي يمتد من البصرة إلى كربلاء ولكان هذا الطريق لو أنصف المسلمون نبيهم، مليئا بفرق المسلمين من كل المذاهب، فهو سبط النبي (ص) الذي قتل مظلوما وهو ريحانته وروحه التبي بين جنبيه.

الهدف الثاني هو حبهم لعلي وفاطمة (ع) وهو الحب الذي يدفعهم للبكاء عليه. فأكثر الناس بكاء عليه علي وفاطمة (ع). فقد روي أن لفاطمة (س) نحيب وبكاء يتعالى من عند القبر في كل ليلة جمعة تقول: (وَا اِبْنَاهْ وَا مَقْتُولاَهْ وَا ذَبِيحَاهْ وَا حُسَيْنَاهْ وَا غَرِيبَاهْ يَا بُنَيَّ قَتَلُوكَ وَمَا عَرَفُوكَ وَمِنْ شُرْبِ اَلْمَاءِ مَنَعُوكَ)[٦].

اذكر مصائب الحسين (عليه السلام) أقرب ما تكون من قبره

ولذا أوصي المؤمنين دائما وأقول لهم: إن من الآداب المهمة بعد قراءة الزيارة والصلاة، أن تأخذ زاوية في الحرم وتضع رأسك في حجرك أو على الحائط وتذكر مصائب الحسين (ع) على مقربة منه بلا ناع ولا مذكر، فتبكي رحمة لما ارتكب منه، فسترفع رأسك يوم القيامة بهذا وتكون من المرحومين بشفاعتهم. وحاول أن تكون أقرب ما تكون إلى الضريح تحت القبة الشريفة. فهناك عوالم حول الضريح وملائكة شعث غبر عددهم بالآلاف يبكون على الحسين (ع). فكلما اقتربت من قبر الحسين (ع) أحاطت بك تلك الطاقة الولائية الإيجابية بتعبير اليوم، وشملتك أكثر. وزر الحسين (ع) لا طلباً للحوائج، ولا يكن ذلك هدفك، بل اجعله نتيجةً للزيارة التي هدفها الأساسي: أن تكون حباً لرسول الله وحباً لعلي وحباً لفاطمة (ع). هذا هو الهدف الأسمى الذي ينبغي أن يجعله المؤمن نصب عينيه.

الزيارة مقدمة للتغيير الجوهري

ولتكن الزيارة مقدمة للتغيير الجوهري الذي كان خير مثال له الحر. ينبغي أن نتشبه جميعنا بالحر الذي انقلب رأسا على عقب قي دقيقة، وصار بعدها من أسعد السعداء. حاول أن تتشبه بالحر وسل الإمام (ع) أن ينظر إلى جوهرك. ألم يتحول الجاهليون الذين كانوا يشربون الخمر ويزنون ويئدون البنات إلى خير أمة أخرجت للناس بنظرة ولائية من رسول الله (ص) فخرج منهم البدريون والأحديون؟ يقول بعض الصحابة: كنا رعاة الإبل وصرنا رعاة الشمش، ننظر إلى السماء متى تزول ومتى تغرب لنصلي. فلا يكن أحدنا أقل من الجاهلي الذي تحول إلى بدري وأحدي. كل واحد منا مرشح لكي يكون على مستوى خيار صحابة النبي (ص) الذين ما بدلوا تبديلا.

هذه هي زيارتي الأخيرة

ولا يقولن زائر: سأزور هذه المرة كيف ما اتفق، ثم أتقن الزيارة في العام المقبل، فلا تدري نفس ماذا تكسب غدا. إن حوادث القتل وحوادث الإرهاب وحوادث الموت المفاجئ وأمراض البدن والهجرة إلى خارج البلدان من موجبات سلب التوفيق للزيارة. فأتقن الزيارة في كل مرة وظن أنها الزيارة الأخيرة.

[١] كامل الزيارات  ج١ ص٦٨.
[٢] تهذيب الأحكام  ج٦ ص٤٧.
[٣] كامل الزيارات  ج١ ص١٤١.
[٤] كامل الزيارات  ج١ ص١٤١.
[٥] كشف الغمة  ج٢ ص٦١.
[٦] بحار الأنوار  ج٤٥ ص٣١٦.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن اختلاف أجور الزائرين للحسين (ع) يعود إلى اختلاف درجات المعرفة عندهم. كلما ازداد معرفة الرجل بإمامه، ازداد أجره وثوابه حتى يبلغ سبعين حجة من حجج النبي الأكرم (ص). بل إن بعض الروايات تدل على أن زائر الحسين (ع) يحشر معه وفي درجته.
  • لا يقولن زائر: سأزور هذه المرة كيفما اتفق، ثم أتقن الزيارة في العام المقبل، فلا تدري نفس ماذا تكسب غدا. إن حوادث القتل وحوادث الإرهاب وحوادث الموت المفاجئ وأمراض البدن والهجرة إلى خارج البلدان من موجبات سلب توفيق الزيارة. فأتقن الزيارة في كل مرة وظن أنها الزيارة الأخيرة.
Layer-5.png