كلمة حول الحديث النبوي الشريف: الشقي شقي في بطن أمه
بسم الله الرحمن الرحيم
السعادة والشقاء منذ الولادة
لقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (اَلشَّقِيُّ شَقِيٌّ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَاَلسَّعِيدُ سَعِيدٍ فِي بَطْنِ أُمِّهِ)[١] ولا يفهم هذه الرواية البعض كما هي؛ فيظن أن الجنين الشقي هو الذي يخرج شقياً، وهذا الطفل يبقى شقيا إلى أن يموت. وهذا خلاف التفويض. وإنما القاعدة تقول: لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين الأمرين. وإنما تعني الرواية: أن رب العالمين يعلم أنه شقي وعلمه هذا غير ملزم. فعندما تسأل المدرس عن الطالب الكسول والطالب المجد، يقول لك: هذا الطالب سيرسب هذه السنة قطعاً، وهذا يتفوق قطعا. فهل أجبرهم المعلم على شيء؟ إن هذا علمه. ولهذا يقال في تفسير قوله تعالى: (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ)[٢]، وهي كلمة متكررة في القرآن: أن كلمة (يشاء) قد تعود لرب العالمين وقد تعود للعبد.
من آداب الدعاء في أيام الحمل لضمان سعادة المولود
وأقول للمتزوجين حديثاً أو كل من يريد أن ينجب ذرية حتى وإن كان من كبار السن فما المانع من ذلك؟ فليثقل الأرض بمن يقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله. إنك بمجرد أن ترى في زوجتك آثار الحمل لا تفرح كما يفرح العوام، وإن كان لا بأس بهذا الفرح، ولكن قل: ربي شكرا، ولا تقصر في الدعاء. واقرأ المأثور من الأدعية واقرأ هذا الدعاء الشعبي الذي سأعلمكه، وهو سر المهنة قل: يا رب أنت الآن رزقتني نطفة ملقحة وستصبح بعد أيام مضغة وبعد ذلك ستكسو العظام لحماً، وفي الشهر الرابع مثلا تنفخ فيه روحاً وفي السابع والثامن ينبض قلبه – والأمهات يحفظن هذه المراحل لأنهن قد ابتلين بها، فنحن لا نعلم كيفية الحمل والولادة – فيا رب إننا عندنا مصرف فيه أموال وأنت لك مصرف فيه أرواح. إن رب العالمين خلق الأرواح قبل الأبدان، وهذا ما يفهم من آية الذر والأشهاد. يا رب لك عالم من ملايين الأرواح المكدسة في مكان لا نعلمه، فإذا أردت أن ترسل إلى بطن زوجتي روحاً؛ أرسل روحاً مميزة، فإن لك أرواح متوسطة وأرواح تعلم بأنها شقية وأرواح تعلم بأنها سعيدة. والأم كذلك هي أولى أن تدعو بهذا الدعاء.
إن أم أحد المراجع السلف؛ لا المراجع الفعليين. وقد كان أستاذ المراجع عندما أصبح مرجعا، قيل لها: إن ولدك أصبح مرجعاً من كبار المراجع؛ بل أستاذ المراجع، ولا نظير له في التقوى. فقالت أمه: أردته نبياً فصار مجتهداً. إن توقعي كان أكثر من ذلك. وهي بالطبع تمزح، فلا يصبح الإنسان نبياً حيث لا نبي بعد نبينا (ص) ولكن معنى كلامها أنها كانت تتوقع ذلك.
لقد روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (فَيَعْلَمُ سُبْحَانَهُ مَا فِي اَلْأَرْحَامِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَ قَبِيحٍ أَوْ جَمِيلٍ وَسَخِيٍّ أَوْ بَخِيلٍ، وشَقِيٍّ أَوْ سَعِيدٍ، وَمَنْ يَكُونُ لِلنَّارِ حَطَباً أَوْ فِي اَلْجِنَانِ لِلنَّبِيِّينَ مُرَافِقاً)[٣]؛ وما أجمل هذه المقارنة التي أتى بها إمام البلاغة؛ بل إمام السعادة في من يكون في النار حطباً ومن يكون للنبيين مرافقاً. فلا يكن همك أن تبني منزلاً وإن كان لا بأس به، ولكن الطموح الأعظم أن تكون يوم القيامة في درجة النبي وآله وهذا ممكن. فمرافق السلطان ليس بسلطان، ومرافق الملك خادم ولكنه يصاحب السلطان إلى أي مكان، ويأكل من طعامه. وكما قال ذلك الذي رافق الحسين (ع) في الدنيا والآخرة: (أَنَا فِي اَلرَّخَاءِ أَلْحَسُ قِصَاعَكُمْ وَفِي اَلشِّدَّةِ أَخْذُلُكُمْ)[٤].
عظيم نعمة الله علينا بأهل البيت (عليهم السلام)
لقد تأملت الروايات التي فيها كلمة؛ سعيد وسعد ويسعد ومشتقات السعادة، وقلت في نفسي: كم نحن محظوظون بهذه الذوات الطاهرة، فتارة قال الباقر، وتارة قال الصادق، وتارة قال النبي، وتارة قال العسكري، وكلهم من نور واحد. واللطيف أن من النبي (ص) إلى زمان الغيبة هي قرنان ونصف؛ أي مئتان وخمسون سنة، ولكنك تذكر رواية عن الإمام العسكري (ع) وتنقل رواية عن الإمام المجتبى (ع) فتجد لحنها واحدا والأدبيات واحدة، فهل هذا صدفة؟ مئتان وخمسون عاماً كان فيها اثني عشر خليفة كلهم من قريش وكلهم على نسق واحد، أليس هذا تطبيق عملي لرواية النبي (ص) الذي تحدث فيها عن اثني عشر خليفة يكونون بعده؟ فأين تذهبون؟
لقد روي عن الصادق (ع) أنه قال: (اَلسَّعِيدُ مَنْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ خَلْوَةً يَشْتَغِلُ بِهَا)[٥]؛ ولو ألقينا الخطب حول هذه الرواية لكان الأمر في محله. إن بعض الناس لا يتحمل بيتاً ليس فيه تلفاز، ولا يتحمل يوماً من دون جوال، ولا يتحمل يوماً ألا تكون زوجته في المنزل. وهذه الأيام لو جعلت أحدا في بيت لا تلفاز فيه ولا جوال معه ولا زوجة فيه يقول: هذا اليوم سأصاب بالجنون. قبل سنوات هذه العناصر لم تكن موجودة، وكان الناس بخير. مشكلتنا أننا شغلنا أنفسنا بالخارج تلفازاً، فضائية، شبكة عنكبوتية، سواء بحلالها أو حرامها. والبعض منا فخور بنفسه يقول: أنا بحمد الله وقتي ممتلئ. نعم إنه ممتلئ ولكن بأي شيء؟
من ألذ لذائذ الوجود
إبحث عن هذه الخلوة في نفسك، واعلم – وإن كان ذلك لا يعجبك الآن فيسعجبك لاحقا – أن من ألذ لذائذ الوجود أن تسجد في جوف الليل. إنك في هذه السجدة تذهب إلى عالم فسيح يدرك ولا يوصف. إن أحد المؤمنين من غير أهل العلم وهو موظف في وزارة قد فتح الله عليه، يقول: يا فلان بعض الأوقات كأنني أرى ألما وكأن جبهتي تريد السجود، وكما يشتاق الطفل إلى اللبن؛ فإن رأسي يشتاق إلى السجود، ولا أهدأ إلا عندما أسجد بين يديه. وهذه متعة لا تضاهيها متعة. وإن لم تستطع ذلك، ابحث عن المتعة في الصلاة في المسجد. إن أحد المؤمنين ممن له منصب في الجامعة كنت أراه في المسجد قبل الصلاة بفترة وبعد الصلاة بقترة. فقلت له: ما خطبك. أنت لست فارغاً فما هذا الحضور في المسجد؟ قال لي: هذه متعتي أن آتي إلى المسجد وأجلس في زاوية . فابحث عن هذه المتع الرخيصة المجانية الممكنة، وعندئذ لا تستهويك متعة في عالم الوجود.
خلاصة المحاضرة
- لقد بين لنا أمير المؤمنين (ع) في إحدى خطبه أن الله سبحانه عالم بالجنين وبما سيئول أمره وهل سيختار الشقاء الدائم أو السعادة الدائمة في كلمات هي في غاية الروعة والبلاغة حيث قال: (مَن يَكُونُ لِلنَّارِ حَطَباً أَوْ فِي اَلْجِنَانِ لِلنَّبِيِّينَ مُرَافِقاً).