قيمة الدنيا عند الله عز وجل
بسم الله الرحمن الرحيم
قيمة الدنيا في الآيات الشريفة من سورة زخرف
قال تعالى: (وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا ۚ وَإِنْ كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ * وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ)[١].
هوان الدنيا على الله عز وجل
يتبين من هذه الآيات الشريفة قيمة الدنيا عند الله عز وجل. وهي لا تساوي عنده شيئا، ولولا اجتماع الناس على الكفر لكان سبحانه يجعل سقوف منازل الكفار من فضة ويجعل بيوتهم وأبوابها من الذهب وهو المراد بالزخرف هنا. ولكن المانع من ذلك أن يفتتن الناس بذلك فيسارعون في الكفر لما يرون من فعل الله بالكفار، وعدم إثابة المؤمن على إيمانه في دار الدنيا. ثم يذم الدنيا سبحانه بقوله: (وَإِنْ كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ)، وهي من أعظم الآيات في ذم الدنيا وتحقير ما عليها من زينة ومتاع.
المصيبة العظمى
ثم يبين سبحانه من خلال الآية التي تلي هذه الآيات أن المصيبة ليست في فقدان شيء من متاع الدنيا؛ بل المصيبة كل المصيبة في نسيان ذكر الرحمن والاقتران بالشياطين، وذلك قوله سبحانه: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ). والعشى هو العمى مطلقا أو العمى في الليل. والذي يعرض عن ذكره فإن له عقوبة في الدنيا قبل عقوبة الآخرة. وهل تعني الآية من ينكر وجوده سبحانه أو تعني الذي يعرف الله عز وجل إلا أنه معرض عن ذكره مطلقا أو لا يذكر الله إلا قليلا؟ ويبدو أن الآيات تعني الصنف الثاني؛ إذ أنها لم تقل ومن يبارز الله بالكفر أو من ينكر وجوده فهو كذا وإنما قالت: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ). وهذا ما نفهمه من الآيات الشريفة؛ فلا يعرف القرآن على حقيقته إلا أهل البيت (ع).
حذاري من الخذلان الإلهي..!
وكأنه سبحانه هو الذي يحول بين الشياطين وقلوب العباد؛ فإذا ما أعرضوا أعرض عنهم وخذلهم ورفع عنهم الحماية؛ فعندئذ يعشعش الشيطان في وجودهم ويستولي عليهم ويصبح من قرنائهم. والشيطان لا يخاف إلا من غضب الله عز وجل؛ فإن أمن الغضب الإلهي في الدخول إلى قلوب العباد وجذبهم إليه وخاصة المؤمنين منهم فلا يمنعه عند ذلك مانع. وهل الشيطان يبحث عن غير المؤمنين والذاكرين ومن له رصيد عند الله عز وجل ليصدهم عن طريقه ويحبط أجرهم ويضيع عملهم؟
ماذا لو اقترن الشيطان بالإنسان؟
وهذا الشيطان ليس شيطانا خناسا؛ فالشيطان الخناس نعمة بالقياس إليه؛ لأنه يذهب ويأتي، وعند ذهابه يعود الإنسان إلى رشده وذلك قوله سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)[٢]ولكن هذا الصنف من الشياطين بمثابة الوجود القرين؛ أي الذي يتحول إلى نفس الإنسان؛ ليصبح جزء من كيانه لا ينفك عنه. فيتحول الإنسان إلى وجود شيطاني؛ يرى الشيطان من خلاله ويبصر بعينه وينطق بلسانه.
إن الإنسان الذي له شيطان قرين في ذاته وباطنه؛ هل هذا الإنسان تنفعه المساجد، والمجالس؟ وهل تنفعه المواعظ؟ وهل تنفعه الثقافة العامة، والكتاب؟ وهل تنفعه العبادة؟ وإذا كان من الداخل لا هوية له، فماذا ينفعه الوجود الخارجي؟ ولهذا نرى أن الحصى تسبح في يد الرسول، والشجرة تتقدم نحو الرسول، والقمر ينشق بأمره (ص)؛ ولكن المشركين والذين مردوا على النفاق من أهل المدينة، لم ترق قلوبهم لرسول الله (ص) رغم كل ما شاهدوه من ذلك.
فنحن الآن نبحث في التراث الإسلامي لنجد حديثا واحدا صحيحا عن رسول الله (ص)، فإذا وجدنا حديثا متواترا مجمعا عليه؛ جعلناه في واجهة الكتب. ولكن الناس في ذلك الوقت وهم بين يدي رسول الله (ص)، وهو بين أظهرهم، وكلامه لا يحتاج إلى سند، ولا يحتاج إلى إثبات؛ فتأتي القافلة من الشام أو من بلاد أخرى، وهي تحمل الملح والطعام؛ فيضربون الطبول خارج المسجد، وإذا في يوم الجمعة، والرسول (ص) يخطب فيهم – وهو خطيب الأنبياء، ومقدم السفراء بين يدي الله عز وجل – ينفضون عنه وذلك قوله سبحانه: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا)[٣] ولم يبق في المسجد إلا ثلة قليلة، كما يبدو من ظاهر الآية. لماذا؟ لأن الشيطان لهم قرين. وهذا الشيطان لا يترك للمؤمن أن يستفيد من وجود رسول الله (ص). فكيف إذا مات النبي، وفقد الولي، وغاب الوصي؟ ثم يبدي الندامة في يوم القيامة حين لا ينفع الندم ويتبرأ منه وذلك قوله سبحانه: (حَتَّىٰ إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ)[٤].
خلاصة المحاضرة
- إن الدنيا بقضها وقضيضها لا تساوي عند الله شيئا ولو لم يجتمع الناس على الكفر؛ لفتح الله الدنيا على الكافر وصبها صبا عليه ولجعل سقوف بيوتهم من فضه وأبوابها من الذهب المصفى؛ حتى يعلموا أن ليس لهم في الآخرة نصيب وإنما العاقبة للمتقين.
- قد يقترن الشيطان بالإنسان فلا يفارقه؛ بل يصبح جزء لا يتجزأ من وجوده؛ فينطق بلسانه ويبصر بعيونه ويصبح مطية سهلة طيعة بيده يضله الشيطان ويضل به سائر الناس. وما ذلك إلا لإعراضه عن ذكر الرحمن عز وجل.