قضاء حوائج المؤمنين
بسم الله الرحمن الرحيم
وأفضل الصلاة وأتم السلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين.
قضاء حوائج المؤمنين
من أفضل ما يتقرب به الإنسان إلى ربه قضاء حوائج المؤمنين وتفريج كربة المكروبين، ولا نقصد بالحوائج عظامها بل يكفي أن يسد الإنسان أي فراغ يشعر به عند أخيه صغر ذلك أم كبر، وحاجات المؤمن تنقسم إلى ثلاثة أقسام: الحاجة المادية، وهي حاجته إلى المال والطعام والشراب والزواج والمسكن والملبس، والحاجة المعنوية، كحاجته إلى من يرشده إلى الله سبحانه، والحاجة النفسية، فقد تكون له حاجة مادية ولا يشعر بحاجة القرب الله سبحانه، ولكنه يعيش حالة من الاكتئاب المزمن المتفشي هذه الأيام، وينبغي للمؤمن أن يسد حاجة أخيه في هذه المجالات الثلاثة.
ونية المؤمن في قضاء حوائج المؤمنين هي أن هذا العبد إنما هو شأن من شئون المولى عز وجل، ولأجل هذا يخلد قاتل المؤمن في النار إلى جانب المشرك ومنكري وجود الله سبحانه.
وقد يكون قضاء الحوائج والتودد إلى الناس من منطلقات حسنة؛ كما يحدث ذلك في بلاد الكفر، حيث تقوم المؤسسات والجمعيات الخيرية بمشاريع تصب في مصلحة الناس وتخدم المحتاجين وأهل الفاقة ولكنه أمور لا يريدون بها وجه الله سبحانه ولا يبتغون بها الأجر من الله عز وجل، ولم يكن الله سبحانه ليتقبل إلا من المتقين، فمن أراد قضاء حاجة أخيه فلتكن نيته نية أهل البيت (ع) في قوله تعالى: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)[١].
فقه قضاء الحوائج
وينبغي للمؤمن أن يكون واقفا على فقه قضاء الحوائج، فقد روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (لاَ يَسْتَقِيمُ قَضَاءُ اَلْحَوَائِجِ إِلاَّ بِثَلاَثٍ بِتَصْغِيرِهَا لِتَعْظُمَ وَسَتْرِهَا لِتَظْهَرَ وَتَعْجِيلِهَا لِتَهَنَّأَ)[٢]، فعلى العامل أن لا يأبه بعمله ولا يراه مهما، فعندما يقدم طعاما لجائع بعلم أن الطعام خلق الله والجائع عبد الله وليس هو إلا وسيط بينهما مكنه الله من ذلك، ولذلك فقد روي عن الإمام أبي عبدالله الحسين (ع) أنه قال: (اِعْلَمُوا أَنَّ حَوَائِجَ اَلنَّاسِ إِلَيْكُمْ مِنْ نِعَمِ اَللَّهِ عَلَيْكُمْ فَلاَ تَمَلُّوا اَلنِّعَمَ فَتَتَحَوَّلُ إِلَى غَيْرِكُمْ)[٣].
ولابد من المبادرة إلى قضاء حاجة المؤمن والإسراع في تنفيذها وعدم اضطراره إلى التكرار حتى لا يشعر بالذل والهوان، ثم ما قيمة الحاجة التي تقضى بعد إراقة ماء الوجه؟ ولا يكون للحاجة ذلك الوزن العظيم عند الله سبحانه إذا لم تقضى قبل السؤال.
ترتيب سلم الأولويات في قضاء الحوائج
وبما أن إمكانات الإنسان المادية والنفسية والروحية محدودة فلابد له أن يلاحظ الأوليات في قضاء الحوائج، فيقدم الرحم على غير الرحم، ويقدم المؤمن على غيره ويقدم الأكثر إيمانا على الأدنى منه في الإيمان، وهكذا يرتب سلم أولوياته ويقدم الراجح على المرجوح في عطائه.
طلب الدعاء من المحتاج
ومن الملاحظات المهمة في قضاء الحوائج ما ورد عن أهل البيت (ع) بخصو طلب الدعاء من المؤمن عند قضاء حاجته، فقد يشعر المؤمن بالخجل عندما تقضي له حاجة ما، فتفهمه بطلب الدعاء منه أن دعائك لي ليس بأقل من الذي قدمته لك، فاطلب من الدعاء أو ادعو الله عز وجل واطلب منه أن يأمن على دعائك، والمؤمن يستغل الفرص لأمور أعظم، فقد روي عن الإمام الهادي (ع): (اَلدُّنْيَا سُوقٌ رَبِحَ فِيهَا قَوْمٌ وَخَسِرَ آخَرُونَ)[٤]
استغل أوقات قضاء الحوائج..!
ولا بأس في أن يناجي العبد ربه بعد قضاء حاجة مؤمن ويطلب من حاجته، فيقول: يا رب قد قضيت حاجة عبد من العباد وأنا مخلوق ضعيف فكيف بك يا رب وأنت أقدر القادرين، ولذلك استغل موسى (ع) فرصة سقيه لابنتي شعيب، فقال: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)[٥]، وقد استجاب الله دعائه وأية استجابة.
فتبين لنا أن الانشغال بالعالم العلوي لا يعني إهمالنا للعالم السفلي وقضاء حوائج المؤمنين، فقد تصدق أمير المؤمنين (ع) بخاتمه في ركوع صلاته وهو في قمة اتصاله بالعالم العلوي.
خلاصة المحاضرة
- وقد يصل المؤمن من خلال المراقبة الدقيقة إلى معرفة الأعمال التي تعقب النفحة الإلهية، من زيارة مريض أو تفريج كربة مؤمن أو زيارة الموتى أو مجلس يذكر فيه أهل البيت (ع) أو صلاة جمعة أو غسل مستحب أو ما شابه ذلك، فيحرص المؤمن على هذه الأعمال خشية أن تفوته.