قصة النبي صالح (عليه السلام)
بسم الله الرحمن الرحيم
قصة النبي صالح (عليه السلام) في القرآن الكريم
ذكر القرآن الكريم في طيات سورة الكثير من قصص الأنبياء. وقد عبر عن هذه القصص بقوله: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)[١]. ومن هذه القصص؛ قصة النبي صالح (ع) ومعاناته مع قومه ثمود.
وعند التأمل في هذه القصة نرى أن الله سبحانه رغم عنادهم وفسادهم؛ كان رؤوفا بهم حيث أرسل إليهم رسولا من أنفسهم وقد عبر عنه بقوله: (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا)[٢]. وإن كانت عاقبتهم الدمار العظيم والصيحة القاتلة بعد أن أمهلهم الله عز وجل ثلاثة أيام وبعد إخراج ناقة لهم من الجبل وعقرهم لتلك الناقة التي كانت آية من آيات الله سبحانه.
أصل الدعوة في حركة الأنبياء (على نبينا وآله وعليهم السلام)
وبداية دعوة كل نبي ومنهم نبينا (ص) الدعوة إلى التوحيد. ولم يكن صالح (ع) بدعا من الرسل وإنما جاء قومه بالذي جاء به الأنبياء جميعا إلى أممهم. فدعاهم إلى توحيد الله عز وجل وذلك قوله سبحانه: (قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)[٣]. ولو ترجمنا التوحيد إلى عمل وسلوك في حياتنا؛ لاستقامت جميع أمورنا. فالمعصية التي هي من الأمور الجوارحية والخيالات الباطلة التي هي من الأمور الجوانحية ترجع كلها إلى عدم الاعتقاد بالتوحيد. والذي يرى الله كبيراً في نفسه؛ يصغُرُ كل شيءٍ في عينه، وبالتالي لا تجول الخيالات الفاسدة في ذهنه، ولا يهم في المعصية البتة.
فالذي يرى الله عز وجل حاضراً، ومهيمناً، ورقيباً، وعتيداً، ومجازياً، ومثيباً، ومنتقماً، وجباراً؛ هل ينقدح في نفسه الميل إلى المعصية؟ والتوحيد مصدر الخير والبركة في كل شأن من شئون الحياة، ولكن قل من يصل إلى التوحيد الحقيقي الخالص. ولذلك بدأ الأنبياء دعوتهم من الأصل وهو التوحيد ولم يبدأوا من الفروعات كالصلاة والصيام وسائر التشريعات.
الاستعمار في القرآن الكريم
ثم يبين لهم ما أنعم الله به عليهم من إخراجهم من العدم إلى الوجود وما عليهم من واجبات في عمارة الأرض واستصلاحها إذ يقول: (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا)[٤]. وقد سخر الله سبحانه للإنسان جميع أنواع المعادن وألهمه كيفية التنسيق بينهما واستغلال الوقود في باطن الأرض باستخدامه في الصناعات وفي المواصلات وما شابه ذلك. إن المستعمِر هو الله سبحانه بالمنظور القرآني والبشر هم مُستعمَرون؛ أي عليهم واجب بناء الأرض واستصلاحها. وإن كان المستعمَر فاسدا فما شأن المستعمِر في ذلك؟ وتذكر هذه النعم الإلهية من موجبات تقوية التوحيد بالله عز وجل.
الاستغفار ثم التوبة..!
ثم يذكر لهم ضرورة الاستغفار والتوبة وهي الرجوع إلى الله سبحانه بقوله: (فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ)[٥]. وقد يعتقد البعض أن الاستغفار والتوبة بمعنى واحد؛ بل هما مرحلتان. فأما الاستغفار هو تذكر المعاصي والندم عليها، وأما التوبة فهي عملية مبرمجة للرجوع إلى الله سبحانه واستدراك ما فات واستصلاح ما أفسدته المعاصي.
العرفان ممزوج بدعوة الأنبياء (عليهم السلام)
ثم يبن لهم أن الله سبحانه لا يخيب رجاء راجيه بقوله: (إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ)[٦]. ولن يحتاج الأمر منه إلا عزيمة صادقة وكما ورد في الأدعية الشريفة: (وَأَنَّكَ لاَ تَحْتَجِبُ عَنْ خَلْقِكَ إِلاَّ أَنْ تَحْجُبَهُمُ اَلْأَعْمَالُ دُونَكَ وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ أَفْضَلَ زَادِ اَلرَّاحِلِ إِلَيْكَ عَزْمُ إِرَادَةٍ)[٧]. ونلاحظ أن دعوة الأنبياء لا تخلو من المعاني العرفانية الدقيقة. فهو وإن كان يتحدث إلى قومه بصورة عامة إلا أنه يشير من طرف خفي إلى من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
ولكن بماذا أجابه قومه؟
قال تعالى: (قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ)[٨]. ثم هم بدل الوقوف على خطأ اعتقادهم يشنعون عليه اعتقاده بالله الواحد ويقولون له في استكبار: أنك كنت في أعيننا كبيرا قبل دعوتك إلى التوحيد. ثم هم يصرون على البقاء على عقيدة الآباء دون فكر أو علم؛ وإنما إصرارا على موروثهم الفاسد بعد عن أخذتهم الحمية في الدفاع عنها.
حوار النبي صالح (عليه السلام) مع قومه
ثم قال لهم: (يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ)[٩]. ويجدر بالإنسان أن يطلب من ربه البينة والرحمة. فالبينة لاكتشاف الطريق والرحمة للحركة نحو الله عز وجل. فإذا حاز الإنسان البينة والرحمة يسلك الطريق إلى الله عز وجل من دون تلكأ وتعثر. لقد جاءهم النبي صالح من كل الجوانب: فبدأ بالنصيحة ثم التوجيه وإقامة البرهان قم الاستعطاف.
وأخيرا جاءهم بالحجة التكوينة والمعجزة الباهرة وهو قوله: (وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ)[١٠]. وكل ناقة في هذه الأرض هي نقاة الله عز وجل لأنها مخلوقة لله عز وجل؛ إلا أن هذه الناقة قد انتسبت إلى الله عز وجل انتسابا تشريفيا. وكما أن الخلق هم عبيد الله عز وجل جميعهم إلا أن منهم يسلك طرق القرب حتى يصبح من خواص العباد.
لقد خرجت الناقة من بطن الجبل بأمر من الله عز وجل ولا يستنكف سبحانه أن يقول: ناقة الله. فكيف بالمؤمن الذي يترك لذيذ الرقاد ليقف بين يديه في ظلمة الليل يناجيه ويتقرب إليه بالصلاة والقرآن وقد تأخذه سنة أو نوم في صلاته حتى يباهي به الله ملائكته فيقول: (اُنْظُرُوا إِلَى عَبْدِي رُوحُهُ عِنْدِي وَجَسَدُهُ سَاجِدٌ)[١١].
غضب الله لناقة الله..!
ولكن ما كان من قوم صالح إلا الطغيان ومعاندة أمر السماء قال سبحانه: (فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ)[١٢]. وإذا كان الاعتداء على ناقة تستوجب هذا العذاب؛ فكيف بالاعتداء على عبد من عباد الله عز وجل؟ ولماذا يستنكر البعض العذاب الذي نزل على بعض قتلة الحسين (ع) وهو الذي حقق أرقى مراتب العبودية؟ وإن كانت العقوبة والعذاب الأليم والثأر من قتلته يتحقق على يد الإمام صاحب العصر والزمان (ع). ثم يوم القيامة عند مطالبة الزهراء (س) بثأر ولدها يكون العذاب العظيم والانتقام الحقيقي من هؤلاء.
وقال لهم نبيهم: (تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) ولكنها المتعة التي تعقب الصيحة المزلزلة. وهذا الحال الكثير من أهل الدنيا المتمتعين بالنعيم أيام قليلة وهم ناسين للصيحة التي بانتظارهم.
كأن لم يغنوا فيها..!
والله سبحانه غيور على أوليائه ينجيهم من أعظم النكبات في الوقت المناسب. قال سبحانه: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ * وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ * كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ)[١٣]؛ فقد نجى صالحا والذين معه كما فعل ذلك بسائر الأنبياء ومن آمن معهم. ثم يقول سبحانه أن العذاب استأصلهم حتى كأنهم لم يغنوا فيها؛ أي لم يكن يقيم في هذه الأرض أحد من قبل وهذه أمارة على شدة العذاب وعظمته.
خلاصة المحاضرة
- لم يكن صالح (ع) يختلف عن غيره من الأنبياء؛ فقد كان بالنسبة إلى قومه أخ رؤوف بهم حريص على دعوتهم إلى الله عز وجل. وحاول بشتى الطرق منعهم عن البغي والفساد في الأرض وأظهر لهم من الآيات ما قطع به حججهم ولكنه الاستكبار! فقد نزل بساحتهم العذاب وساء صباحهم المنذرين..!