قبسات من السيرة العطرة للسيدة الزهراء (ع)
بسم الله الرحمن الرحيم
التأسي بسيدة النساء (عليها السلام)
سنحاول في هذه الحديث أن نأخذ جولة سريعة في السيرة الفاطمية العطرة. إن هذه السيرة المباركة هي عبرة للرجال والنساء؛ فهي سيدة نساء العالمين وسيدة الكثير من رجال العالمين. وصحيح أن في الرجال الأنبياء والأوصياء ولكن يكفي أن نعلم أنها في زمرة المعصومين الأربعة عشر. إن الأئمة الاثني عشر جدهم المصطفى وجدتهم فاطمة الزهراء (ع).
دروس السيرة الفاطمية
وهناك الكثير من الدروس التي يمكن الاستفادة منها من سيرتها. من هذه الدروس درس القناعة والصبر على المكاره. إن هذه الأيام بحمد الله في بلداننا؛ قل ما يتفق أن يعيش إنسان الجوع مثلا، ولا أعني الجوع العارض؛ فقد تجوع يوماً لظرف ما، وإنما كلامنا في الجوع من الفقر. وهذا المعنى موجود في بعض البلدان أو في بعض الغابات أو في بعض القارات عندما يقال: أن الشعب الفلاني أو الفرد الفلاني مبتلى يقولون: لا يملك قوته أو أنه شعب جائع أو فقير. وهذا الذي نذكره كان حاضرا في حياة علي وفاطمة (ع). اعلموا قدر هذه السيدة وقدر بعلها. إن هذه الرواية هي من الإمام الباقر (ع) وأسرار الأئمة عن أولادهم وأن كان بين الإمام الباقر (ع) وبين جديه أمير المؤمنين (ع) وفاطمة (ع) عقود من الزمن.
رواية عن الباقر (عليه السلام) في صبر فاطمة وأمير المؤمنين (عليهما السلام)
يقول: (إِنَّ فَاطِمَةَ (عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ) ضَمِنَتْ لِعَلِيٍّ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) عَمَلَ اَلْبَيْتِ وَاَلْعَجِينَ وَاَلْخُبْزَ وَقَمَّ اَلْبَيْتِ، وَضَمِنَ لَهَا عَلِيٌّ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) مَا كَانَ خَلْفَ اَلْبَابِ؛ نَقْلَ اَلْحَطَبِ، وَأَنْ يَجِيءَ بِالطَّعَامِ، فَقَالَ لَهَا يَوْماً: يَا فَاطِمَةُ، هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ؟ قَالَتْ: لاَ، وَاَلَّذِي عَظَّمَ حَقَّكَ، مَا كَانَ عِنْدَنَا مُنْذُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ شَيْءٌ نَقْرِيكَ بِهِ)[١]. وليس في الرواية؛ أن علياً كان يستعين بغيره في نقل الحطب أو جلب الطعام ومن أجل الخبز في المنزل. ونقريك به؛ نقدمه لك مما يعتد به من كسرة خبز مع ملح أو ما شابه ذلك. والقرى يعني الطعام الذي يقدم.
فقال لها أمير المؤمنين (ع): (أَ فَلاَ أَخْبَرْتِنِي؟ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) نَهَانِي أَنْ أَسْأَلَكَ شَيْئاً، فَقَالَ: لاَ تَسْأَلِي اِبْنَ عَمِّكِ شَيْئاً، إِنْ جَاءَكِ بِشَيْءٍ عَفْواً، وَإِلاَّ فَلاَ تَسْأَلِيهِ)[٢]، وبتعبيرنا اليوم من تلقاء نفسه.
ماذا يعمل أمير المؤمنين (ع)؟ كان بإمكانه أن يقلب ما في المنزل ذهبا؛ فلهم الولاية ولطالما في حياة الأئمة صدرت هذه الولاية لظرف ما. إن سيد الشهداء (ع) وهو على رأسه على الرمح يقرأ القرآن الكريم؛ (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ)[٣]. إن لأئمة أهل البيت (ع) هذه القدرة. إن آصف بن بلخياء ينقل عرش بلقيس من اليمن وهو عنده علم من الكتاب وأمير المؤمنين (ع)هو الذي قال عنه سبحانه: (قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ)[٤]. فهل يُعجز عليا (ع) أن يقوم بما قام به آصف أو عفريت من الجن؟ لا تستغرب هذه المعاني من أئمة أهل البيت (ع).
ومع ذلك تقول الرواية: (فَلَقِيَ اَلْمِقْدَادَ بْنَ اَلْأَسْوَدِ ، فَقَالَ لِلْمِقْدَادِ: مَا أَخْرَجَكَ فِي هَذِهِ اَلسَّاعَةِ؟ قَالَ: اَلْجُوعُ، وَاَلَّذِي عَظَّمَ حَقَّكَ، يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ – قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) : وَرَسُولُ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) حَيٌّ؟ قَالَ: وَرَسُولُ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) حَيٌّ – قَالَ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): فَهُوَ أَخْرَجَنِي)؛ أي الجوع كذلك أخرج أمير المؤمنين (ع). (وَقَدِ اِسْتَقْرَضْتُ دِينَاراً وَسَأُوثِرُكَ بِهِ؛ فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ)؛ والآن يرجع علي (ع) إلى المنزل خالي اليدين.
(فَأَقْبَلَ فَوَجَدَ رَسُولَ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) جَالِساً وَفَاطِمَةُ تُصَلِّي وَبَيْنَهُمَا شَيْءٌ مُغَطًّى، فَلَمَّا فَرَغَتْ أَحْضَرَتْ ذَلِكَ اَلشَّيْءَ فَإِذَا جَفْنَةٌ مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ قَالَ: يَا فَاطِمَةُ ، أَنَّى لَكِ هَذَا؟ قَالَتْ: هُوَ مِنْ عِنْدِ اَللّٰهِ إِنَّ اَللّٰهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشٰاءُ بِغَيْرِ حِسٰابٍ. فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ): أَ لاَ أُحَدِّثُكَ بِمَثَلِكَ وَمَثَلِهَا؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: مَثَلُ زَكَرِيَّا إِذْ دَخَلَ عَلَى مَرْيَمَ اَلْمِحْرَابَ فَوَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قٰالَ يٰا مَرْيَمُ أَنّٰى لَكِ هٰذٰا قٰالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اَللّٰهِ إِنَّ اَللّٰهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشٰاءُ بِغَيْرِ حِسٰابٍ فَأَكَلُوا مِنْهَا شَهْراً، وَهِيَ اَلْجَفْنَةُ اَلَّتِي يَأْكُلُ مِنْهَا اَلْقَائِمُ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) وَهِيَ عِنْدَنَا). وهذه قصة من قصص صبر فاطمة (ع) وبعلها وبنيها.