في رحاب السيدة أم البنين (ع)
بسم الله الرحمن الرحيم
أم البنين (سلام الله عليها) المرأة المتميزة في التاريخ
إن السيدة الجليلة فاطمة الملقبة بأم البنين، هي من السيدات المتميزات في التاريخ. إنها زوجة أمير المؤمنين (ع) وأم الشهداء الأربعة. لقد قدمت للإسلام بين يدي الحسين (ع) أربعة مثل نسور الرُبى كان على رأسهم العباس السقاء، وكافل اليتامى، وقمر بني هاشم، وزين بني هاشم إلى آخر ذلك من الصفات. وكذلك جعفر وعبدالله وعثمان.
أم البنين (سلام الله عليها) باب من أبواب الحوائج إلى الله
ولهذا في أوساطنا – وهذه حقيقة – اشتهرت هذه السيدة بأنها باب من أبواب الحوائج إلى الله عز وجل. فليس من المستغرب أن نتقرب إلى الله عز وجل بها، وأن نحصل على الحوائج منها كولدها العباس (ع) وبعلها أمير المؤمنين (ع). إنها امرأة وجيهة عند بعلها وعند بنيها الأربعة؛ بالإضافة إلى الذين تكفلتهم. كم هذه منحة عظيمة أن تتكفل هذه السيدة تربية الحسنين، ومعروف ما جرى عليهما بعد فقد أمهم فاطمة (ع).
دور عقيل في زواج أم البنين (سلام الله عليها)
إن أمير المؤمنين (ع) عندما أراد زوجة مربية كفيلة لأولاده طلب من أخيه عقيل أن يختار له امرأة ولدتها الفحولة من العرب لكي تلد له غلاماً فارساً. إن أمير المؤمنين (ع) عينه على نصير الحسين (ع) قبل أن يتزوج. إننا نريد أن نتأسى بهذه السيدة وخاصة نساء عصرنا كما نقدمها بين يدي حوائجنا إلى الله عز وجل.
مبدأ المشورة
أين أمير المؤمنين (ع) وأين أخوه عقيل. هناك قصة معروفة دارت بينهما؛ عندما طلب عقيل من أمير المؤمنين (ع) شيئا وكان مكفوف البصر فقدم له جمرة احترق بها، واكتوى بنارها. فذكره أمير المؤمنين (ع) بعذاب الآخرة. والفرق بين المعصوم وبين غيره كبير جدا ولا يقاس المعصوم بغيره أبدا. ومع ذلك كلف أمير المؤمنين (ع) عقيلا – وهو الخبير بأنساب العرب – أن يختار له امرأة. فحتى لو كنت في الدرجة العليا من الفهم والخبرة؛ لا تحتقر مشورة أحد. فقد يذهب الإنسان إلى المنزل، وفي باله قضية أو مشروع أو أمر ما فيقول لزوجته وقد تكون أمية مثلا أو قليلة العلم، وإذا بها تقول كلمة مفتاحية تنجيه من الخطأ الكبير. إن مبدأ المشورة مما ينبغي أن يتركز بين المؤمنين. كان بإمكان أمير المؤمنين (ع) بنظرة ولائية أن يعلم أن أقرب النساء إليه وأنسبهن له؛ هي فاطمة أم البنين (س) ولكن جعل عقيلاً واسطة.
من مواصفات الزوجة الصالحة
وفي هذه القصة درس للشباب جميعا. فإذا أردت أن تتزوج من امرأة؛ فانظر إلى باطنها – كما يعبر عنه هذه الأيام ميكروسوماتها الوراثية – وتنظر إلى جيناتها الوراثية؛ فالخال أحد الضجيعين. إن أمير المؤمنين (ع) يقول: أريد سيدة تلد لي غلاما. من أين يأتي هذا الغلام؟ من الفحولة من العرب. فالفحل يلد الفحل لا مباشرة فقط؛ وإنما بواسطة أيضا. إن الجد أو الخال أو العشيرة المتميزة؛ لهم مدخلية وتأثير.
ولهذا أمرنا باحترام السادة؛ لأننا نعتقد أنه انتقل إلى السيد في زماننا هذا شيء من تركيبة تلك النطفة الطاهرة. إن النبي الأكرم (ص) في سلالته شيء من البركة. إن أمير المؤمنين (ع) يفكر في نسل طاهر قبل أن يتزوج بهذه السيدة. إنه لم يقل لعقيل: أريد امرأة جميلة، أو أريدها كذا وكذا من مواصفات الدنيا، وإنما قال: أريد امرأة تصبح منبتاً طيباً لذرية صالحة.
مقام أم البنين (عليها السلام) وحق الكفالة
وإنني أعتقد أن الحسنين (ع) عندما يأتيان يوم القيامة يقولان: يارب، أحسن إلى هذه الكافلة، كما أحسنت إلينا. وسبحان الله..! أبو طالب (ع) كان كفيلا للنبي الأعظم والحسنان والزينبان – على اختلاف النقل أن أم كلثوم هي زينب أو هي بنت أخرى – وهم ثلاثة أو أربعة من أولاد أمير المؤمنين (ع) لهذه المرأة حق عليهم. إن أحدنا يحسن إليه فلا ينسى صاحب الإحسان. وهناك رواية معروفة أن الزهراء (ع) تشفع لمن أكرم ذريتها ولو لم يكن من شيعتها، فكيف بسيدة ربت الحسنين (ع) وزينب (س)؟
فما هي وجاهة هذه السيدة عند الله عز وجل؟ فلو قضيت حوائج الخلق جميعا ببركتها لا تستغرب من ذلك. إن هذه الكرامات المعروفة عن أم البنين، والنذور المجربة، والتوسلات البليغة في محلها. أولا لكمالها الذاتي، وصبرها بعد فاجعة عاشوراء. وثانيا: لحقها على الحسنين (ع).
إنني على يقين – وهذا اليقين يأتي من القرائن – إن هذه المرأة هي تربية أمير المؤمنين (ع)، وهي من شملتها عناية الحسنين (ع) وهي من انتقلت إليها بركات العباس (ع). لقد أثرت في العباس (ع) وأثر العباس عليها. كيف لا وهو صاحب مقام: صلب الإيمان، نافذ البصيرة.
مصيبة أم البنين (سلام الله عليها)
وعلى يقين أيضا أن هذه السيدة المتكاملة؛ كانت فجيعتها بالحسين (ع) أعظم من فجيعتها بأولادها الأربعة. والدليل والقرينة واضحة؛ فإنها ترى المعصوم في كفة وغير المعصومين في كفة أخرى، ولو كان من ولدها.
ولا ريب في أن مقام العباس (ع) تالي تلو مقام العصمة. إننا نعتقد أن زينب والعباس (ع) هم من أقرب الخلق إلى المعصومين، ولكن مع ذلك كان بكاء هذه السيدة على الحسين (ع) أعظم من بكاءها على أولادها الأربعة. ولهذا عندما استقبلت البشير أو من ينقل أخبار كربلاء؛ كان سؤالها عن الحسين (ع). فهي المربية للحسين (ع) والباكية على فقده.
تخيل سيدة تذهب إلى البقيع وهي تتذكر هذه الذوات الطاهرة الأربعة، ولسان حالها: ويك لا تدعوني أم البنين؛ إذ أن هذه التسمية انتهت مفعولها. فاليوم أصبحت ولا من بنين. لا من أمير المؤمنين (ع)، ولا من الحسن والحسين (ع)؛ فقد فقدت الجميع.
تخيل امرأة فقدت بعلها وأولادها وفقدت من هو أعز من أولادها؟ كم هي عظمة هذه المصيبة؟ إن هذه السيدة كانت تبكي بكاء بليغاً وكان لسان حالها؛ كيف قضوا على ولدي العباس (ع) وهو المعروف بالشجاعة الحيدرية؟ إن العباس (ع) كان وارثاً لشجاعة أمير المؤمنين (ع). إنها تيقنت بقتله عندما علمت أن القوم قطعوا يمينه وشماله. عندما علمت؛ أن القوم انهالوا عليه بعمود من حديد فضخوا به جبينه. عندما علمت؛ أن القوم رموه بسهم نبت في العينين. ولهذا كان لسان حالها:
يـا لـيت شعري أكما أخبروا
بأن عباساً قطيعُ اليمين
خلاصة المحاضرة
- إن السيدة الجليلة فاطمة الملقبة بأم البنين، هي من السيدات المتميزات في التاريخ. إنها زوجة أمير المؤمنين (ع) وأم الشهداء الأربعة. لقد قدمت للإسلام بين يدي الحسين (ع) أربعة مثل نسور الرُبى كان على رأسهم العباس السقاء، وكافل اليتامى.
- اشتهرت هذه السيدة بأنها باب من أبواب الحوائج إلى الله عز وجل. فليس من المستغرب أن نتقرب إلى الله عز وجل بها، وأن نحصل على الحوائج منها كولدها العباس (ع) وبعلها أمير المؤمنين (ع). إنها امرأة وجيهة عند بعلها وعند بنيها الأربعة؛ بالإضافة إلى الذين تكفلتهم؛ أعني أولاد الزهراء (س).
- إنني على يقين – وهذا اليقين يأتي من القرائن – أن أم البنين (س) هي تربية أمير المؤمنين (ع)، وهي من شملتها عناية الحسنين (ع) وهي من انتقلت إليها بركات العباس (ع). لقد أثرت في العباس (ع) وأثر العباس عليها. كيف لا وهو صاحب مقام: صلب الإيمان، نافذ البصيرة.