• ThePlus Audio
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

ماذا تتحدث سورة الإنسان أو هل أتى؟

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة أهل البيت (عليه السلام)

إن من الآيات التي نزلت في شأن علي وفاطمة والحسن والحسين (ع) قوله تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا)[١]. يعتقد المفسرون، أن الترتيب الوارد في هذه الآية هو الترتيب الذي حدث في الخارج فعلا؛ وذلك أنه جاء مسكين في اليوم الأول ثم يتيم ثم أسير في اليوم الثالث حيث بلغ الجوع أقصى مداه. ولم يكن الأسير الذي كان له حظ اليوم الثالث من زاد أسرة أمير المؤمنين (ع) مسلما، فلم يكن في زمن النبي (ص) أسير مسلم، وإنما كان ذلك في زمن خلفاء الجور وفي زماننا هذا.

الدرس عملي من التفضل على أسير كافر

إن التأمل في قصة إطعامهم التي شملت الأسير الكافر، توقفنا على سعة دائرة الكرم عند أهل البيت (ع) وعنايتهم التي تشمل البر والفاجر. وهذه العناية هي جارية لهم اليوم وتشمل محبيهم وزائريهم. تصور أن يزورهم الزائر في زيارة الأربعين مشيا على الأقدام وله ما له من الهفوات والزلات، فهل يشك أنه مشمول بالمغفرة التي هي نتيجة النظرة الحسينية؟ إن النظرة الفاطمية شملت أسيرا كافرا وكان له نصيب في طعامها وطعام أمير المؤمنين (ع)؛ فكيف بالمؤمن الموالي لهم؟ فكيف إذا كان من ذريتها؟ وتصور امرأة من نسلها ذهبت إلى المدينة وهي تتنقل بين البقيع والروضة وقبر النبي (ص) علها تحظى بوقفة على قبرها الشريف، وهي تستنجد هناك بأمها الزهراء (س)، فهل تُرى تعود خائبة من دون استجابة؟ لا ينبغي الشك والترديد أبدا.

هذه رحمتهم العامة، فما بالك بالرحمة الخاصة؟!

هذا وإن إطعام الأسير الكافر يدخل في باب الرحمة الرحمانية العامة؛ فكيف بالرحمة الرحيمية الخاصة التي شملت على سبيل المثال فضة التي كانت في خدمتهم، فكانت فيمن نزلت فيهم هذه الآيات؟ فإذا كانت المرأة المؤمنة في خدمة الدين وسارت على النهج الفاطمي فستبصح كفضة وتشملها عناية مولاتها (س). ما يمنعنا أحدنا أن يخاطب الزهراء (س) قائلا: يا مولاتي، لئن أخرتني الدهور عن أن أدرك زمانك وأحظى بخدمتك، فإنني سأفرج هموم المؤمنين وسأكفل الأيتام وأرشد الضال وأروج للعفة والحجاب تحصيلا لمرضاتك، علني أنعم بالنظرة التي شملت فضة وبالعناية التي حظيت بها منك.

إيثار خارجي لا يكون إلا برصيد داخلي…!

لقد كان لهذا الإيثار الخارجي وهو تقديم طعام الإفطار، رصيد باطني تجلى في قول الله عز وجل: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ)[٢]. أما ما أشار إليه سبحانه في قوله: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ)، فحتمل معنيين: حب الطعام، وحب الله عز وجل. ولا يليق بهم أن يكونوا مرجع الضمير إلى الطعام، وإنما كان حبهم لله عز وجل هو الدافع لهذا الإيثار العظيم وهو الذي صبرهم على ألم الجوع.

عندما ذهب موسى (ع) لميقات ربه، يُقال: أنه لم يأكل ولم يشرب طيلة تلك الفترة شوقا إلى تلقي الألواح. وكذلك يصل المؤمن إلى درجة لا يفطر عند أذان المغرب في شهر رمضان المبارك، بل يصلي صلاته بتوجه وتستغرق منه تلك الصلاة الساعة أو أكثر ولكنه لا يبالي لأنه في حالة لا يشتهي فيها الطعام والشراب. إنه يرى غذاء الصلاة لروحه أشهى من غذاء الطعام لبدنه. إنه يصل إلى درجة من الكمال تتسامى فيه الروح عن لوازم البدن طعاما وشرابا وما شابه ذلك. بعبارة أخرى: إن حبهم لله عز وجل، هو الذي جعلهم يقاومون هذه المقاومة في عالم الأبدان.

ما معنى لوجه الله عز وجل؟

ثم يقول سبحانه عن نية هذا الإطعام: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ). إننا لو علمنا معنى وجه الله عز وجل وحققناه ولو ليوم واحد في حياتنا كنا من الفائزين. إن الإنسان يُعرف بوجهه؛ فلو التقيت بأحدهم وكان مقنعا قلت له: اكشف عن وجهك لكي نعرفك. وإن القناع ليخفي جمال الإنسان، ولا يُرى الجمال إلا بعد كشف القناع. ليسأل كل واحد منا نفسه: هل أحدنا وصل إلى هذه الدرجة في فترة من فترات حياته، فرأى شيئا من جلال وجمال ذلك الوجه الإلهي؟ إن الوجه المستور لا يؤثر في الإنسان ولا يحفزه ولا يغريه، ولكن إذا أسفر القناع عن جمال أخاذ، فإن الإنسان يستسلم له قهرا. إذا رأى العبد شيئا من جمال الله عز وجل، لأقبل قهرا في صلاته ولأخلص قهرا في جميع أعماله، وعندها يقبح في عينه كل جمال سوى جماله.

ما الذي يجعل المؤمن يقدم على القتال باستبسال ومن دون خوف؟

لماذا كان أصحاب الحسين (ع) يستبشرون بالقتل في يوم عاشوراء؟ لماذا كانوا يمازحون بعضهم بعضاً؟ لأنهم رأوا هذا الوجه، ولم يكن يفصلهم عن اللقاء بصاحب الوجه إلا ضربة بالسيف أو طعنى بالرمح. ولذا لابد وأن يكون من هموم المؤمن؛ الحصول على شيء من هذه المعاني التي نجد معدنها ومخزنها في جوف الليل. لقد سُئل الإمام زين العابدين (عليه السلام): (ما بال المتهجدين بالليل من أحسن الناس وجها؟ لأنهم خلوا بالله فكساهم الله من نوره)[٣]. وهذا هو ما يُعبر عنه العرفاء بالصعق والذوبان والوجد وما شابه ذلك. لقد رأى يوسف (ع) جمال زليخا ولكنها قال: (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ)[٤]. إن السجن أحب إليه لأن فيه الخلوة مع المحبوب وصاحب الجمال الذي أزهده في زليخا ونظائرها.

ثم يبين سبحانه نيتهم في هذا الإطعام ودليلا بينا آخر على إخلاصهم، وذلك قولهم: (لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)[٥]. لماذا يتوقع البعض من الناس الثناء والمدح وشهادة تقدير؟ ترى الموظف يشتكي مديره ويقول: إنه لا يقدرني وهكذا. إن الشاكر هو الله عز وجل ولن يزيدك شكر المخلوق شيئا. هل تنفعك هذه الورقة التقديرية التي تعلقها على جدار المنزل؟ ما قيمتها؟ سل الله عز وجل أن يعطيك هو الشهادة التقديرية التي تبقى أبد الآبدين وتنفعك في القبر والبرزه وفي الدنيا والآخرة. إن المؤمن ليصل إلى درجة إذا رأى في الطريق بعض من أحسن إليهم، يغير طريقه كراهية أن يشكروه على صنائعه…!

لوجه الله…!

تذكر الروايات الشريفة؛ أن موسى (ع) عندما خرج من المدينة خائفا يترقب، والتقى بابنتي شعيب وسقى لهما، كان قد أعياه التعب ولم يكن يأكل في مسيره هذا إلا نبات الأرض ولذا كان جائعا. ولكن على الرغم من ذلك، عندما قدم له شعيب (ع) الطعام لم يمد يده إلى ذلك الطعام. إن طعام الأنبياء (ع) طعام هنيء وكان امتناع موسى (ع) عن تناول الطعام أمر أثار استغراب شعيب (ع) فسأله عن العلة، فذكر له خوفه من أن يكون الطعام في مقابل تقدميه المساعدة لابنتيه فينقص بتناوله أجره. ولهذا يرفض بعض المؤمنين حتى مجرد التكريم كما رفض أحد العلماء الذين أعرفهم شخصيا جائزة أفضل مؤلف لأنه كان يخشى من أن يكون في التكريم هذا مثلمة للأجر الذي يتوقعه من الله أو يشوب نيته التي كانت لوجه الله عز وجل بشيء من عدم الإخلاص.

أي حور مع وجود الزهراء (سلام الله عليها)؟!

ومما يجدر بنا التدبر فيه؛ إعراض رب العالمين عن ذكر الحور في هذه السورة المباركة. لقد ذكر سبحانه الشراب وقوارير الفضة والولدان المخلدون وثياب سندس وإستبرق ولكنه لم يذكر الحور العين وذلك أنه أعرض عن ذكرهن كرامة لفاطمة (س). فمع وجود فاطمة (س) أي أنثى تستحق الذكر ولو كانت من الحور العين؟!

[١] سورة الإنسان: ٨.
[٢] سورة الإنسان: ٩.
[٣] ميزان الحكمة ج٢ ص ١٦٥٥.
[٤] سورة يوسف: ٣٣.
[٥] سورة الإنسان: ٩.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • لقد خلد القرآن الكريم إطعاما قامت به أسرة أمير المؤمنين والزهراء (ع). وكان مما يدعو إلى الأمل بسعة كرمهم أنهم أطعموا الأسير الكافر من طعامهم الذي هو أطهر طعام على وجه الأرض؛ كيف لا والمال من علي (ع) والخبز من فاطمة (س)؟
  • مما يجدر بنا التدبر فيه؛ إعراض الرب عن ذكر الحور في سورة الإنسان. لقد ذكر سبحانه الشراب وقوارير الفضة والولدان المخلدون وثياب سندس وإستبرق ولكنه لم يذكر الحور العين وذلك أنه أعرض عن ذكرهن كرامة لفاطمة (س). فمع وجود فاطمة (س) أي أنثى تستحق الذكر ولو كانت من الحور العين؟!

 

Layer-5.png