علامات القلب الحي، وارتباطه بإمام زمانه (عجل الله فرجه)
بسم الله الرحمن الرحيم
كيف تُشخص الأمراض الباطنية؟
عندما يبتلى الإنسان بمرض ويذهب إلى الطبيب؛ يستطيع أن يختبر الطبيب من خلال تصرفه في تحديد المرض وعلاجه. فإذا ما بادر الطبيب إلى ورقة ليكتب عليها وصفته من دون أن يسبق ذلك تحليل وذهاب إلى المختبر، فيعرف المريض أن الطبيب يبحث عن المال فقط ويريد مستعجلا أن يخرج المريض من عيادته ليدخل آخر. أما الطبيب الحاذق المتخصص في عمله، فلا يصف علاجا إلا بعد الاطلاع على نتائج الفحوصات، فهو يطلب من المريض أولا: أن يقوم بفحص الدم والعظام وما شابه ذلك، ثم يقرر بعد ذلك ويحدد طريقة العلاج.
وهذه أمور نفعلها عندما يتعرض هذا البدن المادي إلى علة أو مرض؛ ولكن كيف السبيل إلى تشخيص أمرض القلب الباطني؟ كيف يعرف أحدنا أن قلبه الباطني حي نابض بالحياة؟ كيف يعرف أنه ليس ممن قال سبحانه عنهم: (لَهُمۡ قُلُوبࣱ لَّا يَفۡقَهُونَ بِهَا)[١]. وهذا ميت الأحياء؛ إذ أن قلبه الذي في صدره ينبض، ولكن قلبه الباطني يتعرض لنوبات كنوبات الصرع؛ حيث يُغمى عليه ولا يتفاعل التفاعل المطلوب. إن الذي يعاني من داء الصرع، لا يُسمح له بقيادة السيارة، لأنه قد يُغمى عليه في ذلك الأثناء فتهوي به السيارة في مكان سحيق ويؤدي ذلك إلى هلاكه. وكذلك القلب الباطني قد يتعرض إلى ما يُفقده التفاعل والحياة أحيانا.
ولكن كيف يُمكننا أن نعلم أن القلب الباطني سليم ويعمل جيدا؟ إن الله سبحانه يقول: (بَلِ ٱلۡإِنسَٰنُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦ بَصِيرَةࣱ * وَلَوۡ أَلۡقَىٰ مَعَاذِيرَهُۥ)[٢]، فلو مدحك أحدهم بمائة بيت من الشعر وأنت تعلم أنك لست كما يقول، فلن يتغير واقعك. ولذلك ينبغي أن تختبر نفسك بنفسك من خلال هذه التحاليل الثلاثة التي سأبينها لك.
المختبر الأول
هناك ثلاثة تحاليل تكشف لك سلامة القلب؛ فإن خرجت منها سالماً، فاحمد الله سبحانه وإن رأيت خللاً في النتيجة؛ فابحث عن الدواء واذهب إلى الطبيب. التحليل الأول: علاقتك بالله سبحانه. ولا يُمكن معرفة كيفية هذه العلاقة إلا من خلال الصلوات اليومية. هل إذا أذن المؤذن قلت: ليته لم يؤذن الآن لأنك مشغول بمشاهدة التلفاز أو بأعمالك وأمور حياتك، أم أنك تسارع إلى السجادة شوقا إلى لقاء الله عز وجل؟
فإذا رأيت قلبك يشتاق لقاء الله سبحانه في أوقات الصلاة؛ فاعلم أن الله سبحانه يشتاق إليك أيضا، فهو أجل وأعظم من أن يشتاق إلى من لا يشتاق له. لو أنك اتصلت بأحدهم ثم أغلق الهاتف في وجهك أو تجاهل اتصالاتك فترة؛ ألا يلومك الناس ويقولون: لم تُهين نفسك؟ إن الله سبحانه أجل من أن يُقبل على المدبرين عنه. قد ورد أن النبي (ص) كان يقول لبلال في أوقات الصلاة: (أبرد يا بلال)؛ أي أبرد نار الشوق. إن الشوق ليهيج بالمؤمن حتى ينتظر الصلاة تلو الصلاة، وقد كان لي صديق يقول لي: إنني أنتظر في النهار حلول الليل، لكي أقيم صلاة الليل شوقا إليها. وذهب البعض من اللغويين إلى أن مراد النبي (ص) بقوله أبرد؛ أي عجل من البريد؛ أي يا بلال، لا تؤخر الأذان.
المختبر الثاني
المختبر الثاني: علاقتك العاطفية بأهل البيت (ع) والتي تتجلى في رقة الإنسان وانكساره عند ذكر مصائبهم. إن البعض من المؤمنين، يذهب إلى مجالس العزاء؛ وخاصة في العشرة الأولى من شهر محرم، فلا يذرف دمعة، وهو في الأثناء ينظر إلى الخطيب وكأنه يقرأ الأخبار، والأجدر به في مثل هذه الحالات التي لا يستطيع فيها البكاء لمرض أو علة أو حالة غضب أو شهوة سابقة؛ أن يتظاهر بالبكاء ولا ينظر إلى الخطيب كما ينظر إليه وهو يخطب، فإن ذلك يقسي القلب. ولكن إذا رأيت القلب لا يرق لذكر أهل البيت (ع) وترى من بجوارك يبكي بكاء عالياً، ولعله صاحبك الذي تعرف ما له من هفوات ومع ذلك يبكي بكاء مريرا وأنت صامت لا تأتيك دمعة، فشك في نفسك، وقل: يا رب، ما الذي عملته حتى ابتليت بهذه القسوة؟
إنني التقيت ببعض المؤمنين ممن تكفيه الإشارة؛ فترى الخطيب يقول: صلى الله عليك يا أبا عبدالله، وإذا به تجري دمعته. ويصل الحال ببعض المؤمنين؛ أنه عندما يزور الحسين (ع)؛ كأنه يزوره لأول مرة بالرغم من كثرة زياراته. وبتعبير البعض: زرت الحسين (ع) فرجعت بجسم بقي قلبه عنده. وقد رأيت ذات يوم أحد المؤمنين في منتصف الأسبوع في كربلاء وقد كان شديد الانشغال في تلك الأيام، فقلت له: ماذا جاء بك في هذه الأيام؟ فقال لي: جاء بي الشوق الذي لم أستطع أن أتحمله، وقد حن قلبي إليه.
المختبر الثالث
المختبر الثالث: علاقتك بإمام زمانك (عج). هب أنك تصلي في أول الوقت بشوق، وممن يخشع ويبكي لمصائب أهل البيت (ع)؛ ولكن لا شأن لك بإمام زمانك؛ ففيك خلل لابد أن تعالجه. إننا نجد في المؤمنين من لم يزر سامراء سنوات طويلة. هل هذا هو حال من يشتاق إلى إمام زمانه، لا يزور أبويه؟ إن كل شبر في الحرم في سامراء هو موضع قد لإمام زماننا؛ فهل تستبعد أن يزور الإمام جده الهادي (ع) وأباه أبي محمد (ع) كل صباح؟ إن رائحة الإمام (عج) تفوح في سرداب الغيبة محل عبادته الذي رؤي فيه آخر مرة. إن الإمام (عج) لا مرقد له والذي يمثله مرقد والديه وقبر أمه السيدة نرجس (س) فمن اشتاقه طلبه هناك.
لا تنس إمام زمانك (عجل الله فرجه)
لابد وأن يصل المؤمن إلى درجة لا ينسى إمام زمانه (عج) في إنى من آناء ليله ونهاره. إنني أعرف من ضاقت به الدنيا لأنه لا يعمل أين هو إمامه وفي أي أرض يكون ومن الذي يتولى أموره وفي أي مجلس في محرم يشارك وأين يبكي على جده؟ ولذلك لم يهنأ بحياته، وقد فارقت الابتسامة وجهه منذ زمن بعيد.
وفي أيام شهر رمضان له حالة عاطفية وهو يخاطب الإمام (عج): يا مولاي، أين أنت؟ أين إفطارك؟ أين سحورك؟ وهذا هو العشق المهدوي. فإذا لم تكن في مثل هذه الحالة؛ فتكلفها؛ فإن التطبع يؤدي إلى الطبع، والتكلف يؤدي إلى امتلاك السجية. تكلف الذكر اللفظي كدعاء العهد صباحاً، والندبة جمعة، ودعاء: اللهم كن لوليلك في قنوت صلاتك. إن من مراجعنا من لم يدع هذا الدعاء في قنوت صلواته أربعين سنة. وقد ينسى الإنسان الدعاء لإمام زمانه (عج) ولكنه إذا كانت له محطة في قنوت صلاته يدعو بخشوع وتوجه لفرجه، فلن ينسى الدعاء له بعدها.
الكنز المهدوي في دعاء الافتتاح
ودعاء الافتتاح مصدر ومعدن وكنز من أنفس الكنوز وجائزة من أعظم الجوائز المهدوية، وما أجدر المؤمن أن يلتزم فقرات من هذا الدعاء في قنوت صلواته طوال السنة لا في شهر رمضان فسحب. فما المانع من أن يلهج في قنوته قائلا: اللهم إنا نشكو إليك فقد نبينا، وغيبة ولينا؟ أو يقول: اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة. والتنويع بين الأدعية أمر حسن، فقد يؤدي كثرة التكرار إلى عدم الخشوع في الدعاء أحيانا.
ومن الأدعية التي تثير الدمعة وتذكرنا بالله سبحانه وهي التوحيد الخالص؛ مقطوعة في دعاء الندبة: (اَللَّهُمَّ وَ نَحْنُ عَبِيدُكَ اَلتَّائِقُونَ إِلَى وَلِيِّكَ اَلْمُذَكِّرِ بِكَ وَ بِنَبِيِّكَ)[٣]؛ فنحن نشتاق إليه لأنه يذكرنا بالله سبحانه، ولأننا بالتوجه إليه نصبح موحدين حقا ومن العرفاء الربانيين. إن الإمام (عج) عندما يظهر؛ يضع يده على رؤوس العباد فتكمل عقولهم كما ورد ذلك في الروايات الشريفة، وفي زمن قصير يصبحون في درجات عالية نساء ورجالاً.
لماذا نشتاق إلى ظهوره؟
هل ليجعلنا حكاما على الولايات؟ هل ليعطينا الأموال؟ كلا، بل ليجعل عقولنا نامية، وقلوبنا رقيقة. إن نظرته الولائية تشمل جميع المحبين والموالين في زمن الغيبة، ولابد لمن يريد أن يكون له حظ في زمن الظهور، أن يكون من الخيار في زمن الغيبة؛ فخياركم في زمن الغيبة؛ خياركم في زمن الظهور المهدوي. إن من يبكي على فراقه وعلى مصائبه ويقرأ الناحية؛ يبعث الإمام (عج) من يأتيه به، ويقول: هذا صاحبي في زمن غيبتي، وحتى إذا كانت امرأة فأنه (عج) يجعلها في ركابه؛ في أم الناصرين له.
هل أصبح الظهور قريبا؟
ولابد أن يكون لنا أمل بالظهور، ونعتقد أن كهولنا سيدركون زمن الظهور؛ فضلاً عن شبابنا. لنا أمل ولا داعي لأكثر من ذلك غير أننا من المتفائلين في هذا الطريق. والأحداث العالمية والعالم الذي يغلي هذا الغليان يشير إلى حدث ما وخطة يقوم بها مدبرها. إذا رأيتم القدر يغلي فاعلموا أن الطعام أوشك على النضوج…! وهو أمر يشبه ارتفاع الصفير من قدر الضغط. إن صفير هذا العالم بدأ يرتفع، وإن شاءالله تكون الطبخة جاهزة، ونأمل أن نكون على مائدته. إلا أننا لا نحدد ولا نوقت ولا نطبق العلامات عشوائيا. ولا ينبغي أن نعول على العلامات التي وردت من غيرنا، فهي علامات غير يقينية وكذلك الأمر في العلامات التي وردت في رواياتنا. فالبعض ييأس عندما يرى بعض العلامات التي تكون بخلاف ما توقع.
خذ من دعاء الندبة فقرة ومن غيرها فقرات والهج بها في قنوتك، فقل وأنت في الصلاة: اللهم اجعل صلاتنا به مقبولة، وذنوبنا به مغفورة، وحوائجنا به مقضية وهمومنا به مكفية؛ فمن منا يخلو من الهموم والغموم، فلماذا لا تستشفع به إلى الله؟ لابد من أن نكثر من ذكره، فكما يُقال في العرف: من غاب عن العين، غاب عن القلب. قد لا يزورك أخوك فترة طويلة، فتنساه، ويقول لك: إن جاري أقرب إلي منك، لأني أراه كل يوم ولا أراك. إن هذا الذكر اللفظي اليومي له أيضا من مورثات المحبة. لو لم يكن في الإسلام صلاة، هل بقي موحد؟ لو لم يكن في الإسلام حج هل بقي الإسلام؟ إن الحج يؤكد ويغرس المحبة الإلهية والصلاة والصيام وسائر العبادات هي كذلك. ولكن ينبغي أن نعلم أن الذكر اللفظي هو ألف باء الطريق.
من مورثات الحب المهدوي
ومن مورثات الحب بعد الذكر اللفظي؛ العمل بما يريده الإمام (عج) منك. تدبر مضامين دعاء العهد والتي منها: (اَللَّهُمَّ اِجْعَلْنِي مِنْ أَنْصَارِهِ وَ أَعْوَانِهِ وَ اَلذَّابِّينَ عَنْهُ وَ اَلْمُسَارِعِينَ إِلَيْهِ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِهِ وَ اَلْمُحَامِينَ عَنْهُ وَ اَلسَّابِقِينَ إِلَى إِرَادَتِهِ وَ اَلْمُسْتَشْهَدِينَ بَيْنَ يَدَيْهِ)[٤] إن معاون الإمام (عج) لابد أن تكون له سنخية مع الإمام؛ فعون الوزير له ثقافة عالية، وعون الأمير وزيره؛ فكيف أكون أنا الصعلوك المستضعف عون الإمام؟ نعم، تستطيع ذلك في دائرتك الضيقة. إذا تزوجت مثلا، فقل: يا رب، أريد من هذه الزيجة أن أكمل بها نصف ديني وأحصن نفسي، وأنجب ذرية تكون أنصارا لوليك الأعظم ولو بعد خمسين سنة. إن هذه الزيجة تقربك إلى أمامك كثيرا. وبإمكان الطالب الجامعي أيضا أن ينوي من خلال تخصصه أن ينفع محبي الإمام (عج) وأن يرجو بذلك محبته.
التصدي للمنحرفين عن الإمام المهدي (عجل الله فرجه)
ومن الأمور التي وردت في الدعاء؛ أن تكون ممن يذب عن إمامه وذلك بالتصدي للمنحرفين ولمن يدعي كذبا أنه مرتبط بالإمام (عج). إن الإمام (عج) سريع الانتقام من هؤلاء المدعين، فلن يمهلهم كثيرا ولهم عواقب سيئة، ويُفتضحون في هذه الدنيا وفي الآخرة. فإياك أن تجعل الإمام (عج) ندا لك باتباعك هؤلاء؛ فلن يبقى من هؤلاء إلا قصص تذكرها كتب التاريخ، كما تذكر لنا الآن قصص الذي ادعوا الإمامة أو الارتباط به فأخزاهم الله عز وجل.
هل نطلب الشهادة؟
ومما ندعوا به: ومن المستشهدين بين يديه. إنه دعاء لابد وأن نطلبه جميعا ولكن علينا ألا نستعجل. إنني ألتقي أحيانا ببعض الشباب المجاهدين، فيطلبون مني هذا الدعاء، فأقول لهم صراحة أنني لا أدعو لهم ما لم ينضجوا كما نضج أصحاب الحسين (ع). أقول لهم: إنك فاكهة لم تنضج بعد، كن شهيداً وأنت في أعلى الدرجات كحبيب وزهير ممن بلغوا الذروة في الإيمان ثم قتلوا في طاعة الله. وقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (فَوْقَ كُلِّ ذِي بِرٍّ بَرٌّ حَتَّى يُقْتَلَ اَلرَّجُلُ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ فَإِذَا قُتِلَ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ فَلَيْسَ فَوْقَهُ بِرٌّ)[٥].
خلاصة المحاضرة
- هناك ثلاثة تحاليل تكشف لك سلامة القلب؛ فإن خرجت منها سالماً، فاحمد الله سبحانه وإن رأيت خللاً في النتيجة؛ فابحث عن الدواء واذهب إلى الطبيب: محافظتك على الصلوات، البكاء والرقة عند الاستماع إلى مصائب أهل البيت (ع)، وقوة العلاقة بإمام زمانك (عج).
- إن ما نطلبه من الله سبحانه في دعاء العهد أن نكون من أعوان الإمام المهدي (عج). إن معاون الإمام (عج) لابد أن تكون له سنخية مع الإمام (عج)؛ فعون الوزير له ثقافة عالية، وعون الأمير وزيره، وهكذا. فلابد من أن ترتقي بنفسك لتكون بالمستوى المطلوب.