- ThePlus Audio
علاج القلق والاكتئاب في هذا الكتاب…!
بسم الله الرحمن الرحيم
علاج القلق والاكتئاب
لو تأملنا حالنا في هذه الحياة؛ فسوف نجد القلق والاكتئاب من الحالات التي تعترينا بين فترة وأخرى ولا مناص منها في كثير من الأحايين. ومن الأمور التي نستطيع الاستعانة بها للتخلص من هذه الحالات؛ قراءة القرآن الكريم. تصور أن تفتح المصحف الشريف فتقرأ آيات من سورة طه في ظلمة من الليل وتصل إلى قوله عز من قائل: (إِنَّنِيٓ أَنَا ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعۡبُدۡنِي وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكۡرِيٓ)[١]، فتشعر أن الله سبحانه يخاطبك مباشرة، فينشرح بذلك صدرك، وتتلاشى الهموم والغموم ويضمحل الاكتئاب ويزول القلق والاضطراب. ويؤيد ذلك ما روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه كان يقول إذا ختم القرآن الكريم: (اَللَّهُمَّ اِشْرَحْ بِالْقُرْآنِ صَدْرِي)[٢].
لا تقرأ القرآن بهذه النية فقط…!
لا ينبغي أن نكون ممن يقرأون القرآن طلبا للثواب وكسبا للأجر، فتكون تلاوتنا تلاوة مجردة من التدبر والفهم. إن القرآن الكريم هو شفاء لما في الصدور بالمعنى المنهجي وبالمعنى النفسي. فهو شفاء فيما يطرحه من أفكار وقيم وشفاء لأمراض النفس كالقلق والاضطراب.
وبحلول شهر رمضان المبارك يُصبح المرء أمام فرصة كبيرة لختم القرآن الكريم أكثر من مرة. لابد أن يحبس المؤمن نفسه في هذا الشهر على القرآن الكريم. ويستطيع الإنسان بكل يسر وسهولة أن يختم القرآن في كل ثلاثة. أما الذي ينقضي الشهر ولا يكون له من القرآن نصيب ولو جزءا واحدا فهو ممن جفا القرآن الكريم.
لماذا لا تعاتب نفسك؟
هذا ونجد من المؤمنين من يضع القرآن الكريم على الرف من شوال إلى شهر شعبان، فلا يقرأ فيه إلا أن يشهد شهر رمضان المبارك مرة أخرى. وفي هذه الحالة يظلم القرآن الكريم ونفسه التي لا يستطيع أو لا يريد أن يضغط عليها بعض الشيء.
ولذا أوصي المؤمنين دائما وأقول لهم: عاتبوا أنفسكم…! لا تقل: إن قول الله عز وجل: (كَانُواْ قَلِيلࣰا مِّنَ ٱلَّيۡلِ مَا يَهۡجَعُونَ)[٣] خاص بالنبي (ص) وبأصحابه؛ فأنت تحيي ليالي الثدر من غروب الشمس حتى مطلعها وكذلك تفعل في يوم عرفة، فلماذا تعجز عن ذلك في غيرهن من الأيام والليالي؟ إنني أرى البعض من الحجاج في يوم عرفة قد تحرك من مكة قبل الظهر؛ فهو في دعاء وذكر ومناجاة إلى غروب الشمس في ذلك اليوم حتى لا يبقى منه إلا الرمق.
لماذا لا أختم القرآن كل شهر ولا أحيي ليالي السنة بغض النظر عن ليلة القدر؟
إذن فالمشكلة تكمن في الهمة وفي الإرادة. إننا نملك القابلية لأن نختم القرآن في كل شهر وأن نحيي الليل حتى مطلع الفجر في كل ليالي الجمع على أقل التقادير، وأن نجعل في حياتنا الكثير من المحطات التي تشبه يوم عرفة، ولكن ما يمنعنا من ذلك ما ذركته آنفا.
وإن أولى الناس بما ذكرناه وأولى الناس بالالتجاء إلى الله ورسوله؛ أصحاب القلق والاكتئاب. قد لا يجد الكتفي ماديا وصحيا سببا للدعاء وإن كان لا يستغني عن الدعاء من الناس أحد؛ ولكن الذي يُبتلى وكلنا نُبتلى في فترة من فترات الحياة، لا ينبغي أن نُهمل الدعاء واللجأ إلى الله.
ثم حاول أن تستثمر هذه العلقة التي وُجدت في شهر رمضان مع القرآن الكريم والدعاء. إن أحدنا يفطر وقد سمع قبل الإفطار مناجاة أو دعاء، ويتسحر وهو يستمع إلى دعاء البهاء أو دعاء أبي حمزة. فحاول أن تكون في غير شهر رمضان المبارك كما كنت في شهر رمضان؛ حيث اختلط الطعام والشراب بالذكر والدعاء والقرآن. واعلم أنه بمجرد أن ينتهي الشهر الكريم مع أذان اليوم الأخير، فإن الشياطين ستنتشر في الأرض بعد أن كانت مغلولة قبل ذلك.
القلب الحامل للقرآن الكريم في دعاء الإمام زين العابدين (عليه السلام)
إن شهر رمضان المبارك عجين بذكر الإمام زين العابدين (ع) من خلال مناجاته التي يلهج بها المؤمنون في هذا الشهر. من هذه المناجاة قوله (ع): (اَللَّهُمَّ فَكَمَا جَعَلْتَ قُلُوبَنَا لَهُ حَمَلَةً)[٤]، ولكن ما معنى حملة؟ إن كلمات أهل البيت (ع) هي كالقرآن الكريم يُفسر بعضها بعضها ولهذا نرجع إلى أحاديث أخرى منها ما روي عن النبي الأكرم (ص): (أَشْرَافُ أُمَّتِي، حَمَلَةُ اَلْقُرْآنِ وَ أَصْحَابُ اَللَّيْلِ)[٥].
هل من يحفظ القرآن الكريم الحفظ المجردة ويتلوه تلاوة جميلة مجودة هو من حملة القرآن؟ إن الإمام (ع) يجعل الصدر محل القرآن الكريم لا اللسان. نعم إن الصدر الذي يودع فيه القرآن الكريم صدر مقدس وحافظ القرآن له أجره ومكانته ولكن الإمام (ع) يشير إلى حقيقة هي ما وراء هذا الحفظ والتلاوة الظاهرية. وهو أن يكون القلب حاملا لمعاني القرآن الكريم. إن الحفظ عبارة عن انتقال المنقوش إلى محفوظ في القلب؛ أي يقرأ الإنسان الكتاب فينعكس في ذهنه ثم ينطبع في قلبه. إن معاني القرآن لابد أن تنفذ وتتغلغل في القلب كما الألفاظ.
القارئ المثالي
ولهذا نجد القارئ المثالي هو الذي تتناغم مشاعره القلبية مع الألفاظ الظاهرية؛ فلا يقرأ قوله تعالى: (إِنَّ شَجَرَتَ ٱلزَّقُّومِ * طَعَامُ ٱلۡأَثِيمِ)[٦] كما يقرأ الآيات المتعلقة بالأحكام الشرعية. إنه إذا مر على آية فيها تخويف استعاذ بالله من النار وإذا مر بآية فيها تشويق سأل الله الجنة والرضوا. ولا يستذوق القرآن الكريم إلا صاحب القلب الذي وعى القرآن وحمله في صدره. يقول أحد الصالحين: عندما أتلو القرآن الكريم، أجد طعم العسل في فمي. فمن الطبيعي ألا يفارق القرآن من يشعر بهذه اللذة والحلاوة عند تلاوته.
وقد سهلت علينا تلاوة القرآن الكريم في شهر رمضان المبارك حيث الشياطين مغلولة، ولكن لا ينبغي أن نيأس بعد الشهر ونضاعف الجهد للحفاظ على المستوى ذاته. إن المؤمن يخشى من انتقام الشيطان وهو أمر مروع. تارة تدخل الحية منزلك فتقتلها وتتخلص منها وتارة تجرحها؛ فهي تنتظر الفرصة لكي تنهش لحمك. هذا وقد يصل الأمر بالبعض أن يُبرمجه الشيطان كما يُبرمج أحدنا حاسوبه؛ فيدخل في شهر رمضان المبارك غافلا لما سبق من تأثيرات الشياطين عليه.
كيف نُبقي على الحصانة بعد الشهر الفضيل؟
أولا: الاستمرار في الصيام وذلك بالالتزام بما يُسمى صيام الدهر وهو صيام ثلاثة أيام في الشهر؛ أربعاء بين خميسين. فهو أمر حسن أن يُذكر الإنسان نفسه بالصيام وأجواءه بين فترة وأخرى. ثانيا: المراقبة المتصلة، فبتعبير أحد العلماء: لا يفوز المرء إلا بهذه المراقبة المتصلة. وأكد على الاتصال؛ أي لا تكون المراقبة بين فترة وأخرى وإنما تكون المراقبة على طول أيام السنة. أما في أيام شهر رمضان المبارك، فأعمالنا لا بأس بها وقلما نرتكب في هذا الشهر المعاصي الكبار، ولكن الحديث عن سائر الأيام والليالي. وإن كان الأيام كلها سواء عند الله عز وجل.
الأكوان متساوية المثول بين يديه
هناك عبارة جميلة في كتب الأخلاق تقول: إن الأكوان متساوية المثول بين يديه. ويعني ذلك أن أبا جهل لعنه الله والنبي الأكرم (ص) متساويين في أصل الوجود؛ ففي عالم التكوين، هذا كائن وهذا كائن. وكذلك هي الأزمنة والأمكنة بمعنى من المعاني، فكما قال عز وجل: (وَلِلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ فَأَيۡنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجۡهُ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ وَٰسِعٌ عَلِيمࣱ)[٧]. فهذا الوجه يتجلى عند الكعبة وعند قبة الحسين (ع).
الاستعاذة التي نحن غافلون عنها
ثالثا: الإكثار من الاستعاذة بأي لفظ كان، كقول الله عز وجل: (رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنۡ هَمَزَٰتِ ٱلشَّيَٰطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحۡضُرُونِ)[٨]، أو بقولك: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أو كقول البعض: اللهم أستجير بك منه؛ فهو يستجير بالله منه كما يستجير الإنسان بعدو فاتك.
وتتأكد الاستعاذة قبل التلاوة في الصلاة الواجبة؛ فالشيطان أحرص ما يكون على إغواء أحدنا وتشتيته وهو يصلي. لأن المؤمن في هذه الحالة في موقف حساس وخطير. ولذا قال سبحانه: (فَإِذَا قَرَأۡتَ ٱلۡقُرۡءَانَ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ ٱلرَّجِيمِ)[٩]. فقبل أن تفتح المصحف وأنت تقرأ جريدة مثلا، لا شغل للشيطان معك؛ ولكن بمجرد أن تفتح القرآن الكريم تأتيك الوساوس من كل صوب وقد تشعر بالنعاس أو ما شابه ذلك.
الثرثرة الباطنية من فراغ الباطن
وينبغي أن نعلم أن الثرثرة الباطنية من فراغ الباطن. فالمرء إذا لم يكن له قوام داخلي صلب، كثرت ثرثرته الباطنية وانعكست على صلاته. فهو من بداية الصلاة في معركة ومشادة كلامية ونزاع مع الآخرين إلى أن يفرغ. ولهذا قيل في الكتب الأخلاقية: السيطرة على الخواطر آخر مراحل الكمال. فأنت تملك جوارحك بسهولة فلا تمد يدا للحرام ولا تنظر ولا تتكلم وتتحكم في قلبك فلا تهوى الحرام ولكن السيطرة على الذهن صعبة للغاية. ولهذا روي عنه (ص): (لولا تكثير في كلامكم وتمريج في قلوبكم لرأيتم ما أرى ولسمعتم ما أسمع)[١٠].
خلاصة المحاضرة
- لا ينبغي أن نكون ممن يقرأون القرآن طلبا للثواب وكسبا للأجر، فتكون تلاوتنا تلاوة مجردة من التدبر والفهم. إن القرآن الكريم هو شفاء لما في الصدور بالمعنى المنهجي وبالمعنى النفسي. فهو شفاء فيما يطرحه من أفكار وقيم وشفاء لأمراض النفس كالقلق والاضطراب.
- وبحلول شهر رمضان يُصبح المرء أمام فرصة كبيرة لختم القرآن أكثر من مرة. لابد أن يحبس المؤمن نفسه في هذا الشهر على القرآن. ويستطيع الإنسان بكل يسر وسهولة أن يختمه في كل ثلاثة. أما الذي ينقضي الشهر ولا يكون له من القرآن نصيب ولو جزءا واحدا فهو ممن جفا القرآن الكريم.
- تتأكد الاستعاذة قبل التلاوة في الصلاة الواجبة؛ فالشيطان أحرص ما يكون على إغواء أحدنا وتشتيته وهو يصلي. لأن المؤمن في هذه الحالة في موقف حساس وخطير. ولذا قال سبحانه: (فَإِذَا قَرَأۡتَ ٱلۡقُرۡءَانَ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ ٱلرَّجِيمِ).