Search
Close this search box.
  • شهر رمضان شهر أمير المؤمنين (عليه السلام)…!
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

شهر رمضان شهر أمير المؤمنين (عليه السلام)…!

بسم الله الرحمن الرحيم

عظمة أمير المؤمنين (عليه السلام) والعجز عن بيان فضائله

يحار المرء عند الحديث عن علي (ع)؛ فماذا نتكلم وما عسانا أن نبلغ في حديثنا هذا من بيان فضائله وأسراره؟ سيرة علي (ع) يهي سيرة جامعة لألوان شتى. يقال: إن هذا الضوء الأبيض عندما تجعله تحت قطعة بلورية يتحول إلى ألوان، وهذه الألوان المختلفة التي نراها في عالم الطبيعة هو لون واحد؛ إلا أنها عند التحليل نرى في هذا اللون الواحد ألوان شتى. إن أمير المؤمنين (ع) لون واحد وهو لون علوي خاص؛ لكننا عند التحليل نرى فيه ذلك العابد الذي لا نُدرك كنه عبادته ولا نعرف منها إلا القليل، وما دعاء كميل والمناجاة الشعبانية إلا رشحة من رشحات أمير المؤمنين (ع) وما خفي أعظم.

كيف كانت عبادة أمير المؤمنين (عليه السلام)؟

إنه كان يدعو في جوف الليل فيُغشى عليه. إن هذه غشوات الجلال. إن موسى (ع) لم يتحمل ذلك التجلي فخر صعقا؛ ولكن علياً (ع) كان يتلقى هذه التجليات الإلهية، وقد كانت له مع ذلك غشوته. يذكر أبو الدرداء أنه رأى علياً وكأنه قد فارق الحياة، فيأتي ليُخبر الزهراء (ع) عن موت علي (ع)، وإذا به يرى أن الزهراء لم تتفاجئ وتقول له: هذه الغشوات تعتريهفي مناجاته. هي (س) تعلم من هو أمير المؤمنين (ع).

إن البعد العبادي للإمام (ع) له وزنه؛ ولهذا عندما تزور الأمير في أرض الغري وتصل إلى هذه الفقرات من المناجاة في زيارة أمين الله التي هي من أفضل الزيارات وأتقنها وأصحها سنداً، تقول: (اَللَّهُمَّ اِجْعَلْ نَفْسِي مُطْمَئِنَّةً بِقَدَرِكَ)[١] فتجد أن هذه الزيارة هي أسطر قليلة يليها مناجاة مع رب العالمين أكثر من الزيارة نفسها. حاول أن تجعل هذا البعد العبادي في حياتك متجلياً في ليال الجمع، وفي الأسحار، وفي غيرها من الليالي والأيام.

شجاعة أمير المؤمنين (عليه السلام) وسر تلك الشجاعة والقوة

من مزايا أمير المؤمنين (ع) الشجاعة المقترنة بالحلم. عادة ما يكون الشجاع مهابا يخاف منه الناس ويبتعدون عنه؛ ولكن علياً (ع) مع شجاعته كان إنساناً قريباً إلى القلوب حتى إن أعدائه كانوا يتهمونه بأن فيه دعابة. والدعابة كناية عن اللطف في الكلام ولين في القول. لقد كان لسيف علي (ع) في معركة بدر الدور المفصلي والكلمة الأولى؛ فقد كان قتال المسلمين كله في جانب وسيف علي (ع) في جانب. وجميعنا يعلم في معركة أحد ماذا صنع برسول الله وكيف جلى عنه الكربة؟ وفي معركة الخندق وغيرها كان سيف علي (ع) هو الحاسم، وهو سيف معروف في تأريخ البشرية وفي تاريخ المسلمين.

ولكن انظروا إلى المجاهدة الباطنية، وسر هذه القوة. ليس الكلام في السيف ولا في اليد التي حملت السيف ولكن في القلب الذي به كان يدير المعارك ويجندل الأبطال، فهو القائل (ع): (وَاَللَّهِ مَا قَلَعْتُ بَابَ خَيْبَرَ بِقُوَّةٍ جَسَدِيَّةٍ وَلاَ بِحَرَكَةٍ غِذَائِيَّةٍ وَلَكِنِّي أُيِّدْتُ بِقُوَّةٍ مَلَكُوتِيَّةٍ وَنَفْسٍ بِنُورِ رَبِّهَا مُضِيئَةٍ)[٢]. عندما قضى على ذلك العدو وقام إليه ليحز رأسه؛ فبصق ذلك الرجل في وجهه، فأخذ جولة في الميدان ورجع وقضى عليه. فقد أراد بهذه الحركة أن يجعل غضبه لله عز وجل. إن لسيفه قيمته؛ ولكنه سيف يحمله صاحب قلب ذاكر لله سبحانه وتعالى، وهذا هو السر فيه.

كيف كان يوصي أمير المؤمنين (عليه السلام) بالأيتام؟

وفد كان أمير المؤمنين (ع) شديد الشفقة بالأيتام حتى أوصى قبل أن يستشهد في اللحظات الأخيرة من عمره بهم وقال: (اَللَّهَ اَللَّهَ فِي اَلْأَيْتَامِ فَلاَ تُغِبُّوا أَفْوَاهَهُمْ وَلاَ يَضِيعُوا بِحَضْرَتِكُمْ)[٣]. إن عادة المحتضر أن يذكر أهم الوصايا، وكان مما أوصى به هذا الرفق بالأيتام والتحنن عليهم. وقد أوصى أخوه المصطفى (ص) في الخطبة التي خطبها في شهر شعبان كذلك بالأيتام وقال: (تَحَنَّنُوا عَلَى أَيْتَامِ اَلنَّاسِ يُتَحَنَّنْ عَلَى أَيْتَامِكُمْ)[٤]. فكما كان النبي يأمر بالتحنن على الأيتام؛ كان علي (ع) ساعة الشهادة يأمر أيضا بالتحنن عليهم والرأفة بهم واحتضانهم. وحنان علي (ع) لا يصل إليه أي حنان. إنه يوصي أولاده أن يطعموا الأسير وهو قاتله بما يُطعم وبما يُسقى هو نفسه. إن هذه الرقة العلوية رقة ملفتة. فمن أراد أن يكون علوياً مشايعاً لعلي (ع) فلينظر إلى قلبه؛ فإن كان يحمل هذه الرأفة بدرجة من الدرجات فليشكر الله على هذه النعمة.

ما هو أفضل الأعمال في شهر رمضان؟

عندما خطب النبي (ص) خطبته المعروفة قبل شهر رمضان المبارك؛ كان تلميذه الأول وأقرب الناس إليه، وباب مدينة علمه حاضرا؛ فسأل النبي (ص) عن أفضل الأعمال في هذا الشهر؟ وإذا بالنبي (ص) يقول له: (اَلْوَرَعُ عَنْ مَحَارِمِ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)[٥]. إن الورع عن محارم الله حالة من حالات التورع الباطني. هناك فرق بين ترك الحرام وبين الزهد في الحرام، واستقذاره. إنها حالة من من حالات التعالي الحرام، ويُصبح الحرام لا يناسب المزاج، ولا يحتاج في تركه إلى مجاهدة. يصل الإنسان إلى درجة لا يأكل الحرام ولا ينظر إلى الحرام ولا يستمع إلى الحرام من دون مجاهدة؛ لأن وجوده أصبح وجودا إلهياً يرفض كل ما هو شيطاني. ويُمكن القول أن الورع حالة من حالات الثبات على التقى.

إخبار النبي (صلى الله عليه وآله) بعاقبة الأمير (عليه السلام)

ثم يخبر النبي بالمستقبل في هذه الخطبة وهو العالم بذلك فيقول لأمير المؤمنين (ع) أنه سيٌقتل في هذا الشهر، وستخضب شيبته المباركة بدم الشهادة، فقال أمير المؤمنين (ع): (وَذَلِكَ فِي سَلاَمَةٍ مِنْ دِينِي)[٦]. لقد كان هم أمير المؤمنين (ع) الأوحد والأعظم أن ينهي حياته بسلامة الدين. ولهذا لو أن أحدنا وصل إلى بعض المقامات الذي يظنها مقاما متميزاً من مقامات القرب من الله عز وجل؛ عليه أن لا يغر بنفسه؛ فالأمور بخواتيمها. إن أمير المؤمنين (ع) هو ضامن عاقبته؛ ولكنه أراد أن يعلمنا درساً، وهو: أن الفوز كل الفوز، والسعادة أن تختم حياتك بسلامة من دينك لا أن تكون الآن في سلامة من دينك. أن تكون في سلامة من دينك أمر طيب؛ ولكن هذا الأمر بحاجة إلى ضامن.

أهمية لعن قتلة الأمير (عليه السلام)

وينبغي للمؤمن في ليالي شهر رمضان وفي ليلة ضربته وفي ليلة استشهاده في الليلة الحادية والعشرين؛ أن يلعن قتلته بكل توجه، ويسعر بأذى بليغ في نفسه. فينبغي أن يلعن قتلة الأمير (ع) كما يلعن قاتل ولده عندما يمر أمامه؛ فعليه أن يستشعر معنى التبرم الشديد من قتلة أمير المؤمنين (ع).

[١] مفاتيح الجنان.
[٢] المناقب  ج٢ ص٢٣٩.
[٣] بحار الأنوار  ج٧٢ ص١٤.
[٤] الأمالی (للصدوق)  ج١ ص٩٣.
[٥] الأمالی (للصدوق)  ج١ ص٩٣.
[٦]   الأمالی (للصدوق)  ج١ ص٩٣.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • وينبغي للمؤمن في ليالي شهر رمضان وفي ليلة ضربته وفي ليلة استشهاده في الليلة الحادية والعشرين؛ أن يلعن قتلته بكل توجه، ويسعر بأذى بليغ في نفسه. فينبغي أن يلعن قتلة الأمير (ع) كما يلعن قاتل ولده عندما يمر أمامه؛ فعليه أن يستشعر معنى التبرم الشديد من قتلة أمير المؤمنين (ع).
  • لقد أخبر النبي الأمير بشهادته في شهر رمضان؛ فقال الأمير (ع): (وذلك في سلامة من دينِي). لقد كان همه الأوحد والأعظم أن ينهي حياته بسلامة الدين. ولهذا لو أن أحدنا وصل إلى بعض المقامات الذي يظنها مقاما متميزاً من مقامات القرب من الله عز وجل؛ عليه أن لا يغر بنفسه؛ فالأمور بخواتيمها.
Layer-5.png