Search
Close this search box.
  • شرح دعاء: (يا من أرجوه لكل خير)
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

شرح دعاء: (يا من أرجوه لكل خير)

بسم الله الرحمن الرحيم

دعاء مهم في شهر رجب

من الأدعية التي يلهج بها المؤمن طوال شهر رجب؛ دعاء مروي عن إمامنا الصادق (ع)، وفيه محطات للتأمل كثيرة. إننا نوصي المؤمنين والمؤمنات دائما بالتأمل في الدعاء وعدم الاكتفاء بالقراءة. إننا عادة ما نكتفي بالقراءة، ولا نتأمل في مضامين ما نقرأ من الكلمات. أين التفاعل الشعوري خجلاً، وحياءً، ورهبةً، ورغبةً، وندامة، واستغفاراً؟ إنها مشاعر لابد أن تتحقق في نفس الداعي.

هل يأتي الخير من عند غير الله؟

إن في كل دعاء ثلاثة أضلاع: قرائته، والتدبر فيه، والتفاعل معه. أما نحن فعادة ما نكتفي بالضلع الأول. يقول الإمام (ع) في مستهل الدعاء: (يَا مَنْ أَرْجُوهُ لِكُلِّ خَيْرٍ وَآمَنُ سَخَطَهُ عِنْدَ كُلِّ شَرٍّ)[١] . هل فكرت في هذه الجملة؟ إن عبارة: (يا من أرجوه لكل خير) عبارة واضحة؛ فكل خير يأتينا هو إنما يأتينا من الله سبحان، وقد قال نبي الله موسى (ع): (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْـزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)[٢] . ولكن هناك غموض في هذه العبارة: (وآمن سخطه عند كل شر)؛ فما هو معنى هذه الجملة؟ إننا إنما نحوم حول هذه الجملة؛ لأن الدعاء بالمجهول لا يورث تفاعلاً – والله عز وجل أعلم بمراد أوليائه – ولابد لنا عندما نتأول كلمات المعصوم أن نتأدب ونقول: هكذا يُفهم.

كيف نأمن غضب الله عند كل شر نقوم به؟

هناك احتمالان: الاحتمال الأول أن يقول أحدنا هذه العبارة في مقام ذم نفسه؛ أي عندما يأتيني الشر، وتأتيني العقوبات فأنا آمن من سخطه. فأنا اليوم ارتكبت معصية، وبعد المعصية أصابني حادث، وجُرحت أو فقدت مالاً، أو إلى آخره. فمن المفروض أن أفكرفي علة وقوعي في هذه البلية. ألا أحتمل أن هناك سخطاً من الله عز وجل؟ هكذا هو المؤمن عند كل بلية يفكر في العلة قبل التفكير في التخلص منها؛ فهذا الاحتمال يؤرقه. إنه عندما يُبتلى بالصداع مثلا أو يصاب بحادث سير؛ فهو قبل أن يفكر بالمال وبما فقده من جيبه؛ يقول: يا رب، لعلي ارتكبت ما أثار سخطتك فعاقبتني بهذه البلية؟ فلا يُمكن أن نمدح الذي يأمن السخط الإلهي عند كل شر. إن المؤمن العادل الواصل المنزه؛ يكون له البلاء رفع درجة، لا كفارة سيئة؛ لأنه ليس من أهل المعاصي.

هكذا يأمن المؤمن غصب الله

إن هذا الاحتمال الذي ذكرناه يناسب عامة الناس. أما الاحتمال الثاني الذي سنذكره؛ يناسب الخواص من المؤمنين وفيه إدلال على الله سبحانه، وهو: يا رب، إنني عبد مطيع لك، وحسن الظن بك؛ فعندما يأتيني الشر آمن سخطك لأني لا أتوقع سخطك عند الشر، وإنما أعتبر هذا الشر والبلية سببا في رفع الدرجات. إن هذه الجملة إما أن يقولها خائف أو مدلل؛ فاختر إحدى المعنيين.

يعطي الكثير بالقليل

ثم يقول الإمام (ع): (يَا مَنْ يُعْطِي اَلْكَثِيرَ بِالْقَلِيلِ)[٣] . إن من أتم مصاديق هذه العبارة؛ الخلود في الجنة. هل تستطيع أن تتخيل الخلود؟ إن هذا المعنى لا يأتي في بالك؛ فذهنك البشري لا يتحمل معنى الأبدية…! إنك تنال هذه الأبدية بعشرين أو أربعين سنة من الطاعة؛ بل قد ينالها الإنسان في دقائق. كذلك كان المسلم الذي تشهد بالشهادتين عند النبي (ص) فخرج من المسجد من غير أن يكون صام يوما أو صلى فريضة؛ فسقط من دابته فمات. لقد آمن في دقائق؛ ولكنه مات مسلماً؛ فهو قد نال الكثير بالقليل.

عطاء الله لا يقتصر على المؤمنين

ثم يقول الإمام (ع): (يَا مَنْ يُعْطِي مَنْ سَأَلَهُ يَا مَنْ يُعْطِي مَنْ لَمْ يَسْأَلْهُ وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ تَحَنُّناً مِنْهُ وَرَحْمَةً) . إن الكافر أيضا يُعطى ولو لم يطلب ذلك. إلا أننا بلسان الحال نطلب. فالهواء الذي نستنشقه؛ تطلبه الرئة من الله، والماء الذي نشربه يطلبه الجسم من الله، وكذلك كل ما نحتاجه في هذه الحياة وإن لم نفصح عنه بلسان؛ يأتينا من قبل الله سبحانه. إن نصف الكرة الأرضية الشمالية؛ هي أجمل من الجنوبية منها؛ ففيها المناظر الجميلة والخلابة، وفيها كذلك مراكز الكفر والفساد. لقد مد لهم رب العالمين في الذرية والطاقة والجمال والطبيعة، وهم اليوم المسيطرون على مقدراتنا. فالله سبحانه يعطي من لم يسأله ومن لم يعرفه تحنناً منه ورحمة.

إن رب العالمين لطفاً منه ورحمة ببني آدم؛ أنعم عليه بالوجود، ولابد أن يزودهم بمقومات الوجود. إنه خلق هذا الطفل، ولابد أن يهيئ له سبل الرشد والتكامل تحنناً منه ورحمة.

ثم يقول الإمام (ع): (أَعْطِنِي بِمَسْأَلَتِي إِيَّاكَ). إنك تقول: يا رب، أعطني بمسألتي لا بدرجتي، ولا بملكاتي وصفاتي وادعائي. إنني فقير معدم، وإنني لست شيئا يُذكر في هذا الوجود. إنني سائل فقط. إن لي عناوين مختلفة؛ ولكن صفة السؤال عندي من أجلى الصفات وأوضحها.

الدعاء الجامع المانع

إنك لا تجد في الأدعية دعاءً جامعاً مانعاً كهذا الدعاء. فإذا وصلت إلى الحجر يوما ووضعت رأسك في الحجر لثوان، وأردت أن تدعو بدعاء سريعا يكون جامعا لك كل خير وصارفا عنك كل شر؛ فعليك بهذا الدعاء: (أَعْطِنِي بِمَسْأَلَتِي إِيَّاكَ جَمِيعَ خَيْرِ اَلدُّنْيَا وَجَمِيعَ خَيْرِ اَلْآخِرَةِ وَاِصْرِفْ عَنِّي بِمَسْأَلَتِي إِيَّاكَ جَمِيعَ شَرِّ اَلدُّنْيَا وَشَرِّ اَلْآخِرَةِ)؛ فهل بقيت بعد هذا حاجة؟

[١] مفاتيح الجنان – الأعمال العامة في شهر رجب.
[٢] سورة القصص: ٢٤.
[٣] إقبال الأعمال  ج٢ ص٦٤٤.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • هل تستطيع أن تتخيل الخلود؟ إن هذا المعنى لا يأتي في بالك؛ فذهنك البشري لا يتحمل معنى الأبدية…! إنك تنال هذه الأبدية بعشرين أو أربعين سنة من الطاعة؛ بل قد ينالها الإنسان في دقائق. كذلك كان المسلم الذي تشهد بالشهادتين عند النبي (ص) فخرج من المسجد؛ فسقط من دابته فمات.
Layer-5.png