شرح دعاء اليوم الحادي عشر من شهر رمضان
بسم الله الرحمن الرحيم
الدعاء الحادي عشر من أدعية شهر رمضان المبارك
يقول الدعاء: (اَللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيَّ فِيهِ اَلْإِحْسَانَ وَكَرِّهْ إِلَيَّ فِيهِ اَلْفُسُوقَ وَاَلْعِصْيَانَ وَحَرِّمْ عَلَيَّ فِيهِ اَلسَّخَطَ وَاَلنِّيرَانَ بِعَوْنِكَ يَا غِيَاثَ اَلْمُسْتَغِيثِينَ)[١].
من آداب الدعاء
إن المؤمن في مواجهته للأدعية التي تبدأ بـ (اللهم) ينبغي أن يعلم أنه سيخاطب رب العالمين بعد هذه الكلمة. لو أن أحدنا كان على موعد مع أمير أو وزير كيف كان استعداده النفسي والبدني والظاهري؟ فكيف إذا كان المخاطب هو الرب المتعال؟ فينبغي أن يكون مؤدبا كالعبد في جلسته، مستقبلا القبلة، متطيبا بما أمكنه من الطيب، متطهرا، مرتديا أفضل ثيابه، جالسا على مصلاه ثم يقول اللهم. وإذا قرأ المؤمن الدعاء الذي يبدأ ب (اللهم) وهو لاه ساه فليكثر من الاستغفار لما ارتكب من سوء الأدب مع الرب تعالى.
معاتبة الرب للعباد
وهذه من الأمور المهمة لتوقير الله عز وجل. فالله سبحانه يؤنب بعض عباده قائلا: (مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا)[٢] وهو تأنيب لاذع وقوي كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ)[٣] وهو تأنيب آخر وعتاب من الرب للعبد وهناك تأنيب ثالث وهو قوله سبحانه: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ)[٤].
الحب عند علماء النفس
يقول الدعاء: (اَللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيَّ فِيهِ اَلْإِحْسَانَ وَكَرِّهْ إِلَيَّ فِيهِ اَلْفُسُوقَ وَاَلْعِصْيَانَ). والحب كما يعبر عنه علماء النفس: أولا، تصور الشيء؛ فالذي نشأ في بيئة كلها رجال من الطبيعي أن لا يحب لعدم وجود الموضوع الخارجي وهي المرأة المحبوبة. ثانيا: التصديق بفائدة الحب وجدواه. فقد يتصور الإنسان شيئا ولكن لا يرى فيه فائدة وبالتالي لا يحب. ولكن إذا اقترن التصور بالتصديق، يصبح بين النفس وبين ذلك المحبوب انجذاب قهري سواء كان محقا في تصوره الفائدة أو مبطلا. فقد يتصور الباطل نافعا فيحبه. وكلما عظم الاعتقاد بالفائدة؛ كلما اشتدت العلاقة والحب. فتارة يحب الإنسان خادمته لأنها تسير أمور المنزل وتهيئ له الطعام والشراب. وتارة يحب أنثى لا بحسب الفائدة المادية وإنما يرى فيها أنسه العميق ويرى أن سعادته متوقفة على الاقتران بها. ولذلك يصل العاشق الهائم إلى حد الانتحار أحيانا.
المؤمن وحب الله عز وجل
وتنطبق هذه القاعدة على المؤمن. فأولا: يرى المؤمن أن وجوده سبحانه أجلى أنواع الوجود ولذلك يقول الإمام الحسين (ع): (عَمِيَتْ عَيْنٌ لاَ تَرَاكَ)[٥]، وكل شيء يستمد وجوده من الله سبحانه؛ فكل الجمال الموجود في الطبيعة بنابتها وجمادها وبشرها مستندة إلى صفة من صفاته تعالى وهي صفة الخالقية، وقد قال سبحانه: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)[٦].
وثانيا: يعتقد المؤمن أن الله سبحانه هو النافع الضار وهو الذي بيده ملكوت كل شيء. وهو القائل سبحانه: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ)[٧] وهو يخاطب طلاب المال والجاه والسعادة والأمن والاستقرار والعلم أن توجهوا إلي فكلها بيدي ولا تذهبوا يمنة ويسرة، فلن تصلوا إلى الحق عن طريق الباطل، ففاقد الشيء لا يعطيه.
وإذا اعتقد المؤمن بأن الله هو القابض والباسط والنافع والضار وأنه المبتلي والممتحن؛ فسيتعلق به ويزداد حبا له. ولذا قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ)[٨]، وإن كانت الآية تجاري العوام في تفكيرهم فأين حب الله عز وجل من حب ما سواه؟ فإذا أحب العبد ربه أحب الإحسان لأنه مما يقربه إلى محبوبه. ويتحول الإنسان من عابد متاجر إلى عابد حر لا يعبد الله خوفا من النار ولا طمعا في الجنان. إن قيس بن ملوح المعروف بـ مجنون ليلى كان يقول:
أَمُرُّ عَلى الدِيارِ دِيارِ لَيلى
أُقَبِّلَ ذا الجِدارَ وَذا الجِدارا
وَما حُبُّ الدِيارِ شَغَفنَ قَلبي
َلَكِن حُبُّ مَن سَكَنَ الدِيارا
فهل كان يفعل المجنون ذلك رغبا ورهبا أم أنه كان هائما به لا غاية له سواها؟ فإذا كان العشاق المجازيون هذا تفانيهم في سبيل محبوبهم؛ ألا يجدر بالمؤمن أن يعاتب نفسه على تقصيره؟ فإما هو مقصر أو شاك في وجوده أو شاك في الفائدة. لأن الاعتقاد بالوجود والفائدة من الطبيعي أن يوجد الحب بينهما ويحبب إليه كل أمر يحببه إلى ذلك المولى الأعظم. ولذلك قال أهل البيت (ع) عند إطعامهم المسكين واليتيم والأسير: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)[٩]؛ فهم لا يرون في الوجود غيره سبحانه وغيره وجوده كالعدم بالنسبة إليهم. فإذا كانت هذه نظرتهم إلى غير الله سبحانه فإذن لا يقيمون وزنا لمدحهم أو عتابهم أو لومهم أو غضبهم، فكل شيء هالك إلا وجه الله سبحانه.
وَحَرِّمْ عَلَيَّ فِيهِ اَلسَّخَطَ وَاَلنِّيرَانَ
ويقول الدعاء: (وَحَرِّمْ عَلَيَّ فِيهِ اَلسَّخَطَ وَاَلنِّيرَانَ)؛ أي يارب اجعل بيني وبين النار حجابا. فكما أن الخمر حرام على المؤمن ولا يقترب منه أبدا؛ فكذلك يطلب من الله سبحانه أن يحرم عليه النار تكوينيا فلا يتوقع أن يعيش فيها في يوم من الأيام أبدا. فكما أن لا سنخية بين المؤمن والخمر؛ فكذلك لا سنخية بين المؤمن والنار التي هي أثر من آثار الغضب الإلهي، فالمؤمن لا يرتكب ما يغضب الله سبحانه.
ومن الجميل أن نجمع أواخر أدعية الأيام في شهر رمضان المبارك من قبيل: يا أمل المشتاقين ويا غاية الطالبين ويا غياث المستغيثين ويا ملجأ الآملين لنرى كيف أنها تصب في هذا الاتجاه؛ فالله سبحانه هو الذي رفعك من أسفل الدرجات إلى أعلاها ونقلك من عالم الطبيعة ومن نطفة قذرة إلى عالم الخلق البديع وشق لك السمع والبصر وجعل لك الفؤاد المدرك.
خلاصة المحاضرة
- ينبغي أن يكون المؤمن عند قوله: اللهم؛ مؤدبا كالعبد في جلسته، مستقبلا القبلة، متطيبا بما أمكنه من الطيب، متطهرا، مرتديا أفضل ثيابه، جالسا على مصلاه ثم يقول اللهم. وإذا قرأ المؤمن الدعاء الذي يبدأ ب (اللهم) وهو لاه ساه فليكثر من الاستغفار لما ارتكب من سوء الأدب مع الرب تعالى.