- ThePlus Audio
شرح دعاء الإمام زين العابدين (عليه السلام) في شهر رجب الأصم
بسم الله الرحمن الرحيم
هل تدعو ربك أم تقرأ له الدعاء؟!
هناك فرق كبير بين ن يقرأ الدعاء وبين من يتدبر في الدعاء ويتأمل في المضامين ويمررها على قلبه لا على لسانه فقط. قد ينظر المؤمن إلى مضامين الدعاء ولا ينطق بشيء من الكلمات وإنما يمرر المعاني على قلبه تمريراً؛ فيتفاعل، وتجري عبرته بمجرد أن يرى هذه الجملة مثلا: إلهي وربي من لي غيرك؟ بالله عليك…! إن من ينظر إلى هذه الجملة؛ فيعيش حالة الانقطاع؛ أين هو من إنسان يقرأ هذه الجملة كذا مرة وهو لا يتفاعل؟ ذلك دعا بالدعاء وهذا قرأ الدعاء وبينهما بون شاسع. وإنما الأكمل والأفضل أن يقرأ ويدعوا؛ فيجمع بينهما.
الحاجة جاهزة؛ فقدم الطلب
من المضامين الرجبية ما وردت في هذا الدعاء الشريف المروي عن الإمام زين العابدين (ع) : (يَا مَنْ يَمْلِكُ حَوَائِجَ اَلسَّائِلِينَ)[١] . تارة يقول الإنسان لأحدهم: اقض لي الحاجة الفلانية مثلا، او اذهب غداً إلى فلان وكن بيني وبينه واسطة، أو اشتر لي البضاعة الفلانية، وأنت لا تملك مالا ولا وجاهة، وطورا تملك الحاجة التي يطلبها منك أحدهم وأنت زاهد فيها وليدك منها الكثير. مثلا يكون لأستاذ في قاعة الامتحان عشرات الأقلام وهو زاهد فيها؛ فيطلب منه طالب قلما بلهفة لأنه قد نسي أن يحضر معه واحدا للامتحان. إنها حاجة مصيرية للطالب ولكنها للأستاذ ليست إلا حاجة بسيطة لا وزن لها. ولهذا يجامل أحدنا صديقه أو زوجته أو من يملك منه حاجة فيقول لها: غال والطلب رخيص.
إنك في هذه العبارة: (يا من يملك حوائج السائلين) تقول: يا رب، إن هذه الحاجة بيدك، وأنا مبتلى بمرض عجز عنه أطباء العالم؛ ولكنها مما لا تعجزك. ولهذا ورد في الروايات: (إِذَا دَعَوْتَ فَظُنَّ حَاجَتَكَ بِالْبَابِ)[٢]. وتدل هذه الرواية على أن الحاجة بيد رب العالمين مقضية، وإنما تحتاج من الإنسان إلى سؤال. فحتى المعجزة كفلق البحر لموسى (ع) وجعل النار لإبراهيم بردا وسلما؛ هو مما لم يكلفه شيئا. إيجاد النار وإطفاءها عند الله عز وجل على حد سواء.
قد تأتيك الحاجة من دون أن تنطق بها
ثم يقول (ع): (وَيَعْلَمُ ضَمِيرَ اَلصَّامِتِينَ)[٣]. إن الإنسان قد لا يطلب؛ ولكن في قلبه حاجة ملحة. إن رب العالمين يعلم ما في قلبك، وعلمه بالحال يغني عن السؤال. وهنا بحث أخلاقي مهم وقع بين علماء الأخلاق والسير نشير إليه إشارة. يقولون: ماذا نصنع في الحوائج؟ أ نذكرها كما أمر الله موسى (ع) أنن يطلب منه حتى ملح عجينه وعلف شاته؟ أي نطلب الحوائج كلها صغيرها وكبيرها؟ أم نتأسى بإبراهيم (ع) الذي جاءه جبرئيل عندما كان في طريقه إلى النار التي أعدها له نمرود، وطلب منه أن يسأل حاجته، فقال: (حَسْبِي مِنْ سُؤَالِي عِلْمُهُ بِحَالِي)[٤] ؟
من الأجوبة: أن هذه حالات في المؤمن متغيرة. إن الإنسان تارة له حالة عالية في شهر شعبان مثلا فيقول: هب لي كمال الانقطاع إليك، فيُبتلى في الأثناء بصداع في رأسه؛ ألا يقطع الدعاء، ويقول: يا رب، شافني من هذا الصداع؟ أو تراه وصل إلى الملتزم أو إلى الحطيم أو إلى الحجر؛ وهو يطلب الحوائج العظام؛ فهل يغفل عن الحوائج الصغيرة؟ من الطبيعي أن يطلب المؤمن من ربه إذا جاع أن يطعمه. لقد كان موسى (ع) جائعاً يريد طعاماً فقال: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْـزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)[٥] ؛ فلا مانع من ذلك.
سمع الله لمن حمده
ثم يقول (ع): (لِكُلِّ مَسْأَلَةٍ مِنْكَ سَمْعٌ حَاضِرٌ وَجَوَابٌ عَتِيدٌ)[٦]. إن كل ما تطلبه من الله عز وجل مستجاب. كم قلنا في حياتنا بعد الركوع في كل صلوات: سمع الله لمن حمده؟ ما معنى هذه الجملة؟ فأما سمع الله، فهو أمر بديهي؛ إذ أنه هو السميع البصير. ويقال: سمع، هنا بمعنى استجاب؛ أي استجاب الله لمن حمده. ولهذا يقال بعدها: ربنا لك الحمد؛ أي حمدتك يا رب كما أمرتني فاسمع لي – استجب لي – كما وعدتني.
إن كانت عندك حاجة فمن مواطن الاستجابة عندما ترفع رأسك من الركوع؛ فقل في هذه الحالة البرزخية بعد الركوع وقبل السجود: يا رب، أنت تستجيب دعاء الحامدين وأنا لك من الحامدين؛ فاستجب لي. إن هذا الدعاء هو دعاء إمامنا زين العابدين (ع) في شهر رجب وقاله عندما كان في حجر إسماعيل (ع).
خلاصة المحاضرة
- إنك في هذه العبارة: (يا من يملك حوائج السائلين) تقول: يا رب، إن هذه الحاجة بيدك، وأنا مبتلى بمرض عجز عنه أطباء العالم؛ ولكنها مما لا تعجزك. ولهذا ورد في الروايات: (إِذَا دَعَوْتَ فَظُنَّ حَاجَتَكَ بِالْبَابِ).