بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ مَالا وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ * كَلاَّ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ}.
إن سورة “الهمزة” من السور التي فيها ذم لطائفتين من الناس: طائفة المترفين المستكبرين، الذين يجمعون المال للمال.. وطائفة المغتابين، الذين يترصدون عيوب الناس.. رب العالمين بكلمة واحدة يقول: ويل لهم!.. الويل كلمة مبهمة، قيل: أنها طبقة في جهنم، ولكن هذه الطبقة ما هي مواصفاتها؟.. لا نعلم!.. فكما أن نعيم الجنة لا يخطر ببال أحد؛ كذلك العذاب الإلهي لا يخطر ببال أحد.. فهذه الشمس المحرقة، بالقياس إلى نار جهنم؛ لا شيء!.. فكيف بنار سجرها رب العالمين؟..
لو أن الإنسان عندما يدخل جهنم، يتحول ليس إلى فحم، بل إلى رذاذ في الهواء؛ لهان الأمر!.. ولكن القرآن الكريم يقول: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ}.. حتى خلايا الإحساس عنده لا تحترق، وهنا الطامة الكبرى!.. وتصور هذا العذاب، الذي هو أبد الآبدين؛ أمر صعب جداً!..
{وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ}.. {هُمَزَةٍ}: الهمز؛ الكثير الطعن على غيره بغير حق.. {لُّمَزَةٍ}: اللمز؛ العيب أيضاً.. والفرق بين الهمزة واللمزة: أن الهمزة الذي يذكر عيوب أخيه بظهر الغيب، واللمزة الذي يذكر عيوبه في وجهه.. وقيل: الهمزة الذي يؤذي جليسه بسوء لفظه، واللمزة الذي يكسر عينه على جليسه، ويشير برأسه ويومئ بعينه.. فالمعنى: ويل لكل عيّاب مغتاب!.. وفي تفسير القمي: في قوله تعالى: {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ} قال: الذي يغمز الناس، ويستحقر الفقراء، وقوله: {لُّمَزَةٍ} يلوي عنقه ورأسه، ويغضب إذا رأى فقيراً أو سائلاً.. معنى ذلك أن الإنسان ينظر إلى عيوب الآخرين فقط، ولا ينظر إلى حسناتهم، (روي أن عيسى (ع) مرّ مع الحواريين على جيفة، فقال الحواريون: ما أنتن ريح هذا الكلب!.. فقال عيسى (ع): ما أشدّ بياض أسنانه)!.. حكمة عيسوية راقية جدا!.. البعض لا ينظر إلا إلى الجانب المظلم في الناس، وهذا سر المشاكل الزوجية: قد يكون هناك امرأة مؤمنة مصلية مطيعة، ولكن لها حدة في المزاج، أو هفوة من الهفوات.. فترى الزوج ينسى كل الإيجابيات السابقة، وتاريخها في تربية الأولاد والأحفاد، لا يشفع لها مقابل هفوة، أو غلطة، أو ملكة قبيحة!.. بينما المؤمن يجب أن يوازن الأمور!..
{الَّذِي جَمَعَ مَالا وَعَدَّدَهُ}.. جمع المال أمر طيب، إذا كان يحول إلى مزرعة الآخرة!.. فالمؤمن يدفع حقوق الله عز وجل، وكلما اتسعت تجارته؛ كلما اتسع حق الله ورسوله في أمواله.. الآية تقول: {وَعَدَّدَهُ}؛ أي عينه على الرصيد، لحبه المال، وشغفه بجمعه، فيجمع المال ويعده عداً بعد عد؛ التذاذاً بكثرته.. وترى البعض يدخل على المواقع التي تذكر أسماء أثرياء العالم؛ فينظر ويتحسر!.. ما شأن المؤمن وهذه الأعداد!.. فإن المال وإن كثر ما كثر، لا يغني عن صاحبه شيئاً.
{يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ}.. أي يخلده في الدنيا، ويدفع عنه الموت والفناء؛ وكأن الخلود يشترى بهذا المال!.. بينما إذا ألمّ مرض خطير به، فإنه لو جاب مستشفيات العالم، وأعطاهم الملايين، فلا علاج له، “اتسع الخرق على الراقع”!.. المرض استفحل، وانتهى الأمر!..
{كَلاَّ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ}.. {لَيُنبَذَنَّ}: النبذ؛ القذف والطرح.. و{الْحُطَمَةِ}: مبالغة من الحطم، وهو الكسر، وهي من أسماء جهنم.. والمعنى: ليس مخلداً بالمال كما يظن، بل سيموت ويقذف في النار، التي من صفاتها التحطيم.. وإذا رب العالمين قال عن نار جهنم بأنها تحطم؛ فالتعبير فيه ما فيه من التخويف!..
{نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ}.. {الْمُوقَدَةُ}: إيقاد النار؛ إشعالها.. و{تَطَّلِعُ}: والاطلاع على الشيء؛ الإشراف والظهور.. و{الأَفْئِدَةِ}: القلوب.. والمراد من اطلاعها على الأفئدة: أي أنها تحرق باطن الإنسان كما تحرق ظاهره، بخلاف النار الدنيوية التي إنما تحرق الظاهر فقط.. نعم، عذاب جهنم لا يتصور!..
{إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ}.. أي مطبقة؛ لا مخرج لهم منها، ولا منجا.. البعض بعد فترة من العذاب، يذهب إلى الجنة.. فإذا استوى الجمع، وصفيت الحسابات؛ تغلق أبواب جهنم إلى أبد الآبدين.. عن الإمام الباقر (ع): (إن الكفار والمشركين يعيرون أهل التوحيد في النار ويقولون: ما نرى توحيدكم أغنى عنكم شيئا، وما نحن وأنتم إلا سواء.. قال: فيأنف لهم الرب -تعالى- فيقول للملائكة: اشفعوا فيشفعون لمن شاء الله، ثم يقول للنبيين: اشفعوا!.. فيشفعون لمن شاء الله، ثم يقول للمؤمنين: اشفعوا!.. فيشفعون لمن شاء الله، ويقول الله: أنا أرحم الراحمين!.. اخرجوا برحمتي، فيخرجون كما يخرج الفراش).. ثم قال أبو جعفر (عليه السلام): (ثم مدت العمد، وأوصدت عليهم، وكان والله الخلود)!.. عندئذ أبواب جهنم تغلق؛ لأن من يستحق الخروج خرج، وما بقي إلا أهل الخلود في نار جهنم.
{فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ}.. العمد: جمع عمود، والتمديد مبالغة في المد.. قيل: هي أوتاد الأطباق التي تطبق على أهل النار.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.