سرّ اشتراك الغسل والصيام في كثير من أعمال المناسبات

بسم الله الرحمن الرحيم

أهمية الغسل في المناسبات والمواسم العبادية

من الأمور التي تتكرر في مختلف المواسم العبادية، وفي المناسبات المهمة كأول رجب وفي منتصف شعبان، وفي بعض ليالي القدر أمران: أولا: الغسل. لماذا هذا التأكيد على الاغتسال في المناسبات؟ وعلى رأس الأغسال التي أمرنا بها – غير الواجبة – غسل الجمعة؛ حتى كاد يلحقها البعض من العلماء بالواجبات. إنني لست في مقام بيان علة الحكم، وفلسفته فهي أمور عند الله عز وجل. بل إنني أتأذى كثيرا عندنا يسئلني أحدهم مثلا: ما عي فلسفة هذا الحكم؟ لماذا أوجب الله كذا وكذا من الأحكام؟ لماذا أمرنا بمسح الرأس والرجلين، ولم يأمرنا بغسلهما مع أن الغسل أقرب للتنظيف؟ لماذا تقضي المرأة صيامها ولا تقضي صلاتها؟ وإلى آخر ذلك.

الامتثال للأوامر الإلهية وعدم البحث عن فلسفة الأحكام

إن العبد يمتثل أمر المولى؛ فإن فهم الفلسفة فذاك وإلا لا يضر جهله بالفلسفة ما يقوم به من الأعمال. في العسكر يقال: نفذ ثم اسئل؛ فبعد أن تنفذ حكم الضابط الكبير لك الحق أن تسأله: لماذا أمرتنا بكذا؟ كيف يتعبد الجنود بأوامر القائد، ولا نتعبد نحن بأوامر رب العالمين الذي لا يورد ولا يصدر إلا عن حكمة؟ لماذا نجعل العبادة مرهونة بمعرفتنا بفلسفة الحكم؟ أنت إذا تركت الخمر لأنه مسكر، وإذا تركت الخنزير لوجود الدودة الكذائية، وإذا تركت القمار لأن فيه إتلاف للمال؛ ما عاد الأمر تعبدياً. الكمال أن ترى لحماً طرياً أمامك من حيوان محلل في الأصل؛ ولكنه قد ذُبح بغير الشرط؛ فتمتنع من أكله من دون معرفة السبب، وإنما تعبدا لله.

لماذا يُستحب الغسل في المناسبات؟

إنك من خلال الغسل تقول بلسان الحال: يا رب، لقد طهرت بدني بالماء الطاهر القراح، وبما أنزلت لنا من السماء ماء مباركاً، وماء طهوراً. يا رب، طهر باطني أيضا كما طهرت جسدي الظاهري. ولهذا حاول عندما تتوضأ أو تغتسل؛ ان تمزج وضوئك وغسلك بالدعاء؛ فهناك دعاء في الغسل وفي الوضوء. إن البعض من المؤمنين يكتب هذه الأدعية في الحمام حتى إذا نسيها قرأها وهو يغتسل.

حاول أن تمزج بين العمل المادي الجوارحي، وبين الدعاء. ولطالما تذكر المؤمن – وهذا يحدث عند خواص المؤمنين، فالغافلون لهم حكم آخر – وهو في الحمام وجود الشبه بين الحمام والمغتسل. فالإنسان في الحمام ينزع ثيابه بنفسه، وفي المغتسل تُنزع ثيابه قهراً. في الحمام تصب على بدنك الماء، وفي المغتسل يُصب على بدنك الماء. في الحمام تتقلب يميناً وشمالاً؛ فتغسل الشق الأيمن من جسمك ثم الأيسر باختيارك. أما في المغتسل فالغسال هو من يقلبك يميناً وشمالاً. يبقى الفارق في المغتسل أنهم يستعملون الماء المتعارف؛ ولكنك في الحمام تصب على نفسك ماء حاراً، وفي بعض الحالات تنسى أو تشتبه فتفتح الماء الحار جدا وتتأذى منه وتتذكر حميم النار يوم القيامة.

أهمية الصيام في المناسبات

من الأمور التي تشترك فيها المناسبات الصيام. ولهذا يسألنا البعض ويقول: لماذا يُستحب الصيام في يوم الغدير؟ إن الإنسان عادة يُحب أن يأكل ويشرب ويتفكه في يوم عيد الغدير كالعيدين الأضحى والفطر. إلا أننا نجد الصيام فيه أجر عظيم. وفي المناسبات المهمة هناك أيضا دعوة إلى الصيام في أول رجب مثلا، أو في شهر شعبان أو في يوم دحور الأرض أو في سائر مناسبات السنة. لسنا في مقام بيان الفلسفة والعلة؛ ولكن الصيام فيه مجاهدة شديدة. إن ألصق الشهوات بالإنسان شهوتي البطن والفرج. إن المؤمن عادة يمتنع عن الحرام؛ ولكن شهوة البطن شهوة قوية. إن الصائم يقف أمام شهوة بطنه وخاصة في الصيف حيث الحر الشديد. إن هذا الصيام يقربك إلى الله عز وجل كثيرا. فرق بين إنسان يحيي المناسبة وقد أكل وشرب في النهار إلى حد التخمة، ويريد مع ذلك أن يحيي تلك الليلة – في الليالي التي يستحب صيام نهارها مثلاً – وبين إنسان صام نهاره فأفطر على الحلال، والآن يريد أن يقوم بذلك المستحب. من الطبيعي أن يكون الإقبال عند الأخير أعظم.