زيارة قبور الأنبياء والصالحين
بسم الله الرحمن الرحيم
وأفضل الصلاة وأتم الصلاة على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين
هل يعلم الأموات بزيارتنا لهم وهل يسمعوننا؟
إنَّ الإنسان سواء المؤمن أو الفاسق لا يموت موتاً حقيقياً بمعنى الفناء، ونحن نقول عن زيارة أهل القبور: (اَللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ اَلْأَرْوَاحِ اَلْفَانِيَةِ وَاَلْأَجْسَادِ اَلْبَالِيَةِ)[١]، وفناء الأجساد أمر معقول إلا أنَّ المقصود بفناء الأرواج هو خلو الدنيا منها، وأعني بالدنيا الحياة ما قبل البرزخ، والشهاداء عند ربهم يرزقون وغير الشهداء عند الله يحاسبون، والنبي الأكرم (ص) عندما ألقى المشركين في بئر بدر أخذ يكلمهم مما جعل بعض الصحابة يستنكرون ويستغربون من فعله، فقال لهم النبي (ص): ((مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ)[٢]، والاستماع من خصوصيات الحي، ونحن عندما نذهب لزيارة قبر الميت القريب أو قبر الأولياء أو قبر النبي (ص)، إنما نقدس ونمجد ذكرى ذلك الإنسان ونذكره بخير ونهديه الأعمال الصالحة أو غير ذلك؛ إما لقرابته منا – كالوالدين الذين يستمر برهما حتى بعد الممات – أو لخصوصية أخرى.
إنَّ زيارة القبور قضية فطرية عمل بها الأمم السابقة قبل الإسلام، ولم يأت الإسلام ليلغي جميع الأعراف المقبولة عند الأمم، بل إنَّ الإسلام أقر العقود والإيقاعات والمعاملات الناس وأعرافهم إلا ما خرج بالدليل؛ كالربا والقتل والزنا ووأد البنات وما شابه ذلك، وحتى عندما نزل القرآن الكريم أمر الوحي النبي (ص) بأن يرجع مفاتيح الكعبة إلى السادن الذي كان يلي أمرها قبل الإسلام وقال: (إنَّ اللّهَ يأمُركُم أن تُؤَدّوا الأَمنتِ إلى أهلِها)[٣]، ونحن نلاحظ أنَّ الشعوب تمجد ذكرى أبطالها في المجالات العلمية والعسكرية والثقافية وتزور قبورهم؛ بل يصنعون قبوراً وهمية تحت عنوان الجندي المجهول، فكيف إذا كان المدفون نبياً معلوماً ومن أنبياء الله العظام.
زيارة قبر النبي (ص) والدليل القرآني على جوازه
وعندما تذهب لزيارة قبر النبي (ص)؛ فإنما تجسد قولك: (أشهد أنَّ محمداً رسول الله) وتجسد ولايتك له (ص) وتعمل بالآية الشريفة: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ)[٤]، والمودة لها انعكاس في القلب وآثار في الخارج، فعندما تقدم هدية لصديق أو تكتب له رسالة أو تعمل له عملاً وحتى وإن كان ذلك العمل لا يضره ولا ينفعه إلا أنَّك تظهر له المودة من خلالها، وطبيعة الناس وفطرتهم وعاداتهم وتقاليدهم قائمة على تكريم الأشخاص في حياتهم وبعد مماتهم، أضف إلى ذلك الدليل القرآني في قوله سبحانه: (وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ)[٥]، إذ يتبين منه أنَّ النهي عن القيام على القبر إنما هو بالنسبة للفاسق؛ أما إن كان هناك مؤمن صالح فلا عتب على النبي (ص) لو قام على قبره.
النبي (صلى الله عليه وآله) يزور أهل البقيع ويسلم عليهم
ونلاحظ في السنة المطهرة؛ أنَّ النبي (ص) كان يزور أهل القبور، ففي صحيح مسلم عن عائشة أنها قالت: (كُلَّما كانَ لَيْلَتُهَا مِن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، يَخْرُجُ مِن آخِرِ اللَّيْلِ إلى البَقِيعِ، فيَقولُ: السَّلَامُ علَيْكُم دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَأَتَاكُمْ ما تُوعَدُونَ غَدًا، مُؤَجَّلُونَ، وإنَّا، إنْ شَاءَ اللَّهُ، بكُمْ لَاحِقُونَ، اللَّهُمَّ، اغْفِرْ لأَهْلِ بَقِيعِ الغَرْقَدِ)[٦]، وبالطبع إنَّ عائشة تصف ليلتها ولا أعتقد أو لا أحتمل أن هذه من خصوصيات النبي (ص) في ليلة عائشة؛ إذ من الممكن أن يكون ذلك عمل النبي (ص) في كل ليلة. وكذلك في سنن الترمذي والنسائي نلاحظ أنَّ النبي (ص) كان يزور الأموات للعبرة وللسلام عليهم.
مشروعية زيارة قبر النبي (صلى الله عليه وآله) وقبور الصالحين من كتب أهل السنة
والمشكلة أنَّ البعض عندما يستمع إلى صيغة من الصيغ التي استعملها النبي في السلام على أهل القبور وزيارتهم؛ يحاول أن يجمد على تلك الصفة، وهل يا ترى لو زاد الإنسان أو أنقص عبارة هل يكون قد ارتكب بدعة؟ إنَّ النبي (ص) لا يريد أن يعلمنا الكلمات والحروف؛ بل يريد أن يعلمنا جوهر العمل بأن نزور أهل البقيع ولنا أن نذكر ما نشاء؛ فما السلام إلا صيغة من صيغ التكريم، وقد يقوم آخر بإلقاء خطبة في المدفونات من نساء النبي (ص)، أو من أصحابه أو من ذريته، فذلك أيضاً من صيغ التكريم.
وللإمام السبكي الشافعي كتاب تحت عنوان: شفاء الأسقام في زيارة خير الأنام، وقد ذكر فيه الروايات المختلفة حول استحباب زيارة قبر النبي (ص) وقد بيَّن أنَّ الاستحباب أمر مجمع عليه بين المسلمين، وأما نصوص أهل بيت (ع) في هذا المجال كثيرة وحدث ولا حرج، فقد روى الصدوق بسنده عن الرضا (ع): (مَنْ زَارَنِي فِي حَيَاتِي أَوْ بَعْدَ مَوْتِي فَقَدْ زَارَ اَللَّهَ جَلَّ جَلاَلُهُ)[٧]، وعن الإمام الصادق (ع) أنَّه قال: (قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ : مَنْ أَتَانِي زَائِراً كُنْتُ شَفِيعَهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ)[٨]، ويروى أن النبي (ص) كان يشد الرحال إلى بعض المساجد المباركة للصلاة فيها، وكان يأتي مسجد قبا راكباً وماشياً فيصلي فيه ركعتين وقد روى ذلك البخاري ومسلم.
ما هو الهدف من زيارة قبور الأنبياء والصالحين أو زيارة بعض المساجد المقدسة؟
وقد تبين أنَّ زيارة المساجد والصلاة فيها وزيارة قبور الأنبياء والأولياء إنما هو لبيان عظمتهم ومنزلتهم وللتأسي بهديهم ولإظهار الولاء لهم، ولأجل الاجتماع مع الإخوة المؤمنين في تلك البقع الطاهرة، وغير ذلك من الأهداف الكثيرة المباركة، وقد أثبتنا ذلك من خلال السيرة العقلائية والقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ولا أعلم بفرقة من فرق المسلمين منذ بعثة النبي (ص) إلى يومنا هذا قد عبدوا القبور؛ بأن يتخذوا القبر إلهاً من دون الله عز وجل، وهذا المعنى يمجه الطبع بأن يجعل الإنسان القبر كالكواكب وكالشمس والنجوم ويعبدها كما يعبدها عباد الشمس والنجوم، ولم أسمع بذي مسكة أو عقل من المسلمين جعل القبر معبوداً، فلا داعي لهذا الإنكار الشديد، بصرنا الله بحقائق دينه وجعلنا من المتبعين لسنة نبيه المصطفى (ص).
خلاصة المحاضرة
- إن الذي يفنى من الإنسان هو جسده وتبقى لديه قابلية السمع كما حدث النبي (ص) قتلى المشركين في يوم بدر ولما استنكر الصحابة عليه ذلك قال لهم أنكم لستم بأسمع منهم.
- إن القرآن الكريم يخاطب النبي (ص) لأن لا يقوم على قبور الفاسقين، ومعنى ذلك أنه أصحاب القبور من المؤمنين يجوز القيام على قبورهم ولا عتب في ذلك.
- إنَّ الفريقين من الشيعة والسنة مجمعين على جواز زيارة القبور، وتنقل الروايات أن النبي (ص) كانوا يخرج في الليل فيأتي أهل البقيع الغرقد ويسلم عليهم.