

- ThePlus Audio



زيارة الحسين (عليه السلام) أقرب طريق إلى القرب الإلهي
بسم الله الرحمن الرحيم
ما مدى أهمية زيارة الحسين (عليه السلام) في يوم الأربعين؟
إننا إذا تأملنا الأدعية الشريفة المأثورة عن أهل البيت (ع) وجدنا فيها من الأدعية ما أصبحت مشهورة بين المؤمنين كدعاء كميل ودعاء الصباح ودعاء العهد والمناجيات الخمس عشرة ودعاء الإمام زين العابدين (ع) في أسحار شهر رمضان المبارك، وغيرها. وكذلك الأمر في الزيارات المأثورة عن الأئمة (ع)، فمنها ما أصبحت لها مكانة خاصة بين المؤمنين كزيارة عاشوراء وزيارة أمين الله وزيارة الجامعة الكبيرة وزيارة وارث وغيرها. ومن هذه الزيارات المهمة، زيارة الحسين (ع) في يوم الأربعين. وهذه الزيارات والأدعية، لا ينبغي أن يقرأها المؤمنين من دون إلمام ولو بشيء مما تتضمنه من معاني ومفاهيم. فدعاء الصباح ودعاء السمات من الأدعية التي لا تخلو من الألفاظ الغريبة على العرب أنفسهم، لأنها مفردات لم يعهدوها في محاوراتهم ولم تكرر كثيرا، فلابد من فهمها للتفاعل مع الدعاء ومضامينه.
كيف أتفاعل في زيارة الأربعين؟
إن زيارة الأربعين، زيارة يختم بها المؤمن زيارته إلى الحسين (ع) بعد أن مشى الأميال وقطع المسافات الطويلة، فمنهم من يأتي من البصرة وهي أبعد نقطة في العراق يتحرك منها الزائرون نحو الحسين (ع). فلا ينبغي لهذا الزائر بعد هذا العناء، أن يقرأ الزيارة من دون توجه والتفات إلى معانيها السامية. ترى الرجل وهو يمشي أياما عديدة بلياليها، فعندما يصل إلى الحرم ويصبح تحت القبة الشريفة، لا يرى في قلبه تفاعلاً ولا تجري له دمعة. هذا وقد تراه في المواكب أثناء الطريق ممن بكى وتأثر ولكنه لم يستطع ذلك في الحرم الشريف، ووجد في قلبه قسوة وهي علامة غير محمودة. تصور أن تكون جائعا وتشتهي الطعام وتقول في نفسك: لو وصلت إلى المطعم الفلاني، لأكثرت من الطعام، ولكن فور وصولك ترى النفس لا تشتهي شيئا من الطعام والشراب.
ولذا ينبغي أن يحفز المؤمن نفسه ويهيج مشاعره الباطنية قبل أن يشرع في زيارة الأربعين بعد الوصول إلى المقام بعناء ومشقة. ومن موجبات التفاعل أن يطلع على المضامين وأن يتفاعل معها نظرياً، فهذا التفاعل النظري مقدمة للتفاعل القلبي.
كيف نبدأ زيارة الأربعين؟
وعادة ما تبدأ الزيارات بذكر نسب الإمام (ع)، فعلى سبيل المثال نقول: السلام عليك يا ابن رسول الله، يا ابن أمير المؤمنين، ولكن الملفت في زيارة الأربعين أن البداية فيها بيان لعلاقة الإمام (ع) برب العزة والجلال, فقبل أن نذكر نسب الإمام (ع) وقبل أن نذكر وراثة الإمام للأنبياء كما في زيارة وارث، نذكر علاقة الحسين (ع) بربه عز وجل، فنقول:السلام على ولي الله وحبيبه. وبهذا نستهل زيارة الحسين (ع) في يوم الأربعين ونسلم عليه بعنوان الولاية. والملفت أننا نستعمل هذا العنوان للخالق والمخلوق وهذه من النوادر. فالخالقية لله عز وجل والمخلوقية للعبد ولكن كلمة الولي نطلقها على الله وعلى العبد. فكما أن رب العالمين وليي، أنا ولي الله. ألا تقول: فلان من أولياء الله؟ ما هو المجوز لهذا التعبير؟ بكلمة واحدة نقول: الولي بمعنى القريب والقرب متحقق من الطرفين، فأنت تقترب من أحدهم، فيصبح هو قريب منك أيضا.
هل أستطيع أن أكون وليا كالحسين (عليه السلام)؟
إن الحسين وليٌ قريب من الله عز وجل، وهذا لا ينافي أن تسعى أنت أيضا لكي تكون ولياً من أولياء الله، لا بمعنى المعروف أن تكون ولياً معروفا في أوساط الناس، بل معروفا عند الله عز وجل وعند أهل السماء. عندما يصل الولي الحقيقي إلى بعض مقامات القرب الإلهي، يتمنى من الله عز وجل أن يكون مجهول الحال مخفياً بين الخلق ولكن إذا ئاء سبحانه أن يرفع قددرك ويشهر اسمك، فالأمر إليه، ولكن لا تتمنى أنت ذلك. ولذا ورد عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (إِنْ قَدَرْتَ أَنْ لاَ تُعْرَفَ فَافْعَلْ)[١].
منافع القرب إلى الله عز وجل
وينبغي أن نعلم أن القريب من الله عز وجل في دار الدنيا، قريب منه في البرزخ وفي القيامة وفي الجنة أيضا. فإذا وصلت الى القبة الشريفة وأصبحت أمام الضريح وأحسست بأن هنالك بعض علائم الاستجابة كرقة في القلب ودمعة في العين، فسل الله عزوجل هذا المقام، واعلم أنه ليس هنالك مقام أعلى من مقام القرب الذي هو مصدر الاطمئنان والأنس.
فلا اطمئنان إلا بعد في العيش كنف الله عز وجل واستشعار معيته. أن يرى المؤمن ربه معه في كل حركاته وسكناته وفي منقلبه ومثواه، عندها لا تزعزعه العواصف. كان إبراهيم (ع) في المنجنيق والنار مشتعلة أمامه وسيرمونه فيها بعد قليل ولكنه رفض أن يطلب من غير الله عز وجل وقال في جواب جبرئيل الذي عرض عليه المساعدة: (حَسْبِي مِنْ سُؤَالِي عِلْمُهُ بِحَالِي.)[٢] وكان من الطبيعي أن يكون إبراهيم (ع) أقرب الناس إلى الله عز وجل باعتباره خليلا لله عز وجل.
مقام تتفرع منه الكمالات المعنوية كلها
فإذا أصبح الإنسان وليا لله عز وجل، حصل على مقام الاطمئنان والتسلم والرضا وما شابه ذلك من الكمالات المعنوية والمقامات التي هي فرع هذا المقام. والخطوة الأولى لكسب هذا المقام الذي يسهل الصول إليه؛ أن يرفع العبد موجبات البعد؛ فلا يرتكب ما يبعده عن الله عز وجل. وبعبارة واضحة: يجتنب كل ما يثير غضب الله عز وجل صغيرا كان أو كبيرا. إن العاصي وإن ادعى أنه يود القرب من الله عز وجل، ولكنه في مقام العمل كاذب؛ فكيف يتقرب ممن يؤذيه بقوله وفعله؟ لو طلب منك رجل أنت على موعد لقاء معه شيئا فلم تستجب له، بل آذيته قبل اللقاء، فهل تتوقع أن يستقبلك استقبالاً حسناً؟
الصلاة بعد المعصية
ولهذا يتفق أن يصلي أحدنا بعد ارتكاب معصية، فيجد تلك الصلاة خالية من المعالي لا يستطيع فيها الإقبال والحشوع. أي خشوع في الصلاة هذا الذي تريده، وأنت أثرت غضب المولى قبيل الصلاة؟ وحتى لو أكثرت من الواجبات والمستحبات، لن تنفعك كثيرا مع وجود المعاصي التي تؤخر سيرك إلى الله عز وجل.
فمن أراد خشوعا في الصلاة لا يعصي الله عز وجل في ذلك اليوم على أقل التقادير. إن استغفرت الله عز وجل من معاصي الأمس، وحافظت على نفسك من ارتكاب المعاصي من الصباح حتى الزوال، يرجى أن تصلي صلاة الزوال بخشوع.
لم أجد معصية في حياتي…!
قد يقول قائل: لقد بحثت في زوايا حياتي كلها، فلم أجد معصية واحدة…! ولهؤلاء أقول: لعلك لم ترتكب معصية، ولكن ابحث عن الحقوق التي ضيعتها. قد لا تكون عاصيا في تعاملك مع والديك ولكن تكون مقصرا في أداء بعض الحقوق، فلا توقرهما ولا تقضي حوائجهما كما ينبغي. وقد يكون تضييع الحق والتفريط هذا في حقوق الآخرين أيضا، وهذا ما يؤكد عليه الإمام زين العابدين (ع) في رسالة الحقوق. لقد صنف الإمام (ع) الناس إلى عدة أصناف وذكر لكل صنف حقه، حتى المؤذن وإمام الجماعة، فضلا عن الوالدين. ويُمكن القول: لا يعطى مقام القرب إلا لمن رفع الموانع وتخلى عن المعاصي ولم يقصر في حقوق العباد وقام لما يوجب له الرضوان الإلهي بعد ذلك.
ومن الممكن أن تقيم الصلوات الواجبة بإتقان ومن الممكن أن تكثر من المستحبات؛ ولكن ابحث عن الصفقات المميزة مع رب العالمين. إن الصلاة لا تكلفنا كثيرا وقد اعتدنا عليها، وقد نستوحش من تركها، ولكننا بحاجة إلى مجاهدة شديدة على النفس. وأقرب مثال، مثال الرجل الذي يختلي بأجنبية، فيتخذ موقفا يوسفيا، ويكون بذلك قد حاز صفقة العمر. لقد كانت هذه المجاهدة التي قام بها يوسف (ع) من موجبات بلوغه الدرجات العليا.
لست معرضا للشهوات…!
قد تقول: لست في عمر يجعلني في معرض الابتلاء بالشهوات، فأقول لك: لا تنسى الغضب…! قد يثير غضبك رجل ما، بأعلى درجات الإثارة ولكن في مقام العمل لا تثار أبداً؛ بل ترد السيئة بالحسنة وهنا يكون كظمك للغيظ موجبا من من موجبات القرب المتميز. ومن المجاهدات تقديم النفيس من المال. قد يكون الرجل ثريا وينفق الأموال في سبيل الله عز وجل ولكن لا تؤثر على نفسه، لأنها لا تؤثر على ثروته، ولكن قد ينفق الفقير قوت يومه لمن هو أحوج منه، فيكون مصداق قول الله عز وجل: (وَيُطعِمونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ)[٣]، وقوله عز من قائل: (أَو إِطعامٌ في يَومٍ ذي مَسغَبَةٍ)[٤]، أي في يوم قحط وفقر.
وبعبارة أخرى: ابحث عن كل مجاهدة مميزة ممكنة سواء كانت تلك المجهادة متعلقة بالشهوة أو الغضب أو كانت إنفاقا متميزا أو ما شابه ذلك من وجوه البر الكثيرة. فإذا مررت باختبار وخرجت منه بنجاح، اطلب ثمة أن يأخذ رب العالمين بيدك إلى المراتب العالية.
ماذا أفعل بوساوس الشيطان؟
وقد لا يتحقق للإنسان، بفعل وساوس الشيطان، بلوغ هذه المقامات. لقد احترف الشيطان من خلق آدم إلى يومنا هذا، حرفة الإغواء وأصبح من المتمرسين. فهو كلما رأى في أحدهم علامة تميز، كثف من جهوده لصرفه عن الطريق. ولكن هل الحل في أن نيأس؟ أبدا…! الحل هو أن تصل في زيارة الأربعين بعد مشي طويل وأنت منهك مغبر إلى الضريح وتطلب من الله عز وجل أن يمن عليك بمقام القرب بجاه الحسين (ع).
إننا نرى البعض من الزائرين وهم يجرون أنفسهم نحو الضريح بعد تجشم عناء الطريق وقد أصاب المرض بعضهم، فنرق لحالهم، فكيف بالحسين (ع) وهو مقصد هؤلاء؟عندئذ تعيش الحالة التي عاشها أصحاب الحسين (ع) في يوم عاشوراء، حيث كان يتهلل وجه أحدهم فرحاً وهو ينزل إلى الميدان. وذكر أصحاب المقاتل أن الحسين (ع) كلّما اشتّد الأمر أشرق وجهه. وصحيح أن الفجائع التي تعرض لها، كانت فجائع مؤلمة تهد الجبال؛ ولكنه كان في كل فجيعة يلهج بالحمد والثناء الإلهي.


خلاصة المحاضرة
- إن زيارة الأربعين، زيارة يختم بها زيارته للحسين (ع) بعد أن مشى الأميال وقطع المسافات الطويلة، فمنهم من يأتي من البصرة وهي أبعد نقطة في العراق يتحرك منها الزائرون نحو الحسين (ع). فلا ينبغي لهذا الزائر بعد هذا العناء، أن يقرأ الزيارة من دون توجه والتفات إلى معانيها السامية.
- لقد احترف الشيطان من خلق آدم إلى يومنا هذا، حرفة الإغواء وأصبح من المتمرسين. فهو كلما رأى في أحدهم علامة تميز، كثف من جهوده لصرفه عن الطريق. ولكن هل الحل في أن نيأس؟ أبدا…! الحل أن تلجأ إلى الحسين (ع) خاصة بعد المشي الطويل في زيارة الأربعين.
- ابحث عن كل مجاهدة مميزة ممكنة سواء كانت تلك المجهادة متعلقة بالشهوة أو الغضب أو كانت إنفاقا متميزا أو ما شابه ذلك من وجوه البر الكثيرة. فإذا مررت باختبار وخرجت منه بنجاح، اطلب ثمة أن يأخذ رب العالمين بيدك إلى المراتب العالية.
