- ThePlus Audio
خارطة طريق التكامل
بسم الله الرحمن الرحيم
وجه الشبه بين بناء المنزل في الدنيا وبناء المنزل الأخروي
الكثير منا قد بنى لنفسه منزلا وخاصة كبار السن، ومن له أولاد كثيرون. إن بناء النفس ليس بأقل من بناء البيت؛ فالنفس سترافقك إلى أبد الآبدين، وأما بيتك فسوف تفارقه شئت أم أبيت. وأما كيفية بناء المنزل فهو أمر معلوم. فإنك قد رسمت الخارطة الذي تناسبك مع استشارة المهندس؛ فليس كل خارطة تناسب الجميع فهناك من له ولد واحد، وهناك من له أولاد كثيرون هذا أولاً. وثانيا استقرضت مالاً من المصرف أو مال من الإرث أو هدية من أحد؛ فالمال لا بد وأن يكون في الحساب، ولهذا المهندس يقول لك: عندك مال؟ فإذا قلت: لا يقول: ما الفائدة من هذه الأوراق فهي عندئذ لا تغني ولا تسمن؟ وإذا كان مالك قليلا فسوف يبني لك منزلاً بحسب ما عندك من مال؛ فيبني لك طابقاً واحداً مثلا.
خطوات بناء المنزل الأخروي؛ العزم
وثالثا: بعد المال وبعد أن أكملت المنزل لا بد وأن تؤثثه؛ فهل يسكن أحدنا في منزل غير مؤثث وغير مكيف؟ فلا بد أن تزينه وتجمله وتلطفه، وهناك أجهزة تلطف الهواء فيه وما شابه ذلك. هذه الخطوات بحذافيرها طبقها على بناء النفس. فأولا: أنت بحاجة إلى العزم. ولهذا فإن الشاب في العشرين من عمره لا يبني منزلاً، فهو يقول: ما لي والمنزل؟ إنني منعم في بيت والدي. ولذك فإن الحاجة للمنزل هي التي تدعو هذا الشاب إلى بناء منزل. ولهذا يتزوج الإنسان وينجب ولداً ثم يفكر في بناء منزله؛ أي إحساسه بالحاجة هو الذي يجعله يهتم بذلك. وكذلك هو الذي يهتم بأمر نفسه وقد ألقى حبلها على غاربها؛ فما دامت الدنيا متسقة ينام قرير العين، ولا يهتم بصلاته كيف هي أو علاقته بربه أو بإمام زمانه أهو راض عنه أم لا؟
لقد سمعت عن أحد المراجع – وقد رأيته بنفسي – لم يكن ينام الليل، وكان يقول لولده: إنني لا أدري هل أن إمام زماني راض عني أم لا؟ لقد كان مرجع تقليد وكان في قمة العدالة إلا أنه يخاف من عدم رضى إمام زمانه (عج). فكيف بي وبك؟ وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة فهو كتاب التكامل، وهو الكتاب الأول والأخير. ما لك ولكتب القوم؟ إن كتب الأخلاق جيدة ولكن للقرآن كلمة الفصل، يقول سبحانه: (فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا)[١]؛ فلا بد أن تكون للإنسان مشية متسقة في الحياة الدنيا. فلا يكون في شهر رمضان في الأوج من قيام الليل وقراءة القرآن ثم يتسافل في شهر شوال. أو يذهب إلى الحج ويتألق فيرجع للوطن فيتسافل. أو يذهب إلى زيارة الأربعين مشياً ثم يرجع إلى ما كان عليه.
التذبذب الروحي وأثره على تكامل الإنسان
إن هذه المشية المتعثرة وهذا التذبذب لا يوصلك إلى المنزل. إن الشيطان يخدعنا ويقول: أنت الذي كنت كذا وكذا. إن ليلة القدر قد انتهت فماذا عندك اليوم؟ إن هناك عبارة جميلة في دعاء كميل قل من يلتفت إليها: (وسكنت إلى قديم ذكرك لي). إنك قبل أشهر ذهبت للزيارة وبكيت وتفاعلت ولكن ماذا عندك اليوم؟ فلا تعول على الماضي إذ لكل يوم ملفه. فإن ندبت اليوم إمامك (عج) وصليت صلاة لوقتها وإلى آخر هذه الأعمال اتخذ الى ربك سبيلا. فإذا بلغ الإنسان فهو مطالب بأن يبني لنفسه منزلا والذي بلغ الأربعين متى يبني؟ والذي بلغ الخمسين من عمره ولا منزل له؛ متى يخطط ويبرمج ومتى يجمع المال ومتى يزين المنزل؟ إن الموت سيأتيه وهو صفر اليدين.
أول عذاب الإنسان بعد موته
إن أول عذاب يصادفه الإنسان بعد الموت؛ هو عذاب الحسرة. يقول سبحانه: (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ)[٢]؛ لقد قضي أجله وهو الآن يرد على ربه خالي الوفاض لا شيء عنده يعول عليه. إن يوسف الصديق (ع) سيقول: إنني وقفت أمام زليخاء وقفة المجاهدين. ويقول إبراهيم (ع): إنني حطمت الأصنام، وهكذا لكل نبي مزيته. وبعض المؤمنين يخرج من هذه الدنيا وقد بنى مسجداً أو ألف كتاباً أو على أقل التقادير قد أنجب ذرية صالحة، لما روي عن النبي الأكرم (ص): (إِذَا مَاتَ اَلرَّجُلُ اِنْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ وَعِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ وَوَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ)[٣].
فكيف يرد على ربه من ليقدم مما ذكرنا شيء؟ ولهذا مكتوب على بعض القبور، ويقال: أن من كتب على قبره هذه العبارة يرجى أن يغفر له:
وفدت على الكريم بغير زاد
من الحسنات والقلب السليم
وحمل الزاد أقبح كل شيء
إذا كان الورود على الكريم
إن هذا الشعر جيد ولكن أيضا لا بد وأن نبعث الزاد لذلك العالم. إن هناك عبارة جميلة في كتب العرفان والأخلاق وهي اليقظة. إن الإنسان قد لا يستقيظ طوال عمره، وكما يروى: (اَلنَّاسُ نِيَامٌ فَإِذَا مَاتُوا اِنْتَبَهُوا)[٤]؛ فقد يكون ظاهره متحرك ويقضي ويؤسس الشركات ويبني العمارات الناطحات للسحاب ولكنه نائم. وقد روي أيضا: (مُوتُوا قَبْلَ أَنْ تَمُوتُوا)[٥]؛ وهاتان العبارتان اجعلهما في بالك.
تحول عن المزبلة التي وقعت فيها..!
وسأضرب لكم مثالا يذكره العلماء في كتب الأخلاق وهو وإن كان مقززا إلا أنه لا بأس به، إنهم يقولون: أن اليقظة بمثابة إنسان يسير في الطريق وووصل إلى مزبلة فأغمي عليه وسقط عليها، فماذا يعمل عندما يستفيق؟ سيهرب بالتأكيد ويقول: أين أنا وهذا المكان الذي وقعت فيه. إن البعض بعد عمر طويل وبعد أن جاوز الأربعين يستيقظ في ليلة من الليالي؛ في ليلة قدر أو في حجة أو في عمرة أو في زيارة على واقع مؤلم، فلا يرى نفسه على ما يرام. ولذلك روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (إِذَا بَلَغَ اَلرَّجُلُ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَلَمْ يَغْلِبْ خَيْرُهُ شَرَّهُ قَبَّلَ اَلشَّيْطَانُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ – وَقَالَ هَذَا وَجْهٌ لاَ يُفْلِحُ)[٦]؛ يأتينا الرجل وقد بلغ الأربعين ولا زال يراهق . يأتينا ليشتكي من المناظر المحرمة، فمتى يستيقظ هذا؟
وبعد العزم لا بد من وجود خارطة للطريق. فقد يتعثر الإنسان في سيره ويفقد توازنه. إن الشاب قد يسمع حديثا أخلاقيا سيريا وسلوكيا فيعتزل الناس ويتقوقع ويتعقد نفسيا وهو لا يعلم أنه قد فرط. وقد يكون الإنسان اجتماعيا بكل معنى الكلمة؛ فيفكر في كل أحد إلا نفسه وهذا تفريط أيضا. وإنما الجاهل هو الذي لا يخرج عن الإفراط والتفريط.
كتاب الطريق إلى الله عز وجل للبحراني
حاول من خلال القراءة والمطالعة أن تكتشف الطريق إلى الله عزو جل؟ إنني لست في مقام الترويج لكتاب ولا لأحد ولكن هذا الكتاب قيم من يريد الخارطة فعليه بهذا الكتاب وهو: الطريق إلى الله، ولكن لماذا أؤكد عليه؟ لئن صاحبه غير معروف وإنما يعرف بالبحراني ولكن من هو وأين عاش؟ فيبدو أنه قد ضيع نفسه. إنه كتاب قد عثر عليخ جديداً لمؤلف لا نعرفه. ويبدو قد ستر على نفسه ولكن رب العالمين قد كتب له الخلود. لقد ترجم الكتاب إلى لغات عالمية، وهو كتاب مختصر مفيد يبين لك المعالم. كم قرأت في حياتك من الكتب والجرائد التي لا نفع في أكثرها؛ فاقرأ هذا الكتاب في مئتين صفحة والذي لا يكلفك كثيرا.
أن تمتلك الخارطة فهذا أمر يريحك. ولهذا قد سمعت أن في بلاد الغرب تستغرق مدة التخطيط أكثر من البناء نفسه. فهو يبني البناء في سنتين أو ثلاث؛ ولكن المستشارين يرسمون له الخارطة في سنوات. فلا ضير أن تمضي الوقت في التخطيط ثم تشرع في التنفيذ.
دور المال في الكمال
ثم إن البيت بحاجة إلى مال؛ فهل الطريق إلى الله عزوجل بحاجة إلى مال؟ إنما العكس من ذلك. وكما قال سلمان: فاز المخفون؛ فمن له دنيا محدودة كسلمان الذي جاء حريق في المدائن ذات يوم فأخذ الإبريق وخرج – لأن الإنسان يحتاج إليه في أهم مواطنه فهو يتطهر ويتوضأ به وذلك أهم لديه من الذهب – وهو يقول: فاز المخفون؛ أي ليس عندي ما أخاف عليه. المال لأمثال سليمان (ع) وعلي بين يقطين أمر جيد وأمير المؤمنين (ع) كان ثرياً بما له من المزارع في زمان النبي (ص) وقد زرع الكثير من النخيل.
ولماذا كانت فاطمة (س) تطرق الأبواب وتطالب بفدك؟ لئن فدك شركة استثمارية زراعية تدعم أمير المؤمنين (ع) وأصحابه. فالمال للمؤمن جيد ولكن للمؤمن العاقل الذي يبعثه لآخرته لا لدنياه. لقد رأيت ثرياً من كبار الأثرياء ممن قد لا يصل البعض منكم إلى ثروته وقد استيقظ. رأيته في مشهد من المشاهد فقال لي: لقد اتخذت قرارا مهماً ومصيرياً. قلت له: ماذا تعني؟ قال: لقد جعلت أملاكي كلها في سبيل الله وقد استثنيت منها لعائلتي ما يعيشون بها بعدي بعزة وكرامة. إن هذا الإنسان كم نفعه هذا المال. إنه ذاهب إلى ربه وقد بنيت من ماله عشرات الحوزات والمساجد، وكما يروى: (خُذُوا مِنْ مَمَرِّكُمْ لِمَقَرِّكُمْ)[٧].
فاستقم كما أمرت
فاشدد الهمة ولتكن لك عزمة من عزمات الملوك – كما يقال – أو من عزمات الأنبياء (ع). إن الإنسان إذا كان له عزم نفذ ما أراد. ولا يكونن كالبطالين جيفة في الليل وبطال في النهار. والطريق مفتوح أمام مالجميع خصوصا من لا دوام لهم والمتقاعدين الذين قد قضوا ما عليهم واكتسبوا الأجر والثواب بكدهم على عيالهم وقد أصبحوا في فسحة من الوقت.
إن الله سبحانه قد دربنا بصايمنا شهراً كاملاً حتى نمتلك العزيمة؛ فنحن من الصباح إلى الليل نكف عن الطعام والشراب. ثم اذهب للحج؛ فالحج لقاء الله وهو هجرة إلى الل عز وجل. ومن أراد أن يعتكف فليعتكف، وكل هذه مقدمات لتصل إلى درجة إذا أردت أن تقول: (لا) أن تكون عند كلامك. وكما قال سبحانه: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ)[٨]. لقد كنت أقرأ سيرة يوسف (ع) بطل الأبطال في مقارعة الشهوة يقول: (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ)[٩]؛ بغض النظر عن الاختلاف الموجود حول انتساب هذا القول إلى زليخا أو يوسف (ع) وإن كان الأرجح انتسابه إلى يوسف (ع). وكما يقول سبحانه: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا)[١٠]أو قوله عز من قائل: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا)[١١]؛ فسل الله عزوجل أن يثبت قدميك في الطريق إليه.
خلاصة المحاضرة
مقتطفات من الخطبة
- إن الإقبال تارة والإدبار أخرى لا يوصلك إلى المنزل. إن الشيطان يخدعنا بما كان لدينا ويقول: أنت الذي كنت كذا وكذا. إن هناك عبارة جميلة في دعاء كميل قل من يلتفت إليها: (وسكنت إلى قديم ذكرك لي). إنك قبل أشهر ذهبت للزيارة وبكيت وتفاعلت ولكن ماذا عندك اليوم؟