Search
Close this search box.
  • حالات المؤمن في وداع شهر رمضان
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

حالات المؤمن في وداع شهر رمضان

بسم الله الرحمن الرحيم

اختلاف حال الناس عند انتهاء شهر رمضان المبارك

ينقسم الناس في نهاية شهر رمضان الكريم إلى قسمين. القسم الأول: يرى في قلبه حرقة على وداع هذا الشهر، وإحساسه في بداية الشهر غير إحساسه في نهايته. والقسم الثاني: يشعر بأن هذا الشهر ضيف ثقيل نزل عليه؛ ولا يتذكر من شهر رمضان إلا العطش والجوع. ومن الطبيعي أن يكون العطش والجوع خلاف المزاج الإنساني ولهذا يستعجل هؤلاء هلال العيد. وإذا كان من المتوقع أن يُرى الهلال غداً ولم تثبت الرؤية؛ يعيش في داخله حالة من حالات التأسف مثلا، وقد يعترض على الفقهاء أو العلماء الذين لا يثبتون الهلال بأدنى مجوز. بالطبع قد لا يعترف بهذا الشعور أحد من الناس وإنما هذه أسرار العباد في قلوبهم، وقد يبدي الإنسان خلاف ذلك، ويقول مثلا: نحن مستوحشون لفراق الشهر.

هل يشك الخاشعون في صلاتهم؟

إن المعروف في أوساط الخاشعين الذين يصلون صلاة خاشعة؛ أن ليست لهم شكوك في الصلاة؛ فهو لا يشك في الثانية هو أم في الرابعة أم في الثالثة. إن هؤلاء لو خشعوا في صلاتهم ما انتابهم الشك؛ لأن المصلي الخاشع يرى لوناً في كل ركعة. إنه يرى في الركعة الأولى حيوية ويشعر بشوق وارتياح، ويقول: لا زالت عندي ثلاث ركعات. ويعيش حالة الانتعاش في الركعة الثانية لمكان القنوت فيها وجو المناجات. فإذا شك في الثانية والأولى؛ فلا مجال للشك لأنه في الركعة الثانية كان في حال مناجات مع رب العالمين.

اغتنام فرصة القنوت في الصلاة

وينبغي للمؤمن أن يغتنم القنوت في الصلوات الفردية لأن للقنوت في الجماعة زمن معين. إن المؤمن لا يمكنه قراءة غير الحمد في الصلاة حيث لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب، ولابد من السورة بعد الفاتحة. ثم إن أذكار الركوع والسجود والتشهد والتسليم، والتسبيحات الأربعة أذكار توقيفية ليس له الحق في أن يقوم بتغييرها؛ ولكن له في القنوت مساحة مفتوحة، أو كما يقال: الخط مفتوح له للتكلم مع الله عز وجل بما يريد. فاقرأ دعاء أبي حمزة الثمالي في القنوت في الصلاة الواجبة.

قراءة دعاء كميل في القنوت ليلة الجمعة

ما المانع من أن تقرأ ليلة الجمعة في قنوت صلاة المغرب أو العشاء دعاء كميل؛ إن لم تكن قد سافرت أو لم تكن في جماعة؟ فكما يقال: عصفوران بحجر. فكما قلنا: يعيش الإنسان في الركعة الثانية جواً خاصاً، وفي الركعة الثالثة يبدأ عنده النزول التدريجي، وليس عنده في هذه الركعة الشوق الذي كان عنده في الركعة الأولى حيث كانت المساحة مفتوحة أمامه. أما في الركعة الرابعة فيعيش ألم الفراق، ويقول: هذه الركعة الأخيرة، ويصلي صلاة المودع. إذا صليت العشاء، قل: لعلي أموت هذه الليلة.

إن روح الإنسان تصعد إلى السماء عند النوم، وكما قال سبحانه: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا)[١]. فكلنا أثناء النوم يتوفانا رب العالمين؛ ولكنه يُرجع من لم يكتب عليه الموت. فهل الذي يعيش هذه المعاني يشك في الصلاة؟ فالركعة الأولى فيها شوق، وفي الثانية: مناجاة قنوتية، والثالثة: بين الخوف والرجاء، وبين الشقاء والوداع، والرابعة هي ركعة الوداع؛ فبمجرد أن ينظر إلى قلبه يعلم هو في أي ركعة.

حالات الإنسان في أيام شهر رمضان

كذلك الأمر في شهر رمضان المبارك. إن يشعر في العشرة الأولى بشوق وحيوية؛ فالمؤمن يقول: لا زال أمامي عشرون. أما في منتصف شهر رمضان المبارك بما فيها ليالي القدر يعيش جو الدعاء وكأنه في القنوت، وفي الأسبوع الأخير من شهر رمضان المبارك يعيش ألم فراق الشهر. ولهذا رأيت من يعيش في الأسبوع الأخير من شهر رمضان المبارك حالة الوجوم، ويقول: ماذا صنعت؟ هل قرأت جزءاً بتوجه؟ هل تلاوتي للقرآن الكريم كانت متناسبة مع الفراق الذي عندي؟ كم كان لي من النوم الزائد؟ كم من الليالي التي مرت ولم أذكر الله عز وجل فيها ذكراً بليغاً؟

إنه يعيش – كما يقال في العرف – حالة وخز الضمير. إن بعض المؤمنين يسجد لله شكرا عندما تأتي ليلة العيد؛ ثم يُعلن في ختام الليل: أنه لم يثبت الهلال. يقولون: لقد كسبنا ليلة إضافية بحمد الله. لو أن إنسانا أتى لمأدبة قبل انتهاءها بربع ساعة وأمامه أنواع الطعام وهو يكاد يغمى عليه من الجوع؛ كم يعيش القلق والاضطراب؟ وإذا قيل له أن هذه المائدة ستبقى ساعة أخرى كم سيفرح بهذا الخبر؟ فالمائدة عندما تطول مدتها؛ يزداد تزوده منها.

اختبار وداع الشهر الكريم

وبإمكان الإنسان أن يختبر نفسه وينظر إلى قلبه؛ فإن كان يرى في قلبه حزناً لفراق الشهر؛ فليعلم أنه كان ضيفاً مقرباً مدللا. عندما يسافر أحدهم وتنظر إلى من يودعه في قاعة التوديع أو في قاعة المغادرين من مجموع من النساء والرجال فأردت أن تشخص والده ووالدته؛ فانظر إلى أكثرهم حرقة وبكاءاً؛ فهما أبواه، وسائر الناس من أصدقاءه وأقرباءه؟ إن الذي يودع الشهر بحرقة هو ابن الشهر.

إنه يذكر أن المقدرات تكتب ليلة القدر وقد جف القلم بما هو كائن؛ ولكن الباب مفتوح. أو تعلم أن في ختام الشهر الكريم تعتق بعض الرقاب التي لم تعتق من النار في الليلة الأخيرة؟ إن بعض الرقاب تعتق في ليلة العيد الذي جعله الله للمسلمين عيدا. ماذا يحصل في العيد؟ إن ملوك الدنيا وأمراءها يطلقون سراح السجناء بمناسبة قدوم العيد، ورب العالمين أولى بالعتق.

إن للمؤمن مجال لكي يتفاوض مع عالم الغيب – إن صح التعبير – يتفاوض مع عالم الغيب، ويقول: يا رب، إن لم تكن قد رضيت عني فمن الآن فارض عني. من الآن نعني به قبل غروب ليلة العيد.

ينبغي للمؤمن قبل نهاية ليلة القدر الثالثة والعشرين؛ أن يأخذ زاوية، ولا يؤذن المؤذن في اليوم الثالث والعشرين إلا وهو يعيش حالة الاضطراب والخوف، يقول: يا رب، انتهت المائدة إلى سنة قادمة، ولا أدري إن كنت كتبت في هذه الليلة شقائي أو سعادتي، أو موتي أو سقمي أو سلامتي؛ ولا أدري كيف هي نظرة إمام زماني لي؟ وافعل كذلك في غروب اليوم التاسع والعشرين قبل أذان المغرب بربع ساعة، أو بنصف ساعة. خذ زاوية، وقل: يا رب، بعد لحظات يؤذن المؤذن. فإذا أذن وكانت الليلة ليلة العيد؛ فقد رُفعت المائدة، وانتهى شهر رمضان. حاول أن يأتي عليك الغروب وأنت في حال مناجاة والدمعة جارية من عينك.

هل أثر عليك شهر رمضان في استئصال الرذائل الأخلاقية من وجودك؟

من التوصيات المهمة في الأيام الأخيرة من شهر رمضان هي: أن ينظر المؤمن إلى الشبع الباطني. قد يقول لك أحدهم إنني ذهبت إلى البحر أو إلى الحمام ولا تدري إن كان صادقا فيما يقول أو كاذبا. فبإمكانك أن تتبين ذلك من رائحة النتن والعرق الذي يصدر منه. فإن زال العرق وتلك الروائح النتنة؛ تعلم أنه صادق وإلا تقول له: إنك كاذب ولم تر الماء أصلا. ما الذي أريد أن أقوله؟

إن الذي يريد أن يعلم هل أنه استحم في شهر رمضان الذي هو الحمام الروحي؟ أو هل دخل بحر شهر رمضان؟ إذ ليس كل من حج دخل الحج؛ فما أكثر الضجيج وأقل الحجيج، وليس كل من صام شهر رمضان صام حقيقة؛ فكم من صائم ليس له إلا الجوع والظمأ، وكم من قائم ليس له إلا العناء والتعب. فإذا أراد ذلك فلينظر إلى ملكاته الباطنية. انظر إلى أخلاقك في نهاية الشهر؛ فإن رأيت في نفسك حلماً، ونظرت إلى أفعالك التي قمت بها مثلا في أواخر أيام شهر شعبان، وتذكرت موقف غضب، ورأيت أنك لو عدت إليه لم تغضب؛ فاعلم أنك على خير. فإن تكلمت مثلا بما لا يليق، أو انتفخت أوداجك على زوجتك، أو ضربت الطفل بلا وجه؛ ثم قلت في نفسك لو رجع الزمن لما فعلت ذلك؛ فأنت على خير، وقد تغلغل هذا الشهر إلى وجودك.

وينبغي أن أنوه سريعا إلى مسألة ضرب الطفل. إن البعض منا يبادر إلى ضرب ابنه، ويقول: هذا ولدي وأنا حر، والحال أنك يوم القيامة تحاسب وتسئل: لم ضربته؟ هل كان ذلك بداعي التأديب أو لأنه كسر الغرض الفلاني؟ فإن كسره سهواً أو سقطت منه جوهرة بألف دينار أو ساعة بألف دينار وتكسرت سهوا فلماذا تعنفه؟ أنت طالما عصيت الله عز وجل، وقلت: يا رب سهوت، ويا رب نسيت، ويا رب ما تعمدت. إن الولد أيضا لم يتعمد فعل ذلك .

إن بعض النباتات تسقى بنظام الري عن طريق القطرات، وهذه الشجرة، وهذه النخيل والأشجار الباسقة تنمو على نظام القطرات، ولو أعطيتها كذا من الماء في الشهر الواحد؛ لا تنمو هذه الأشجار. إن أحدنا يسقي نفسه سقياً مستمراً. إن البعض منا في أواخر شهر رمضان بعد ليالي القدر؛ عندما تمر أمامه امرأة فاتنة أو زميلة في العمل متهتكة تشمئز منها نفسه؛ فإن كنت كذلك فاعلم أنك تغيرت، وقد وصلت هذه القطرات إلى باطن الجذور، وإلى الجذور العميقة.

الضمان الحقيقي لعدم الوقوع في فتنة النساء

إنني يأتيني شاب في الجامعة أو في المعهد، ويقول لي: إننا نموت ونحيى في الجامعات. أقول له: ما الذي يجري هناك؟ يقول: أنت لا تعلم ماذا يجري في الجامعات. هذا الشاب على شفا حفرة من النار مادام يعيش المعاناة، ويعيش الانجذاب للجنس الآخر. إنه إن جاهد نفسه اليوم؛ فهل يجاهد نفسه غداً؟ إنه في يوم من الأيام قد يسقط في الامتحان ولا يجاهد. ولكن ما هي الضمانة لكي لا يسقط؟ الضمانة هي ألا يرى شيئا باسم فتنة النساء، ويقول: إنني لا أتفاعل مع هذه المناظر؛ فما لي ونساء الغير؟ ما لي والمحصنات من النساء؟ ما لي والمتهتكات. إما هي في حجاب ومحصنة وإما متهتكة. وقد قدر لي رب العالمين زوجة واحدة، هي زوجتي التي أنجب منها أولاداً صالحين، وهذه هي التي أنتظرها لا المتسكعات في الشوارع والأسواق.

أيها الشاب..! إذا وصلت إلى هذه المرتبة من التعالي على فتنة النساء، ومن التعالي على فتنة المال والتعالي على الغضب فلم يبقى أمامك شيء. تأتينا بعض الأسألة في عالم المقاولات والمناقصات عن بعض الإغراءات التي تصل إلى الملايين، ولكن المؤمن لا تغره الملايين من مال الحرام، وإنما يقول: معاذ الله أن آكل ديناراً واحداً.

لا تعد الختمات في شهر رمضان

لا تعد الختمات التي ختمتها في شهر رمضان. إن البعض رياء أو غير رياء يقول: لقد ختمت القرآن خمسة عشر ختمة بحمد الله. ولكن ما قيمة هذه الختمات إن كنت أنت بغضبك وبشهوتك وبميلك إلى الحرام؟ انظر للباطن. بالطبع إنه ماجور على هذه الختمات؛ ولكن ليس الكلام في الأجور وإنما الكلام في الباطن. إلى أين وصلت؟

إن البعض منا يقرأ كتب الطب التي ذكرت كل الأمراض، ولكن ما قيمة هذه القراءة؟ إن كنت تقرأ كتاب الله عز وجل وفيك ما فيك من الأمراض الباطنية؛ فمثلك كمثل هذا الإنسان. سل الله عز وجل أن يمن عليك. قد يسأل سائل فيقول: ماذا أقرأ في الساعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك؟ أقول: عليك بدعاء مكارم الأخلاق لموالنا زين العابدين (ع). إن هذا الدعاء هو القانون الأساسي، وهو المسطرة التي بها تعلم استقامتك. إن قرأت هذا الدعاء ورأيت المضامين كلها منطبقة عليك؛ فأنت على نهج إمامك زين العابدين (ع)، وإلا فاذهب وأعد الحسابات من جديد.

[١] سورة الزمر: ٤٢.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • لا تعد ختماتك للقرآن في شهر رمضان. إن البعض يقول: لقد ختمت القرآن خمسة عشر ختمة بحمد الله. ولكن ما قيمة هذه الختمات إن كنت أنت أنت بغضبك وبشهوتك وبميلك إلى الحرام؟ انظر للباطن. بالطبع إنه ماجور على هذه الختمات؛ ولكن ليس الكلام في الأجور وإنما الكلام في الباطن. إلى أين وصلت؟
Layer-5.png