بهذا المصدر اطلع على أسرار شهر رمضان المبارك

بسم الله الرحمن الرحيم

الخطبة الشعبانية والأسرار الرمضانية

من الخطب أو المصادر التي يمكن للصائم أن يراجعها لمعرفة أسرار هذا الشهر الكريم؛ خطبة النبي (ص) قبل شهر رمضان المبارك. إنني أعتقد أن هذه الخطبة مما ينبغي أن يحفظها المؤمن وأن يتأملها كل صائم لما فيها من معالم وآداب باطنية.

الاستغفار البليغ

من معالم الشهر الكريم؛ الاستغفار البليغ. هناك خطأ شائع وهو أننا نخلط بين المفاهيم وبين الألفاظ. إن الاستغفار هو طلب المغفرة، ولا يكون إلا من الإنسان النادم. عندما يأتيك من أخطأ في حقك خطأ جسيماً يعتذر إليك؛ تنظر إلى شكله، وإلى لحن القول؛ فإن رأيت في لحن قوله ندامة، وانكساراً عرفت أنه صادق فيما يدعيه. أما لو كتب في ورقة نصا يعتذر فيه إليك، وقال: يا فلان، أنا أطلب منك المعذرة وهو يكررها هكذا وكأنه يقرأ كتاباً، تقول له: يا فلان، لا أرى فيك علائم الندم.

بالاستغفار يفك الإنسان نفسه من النار

إن النبي الأكرم يبين كيفية هذا الاستغفار عندما يقول: (أَيُّهَا اَلنَّاسُ إِنَّ أَنْفُسَكُمْ مَرْهُونَةٌ بِأَعْمَالِكُمْ فَكُفُّوهَا بِاسْتِغْفَارِكُمْ)[١]. إذا قيل لسجين: بإمكانك أن تخرج من هذا السجن إذا دفعت كذا من المال، فهو مرهون بهذا المال، ونحن مرهونون بأعملنا بين يدي الله عز وجل. أي أن عمل كل واحد منا جعله في قيد أو في سجن باطني؛ فالجسم طليق والروح حبيسة، وهي في ضيق. ولهذا نرى من الأمراض الشائعة هذه الأيام؛ ضيق الصدور، والتبرم، والقلق، والاضطراب. كيف نفسر حالة من يُقدم على الانتحار وهو في أفضل حالة من حيث المتاع الدنيوي؟ فهو يملك الجسم السليم والمال الوفير؛ ولكن تضيق به الدنيا بما رحبت.

دور الندامة في الاستغفار

الاستغفار هو إظهار هذه الندامة بين يدي الله عز وجل؛ ندامة تجعله يغير من مجرى حياته. إن النادم عليه علائم الذلة والانكسار أولا. وثانيا: يحاول أن يغير من مجرى حياته؛ فهو يتقزز مما هو فيه، ويرى ملكوت الحرام في باطنه، ويشمئز من الأيام التي قضاها في المعصية.

إن الاستغفار الذي يطلبه النبي (ص) منا، هو: أن يتحول هذا الاستغفار إلى كراهة للمنكر بحيث تتغير ذائقة الإنسان. هل رأيت إنساناً يقول لأحدهم: إياك أن تأكل القاذورة مثلا أو الحشرات؟ كلا، فهو أمر تسقذره كل نفس؛ فأي عاقل يُقدم على أكل ما يستقذره الطبع؟

المجاهدة في شهر رمضان المبارك

إن شهر رمضان المبارك فرصة جيدة لكي يعيش الإنسان هذا التحول الباطني. فهو إن كان قبل الشهر الكريم يترك الحرام مجاهدة ومغالبةً أو من خلال التلقين واستماع المواعظ؛ فهو في شهر رمضان المبارك بعد أن صام نهاره، وقام ليله خاصة في أواخر الشهر الكريم حيث يكون قد أمضى تقريبا شهراً في عالم المجاهدة الباطنية وخاصة إذا أضاف إليها الأيام العشرة من شهر شعبان حيث تكتمل بها الأربعينية الرمضانية أو عشرة من شهر شوال؛ يصل إلى جوهر الاستغفار الذي يريده النبي (ص).

دور السجود في حط الذنوب

ثم يُكمل النبي (ص) هذه الفقرة بقوله: (وَظُهُورُكُمْ ثَقِيلَةٌ مِنْ أَوْزَارِكُمْ فَخَفِّفُوا عَنْهَا بِطُولِ سُجُودِكُمْ)[٢]. هناك سجدة بدنية ينحني فيها الإنسان ويضع جبهته على التراب، وهذه الحركة في حد نفسها لا تلازم تغييراً في الباطن. فقد يقوم الإنسان بهذه الحركة على نحو الحركة الرياضية إذا لم يكن فيها معنى شعوري، وحالة من حالات التذلل. فهذه السجدة لا تُعتبر السجدة التي يريدها النبي (ص). إن السجدة منصة انطلاق. إن الصواريخ هذه الأيام تنطلق من منصة إلى الأجواء العليا، وهذه السجدة الظاهرية هي بمثابة هذه المنصة التي ينطلق منها الإنسان للاستغفار البليغ.

صيغة الاستغفار القرآني

أما مضامين الاستغفار كثيرة ولسنا في مقام ذكر التفاصيل، إلا أن من الاستغفارات البليغة؛ استغفار قرآني جرى على لسان نبي من أنبياء الله وهو نبي الله يونس (ع) صاحب الحوت أو ذو النون. إن هذا النبي الذي ابتلي ببلاء ما ابتلي به أحد من البشر، وهو: أنه حُبس في ظلمات ثلاث؛ ظلمة الليل وأعماق البحار وفي بطن الحوت. تخيل ما هي الحالة التي تعتري الإنسان من الفزع والخوف وهو في هذه الحالة؟ إلا أن تسبيحه اليونسي أصبح علامة معروفة في أوساط من يريدون القرب من الله عز وجل. وهذا الذكر اليونسي لا يعطي الأثر المطلوب إلا لمن كان في الحالة اليونسية من الانقطاع والإحساس بأنه في الحقيقة يعيش الظلمة الباطنية.

ثم إن البعض يقيد هذا الذكر بعدد والحال أن قاعدتنا العامة في كل دعاء وذكر قد ورد في الشرع من دون عدد؛ هو الكيف لا الكم. أيهما أفضل؛ أن يلهج الإنسان بالذكر اليونسي ألف مرة وهو متثاقل، أم من يضع رأسه على التراب ويقول مرة واحدة: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين؟ أي يا رب، أنا واقع في أزمة كوقوع يونس في هذا البلاء الذي أنا سببه؛ فأنت لم تُقصر في حقي، وقد هيأت لي كل أسباب السعادة والتوفيق. أنا الذي قصرت في حقك؛ فعاقبتني بما عاقبتني به. ولله عز وجل عقوبات في الأبدان وفي غير الأبدان وما عوقب عبد بعقوبة أشد من قسوة القلب أجارنا الله تعالى من هذه القسوة في شهر رمضان الذي نحن أحوج ما نكون فيه إلى رقة القلب.