• ThePlus Audio
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) في سورة الضحى

بسم الله الرحمن الرحيم

منن الله عز وجل على رسول الله (صلى الله عليه وآله)

إن سورة الضحى هي من السور التي اقترنت وارتبطت بسورة الشرح. ولو جمعنا هاتين السورتين، لتحصل منها؛ أن الله عز وجل، قد من على نبيه (ص) بمنن كثيرة منها: أنه وجده يتيماً فآواه، ووجده ضالاً فهداه، ووجده عائلاً فأغناه، وهي أمور كلها تصب في مصلحة شرح الصدر الذي تحدثت عنه سورة الشرح. وقد توجه رب العالمين بالخطاب إلى نبيه (ص) في هاتين السورتين، فتضمنتا من الضمائر المستترة والظاهرة العائدة إلى النبي الأكرم (ص)، ما تصل إلى خمسة عشر ضمير.

إن الجزء الأخير من القرآن الكريم، مليئ بالأقسام بالأوقات، كالقسم بالفجر والليل والعصر، والقسم الذي ورد في هذه السورة بالضحى. ونحن لا نعلم المغزى الحقيقي من هذه الأقسام، فالعلم عند الله عز وجل، ونحن عند التفسير نحتاط كثيرا ونبين المعاني التي نظنها من مراد هذه الآيات إجمالا.

لماذا اضطرب النبي (صلى الله عليه وآله)؟

من الأمور التي ذهب إليها المفسرون في بيان سبب هذه الأقسام، أن الله عز وجل يريد من خلالها التأكيد على أهمية الوقت والزمان. إن أعمارنا متشكلة من الزمان ومن ساعات الليل والنهار اللذين يبليان كل جديد. لا يفوز في هذه الدنيا، إلا من حسب للأوقات حسابها، ويعمل على المطلوب منه في الليل والنهار. ترى الرجل في عداد الكادحين على الأهل والعيال في نهاره وهو أمر حسن، ولكنه في الليل جيفة لا يُقيم لله ركعتين. فقد روي عن الإمام الباقر (ع) أنه قال: (قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: أَيُّ عِبَادِكَ أَبْغَضُ إِلَيْكَ؟ قَالَ: جِيفَةٌ بِاللَّيْلِ بَطَّالٌ بِالنَّهَارِ)[١]. فلابد أن يخرج الإنسان من هذه الدنيا، بفائدة ومصير متميز وذلك من خلال السيطرة على الوقت. إن معظم الناس في هذه الدنيا، تذهب أوقاتهم سدى، ولذلك هم أعظم الناس حسرة على هذه الأوقات الضائعة.

ثم يقول سبحانه في هذه السورة: (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ)[٢]. وقد لفتت هذه الآية نظر العلماء والمفسرين، وذهبوا إلى أن هذه الآية، قد نزلت لتطيب قلب رسول الله (ص) بعدما حزن وتأذى من انقطاع عنه الوحي يومين إلى أربعين يوم باختلاف الروايات في هذا المجال. أي ربك ما ودعك وما قلى، وإن هذا الانقطاع ليس جفاء. ولعله تعمد تأخير الوحي عن حبيبه (ص) ليزدادا شوقا ويعيش هذا الخوف الذي يعيش كل نبي ووصي وولي، وهو الخوف من انقطاع مدد السماء ولو آناً.

هل تضطرب إذا انقطع عنك الوحي؟!

لقد تأخر الوحي عن النبي (ص) يومين، فاضطرب إلى درجة يُنزل فيها رب العالمين سورة لتطمينه، فما بالنا نحن لا نقبل على الله عز وجل في فترة قد تصل إلى شهرين أو أكثر ثم لا نبالي؟ وقد يكون من هذين الشهرين، شهر رمضان المبارك. ترى الرجل قد مضى من الشهر أكثره، فلم يخشع قلبه في هذا الشهر مرة واحدة، ولم يناجي ربه باكيا مرة واحدة. ألا تشعرك هذا القسوة والبعد عن الله عز وجل بالخوف؟ فلعل الله ودعك وقلاك؛ فليست هذه القسوة في القلوب اعتباطية لما روي عن أمير المؤمنين (ع): (مَا جَفَّتِ اَلدُّمُوعُ إِلاَّ لِقَسْوَةِ اَلْقُلُوبِ وَمَا قَسَتِ اَلْقُلُوبُ إِلاَّ لِكَثْرَةِ اَلذُّنُوبِ.)[٣] والذي تمر عليه الفريضة والفريضتان والثلاث والأربع ولا يجد إقبالاً في قلبه، لا يعتبر الأمر هيناً، وعليه أن يضطرب كما اضطرب الحبيب المصطفى (ص) عند انقطاع الوحي عنه. هذا ولم يصب النبي (ص) إدبار ولا قساوة، حاشاه من ذلك.

الإدبار في مشاهد الأئمة (عليهم السلام)

قد يسأل سائل فيقول: إنني أذهب أحيانا لزيارة الأئمة (ع) في المشاهد المشرفة، فأدخل بقسوتي ولا أجد إقبالا في قلبي لا عند الزيارة ولا عند الصلاة، وأخرج من الحرم كما دخلت، ولا يختلف حالي عن حالي في أي مسجد من مساجد الأرض، فما عساي أن أفعل في مثل هذه الحالات؟ ما ینبغي فعله في مثل هذه الحالات، عدم اليأس والتوجه إلى صاحب المقام ورفع الشكوى إليه. إنني أجد من المؤمنين في المشاهد المشرفة من يطلب مني الدعاء لشفاء مرض أو قضاء دين أو رزق أو ما شابه ذلك في أغلب الأحيان، ولم أجد من يطلب مني الدعاء لقسوة قلبه أو للخشوع في صلاته. إننا للأسف الشديد، قلما نجد من يشكو الحالة الباطنية والإدبار.

منحة الإقبال

إن الإقبال، منحة إلهية، كما أن الإدبار نقمة ينبغي أن تجأر إلى الله عز وجل وتتوسل إليه ليخلصك منها. لقد روي أنه (ص) قال لجبرئيل ذات يوم: (مَا جِئْتَ حَتَّى اِشْتَقْتُ إِلَيْكَ؟ فَقَالَ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: وَأَنَا كُنْتُ أَشَدَّ إِلَيْكَ شَوْقاً وَلَكِنِّي عَبْدٌ مَأْمُورٌ وَمٰا نَتَنَزَّلُ إِلاّٰ بِأَمْرِ رَبِّكَ.)[٤] انظر امتثال الملائكة لأوامر الله ونهيه، وتأمل في هذه النفحات التي لا تأتي إلا بإذن الله عز وجل. وبعبارة أخرى نستطيع القول: إن هذه القساوة التي تعيشها ليست جزافية وإنما لا يريد رب العالمين أن تقبل عليه، لنقص فيك. وهذا ما ورد في دعاء الإمام زين العابدين (ع) حيث قال: (اللَّهُمَّ إِنِّي كُلَّمَا قُلْتُ قَدْ تَهَيَّأْتُ وَتَعَبَّأْتُ وَقُمْتُ لِلصَّلاَةِ بَيْنَ يَدَيْكَ وَنَاجَيْتُكَ أَلْقَيْتَ عَلَيَّ نُعَاساً إِذَا أَنَا صَلَّيْتُ.)[٥] فليس هذا النعاس من باب الصدفة، فقد يعتريك في قمة النشاط؛ فتفتح القرآن مثلا وإذا بك تشعر بنعاس شديد ينتهي بك الأمر في الفراش، وإذا أردت الصلاة ركعتين كانتا في ثقلهما عليك، كالصعود على جبال هملايا، وإذا أردت الزيارة سرعان ما تريد الخروج من الحرم، ولا تستغرق زيارتك أكثر من عشر دقائق، والحال أنك تقضي ساعتين أمام مسلسل باطل لاه، فلا يرف لك جفن وأنت في إقبال تام على ذلك المسلسل إلى درجة يسلم عليك أحدهم فلا تنتبه إلى وجوده، وأنت الذي تململ أمام الضريح.

مشكلة الأمراض الباطنية

وهذا مرض باطني يحتاج صاحبه إلى الدخول في المستشفى وإن كان لا يشعر بمرضه. إن مشكلة الأمراض الباطنية كموت القلب، أنها أمراض غير محسوسة، بخلاف الأمراض البدنية التي تظهر آثارها على البدن كصداع أو وجع في الأسنان وغيرها مما يضطرنا إلى مراجعة الأطباء. لو تأمل الواحد منا في عيشته، وجد أنها عيشة منكوسة غير راضية ولا مرضية.

ثم بعد تطمين الرسول (ص)، يقول سبحانه: (وَلَلۡأٓخِرَةُ خَيۡرࣱ لَّكَ مِنَ ٱلۡأُولَىٰ)[٦]. وتتضمن هذه الآية معنى عميقا وكأن الله سبحانه يريد أن يقول: يا حبيبنا المصطفى، لئن لم نعطك بعض المزايا في الدنيا؛ فلأنها ضيقة لا تستوعب العطايا المتميزة. إذا قلت للعصفور في القفس: حلق، لقال لك: كيف أحلق في هذا القفص الضيق؟ وقد بين سبحانه في هذه السورة الشريفة، أنه قد أعد الله له في الآخرة ما يُرضيه، وهو قوله عز وجل: (وَلَسَوۡفَ يُعۡطِيكَ رَبُّكَ فَتَرۡضَىٰٓ)[٧].

توقع المزايا على الأعمال العبادية

وهنا ينبغي أن يتأمل المؤمن في هذه الآية جيدا، فلا يتوقع أجرا في هذه الحياة. لقد جائني أحد المؤمنين ذات يوم وكان قد صلى صلاة رسول الله (ص) التي هي الأطول بين الصلوات المستحبة، وهي على طريقة صلاة جعفر الطيار (ع)، وكان يتوقع أن ينال شيئا ملموسا، فقلت له: لماذا تتوقع ذلك؟ لماذا يتوقع الناس بعد أمثال هذه العبادات، أن يرى نورا في الأفق أو يشم رائحة المسك والعنبر أو يطير في الهواء أو ما شابه ذلك؟ ألسيت الآخرة خير من الأولى؟ لو اتفق صاحب العمل مع الأجير على مبلغ عشرة آلاف، وبعد انتهاء العمل قال له: لن أضع هذا المال في جيبك ولكن سأضع عشرة ملايين في حسابك المصرفي، ألن يكون صاحب العمل في هذه الحالة كريما وحكيما؟ إن الأجرة المتفق عليها، أجرة زهيدة ولكن ما خفي عنه أضعاف الأضعاف.

كن عبداً مؤدباً منيباً ولا تقل: يا رب أعطني كذا وكذا، فرب العالمين أشفق بك من أمك وأبيك، وهو أعلم بمصالحك. ولهذا نرى الذي يبحث عن هذه المزايا، يصلي صلاة الليل سنة كاملة فإذا لم ير شيئاً، تركها، والحال أن الله سبحانه يقول: (وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَٱرۡغَب)[٨]، لا إلى الجنة ولا إلى المزايا.

أرجى آية في كتاب الله عز وجل

لقد روي بشر بن شريح البصري قال: (قُلْتُ لِمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَيَّةُ آيَةٍ فِي كِتَابِ اَللَّهِ أَرْجَى قَالَ مَا يَقُولُ فِيهَا قَوْمُكَ قَالَ قُلْتُ يَقُولُونَ يٰا عِبٰادِيَ اَلَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلىٰ أَنْفُسِهِمْ لاٰ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اَللّٰهِ  قَالَ لَكِنَّا أَهْلَ اَلْبَيْتِ لاَ نَقُولُ ذَلِكَ قَالَ قُلْتُ فَأَيَّ شَيْءٍ تَقُولُونَ فِيهَا قَالَ نَقُولُ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضىٰ  اَلشَّفَاعَةُ وَاَللَّهِ اَلشَّفَاعَةُ وَاَللَّهِ اَلشَّفَاعَةُ.)[٩]

إنه ذكر آية ظنها أنها أرجى آية في كتاب الله، وهي من أرجى الآيات بالطبع، فأسرفوا تعني: بالغوا في ارتكاب المعاصي، ولم يتركوا حراما إلا اقترفوه، ولكن الله عز وجل يغفر لهم كل ذلك إلا الشرك.  ولكن أرجى آية عند أهل البيت (ع) هي هذه الآية الشريفة: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضىٰ)، لما روي عن الإمام الصادق (ع) في رواية أخرى: (رِضَا جَدِّي أَنْ لاَ يَبْقَى فِي اَلنَّارِ مُوَحِّدٌ)[١٠]. فهنيئاً لمن كان موحداً متمسكاً بعروة ولايتهم. وقد روي أن النبي (ص) قد ادخر شفاعته لأهل الكبائر من أمته، وأن الزهراء (س) تلتقط محبيها وشيعتها من عرصات المحشر كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الرديء.

ثم يقول سبحانه: (أَلَمۡ يَجِدۡكَ يَتِيمࣰا فَـَٔاوَىٰ)[١١]، وهنا يتبادر هذا السؤال إلى الأذهان: لماذا ابتلى رب العالمين حبيبه (ص) باليتم من صغر سنه؟ هناك عدة أسباب يذكرها المفسرون، أولا: ليعيش معاناة الأيتام، ولذا قال سبحانه: (فَأَمَّا ٱلۡيَتِيمَ فَلَا تَقۡهَرۡ * وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلَا تَنۡهَرۡ)[١٢]؛ أي يا رسول الله، أذقناك مرارة اليتم وثقل مصيبة فقد الوالدين، فاستعشر حالهم.

كنوز مبثوثة من حولك، لماذا لا تجمعها؟

وقد مرت على العراق حوادث ومحن كثيرة خلفت عشرات الآلاف من الأيتام والأرامل. فإذا كان بجوارك بيت أرملة وأيتام، فانظر إلى ذلك البيت على أنه كنز من أعظم الكنوز، وإياك أن تشبع وهم جياع وتفرح مع أولادك وهم في حزن على فقد والدهم ومعيلهم. وتتأكد رعاية اليتيم إذا كان والده قد استشهد في سبيل الله وفي سبيل أهل البيت (ص)، وقُتل في محبتهم. إن هؤلاء كنوز مبثوثة على في الأمة، ولابد أن يكونوا من أحسن الناس حالا؛ فكيفيهم فقد أحد الوالدين. ولا تنتظر من أحد أن يدلك على يتيم، بل عليك البحث عنهم بنفسك.

وبعض الأيتام يمت إليك بصلة كأن يكون ابن أخيك أو أختك أو ابن عمك أو خالك، وما شابه ذلك. فإذا اجتمعت الرحمية واليتم والفقر من جانب والانتساب إلى رسول الله (ص) من جانب آخر، فذلك هو الكبريت الأحمر، وإحسانك إليه يغنيك عن كثير من المستحبات, واعلم وأنت تسمح على رأس هذا اليتيم، تخوض في رحمة الله عز وجل، وإن الله يغفر لك بذلك من الذنوب ما لا يعلمه إلا الله عز وجل. وليست الكفالة أن تعطيه ديناراً؛ بل أن تكفله كما كفل أبو طالب (ع) النبي الأكرم (ص). ولقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (أَنَا وَ كَافِلُ اَلْيَتِيمِ كَهَاتَيْنِ فِي اَلْجَنَّةِ.)[١٣]

[١] بحار الأنوار  ج١٣ ص٣٥٤.
[٢] سورة الضحى: ٣.
[٣] علل الشرایع  ج١ ص٨١.
[٤] تفسير نور الثقلين  ج٥ ص٥٩٤.
[٥] مفاتيح الجنان.
[٦] سورة الضحى: ٤.
[٧] سورة الضحى: ٥.
[٨] سورة الشرح: ٨.
[٩] بحار الأنوار  ج٨ ص٥٧.
[١٠] تفسير نور الثقلين  ج٥ ص٥٩٥.
[١١] سورة الضحى: ٦.
[١٢] سورة الضحى: ٩-١٠.
[١٣] بحار الأنوار  ج٣٥ ص١٥٧.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن مشكلة الأمراض الباطنية كموت القلب، أنها أمراض غير محسوسة، بخلاف الأمراض البدنية التي تظهر آثارها على البدن كصداع أو وجع في الأسنان وغيرها مما يضطرنا إلى مراجعة الأطباء. ولذا ينبغي أن يراقب الإنسان نفسه، فيعالج أي مرض قبل الاستفحال.
Layer-5.png