اللقاء بالإمام المهدي (عجل الله فرجه)
بسم الله الرحمن الرحيم
قصص اللقاء بالإمام المهدي (عجل الله فرجه) وفائدتها
قد يتسائل المؤمنون عن غرض سرد القصص التي تتحدث عمن التقى بإمام العصر (عج) ومن دون ريب أن لهذه القصص دروس كثيرة يستفيد منها المؤمنون جميعا.
الدرس الأول: أن يلتفت المؤمن إلى أن الإمام (عج) يهتم بشئون أهل زمانه من المسلمين وغيرهم ويهتم بمحبيه الخاصين لديه، ولا يعزب عنه أخبارهم. ويؤلمه ما يتعرضون له من المحن والبلاء؛ شأنه في ذلك شأن آبائه المعصومين (ع). وهذه صفة من صفات الكمال في المعصومين (ع) والتي منها: الرقة والحنان والرأفة بالمؤمنين خصوصا وبالبشر عموما وإغاثة اللهفان وغير ذلك الكثير. ولو نراجع السيرة النبوية نلاحظ هذه الصفات متجلية في رسول الله (ص). وقد أطلق النبي (ص) ابنة حاتم الطائي وهي يومئذ أسيرة في دار الإسلام لصفة الكرم في أبيها وأرجعها إلى أهلها معززة ومكرمة. ومن الجميل قول الشاعر بما يناسب حالهم (ع):
مَلكْنا فكان العَفْو منَّا سَجيَّةً فلمَّا ملكْتُمْ سالَ بالدَّمِ أبْطَحُ
فحسْبُكُمُ هذا التَّفاوتُ بيْنَنا وكلُّ إِناءٍ بالذي فيهِ يَنْضَحُ[١]
والدرس الآخر: أو المزية الأخرى التي يتيحه شغف اللقاء به؛ هو الارتقاء بمستوى التقوى لدى المؤمن؛ إذ من المعلوم أن الذي يتمنى لقاء الإمام لا بد وأن يكون على مستوى جيد في التقوى والتدين ولا يلتقي الإمام إلا بمن اكتملت فيه صفات التقوى. وما الذي يعجب الإمام في هذا الوجود؟ لا قيمة عنده لما سوى الله عز وجل؛ إلا بمقدار ما لله من نصيب في ذلك الموجود.
قصة تشرف السيد محمد مهدي بحر العلوم بلقاء الإمام (عج الله فرجه الشريف)
ومن هذه القصص تلك القصة التي نقلت عن علم من أعلام الإمامية، وهو السيد محمد مهدي، المعروف ببحر العلوم، وهو الرجل الذي نصدقه في كل ما يقول وما يدعيه لأنه قد جمع بين الكمالين العلمي والعملي، وكان متميزا في تاريخ الإمامية.
يقول الراوي لهذه القصة: (كنت حاضراً في مجلس السيد في المشهد الغروي، إذ دخل عليه لزيارته المحقّق القمي – صاحب القوانين في السنة – الذي رجع من العجم إلى العراق، زائراً لقبور الأئمة (ع)، وحاجّاً لبيت الله الحرام. فتفرّق من كان في المجلس، وحضر للاستفادة منه – وكانوا أزيد من مائة – وبقيت ثلاثة من أصحابه، أرباب الورع والسداد البالغين إلى رتبة الاجتهاد. فتوجّه المحقّق الأيّد إلى جناب السيد وقال: إنكم فُزتم، وحُزتم مرتبة الولادة الروحانية والجسمانية، وقرب المكان الظاهري والباطني. فتصدّقوا علينا بذكر مائدة من موائد تلك الخوان، وثمرة من الثمار التي جنيتم من هذه الجنان، كي تنشرح به الصدور، وتطمئن به القلوب.
فأجاب السيد من غير تأمّل، وقال: إني كنت في الليلة الماضية قبل ليلتين أو أقل – والترديد من الراوي – في المسجد الأعظم بالكوفة لأداء نافلة الليل، عازماً على الرجوع إلى النجف في أول الصبح؛ لئلا يتعطّل أمر البحث والمذاكرة – وهكذا كان دأبه في سنين عديدة – فلما خرجتُ من المسجد أُلقي في روعي الشوق إلى مسجد السهلة، فصرفتُ خيالي عنه، خوفاً من عدم الوصول إلى البلد قبل الصبح، فيفوت البحث في اليوم.. ولكن كان الشوق يزيد في كلّ آنٍ، ويميل القلب إلى ذلك المكان. فبينا أقدّم رجلاً وأؤخّر أخرى، إذا بريحٍ فيها غبارٌ كثيرٌ، فهاجت بي وأمالتني عن الطريق؛ فكأنها التوفيق الذي هو خير رفيقٍ، إلى أن ألقتني إلى باب المسجد.
فدخلت فإذا به خالياً عن العبّاد والزوّار، إلا شخصاً جليلاً مشغولاً بالمناجاة مع الجبّار، بكلماتٍ ترقّ القلوب القاسية، وتسح الدموع من العيون الجامدة. فطار بالي، وتغيّرت حالي، ورجفت ركبتي، وهملت دمعتي من استماع تلك الكلمات، التي لم تسمعها أذني، ولم ترها عيني مما وصلت إليه من الأدعية المأثورة، وعرفت أن الناجي ينشئها في الحال، لا أنه ينشد ما أودعه في البال.
ويلاحظ من هذه القصة وأمثالها ما يوصف به الإمام (عج) من الدموع الغزيرة وكثرة العبادة والتوسل برب العالمين. ولذلك من أراد التودد إليهم ينبغي له أن يتزود من التقوى جهده ويتورع عن محارم الله عز وجل؛ فإن الإمام لا يغريه شيء غير الالتجاء إلى رب العالمين والعبودية له.
ويقول الراوي: (فوقفتُ في مكاني مستمعاً متلذّذاً، إلى أن فرغ من مناجاته. فالتفتَ إليّ وصاح بلسان العجم: “مهدى بيا” أي: هلمّ يا مهدي! فتقدّمتُ إليه بخطواتٍ فوقفتُ، فأمرني بالتقدّم فمشيتُ قليلاً ثم وقفتُ، فأمرني بالتقدّم، وقال: إنّ الأدب في الامتثال، فتقدّمتُ إليه بحيث تصل يدي إليه، ويده الشريفة إليّ وتكلّم بكلمة.
قال المولى السلماسي رحمه الله: ولما بلغ كلام السيد السند إلى هنا أضرب عنه صفحاً، وطوى عنه كشحاً، وشرح في الجواب عما سأله المحقّق المذكور قبل ذلك عن سرّ قلّة تصانيفه، مع طول باعه في العلوم، فذكر له وجوهاً، فعاد المحقّق القمي، فسأل عن هذا الكلام الخفي، فأشار بيده شبه المنكر: بأن هذا سرّ لا يُذكر).
هل يمكن رؤية الإمام (عجل الله فرجه) في زمن الغيبة الكبرى؟
وكلمة صغيرة من الإمام أو نظرة ولائية أو مسحة ربانية بيده الشريفة تكفي لأن تقلب كيان الإنسان رأسا على عقب. وقد نُقل عن السيد بحر العلوم أنه جاء إليه رجل وسأله عن إمكان رؤية الإمام الحجة (ع) في زمن الغيبة الكبرى. فسكت السيد عن جوابه وطأطأ رأسه وخاطب نفسه.. ما أقول في جوابه؟ وقد ضمني صلوات الله عليه إلى صدره. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن رؤية الإمام (ع) في زمن الغيبة الكبرى ممكنة بل وميسرة لخواص المؤمنين. وقد تشرَّف بعض علمائنا برؤيته صلوات الله عليه.
قصة أخرى
وهذه قصة أخرى من عناياته (ع) بهذا السيد الجليل: (عن ناظر أموره في أيام مجاورته بمكة قال: كان رحمه الله مع كونه في بلد الغربة منقطعاً عن الأهل والأخوة، قوي القلب في البذل والعطاء، غير مكترثٍ بكثرة المصارف. فاتفق في بعض الأيام أن لم نجد إلى درهمٍ سبيلاً، فعرّفته الحال، وكثرة المؤنة، وانعدام المال، فلم يقل شيئاً. وكان دأبه أن يطوف بالبيت بعد الصبح، ويأتي إلى الدار، فيجلس في القبة المختصّة به. ونأتي إليه بغليان فيشربه، ثم يخرج إلى قبة أخرى تجتمع فيها تلامذته من كلّ المذاهب، فيدرّس لكلٍّ على مذهبه.
فلما رجع من الطواف في اليوم الذي شكوته في أمسه نفود النفقة، وأحضرت الغليان على العادة، فإذا بالباب يدقه أحدٌ، فاضطرب أشدّ الاضطراب، وقال لي: خذ الغليان وأخرجه من هذا المكان، وقام مسرعاً خارجاً عن الوقار والسكينة والآداب، ففتح الباب ودخل شخصٌ جليلٌ في هيئة الأعراب، وجلس في تلك القبة، وقعد السيد عند بابها، في نهاية الذلة والمسكنة، وأشار إليّ أن لا أُقرّب إليه الغليان.
فقعدا ساعةً يتحدثان، ثم قام، فقام السيد مسرعاً وفتح الباب، وقبّل يده، وأركبه على جمله الذي أناخه عنده، ومضى لشأنه، ورجع السيد متغيّر اللون، وناولني براءة، وقال: هذه حوالةٌ على رجلٍ صرّاف قاعد في جبل الصفا، واذهب إليه، وخذ منه ما أُحيل عليه.. قال: فأخذتها، وأتيت بها إلى الرجل الموصوف، فلما نظر إليها قبّلها، وقال: عليّ بالحماميل!.. فذهبت وأتيت بأربعة حماميل، فجاء بالدراهم من الصنف الذي يقال له: ريال فرانسه، يزيد كلّ واحدٍ على خمسة قرانات العجم، وما كانوا يقدرون على حمله، فحملوها على أكتافهم، وأتينا بها إلى الدار.
ولما كان في بعض الأيام، ذهبتُ إلى الصرّاف، لأسأل منه حاله، وممن كانت تلك الحوالة؟ فلم أرَ صرّافاً ولا دكاناً، فسألت عن بعض من حضر في ذلك المكان عن الصرّاف، فقال: ما عهدنا في هذا المكان صرّافاً أبداً، وإنما يقعد فيه فلان، فعرفت أنه من أسرار الملك المنّان، وألطاف ولي الرحمن)[٢].
القرآن الكريم وعالم ما وراء الطبيعة
إن القرآن الكريم ذكر لنا من خلال آيات كثيرة؛ وجود قوانين فوق هذه القوانين المادية. فعفريت من الجن في ملك سليمان (ع)، بإمكانه أن يحضر عرش بلقيس من ذلك المكان، قبل أن يقوم من مقامه، ويأتي ذلك الرجل الذي كان من حاشيته وأصحابه؛ بالعرش قبل أن يرتد إليه طرفه. ثم إن نملة ترى جيش سليمان (ع) فتقول: (يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)[٣] ولا نعلم كيف علمت هذه النملة أن هذا الجيش تابع للنبي سليمان (ع)؟ والهدهد يذهب إلى بلاد اليمن، وإذا به يأتي بتقرير مفصل عما يجري في تلك البلاد. والذي يستغرب عالم ما وراء الطبيعة؛ يبدو أنه لم يطلع على ثقافة القرآن الكريم ولم يأنس بها بعد؛ وإلا فإن رب العزة والجلال هو واضع القوانين وهو الذي يرفعها متى ما شاء.
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- إن رؤية الإمام المهدي (عج) في زمن الغيبة الكبرى ممكنة؛ بل وميسرة لخواص المؤمنين. وقد تشرَّف بعض علمائنا برؤيته صلوات الله عليه منهم العلامة السيد محمد مهدي بحر العلوم الذي كان يلتقي مرارا بالإمام (عج) ويسأله عما يختلج في صدره من مشكلات المسائل.
- إن الله سبحانه هو الذي قد وضع نظاما لهذا الكون وسيره على وفق قوانين ثابتة لا تتغير أبدا. وهو سبحانه بإمكانه أن يرفع تلك القوانين أو يحكم عليها قوانين أخرى عند الضرورة كما كان يحدث ذلك على أيدي الأنبياء من المعجزات الخارقة لهذه القوانين.