الغيبة؛ الدوافع والعلاج الجزء الثاني
بسم الله الرحمن الرحيم
ما هو حكم اغتياب الأبناء؟
لا ينبغي للوالدين أن يذكروا سلبيات الأولاد إلا إذا توقف بيان ذلك على إصلاحهم ودفع المنكر عنهم. وإلا فهو من مصاديق الغيبة المحرمة.
وقد يطلق البعض القول في الحديث عن الآخرين واغتيابهم، فيقول: أحد أبناء فلان، وفي ذلك آراء مختلفة. فذهب البعض إلى أن ذلك لا يعد غيبة، لأنه لم يعين أحدا. وذهب آخرون إلى أنه حتى وإن لم يعد ذلك غيبة بحسب المصطلح الفقهي إلا أن في ذلك انتقاص لتلك العائلة بأكملها وهذه إهانة تستوجب العقاب.
اغتياب شعب بأكمله
وهناك من يطلق القول ويتحدث عن جنسية من الجنسيات أو أبناء بلد أو شعب بأكمله، فيقول: الشعب الفلاني كذا وكذا على سبيل المثال وهو كلام لا يخضع لأي مقياس علمي ولا منطقي، وقد نهى القرآن الكريم عن ذلك بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ)[١]. ولا بأس أن تقول: بعض أفراد البلاد الفلاني قد آذونا أو فعلوا بنا ما فعلوا، أما أن تعم بقولك الملايين من البشر الذين ينتسبون إلى بلد من البلدان فقد يأخذون برقبتك يوم القيامة ويقولون لك: إنك أهنتنا جميعا ونسبت لنا من العيوب والسلبيات ما نسبت من غير علم وسلطان. أما إن كان يفهم من سياق القول أنه يعني بعض أفراد البلد ولا يفهم المستمع منه الإطلاق فهذه مسألة أخرى.
ولكن لماذا نهت الشريعة عن الغيبة وأكدت على ذلك؟
هنالك في الواقع هدفان من هذا النهي. الهدف الأول؛ أن الإسلام يريد من أفراد المجتمع أن تكون قلوبهم متصافية ويكون المجتمع سليما، والغيبة تمنع ذلك وتوتر المجتمع وتشتت أفراده بكلمة من هذا وذاك. ولذلك يمن سبحانه على المسلمين بأن جعلهم إخوانا، فقد قال سبحانه: (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا)[٢]. فلا يمكن للإنسان أن يسمو في مجتمع متوتر يغلب فيه سوء الظن وتكثر فيه النميمة والبهتان. وإذا كان الإنسان يعيش عقدة من سائر الناس أو من أهل المسجد أو من بعض أهل بلدته، سوف ينشغل فكره بزيد وعمر أثناء عمله وقد يصل به الأمر إلى رؤية الكوابيس.
ومن يبحث عن السعادة في الدنيا وراحة الأعصاب كما يقال؛ فهذه السعادة الروحية تحتاج إلى جو هادئ وإلا فإن الذي له مشاكل عديدة مع الزوجة والأولاد والآخرين لا يستقر بحال من الأحوال. وقد أوصى أحدهم صاحبه عند الزواج وقال له: إذا أردت الزواج فانظر أين تضع نفسك، فأنت تربط حياتك ومستقبلك بإنسان آخر، فإذا لم يكن الجو ملائما وهادئا بينهما لا يكاد يرتقي في دنيا ولا في آخرة. ولذلك كان يقول سلمان المحمدي الذي كان تلو المعصومين (ع) وأرقى من وصل إلى بعد العصمة: أنه لا أشعر بالراحة إذا لم يكن عندي قوت السنة. وقد قيل: من لا معاش له لا معاد له. فكيف يترقى في حياته من ليس له قوت مستمر ويعيش على الديون وينتقل من وظيفة إلى أخرى ولا استقرار له ماديا ونفسيا؟
الهدف الثاني: منع الحالة العدوانية. فالمغتاب كالعقرب أو الأفعى يمشي ويلدغ وقد يتفاقم الأمر إلى أن يستعمل يده أو سلاحه في إيذاء الآخرين وإشباع رغبته العدوانية. ولذلك ينصح العلماء الآباء بردع الأبناء عن الغيبة منذ الصغر وقبل المراهقة حتى لا يتعود الطفل على مهاجمة الآخرين. ونلاحظ أن بعض الأطفال لهم حالة عدوانية وحب التعدي على أترابهم وهؤلاء لا بد وأن يُمنعوا من قبل الوالدين. ومما يقوي هذه الحالة عند الأطفال تشجيع بعض الآباء لهم عند اللعب على ضربهم؛ فيقوم الطفل بضرب أبيه والأب فرح بذلك مسرور والحال أنه يزرع بذلك فيه حب التعدي والمشاكسة.
مستثنيات الغيبة
هناك مستثنيات في الغيبة ذكرتها الروايات الشريفة، منها ما روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (مَنْ أَلْقَى جِلْبَابَ اَلْحَيَاءَ فَلاَ غِيْبَةَ لَهُ)[٣]. فالمتجاهر بالفسق الذي يجلس في المجالس ويتباهى ببعض معاصيه لا غيبة له. وكذلك لا بأس أن يقول الإنسان أن امرأة فلان سافرة، إذا كانت تخرج إلى الشارع من غير حجاب، ولكن لا يعني ذلك أن يذكر عيوب هذه المرأة السافرة التي لم تتجاهر بها من سوء معاملتها مع زوجها أو ما شابه ذلك من العيوب المستورة.
التظلم
ومن المستثنيات ذكر الظلامة. فقد تأتي امرأة إلى وجيه في بلدتها أو مؤمن حكيم وتتظلم مما وقع عليها ولا يمكنها أخذ حقها إلا بذلك فلا بأس بذلك. وهناك اختلاف فقهي حول هذه المسألة، وهو: هل يمكن ذكر الظلامة لكل من هب ودب من الرجال والنساء، أو ينبغي ذكر الظلامة لمن يستطيع الانتصاف من الظالم وحل المشكلة. وقد قال الفقهاء: أنه من الأحوط استحبابا أن يقصد الإنسان الانتصار. وينبغي للمؤمن أن يحتاط في ذلك ولا يشتكي أمره إلا إلى الله سبحانه أو إلى مؤمن يمكنه مساعدته ودفع المنكر عنه.
إسداء النصيحة للمؤمنين
ومن مستثنيات الغيبة إسداء النصيحة للمؤمنين. فلا بأس بذكر العيوب إذا استشارك مؤمن في زواج أو تجارة أو سفر أو في المدرسة التي يجدر أن يرسل أبنائه إليها، وما شابه ذلك. ولا ينبغي الاسترسال بذكر جميع العيوب – على سبيل المثال – لمن استنصحك في الزواج من أحدهم، فيكفي أن تقول له ما يردعه عن ذلك الزواج، كأن تقول له: لا يصلح لك. لا أن تفتح له جميع ملفاته المالية ومعاملاته في السوق وسائر عيوبه المستورة. فالقاعدة الأولية تقول بعدم جواز اغتياب المؤمن إلا بوجود الاستثناء وذلك يتطلب من المؤمن الاحتياط إلى أبعد الحدود عند الحديث عن الآخرين. وكذلك يحتاط العلماء في ذكر العيوب، فلا يجوزون إلا ذكر العيوب التي لو لم يبينها وقع في مفسدة عظيمة لا العيوب البسيطة أو العيوب التي كانت فيه في الماضي وتخلص منها.
النهي عن المنكر
ومن مستثنيات الغيبة النهي عن المنكر. فقد تنهى أحدهم عن المنكر فلا ينتهي وأنت تعلم أنه يسمع من صاحبه أو أبيه أو أخيه أكثر مما يسمع منك ولكلامهم تأثير عليه، فتذكر لهم ذلك العيب من أجل دفع الضرر عنه، وارتداعه عن ذلك المنكر.
القدح في أهل المقالات الباطلة
من موارد الغيبة الجائزة القدح في أهل المقالات الباطلة وأصحاب الآراء المنحرفة، وذلك بتبيين خطأ الكلام لا القدح في صاحبه. فأقول: أن كلامه باطل بدليل كذا وكذا حتى وإن فهم الطرف المقابل منه الانتقاص لأننا في مقام ردع الباطل وبيان الحقائق العلمية.
ولو راجعنا كتب العلماء في الفقه والأصول لرأينا تعليقاتهم في هذا المجال كثيرة، منها قولهم: إن هذا الكلام نتج من قلة تدبر أو هذا الكلام لا وجه له أو فيه تأمل وما شابه ذلك من التعابير المتعارفة بين العلماء.
وينبغي أن يكون المضطر للغيبة كالمضطر لأكل لحم الميتة، فيلاحظ المؤمن حالة من الكدورة في قلبه عند اغتياب أحدهم وإن كان جائزا. ولذلك من مشاكل رجال العلم أنهم كثيرا ما يضطرون لاستماع عيوب الآخرين من المتظلمين الذين يلجأون إليهم والذين لا يلتزمون في بيان العيوب بالحدود الشرعية، ويبالغون في بيان ما تعرضوا له من ظلم، فيتكدرون لسماعها. وقد يتجاوز المتظلم ذكر العيوب إلى السب والشتم وهذا مما لا يجوز بكل تأكيد فما يجوز هو التظلم بكل موضوعية ونزاهة.
الغيبة في حكم الحدث
والغيبة في حكم الحدث كما بينت ذلك الروايات الشريفة. فقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (اَلْجُلُوسُ فِي اَلْمَسْجِدِ اِنْتِظَارَ اَلصَّلاَةِ عِبَادَةٌ مَا لَمْ يُحْدِثْ قِيلَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ وَ مَا يُحْدِثُ قَالَ اَلاِغْتِيَابَ)[٤]. ومن الأفضل للمؤمن المتظلم أن يدع ذكر ظلامته بعد الانتهاء من الصلاة حتى لا يقع في هذا المحذور قبل الصلاة.
ومن الأمور التي ينبغي أن يأخذه المؤمن في الحسبان، هو أن طبيعة الإنسان تضخم السلبيات وتنسى الإيجابيات. فقد تعاشر صديقا أو زوجة لسنوات طويلة فيها من الإيجابيات ما فيها إلا أن سلبية واحدة تبدر منهم تقلب حياتك رأسا على عقب وهذا من قلة الإنصاف عند الإنسان لو تأمل في ذلك.
انظر إلى الإيجابيات
إن النبي عيسى (ع) كان متميزا في عدة جهات. الجهة الأولى: أنه خلق من غير أب ولذلك لقب بروح الله. الجهة الثانية: أنه رفع إلى السماء وسيرجع مع الإمام الحجة (عج) ليكون بين يديه وفي خدمته. والجهة الثالثة: أن كان من الزهاد ولذلك روى عن الأئمة (ع) الكثير من أقواله، والتي منها: (أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَرَّ مَعَ اَلْحَوَارِيِّينَ عَلَى جِيفَةٍ فَقَالَ اَلْحَوَارِيُّونَ مَا أَنْتَنَ رِيحَ هَذَا اَلْكَلْبِ فَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَا أَشَدَّ بَيَاضَ أَسْنَانِهِ)[٥]. إن الكلب حيوان نجس ومع ذلك كان ميتة فلم يمنع ذلك النبي عيسى (ع) أن يرى ما فيه من الإيجابيات، بخلاف نظرة الحواريين لذلك الحيوان. فإذا كان عيسى (ع) يمدح بياض أسنان جيفة كلب، ألا يجدر بالمؤمن وهو أجل شأنا أن يذكر الصفات الإيجابية في أخيه ويمدحها.
وينبغي أن يتعلم المؤمن من سيرة النبي المصطفى (ص) ويتأدب بأدبه في كيفية معالجته لعيوب أصحابه، فلم يكن يسمي القوم بأسمائهم وإنما كان يكتفي بالقول: ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا أو لا يفعلون كذا وكذا. ومن الجميل أن يتبع المؤمن هذا الأسلوب في عمله وفي بيته عند معالجة عيب أو خطأ فيقول: ما بال أقوام كذا وكذا ولا يصرح بأسمائهم من باب إياك أعني واسمعي يا جارة. فهذه من الآداب الاجتماعية في النهي عن المنكر.
وقد يتورع المؤمن عن الاغتياب ولكن ماذا يفعل بسماعها من آخرين لا يتورعون عن ذلك؟ وهنا لا بأس بأن يواجهه ويقول له: قد يكون لك عذر في اغتياب فلان لأنك تراه متجاهرا بفعل ولكنني لا أراه كذلك ولا عذر لي في الاستماع وينبغي لك أن تتحدث إلى من يمكنه أن ينفعك أو ينتصف لك، فلا تجبرني لاستماع ذلك رجاء. والذي يسمعك الغيبة رغم أنفك هو كمن يلقي عليك الأوساخ والقمامة رغم أنفك. خاصة إذا زرته في منزله أو استضفته فلا تطعمه من الرزق الحلال وتسمح له أن يطعمك من لحم أخيك الميت..! ثم إذا نهاك أحدهم عن الغيبة انته ولا تكن كمن قال عنه سبحانه: (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ)[٦].
ما هي كفارة الغيبة؟
الآن قد وقع ما وقع وارتكب المؤمن هذه المعصية، فينبغي له في بادئ الأمر أن يشعر بالندم على ما ارتكب. وكما روي عن زين العابدين (ع): (إِلَهِي إِنْ كَانَ اَلنَّدَمُ عَلَى اَلذَّنْبِ تَوْبَةٌ فَإِنِّي وَعِزَّتِكَ مِنَ اَلنَّادِمِينَ)[٧]. ثم الاستغفار من الذنب، وبعد ذلك يطلب من الذي اغتابه أن يسامحه على ما ارتكب بحقه إن لم يتسبب ذلك في قطع علاقتك به إن كانت تجمعك به علاقة طيبة وأخذ موقف منك ويكفي هذه الحالة أن تستغفر له وتتصدق عنه. ولا بأس أن يدعو ويقول: اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولوالد والدينا ولمن أحسن إلينا ولمن أسأنا إليه. وقد روي عن النبي (ص) أنه قال: (مَا كَفَّارَةُ اَلاِغْتِيَابِ قَالَ تَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ لِمَنِ اِغْتَبْتَهُ كُلَّمَا ذَكَرْتَهُ)[٨].
وقد يعتذر المغتاب ممن اغتابه فلا يعذره إلا بشروط منها التوبة والندامة وهذا أمر غير حسن فيكفي أن يقبل عذره بعد أن اعترف له. وقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (أَ يَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ كَأَبِي ضَمْضَمٍ كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ قَالَ اَللَّهُمَّ إِنِّي تَصَدَّقْتُ بِعِرْضِي عَلَى اَلنَّاسِ)[٩]. ولا يعني ذلك أن يبيح للآخرين اغتيابه فهذا أمر ليس إليه تحليله ولا تحريمه وإنما ليعفو عمن يغتابه ويصفح عنه ما لم يجرأه على المعصية. وكان أحد المؤمنين يقول في مناجاته: اللهم إني قد أبرأت الذمة كل من مات على التوحيد والنبوة وعلى حب أهل البيت (ع).
أخت الغيبة
ومن المعاصي التي تشبه الغيبة ويكون صاحبها متخصص في الغيبة هي النميمة. كان يقول أمير المؤمنين (ع) في وصف رسول الله (ص) أنه: (طَبِيبٌ دَوَّارٌ بِطِبِّهِ، قَدْ أَحْكَمَ مَرَاهِمَهُ وَأَحْمَى مَوَاسِمَهُ)[١٠]، والبعض من الناس دوار بالنميمة وأكثر ما يكون ذلك في النساء. والنساء عادة لا يتعرضن لبعض المعاصي كالربا والمعاملات المحرمة وأجوائهن تساعد على التكامل من الفراغ للحضور في المآتم والمساجد والسفر وما شابه ذلك. ولكنهن في معرض معاصي هذا اللسان الذي بكلمة منه يهبط الإنسان من أعلى عليين إلى أسفل سافلين.
وما أقبح أن يمشي الإنسان من مكان إلى آخر وهو يتحدث عن هذا وذاك، ولذلك فإن وزر النمام وزر مضاعف. وقد روي أنه: (رَفَعَ رَجُلٌ إِلَى أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كِتَاباً فِيهِ سِعَايَةٌ فَنَظَرَ إِلَيْهِ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ قَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَا هَذَا إِنْ كُنْتَ صَادِقاً مَقَتْنَاكَ وَإِنْ كُنْتَ كَاذِباً عَاقَبْنَاكَ وَإِنْ أَحْبَبْتَ اَلْقَيْلَةَ أَقَلْنَاكَ قَالَ بَلْ تُقِيلُنِي يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ)[١١]. أي سأتحقق من كلامك فإن كنت صادقا ليس لك عندنا إلا المقت، وإن كنت كاذبا فلا تنجو من العقاب وإن أردت أن نسامحك سامحناك.
ومن الآداب التي يتأدب بها المؤمن، أن يجب الغيبة عن نفسه. فلا يضع نفسه في مواضع الغيبة، فإن فعل فهو يتحمل قسطا من ذلك الوزر.
ما فيه عيب إلا النَّمِيمَة..!
وتنقل قصة طريفة في التأثير المخرب للنميمة. فيحكى أنه: (باع رجل عبدًا، وقال للمشتري: ما فيه عيب إلا النَّمِيمَة. قال: رضيت. فاشتراه، فمكث الغلام أيَّامًا، ثم قال لزوجة مولاه: إنَّ سيدي لا يحبك، وهو يريد أن يتسرى عليك، فخذي الموسى واحلقي من شعر قفاه عند نومه شعرات، حتى أسحره عليها فيحبَّك. ثم قال للزَّوج: إنَّ امرأتك اتخذت خليلًا، وتريد أن تقتلك، فتناوم لها حتى تعرف ذلك. فتناوم لها، فجاءت المرأة بالموسى، فظن أنَّها تريد قتله، فقام إليها فقتلها، فجاء أهل المرأة فقتلوا الزَّوج، ووقع القتال بين القبيلتين)[١٢]. وقد تتزلزل مكانة المرء في المجتمع بكلمة واحدة باطلة، ولذلك يقول سبحانه: (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ)[١٣].
[٢] سورة آل عمران: ١٠٣.
[٣] بحار الأنوار ج٨٥ ص٣٦.
[٤] الکافي ج٢ ص٣٥٦.
[٥] بحار الأنوار ج١٤ ص٣٢٧.
[٦] سورة البقرة: ٢٠٦.
[٧] زاد المعاد ج١ ص٤٠٦.
[٨] مجموعة ورّام ج٢ ص٢٠٩.
[٩] بحار الأنوار ج٧٢ ص٢٤٤.
[١٠] نهج البلاغة ج١ ص١٥٦.
[١١] الإختصاص ج١ ص١٤٢.
[١٢] كتاب إحياء علوم الدين-أبو حامد الغزالي-آفة اللسان.
[١٣] سورة البقرة: ١٩١.
خلاصة المحاضرة
- هناك من يطلق القول ويتحدث عن جنسية من الجنسيات أو أبناء بلد أو شعب بأكمله، فيقول: الشعب الفلاني كذا وكذا على سبيل المثال وهو كلام لا يخضع لأي مقياس علمي ولا منطقي، وقد نهى القرآن الكريم عن ذلك بقوله: (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم).
- المغتاب كالعقرب أو الأفعى يمشي ويلدغ وقد يتفاقم الأمر إلى أن يستعمل يده أو سلاحه في إيذاء الآخرين وإشباع رغبته العدوانية. ولذلك ينصح العلماء الآباء بردع الأبناء عن الغيبة منذ الصغر وقبل المراهقة حتى لا يتعود الطفل على مهاجمة الآخرين.
- هل يمكن ذكر الظلامة لكل من هب ودب من الرجال والنساء، أو ينبغي ذكر الظلامة لمن يستطيع الانتصاف من الظالم وحل المشكلة؟ قال الفقهاء: أنه من الأحوط استحبابا أن يقصد الإنسان الانتصار. واللمؤمن يحتاط في ذلك ولا يشتكي أمره إلا إلى الله سبحانه أو إلى مؤمن يمكنه مساعدته ودفع المنكر عنه.