العناصر الداخلية في اثارة الشهوات
بسم الله الرحمن الرحيم
للإنسان شهوات كثيرة إلا أنّ أقوى ما يثيره ويجذبه هي حب الشهوات من النساء، وهذا الامر لا شك فيه، وبمراجعة بسيطة للقرآن الكريم نجد أنه جعلها على رأس قائمة الشهوات التي تؤثر على حياته وسلوكه، حيث يقول سبحانه وتعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ)[١]، وبالالتفات إلى الآية الكريمة نجد أنّ المُزيَّن هو حب الشهوات لا ذات الشهوات، فإنّ ذات المرأة ليست مذمومة، لكنّ الكلام في الارتباط والعلاقة التي هي في جانب السلب لا في جانب الايجاب، بل إنّ نفس وجود الشهوة ليس مذموماً لأنها غريزة في ذات الإنسان ولها إيجابيات ولكن جعلها في غير موردها مذموم عند الشارع المقدس.
الأسباب الكامنة لإثارة الشهوة
إنّ العلاقة بين الجنسين وحالة التجاذب الموجود بينهما أمرٌ واقع وحقيقي، وليس تجاذبا خيالياً أو وهميا لنقول لفلان لا تفكر فيما أنت فيه لأنّ الحقيقة لا ينبغي الهروب منها وإلا فلا نصل إلى الحلول المناسبة، فهنالك أجهزة في جسم الإنسان تفرز بعض الهرمونات المهيجة للشهوات وهذه الافرازات في حدها الطبيعي ضرورية لإدامة حركة الحياة والتناسل بين أبناء النوع، لكنّ المشكلة هي أنّ الإنسان بسوء اختياره بنظراته بسمعه بتخيله بممارساته في الواقع يقلب الموازين الفسيولوجية في بدنه فيختل توازنه الجسدي، فهنالك بعض المحطات في جسم الإنسان تجعل الإنسان يتوجه إلى هذا الجانب بشكل مفرط، فالإكثار من الأفكار الشهوانية والصور الشهوانية سواء أكانت حقيقية أو صورية يؤثر بشكل سلبي على سلوكه اليومي؛ لأنّ هنالك جانب من المخ يتأقلم مع هذا الجو ولهذا تأتيه الهواجس في هذا المجال، ينام فيرى ما يناسب تلك الهواجس ينظر إلى المرأة البريئة فيحولها في ذاكرته إلى صورة غير جميلة يصلي يقوم ويقعد وهو يفكّر بها.
والبعض هذه الأيام يسأل كثيراً في كيفية التخلص من هذه الهواجس المزعجة والحال بأنّه هو الذي يثير الخيوط الأولية في هذا المجال، وفي مجال ترويض وتهذيب هذه الشهوة هناك بعض التوصيات العملية في هذا المجال من خلالها يمكن للإنسان التخلص من فرط الشهوة منها:
الابتعاد عن كل مصادر الفتنة
لابد من التفكير بجديّة وصراحة للتخلص من هذه الأمراض التي تحيط بالإنسان، والخطوة الأولى في هذا المجال هي الابتعاد عن كل مصادر الفتنة، وهذا هو الأسلوب الذي رسمه القرآن الكريم والشريعة المقدسة، وكما يقولون الوقاية خير من العلاج ودرهم وقاية خير من قنطار علاج، وفي هذه الخطوة لابد من ابعاد المؤثرات السلبية عن الإنسان، والشريعة جعلت مجموعة من المحرمات في هذا المجال، لكن البعض مع الأسف قد لا يستوعب حقيقة هذا الحرام ويقوم بالاعتراض على أحكام الله تعالى، وكمثال على ذلك مصافحة النساء يقول أحدهم: ما الضير في مصافحة المرأة الأجنبية، لا سيما مع كونها مكتملة في السن ومتزوجة؟ نقول: الكلام في أصل سياسة الفصل بين الرجل والمرأة ومنع حالة الاثارة، فالمصافحة واجتناب النظرة المُريبة جزء من ذلك، فإنّ القرآن الكريم، الذي هو الكتاب الناطق عن الله (عز وجل) ينهى المرأة عن الخضوع في القول، لكن لماذا؟ من الأسباب التي ذُكرت؛ فيطمع الذي في قلبه مرض، وإن لم يكن كل الرجال في قلوبهم مرض ولكن هنالك قسم من النّاس في قلوبهم مرض، فعلى المرأة أن لا تخضع في القول امام الجميع حتى لا تقع في السلب من هذه الطبقة، وقد تكون قليلة قد تكون المرأة تعيش في بيئة يقل فيها هذا النمط من الناس، لكن هذه هي سياسية الشارع على مستوى الكراهة والمبغوضية للمحرمات، فربما إنسانٌ جلس في مجلس امرأة فانتقلت حرارة بدنها إلى ذلك الكرسي مثلاً فلعل هذه الحرارة تثير عنده الغرائز، لذلك الشريعة منعت من الجلوس في ذلك المكان فعليه أن يتبع السياسية العامة في هذا المجال وهي الابتعاد عن كل ما يثير شهوة الإنسان ويحرّكها.
فضل الله والالتجاء إليه ينجينا من مكائد الشيطان
يقول الله تعالى: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[٢]، لولا فضل الله ما زكى منّا من أحدٍ لسرنا مع الشّيطان واتّبعناه، رب العالمين هو الذي جعلني وجعلك في هذا المستوى ولولا هذه الرعاية في السفر والحضر وفي اليقظة والنوم وجميع حركاتنا لما كنّا في ما نحن فيه، فاذا ارتفعت الحصانة الربانية واللطف الإلهي سوف يصدر منّا ما لا يخطر في الذهن أبداً، ولهذا في سورة يوسف نقرأ هذه الآية: (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ)[٣]. وهذه الحماية الربانيّة ترتفع إذا عَمِل الإنسان ما يوجب رفع هذه الحماية، لذلك فعلينا أن نُكثر من الحوقلة والاستغفار وتكرار هذه العبارة في كل زلة: (اللهم إني أفوض أمري كله إليك يا رب فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله ودبّر لي الأمر كله إني لا أحسن التدبير، ويسّـر لي كل عسيـر إنّك على كل شئ قديـر يا الله)[٤] معايشة هذا الجو يُرسّخ جانب الحصانة في سلوك الإنسان المؤمن في تعامله مع مفردات هذه الحياة.
خلاصة المحاضرة
- للإنسان شهوات كثيرة إلا أنّ أقوى ما يثيره ويجذبه هي حب الشهوات من النساء، وبمراجعة بسيطة للقرآن الكريم نجد أنّه جعلها على رأس قائمة الشهوات التي تؤثر على حيات الإنسان وسلوكه، قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَب}.
- ويمكن للإنسان التخلص من فرط الشهوة وسلبياتها، على الرغم من أنّ العلاقة بين الجنسين وحالة التجاذب الموجود بينهما أمرٌ واقع وحقيقي، وليس تجاذبا خيالياً أو وهميا، ويمكن التخلص من ضغط تلك الشهوة بترك ما يثيرها، مثل الإكثار من الأفكار والصور الشهوانية سواء أكانت حقيقية أو صورية؛ لأن الإنسان بطبيعته يتأقلم مع هذا الجو ولهذا تأتيه الهواجس في هذا المجال، ولتجنب فرط الشهوة يجب الابتعاد عن كل مصادر الفتنة، وكما يقولون الوقاية خير من العلاج، ومن جانب آخر على المرأة أن لا تخضع في القول أمام الجميع لكي لا يطمع الذي في قلبه مرض كما عبّر القرآن الكريم، وعلينا أيضاً المداومة على الذكر والاستغفار والحوقلة؛ لأنَّ فضل الله والالتجاء إليه هو الذي ينجينا من مكائد الشيطان.