الشعائر الإلهية ودم الحسين (عليه السلام)
بسم الله الرحمن الرحيم
وأفضل الصلاة وأتم الصلاة على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين
إنَّ من علامات المؤمن الذي رضي عنه ولاة أمره (ع)، أن تتغير حالته ونمط حياته في بداية شهر محرم الحرام؛ كما كان ذلك دأب أئمتنا (ع)، وقد كان الإمام الصادق (ع) – كما نقرأ في الروايات الشريفة – لم يرى ضاحكاً في أيام محرم حتى يوم عاشوراء؛ حيث قتل الحسين (ع).
مواساة الإمام صاحب العصر والزمان (عجل الله فرجه) في شهر محرم
وينبغي للمؤمن أن يستقبل هذا الشهر استقبالاً واعياً، ولا يكن همه ذرف الدموع فحسب؛ بل إنَّ من أهم الأولويات والواجبات في هذا الشهر المبارك أن نشارك ونشاطر الإمام صاحب العصر والزمان الحزن والأسى، فهو أشد من يعيش هذه المأساة لعلمه بما جرى على الحسين (ع) وأهل بيته مما لا يعلمه أحد.
عظمة مصيبة الحسين (عليه السلام)، وحزن صاحب الأمر (عليه السلام)
وبلا ريب إنَّ ما نقل في المقاتل وكتب التاريخ عن مصرع الحسين (ع) لا يكشف عن الواقع أبداً؛ فما وقع كان أسد وأعظم مما وصل إلينا، وصاحب الأمر (ع) يعلم فداحة المصيبة ويعلم من هو الحسين (ع)، وكما أنَّ أمير المؤمنين (ع) لم يكن يعرفه غير الله عز وجل والنبي (ص)، وكذلك الأمر في المعصومين من ذريته؛ فهم من العلو والقداسة والطهارة بمكان لا يمكن للإنسان العادي أن يحيط بهم علماً إلا في جانب معين أو زاوية محددة.
الخطوط العامة للبحث
وسأتناول في حديثي هذا آيات الشعائر في القرآن الكريم؛ الآيات التي وردت فيها كلمة الشعائر، لنتعرف على معنى هذه الكلمة وارتباطها بتقوى القلوب، والعلة التي من أجلها نسب الله عز وجل التقوى إلى القلب ولم ينسبها إلى الأعمال.
الآيات القرآنية التي ذكرت فيها كلمة الشعائر
إنَّ أول آية من آيات الشعائر هي قوله سبحانه: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ)[١]، والبدن: هي الحيوانات التي تذبح في موسم الحج تقرباً إلى الله عز وجل، وقوله سبحانه: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا)[٢]، والآية الثالثة الجامعة قد وردت في سورة المائدة وهي قوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا)[٣]، ما الذي نستفيده من هذه الآيات الثلاث؟
ما هي الشعيرة؟
إنَّ الشعيرة في اللغة بمعنى العلامة، ونحن نلاحظ في الشوارع هناك ما يسمى بعلامات المرور، وهذه العلامات على بساطتها – قد يكون خط أفقي أو زاوية يعلوها خط مائل – تدل على معاني عظيمة جداً وتأتي لتنبه الإنسان على أمر مصيري؛ كوجود المطبات أو المنعطفات الخطيرة أو وجود هاوية ما في الطريق، ولطالما غفل السائق عن بعض علامات المرور عند سيره في الطرق الجبلية والهاوية على يمينه وإذا به يقع في الوادي السحيق.
إنَّ العلامة أو الشعيرة هي عبارة عن شيء رمزي يدل الإنسان على معاني سامية، وينبغي للعاقل الفطن أن يكتشف السر بين العلامة ومعناها السامي، إنَّ الله عز وجل يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ)[٤]؛ أي لا تحلوا هذه الشعائر المقدسة ولا تهتكوا حرمات الله عز وجل، والشعيرة هي: الشهر الحرام والهدي والقلائد – وهي عبارة عن حيوان كالغنم والمعز يعلق على رقبتها شيء ليكون علامة لهذه الحيوان الذي يساق ليذبح في منى أيام الحج ولا حرمة لهذه الحيوانات في نفسها إلا أن هذه العلامة والقلادة على رقبتها التي تدل على أنها تذبح في أيام الحج تعطيها حرمة وتحذر الآخرين من المساس بها أو التعرض لها بسوء – وقد عطف القرآن الكريم على الهدي والقلائد والتي هي من الأغنام وغيرها، على آمين البيت الحرام وهم الحجاج القاصدين البيت الحرام؛ فيقول القرآن في سياق واحد: أنَّ الحجاج والحيوانات التي تذبح في طريق الحج هي من شعائر الله فلا تحلوا هذه الشعائر.
إنَّ العالم كله علامات لله عز وجل..!
إنَّ الدرس العملي الذي نستفيده من هذه الآيات الشريفة؛ هو أن الوجود كله علامة لله عز وجل، وما أجمل قول الشاعر:
وفي كلّ شيءٍ لَهُ آيةٌ تَدلُّ عَلى أنّهُ وَاحِدُ[٥]
وقد قال الله سبحانه: (وَعَلَامَاتٍ ۚ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ)[٦]، فكل الوجود علامات من علامات الله عز وجل، ولكن الله سبحانه لمصلحة ما يضفي عناية خاصة على بعضها؛ فعدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً وكل الشهور منتسبة إلى الله عزوجل ولكن شاء أن يكون أربعة منها حرم، ثلاثة متواليات: ذي القعدة وذي الحجة ومحرم وأخرى مفردة وهو شهر رجب، وقد أكد القرآن الكريم في آية المائدة، على الشهر الحرام.
الشعائر الإلهية ودم الحسين (عليه السلام)
إنَّ السبحانه قد نظر إلى مكة فجعلها بلده الحرام، ونظر إلى هذا البيت المكعب الحجري فجعله بيته الحرام، ونظر إلى الصفا والمروة وهما جبلان عاديان من جبال هذه الأرض، ولكن شاء الله عز وجل أن يجعلهما من شعائر الله، وشهر محرم الحرام هو شهر محرم بذاته وقد تضاعفت فيه الحرمة بعد أن أصبح تاريخاً ومهداً لواقعة هي من أهم وقائع تاريخنا الإسلامي، وإذا أردنا أن نجعل عدلاً للمبعث النبوي الشريف فأظن أنَّ يوم عاشوراء جدير بذلك؛ فكما انبثق الإسلام في يوم المبعث؛ وكذلك رجعت قواعد الإسلام إلى نصابها الطبيعي، وقد أرجع الحسين (ع) بدمه ذلك الخط الذي كاد أن ينحرف، وأصبح دم الحسين (ع) إلى يومنا هذا جامعٌ للقلوب المؤمنة.
ما هو السر وراء احتفاظ الفاتيكان بألف مجلد في سيرة الحسين (عليه السلام)؟
وقد نقل لي أحد الأشخاص المؤمنين وكان قد التقى بأحد المسئولين في الفاتيكان: أنه ذهب إلى مكتبة الفاتيكان وإذا به يرى ألف مجلد في سيرة الحسين (ع) – والفاتيكان هي عاصمة المسيحيين في العالم وهي التي تمدهم بالدعم الفكري والمالي – فقال لهم: لماذا هذا التأكيد على ذكر الحسين (ع) وما السبب لوجود ألف مجلد في مكتبة مسيحية؟! قال له المسؤول في الفاتيكان: لقد بحثنا عن الأديان الأوسع انتشاراً في العالم وعن الدين الذي يتغلغل في النفوس في هذا القرن؛ فوجدناه الإسلام، ثم بحثنا في المذاهب الإسلامية عن أكثرها تأثيراً في القلوب فوجدناه مذهب أهل البيت (ع)، ثم بحثنا عن سر هذا التأثير والنفوذ في قلوب المسلمين فوجدناه الحسين (ع)، وفي الحقيقة إنَّ الحسين (ع) يهز الكافر كما يهز المسلم والمؤمن.
تقديس الحسين وأخيه العباس (عليهما السلام) من غير المسلمين
وقد رأينا في بعض البلاد يقدسون بعض الشخصيات الإسلامية؛ كما يفعل ذلك الأرمن وهم طائفة كافرة في تقديسهم لشخصية العباس (ع)، فهم يقيمون ذكراه لما أثر عنه من الوفاء في يوم التاسع أو العاشر من محرم، والناس عموماً يعشقون الإيثار والرجولة، وعندما يراها غير المسلم في هذه المأساة العظيمة يستفيد من دروسها، وكلمة زعيم الهند معروفة أنَّه قد تعلم من الحسين كيف يكون مظلوماً لينتصر على أعدائه.
كن مصلحاً كالحسين (عليه السلام)..!
وينبغي لنا أن نغتنم الأيام المباركة والمقدسة من شهر محرم الحرام وعلينا أن ننتقل من هذه الشعيرة إلى ما تحمله من معاني سامية التي أرادها الحسين (ع) أن تسود في المجتمع، وكان شعاره منذ أن خرج من المدينة حتى انتقال روحه الطاهرة إلى بارئها: (وأنّي لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، وإنّما خرجت لطلب الاصلاح في أمّة جدّي صلّى اللّه عليه وآله)[٧]، وعلى المؤمن أن يأخذ هذا الدرس من الحسين (ع) ويكون مصلحاً، فإن لم يتمكن من إصلاح الأمة؛ فليصلح عائلته وإن لم يتمكن من إصلاح عائلته عليه أن يصلح نفسه، وقد خرج الحسين (ع) للإصلاح بمعناه الشامل؛ فلا يقول قائل: أنَّه مادام لا يستطيع الثورة والقيام كالحسين (ع) فإن واجب الإصلاح قد سقط عنه.
إنَّ الحسين (ع) خرج لطلب الإصلاح في الأمة، وهل الأمة إلا مجموعة من الأفراد هنا وهناك؟ وينبغي للمصلح أن يبدأ الإصلاح من نفسه، كما قال القرآن الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا)[٨]، وإن أمكنه إصلاح المجتمع كما أصلحه الحسين (ع) فذلك تكليف آخر، ولقد خرج الحسين بدافع الإصلاح ولقد أنهى مسيرته بقوله: (رضا بقضائك وتسليما لأمرك)[٩].
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- ينبغي للمؤمن أن يستقبل شهر محرم استقبالاً واعياً، ولا يكن همه ذرف الدموع فحسب؛ بل إنَّ من أهم الأولويات والواجبات في هذا الشهر المبارك أن نشارك ونشاطر الإمام صاحب العصر والزمان الحزن والأسى، فهو أشد من يعيش هذه المأساة لعلمه بما جرى على الحسين (ع) وأهل بيته مما لا يعلمه أحد.
- إن الشعيرة هي عبارة عن شيء رمزي يدل الإنسان على معاني سامية، وينبغي للعاقل الفطن أن يكتشف السر بين الشعيرة ومعناها السامي، إنَّ الله عز وجل يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ)؛ أي لا تحلوا هذه الشعائر المقدسة ولا تهتكوا حرمات الله عز وجل.
- كل الوجود علامات من علامات الله عز وجل، ولكن الله سبحانه لمصلحة ما يضفي عناية خاصة على بعضها؛ فعدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً وكل الشهور منتسبة إلى الله عزوجل ولكن شاء أن يكون أربعة منها حرم.
- لقد رأينا في بعض البلاد يقدسون بعض الشخصيات الإسلامية؛ كما يفعل ذلك الأرمن وهم طائفة كافرة في تقديسهم لشخصية العباس (ع)، فهم يقيمون ذكراه لما أثر عنه من الوفاء، والناس عموماً يعشقون الإيثار والرجولة، وعندما يراها غير المسلم في هذه المأساة العظيمة يتواضع أمامها.