• ThePlus Audio
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

الساعات الحاسمة أو الأيام الأخيرة من الشهر الفضيل

بسم الله الرحمن الرحيم

كيف أكون في الأيام الأخيرة من شهر رمضان؟

لابد وفي نهاية شهر رمضان المبارك؛ أن يسأل كل واحد منا نفسه: هل صمت وقُمت كما ينبغي؟ لو تأمل كل واحد منا في واقعه، وجد أن التقصير يلفه ولابد من التعويض في الأيام الأخيرة. هناك فرصة في منتصف الشهر الكريم لأن يقف الإنسان مع نفسه لينظر ماذا فعل في النصف الأول من هذا الشهر. هناك قاعدة في عالم الفيزياء تقول: إن الجسم يميل إلى السكون ما لم يحرك. فلو تركت حجرا على رأس جبل قرونا متمادية يبقى على حالته ما لم يُحرك. وكلذلك الأمر بالنسبة إلى الإنسان؛ فلو لم يسعى إلى التغيير واكتساب الحسنات في هذا الشهر، فسيبقى كما كان قبله.

وقفة في الصلاة للمحاسبة

ويُقال في الوقفة التشهدية في منتصف الصلاة الرباعية، أنها مرحلة محاسبة للركعتين السابقتين إجمالا واستعداد للركعتين الآتيتين؛ فهي بعبارة أخرى: محطة من محطات التأمل. وليكن النصف من شهر رمضان المبارك كذلك محطة من محطات التأمل في الأيام السابقة والاستعداد للأيام اللاحقة.

فعلى سبيل المثال: قرأنا دعاء أبي حمزة في الأسحار ودعاء كميل في ليالي الجمعة، فكيف كان حالنا عند الدعاء؟ هل ذرفنا دمعة من خشية الله عز وجل؟ من لم يذرف دمعة خشية من الله عز وجل في هذه الأيام؛ هل سيكون أحسن حالا في ليالي القدر؟ لابد وأن يحذر الإنسان قسوة القلب في ليالي القدر التي هي علامة غير طيبة. فشتان بين ليالي شهر رمضان وليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.

ضرورة التهيأ لليلة القدر قبل ليلة القدر

إنني أوصي الحجاج في بداية موسم الحج وأقول لهم: أمامكم عصر عرفة، وهي سويعات إن لم تقبل فيها، فاعلم أن حجتك المعنوية قد ذهبت هدراً وإن كانت مجزية فقهيا؛ فالحج عرفة. وكما أن الحج عرفة، فشهر رمضان، ليلة القدر. ولذلك ينبغي أن يحاسب الإنسان نفسه ويبحث عن موجبات القسوة قبل تلك الليلة. إن من الأسباب التي وردت في الروايات الشريفة ما روي عن أمير المؤمنين (ع): (مَا جَفَّتِ اَلدُّمُوعُ إِلاَّ لِقَسْوَةِ اَلْقُلُوبِ وَ مَا قَسَتِ اَلْقُلُوبُ إِلاَّ لِكَثْرَةِ اَلذُّنُوبِ)[١]. فقد يمضي من الشهر الفضيل أكثره وصاحبنا لم يجلس مع الله سبحانه جلسة ندم واستغفار بليغ. أما الاستغفار اللفظي العابر لا يعد استغفاراً حقيقياً.

والخطوة الأولى هي تصفية الحسابات مع رب العالمين، ثم تصفية الحسابات مع المخلوقين قدر الامكان. فهناك من يدعو عليك، وهناك من هو متبرم منك بحق، وهذه الحقوق كسحابة تحول بينك وبين الاستجابة.

لماذا لا يتفاعل أحدنا مع الأدعية البليغة كدعاء أبي حمزة؟

قد يتفاعل الكثير من الناس باطنيا عند قراءتهم الأدعية المأثورة في هذا الشهر؛ ولكن لا تجري لهم دمعة وهذا أمر لا بأس فيه. فجريان الدمع أمرٌ ورقة القلب أمرٌ آخر وإن كان جريان الدمع علامة من علامات رقة الباطن. ولكن لا ينبغي أن ييأس أحدنا إذا لم يجد هذه الرقة في قلبه وليحاول وليبذل وسعه للاستحصال هذه الرقة.

سارع إلى علاج قلبك المريض قبل فوات الأوان

عندما يُبتلى الإنسان بمرض في قلبه المادي – أو القلب الصنوبري كما يصفه العلماء ويجعلونه في مقابل القلب المعنوي – يسارع إلى الطبيب؛ فكيف إذا كان على باب المستشفى والطبيب جالس في المستشفى ينتظره؟ فكما تشكو للطبيب ما ألم بهذا القلب من نبض متسارع غير منتظم أو ما شابه ذلك من الأمراض التي تعتري هذا القلب؛ فاشك لله عز وجل ما بقلبك من قساوة باطنية وأنت ضيفه في شهر رمضان. إن البعض من المؤمنين يصل إلى درجة يرى هذه القساوة من أعظم العقوبات بالنسبة له وقساوة القلب هذه عنده كنقص الأوسيجن عند غيره حيث يشعر بالاختناق والشيق إلى أن ترتفع عنه. وقد روي عن الإمام الباقر (ع) أنه قال: (إِنَّ لِلَّهِ عُقُوبَاتٍ فِي اَلْقُلُوبِ وَ اَلْأَبْدَانِ ضَنْكٌ فِي اَلْمَعِيشَةِ وَ وَهْنٌ فِي اَلْعِبَادَةِ وَ مَا ضُرِبَ عَبْدٌ بِعُقُوبَةٍ أَعْظَمَ مِنْ قَسْوَةِ اَلْقَلْبِ)[٢]. فإذا وصل العبد إلى هذه الدرجة من الالتجاء إلى الله عز وجل عند قسوة قلبه؛ سيفتح الله له الأبواب دفعة واحدة.

كيف نتذوق حلاوة القرآن الكريم؟

وكما نطلب من الله عز وجل ترقيق القلب لذكره ومناجاته؛ نطلب منه سبحانه أن يحدثنا من خلال كتابه. فكما روي: (لَقَدْ تَجَلَّى اَللَّهُ لِخَلْقِهِ فِي كَلاَمِهِ وَ لَكِنْ لاَ يُبْصِرُونَ)[٣]. ولابد من المحبة لله عز وجل، فمن أحب أحدا أحب الحديث معه. لما قال الله عز وجل لموسى (ع): (وَمَا تِلۡكَ بِيَمِينِكَ يَٰمُوسَىٰ)[٤] أخذ يطيل في الحديث فقال: (هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّؤُاْ عَلَيۡهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَـَٔارِبُ أُخۡرَىٰ)[٥] فاتخذ ذلك السؤال ذريعة للحديث مع الله عز وجل.

كيف أشتاق إلى القرآن الكريم؟

ما أجمل الحياة إذا كان الإنسان فيها يشتاق ربه فيصلي ركعتين خاشعتين ويشتاق حديث الرب فيفتح كتاب الله عز وجل؟ وهذا لا يكون من دون قابلية باطنية. ومن سبل التلذذ واستذواق حلاوة القرآن، معرفة ظاهر القرآن الكريم. إننا نجد الكثير من مدارس الحفظ والتجويد والترتيل هذه الأيام ولكننا قلما نجد مدرسة لتفسير القرآن الكريم وفهمه. وللأسف لم ندخل إلى عالم معرفة القرآن الكريم كما ينبغي لنا. إننا نختم القرآن الكريم في شهر رمضان المبارك مرة ومرتين وقد يختمه البعض عشر مرات ولكنه لا يسعى في واحدة منهن للتدبر في كلمات القرآن الكريم. ما الفرق بين العربي الذي لا يفهم معاني القرآن الكريم وبين المسلم الصيني مثلا؟ تقول له: ما معنى فاكهة وأبى؟ فيقول: لا أعلم، كما أن ذلك الصيني لا يعلم ذلك. لا ينبغي أن تركن إلى عربيتك وتقعد عن البحث والتدبر ومراجعة التفسير وفهم ظاهر القرآن الكريم. فإذا كان اللفظ مبهما، ففكيف بالمعنى؟

لماذا لا أصل إلى المقامات المعنوية؟

أحيانا يكون من الشرك الخفي طلب بعض المقامات. إنني أسأل من يبحث عنها: ماذا تريد بها؟ هل تريد الكرامات وطي الأرض وفهم ما في نفوس الآخرين وما شابه ذلك من حظوظ النفس – كما يُعبر عنها علماء الأخلاق– لله سبحانه أم لكي تنمي بها نفسك، وللتفوق لها على الآخرين؟ إياك وإياك أن تجعل لنفسك هدفاً غير الله عز وجل. كما أن هناك من يعبد الله عز وجل للحصول على المال، فطالب هذه المقامات يعبد الله عز وجل لتقوية باطنه. لا ينبغي أن تُطلب هذه المقامات لنفسها.

إن العبودية لله عز وجل من أعظم المقامات، ولذا ورد في الدعاء: (اَللَّهُمَّ أَذِنْتَ لِي فِي دُعَائِكَ وَ مَسْأَلَتِكَ)[٦]. أليس هذا المقام الذي يسمح لنا بمخاطبة الله سبحانه في شهر رمضان المبارك وفي ساعة السحر وفي كل ساعة من ساعات الليل والنهار من أعظم المقامات؟ أما بعض المقامات كاطمئنان القلب وسكون الخاطر معينة على الطاعة والعبادة، وينبغي لنا الجد في طلبها. فالمشوش البال المشغول بمتاع الدنيا، وبمشاكلها لا يقبل في عبادته.

كيف أعلم أنني في الطريق المستقيم؟

لا بأس أن تطلب علامة كما طلبها إبراهيم (ع) وقال: (بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطۡمَئِنَّ قَلۡبِي)[٧]. ومن أفضل العلامات إقبال العبد على ربه سريعا في الدعاء وصلاة والقرآن. إننا نرى من المؤمنين من تجري دمعته سريعا عند ذكر الحسين (ع) مثلا أو يتسمر في مكانه عند استماعه القرآن الكريم أو الأذان وهذه علامة من العلامات الحسنة.

ماذا تنصحنا في ليلة القدر؟

أولا: التخفف من التبعات الدنيوية قبل ليلة القدر. فإن أمكنك أخذ إجازة والجلوس في المنزل فافعل؛ لكي تعيش شيئا من الفراغ، خاصة في العشرة الأخيرة ولكي تريح نفسك قبل ليالي القدر المباركة.

وهناك بعض الآداب الظاهرية كالتخفف من الطعام والشراب تلك الليلة، والجمع بين الإحياء الفردي والجماعي. قد يكون الحضور في الجماعة سببا لإحراج البعض حيث ويظنون أن العمل يُشاب بالرياء ويخشون من عدم التفاعل، ولهؤلاء نقول: اجمعوا بين الأمرين. فالحضور في الجمع في المشاهد المشرفة أو في مسجد من المساجد له بركات كثيرة ويلتفت إلى ذلك الجمع رب العالمين. فلو اجتمع أربعون مؤمن ودعوا ربهم، لقضيت حوائجهم؛ فكيف إذا كانوا أربعة آلاف؟

ولا ينبغي مع ذلك أن تفوت على نفسك الدعوة في الخلوات في ليالي القدر المباركة. لا تتوقع من نفسك أن تكون من الباكين الخاشعين طوال ليلة القدر من المغرب حتى مطلع الفجر؛ بل حسبك الدقائق الذهبية. وأعني بتلك الدقائق التي تجد نفسك فيها في لحظة اتصال بعالم الغيب، وعلامتها الرقة. فكما روي: (إِذَا اِقْشَعَرَّ جِلْدُكَ وَ دَمَعَتْ عَيْنَاكَ وَ وَجِلَ قَلْبُكَ فَدُونَكَ دُونَكَ فَقَدْ قُصِدَ قَصْدُكَ)[٨]

ما سر طلب العافية في ليالي القدر؟

لقد ورد في الرويات الشريفة الحث عالى طلب العافية. وإن طلب العافية من أهم ما يطلبه العبد من ربه مطلقا، ولهذا نقرأ مما نقرأ في السجود: يا ولي العافية، نسألك العافية. فالعافية هي أهم ما يُمكن الإنسان من التفرغ لللعبادة وطلب الخير.

خير ما تطلب في هذه الليالي

هب أنك اليوم في أحسن أحوالك المعنوية ولكن هل تضمن حالك في أخريات عمرك؟ ألم يكن الخوارج ممن قاتلوا يوما ما مع أمير المؤمنين (ع) في حرب صفين؟ ألم يُصب شمر بن ذي الجوشن في تلك المعركة؟ ولكن ارتد في نهاية المطاف وحاد عن خط الولاية. ثم إننا في زمان يخشى الإنسان فيه على دينه مع انتشار لوسائل التواصل وكثرة أصدقاء السوء. قد يقول الرجل الذي بلغ من العمر ستين سنة مثلا: لقد أمضيت هذه السنوات من عمري في طاعة الله وعبادته ولا أظنه خاذلي في أخريات حياتي، ولكن ماذا عن الشباب اليوم؟ كيف سيقضي هذا الشاب المحاط بالمغريات وبمواقع التواصل الاجتماعي عمره وكيف سيكون في الستين من عمره؟ لا نعلم ماذا سيحل بهذا الجيل؟ ولذلك ينبغي للمؤمن في ليالي القدر أن يخصص من دعواته لأولاده فيسأل الله عز وجل ألا يكون في ذريته عاصيا لله معاديا لأوليائه.

[١] علل الشرایع  ج١ ص٨١.
[٢] تحف العقول  ج١ ص٢٩٦.
[٣] بحار الأنوار  ج٨٩ ص١٠٧.
[٤] سورة طه: ١٧.
[٥] سورة طه: ١٨.
[٦] الافتتاح – مفاتيح الجنان.
[٧]سورة البقرة: ٢٦٠.
[٨] الخصال  ج١ ص٨١.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • هب أنك اليوم في أحسن أحوالك المعنوية ولكن هل تضمن حالك في أخريات عمرك؟ ألم يكن الخوارج ممن قاتلوا يوما ما مع أمير المؤمنين (ع) في حرب صفين؟ ألم يُصب شمر بن ذي الجوشن في تلك المعركة؟ ولكن ارتد في نهاية المطاف وحاد عن خط الولاية. فالأمور بخواتيمهما.
  • لابد وفي نهاية شهر رمضان المبارك؛ أن يسأل كل واحد منا نفسه: هل صمت وقُمت كما ينبغي؟ لو تأمل كل واحد منا في واقعه، وجد أن التقصير يلفه ولابد من التعويض في الأيام الأخيرة. هناك فرصة في منتصف الشهر الكريم لأن يقف الإنسان مع نفسه لينظر ماذا فعل في النصف الأول من هذا الشهر.
  • يُقال في الوقفة التشهدية في منتصف الصلاة الرباعية، أنها مرحلة محاسبة للركعتين السابقتين إجمالا واستعداد للركعتين الآتيتين؛ فهي بعبارة أخرى: محطة من محطات التأمل. وليكن النصف من شهر رمضان المبارك كذلك محطة من محطات التأمل في الأيام السابقة والاستعداد للأيام اللاحقة.
Layer-5.png