• ThePlus Audio
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

الذاكر المحترف في دعاء كميل

بسم الله الرحمن الرحيم

دعاء كميل شاهد على أحقية أمير المؤمنين (عليه السلام)

إن كانت هنالك كلمات أو خطبة أو دعاء يعكس قرب أمير المؤمنين (ع) من ربه؛ فهو دعاء كميل. إن هذا الدعاء الشريف يتضمن من المعاني التي لم تُنقل على لسان أحد من أصحاب النبي (ص)، حتى قال البعض: إنه أدل دليل على وصاية أمير المؤمنين (ع) وأولويته بالخلافة. فأي صحابي نُقل عنه ما يقرب من هذه المضامين الراقية؟ نعم قد يُنقل عن البعض جملة أو جملتين؛ ولكن منه دعاء طويل كهذا الدعاء فيه ما فيه من المعاني السامية والمفاهيم الراقية؟

وكم هي الشروح التي كُتبت حول هذا الدعاء ولم تستوف حقه…! لقد حام الشراح حول هذا اليم الزاخر ولكنه لم يغوصوا في أعماقه ولم يستطيعوا الوصول إلى المعاني التي انضم عليها صدر علي (ع). نعم، قد تقف أمام البحر فيحول بينك وبينه حائل من زجاج وفيه فتحة صغيرة، لا يكون نصيبك منه إلا القطرات التي تخرج من هذه الفتحة. وشتان بين البحر وبين هذه القطرات…!

دعاء كميل قطرات من بحر قلب علي (عليه السلام)

إن قلب علي (ع) قلب يموج بالمعاني وقلبه (ع) كالبحر الذي يمده من بعده سبعة أبحر من المعاني؛ فقد فتح له النبي (ص) ألف باب من العلم يُفتح من كل باب ألف باب. وهذه العلوم تلازمها مشاعر ومعاني، وهي ليست علماً مرتسما في الذهن. إن هذه العلوم، علوم تورث الخشية، وهي مما قال سبحانه: (إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَـٰٓؤُاْۗ)[١]. فيُمكن القول: إن النبي الأكرم (ص) قد فتح لعلي (ص) ألف باب من الخشية يُفتح من كل باب ألف باب؛ فالعلم النبوي يلازم الخشية وقلب علي (ص) يموج بهذه المعاني الإلهية التي ترشح منه بعض القطرات في دعاء كميل وفي دعاء الصباح وفي المناجاة الشعبانية. إنها أدعية ثلاثة متميزة منسوبة إلى أمير المؤمنين (ع)، وإن كان النصيب الأكبر من الأدعية لحفيده الإمام زين العابدين (ع).

إن هذه المعاني كانت تحتبس في صدره الشريف، فيغشى عليه، فيراه أبو الدرداء في تلك الحالة ويُهرع إلى دار فاطمة (س) فيُخبرها بموت علي (ع). ولكن لم تستغرب السيدة فاطمة (ع) من الخبر وقد اعتادت على هذه الغشية التي تعتريه من خشية الله عز وجل وتُبين له أنها حالات طبيعية عند أمير المؤمنين (ع).

كيف نتقرب إلى الله بالذكر؟

من فقرات هذا الدعاء العظيم قول أمير المؤمنين (ع): (اَللَّهُمَّ إِنِّي أَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ بِذِكْرِكَ)[٢]. وهنا لابد من الإشارة إلى ذكرين؛ قلبي ولساني. الكثير منا يخلط بين الذكر القلبي والتلفظ اللساني؛ فالتلفظ شيء والذكر شيء آخر. إن التلفظ إن لم يعكس معنى باطنيا، فهو لفظ مجرد، وهو تلفظ بالدعاء لا الدعاء نفسه؛ وقد أمرنا بالدعاء لا بقراءة الدعاء فقد قال عز وجل: (ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ)[٣]. فالذي يقرأ الدعاء ولا يدعو؛ لا يستجاب له ولو قرأ الدعاء بصوت جميل في جمع غفير وسمعه الآلاف من الناس.

ذكر الفك وذكر القلب

ولذا يقول (ع): (أَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ بِذِكْرِكَ)؛ فهو لا يُشير إلى تقرب مكاني وإنما يُشير إلى تقرب معنائي، لأن الذكر من عالم المعاني وإن كانت الكلمات من صنع الفك واللسان والأوتار الصوتية. فما هي علاقة هذه الحركة في الرأس التي ينتج منها الصوت، بالقرب إلى الله عز وجل؟ هل الحركة في الأوتار أو تحريك الشفتين أو اللسان، تُقربك إلى الله عز وجل؟ وتأمل في المعاني الكثيرة التي فهمناها من هذه الجملة الصغيرة؛ فكم يفهم منها كبار القوم أو أولاد المعصومين (ع)؟

الله هو شفيعك إلى الله

ثم يقول (ع): (وَأَسْتَشْفِعُ بِكَ إِلَى نَفْسِكَ)[٤]. إننا تارة نستشفع بأولياء الله عز وجل ونجعلهم بيننا وبين الله وهو أمر مسلم. فإن أئمتنا (ع) هم الذريعة إلى الله عز وجل والحبل المتصل بين الأرض والسماء وهم الذين عناه بقوله: (يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱبۡتَغُوٓاْ إِلَيۡهِ ٱلۡوَسِيلَةَ)[٥]. وتارة نجعل بيننا وبين الله نفسه، وكأنني أخاطب الله قائلا: يا رب، أنت الوسيلة، وأنا فار منك إليك. ولله سبحانه هو الشفيع وهو المشفع، وهو الطريق وهو الغاية والسبيل والهدف، وهو من تتحد فيه كل هذه المعاني.

أعلم أنني لا أستحق ما أطلبه…!

ثم يقول (ع): (وَأَسْأَلُكَ بِجُودِكَ)[٦]؛ أي بفضلك لا بعدلك. فإنني لو سألتك بعدلك، أعرف أنني محروم لأنني لا أستحق منك شيئا؛ ولكنني ألجأ إلى جودك وفضلك. إنني أعلم يا إلهي بضيق الإناء وبعدم طهارته، وإني أطلب منك توسيعه وتطهيره. وماذا تُريد بعد ذلك؟ أريد يا رب: (أَنْ تُدْنِيَنِي مِنْ قُرْبِكَ وَأَنْ تُوزِعَنِي شُكْرَكَ وَأَنْ تُلْهِمَنِي ذِكْرَكَ)[٧].

إن تأملنا في هذه الفقرات يكشف لنا، أنه (ع) لا يطلب شيئا من أمور الدنيا أبدا؛ فلا يريد مالا ولا زوجة ولا ذرية ولا ما شابه ذلك. إن الطلبات كلها معنوية من القرب والشكر والذكر. ثم إن الإمام (ع) يُشير إلى نقطة جديرة بالتأمل وهي: ألا يتكلف العبد الذكر وإنما يُلهم به إلهاما. إنه لا يُريد أن يكون كالصبي أول أيام المشي؛ حيث يمشي خطوتين ثم يسقط ثم يقوم ثم يسقط وهكذا، وإنما يريد أن يكون من كبار العدائين…!

الذاكر المحترف…!

إن المبتدئ في الذكر هو الذي يذكر الله فينسى ثم يذكر تارة أخرى، ولكن محترف الذكر هو الذي أصبح الذكر متغلغلا في أعماق وجوده. والذكر له كالهواء الذي يستنشقه؛ أفهل رأيت إنسانا ينسى الاستنشاق؟ بمجرد التوقف عن الاستنشاق، يشعر بضيق شديد، فيستنشق الهواء سريعا حفاظا على حياته، وكذلك هو الذاكر الحقيقي. يصل العبد إلى درجة إذا انقطع عن الذكر لشغل شاغل أو لملهاة، يكاد يموت قلبه الباطني وينقطع عنه النفس وقد قال عز وجل: (إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ إِذَا مَسَّهُمۡ طَـٰٓئِفࣱ مِّنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبۡصِرُونَ)[٨].

[١] سورة فاطر: ٢٨.
[٢] مفاتيح الجنان.
[٣] سورة غافر: ٦٠.
[٤] مفاتيح الجنان.
[٥] سورة المائدة: ٣٥.
[٦] مفاتيح الجنان.
[٧] مفاتيح الجنان.
[٨] سورة الأعراف: ٢٠١.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن كانت هنالك كلمات أو خطبة أو دعاء يعكس قرب أمير المؤمنين (ع) من ربه؛ فهو دعاء كميل. إن هذا الدعاء الشريف يتضمن من المعاني التي لم تُنقل على لسان أحد من أصحاب النبي (ص)، حتى قال البعض: إنه أدل دليل على وصاية أمير المؤمنين (ع) وأولويته بالخلافة.
  • إن المبتدئ في الذكر هو الذي يذكر الله فينسى ثم يذكر تارة أخرى، ولكن محترف الذكر هو الذي أصبح الذكر متغلغلا في أعماق وجوده. والذكر له كالهواء الذي يستنشقه؛ أفهل رأيت إنسانا ينسى الاستنشاق؟ بمجرد التوقف عن الاستنشاق، يشعر بضيق شديد، فيستنشق الهواء حفاظا على حياته وكذلك هو الذاكر.
Layer-5.png