• ThePlus Audio
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

التكافل الاجتماعي في الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

حزن في يوم فرح…!

إن الإنسان عادة ما يعيش فرحا وسرورا في عيد الفطر لا يشعر به في عيدي الغدير والأضحى وذلك أنه قد صام شهرا كاملا وقضى ما عليه من صيام وقيام. فهو سيخرج مع عائلته في أفضل الثياب ويحتفل مع الأهل والأصدقاء بهذا العيد وإذا به يطالب بأن يندب إمام زمانه (عج) في ذلك اليوم ويُردد في يوم سروره الكلمات الحزينة التي وردت في هذا الدعاء كـ (أَيْنَ اَلطَّالِبُ بِدَمِ اَلْمَقْتُولِ بِكَرْبَلاَءَ)[١]. وكأنه يراد من الموالي المنتظر في زمان الغيبة أن يعيش فقد إمام زمانه (عج) في أعياده. وكذلك المؤمن في موسم الحج؛ حيث يرى كل أحد إلا أمير الحاج، ولذا يقول: (عَزِيزٌ عَلَيَّ أَنْ أَرَى اَلْخَلْقَ وَأَنْتَ لاَ تُرَى). وهو عندما يصلي صلاة العيد في يوم فطره يصلي خجلا من إمام زمانه (عج) ألا يكون هو الإمام لهذه الجماعات.

ولذا يجدر بالمؤمن أن يشعر بفقد إمام زمانه (عج) ويستشعر غيبته قبل أن يهنئ الآخرين ويتمثل ما روي عن الإمام الصادق (ع):

لِكُلِّ أُنَاسٍ دَوْلَةٌ يَرْقُبُونَهَا
وَدَوْلَتُنَا فِي آخِرِ اَلدَّهْرِ تَظْهَرُ

وهناك بعض القصص التي تدل على أن الإمام (عج) في زمان الغيبة يعيش الحزن الشديد أولا: على ما جرى على آبائه الكرام (ع) حيث يرى ما قايسوا من ظلم وما تجرعوا من غصص ماثلا أمامه و رؤيته تختلف عن سماعنا لتلك المصائب. وثانيا: على تعرض له شيعته منذ غيبته إلى يومنا هذا. فكم مرت عليه من المجازر المروعة التي دونها التاريخ كالجرائم التي ارتكبها جنكيزخان وأمثاله من القتلة والمجرمين.

أين أنت عن شرح هذا الدعاء؟

لقد قام أحد الإخوة المؤمنين بتحقيق مضامين هذا الدعاء وأورد فيه ما يؤيد فقراته من الكتاب والسنة. ولا يحتاج المؤمن إلى التحقيق في سند هذا الدعاء، بعد أن يجد أن لكل فقرة من فقراته شاهدا في القرآن الكريم وروايات أهل البيت (ع). فدع المناقشات جانبا وتدبر في المضامين الاعتقادية وما فيه من عبرات مشجية وما يتضمن من مناجاة وإثارات عاطفية. فهو دعاء لو نظرت إليه بإنصاف وجدته برنامج متكاملا.

هل طلبت علامة القبول؟

ولا أجد غضاضة في أن يطلب المؤمن علامة القبول بعد انتهاء الشهر الفضيل. وقد طلب إبراهيم الخليل (ع) من ربه علامة فقال: (رَبِّ أَرِنِي كَيۡفَ تُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰۖ قَالَ أَوَلَمۡ تُؤۡمِنۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطۡمَئِنَّ قَلۡبِي)[٢]. ولكن إياك والدخول في عالم الوهم والخيال والمنام. فلا ينبغي أن تعتبر المنام علامة حتى لو ظننت أنك قد رأيت المعصوم في منامك؟ من قال أن الذي رأيته هو المعصوم؟ إن من رآه في اليقظة يستطيع أن يتأكد مما رآه لا من لم يره في حياته. قد يقول قائل: إنه قد وقع في قلبه أنه هو الإمام، فأقول: نعم، قد يكون مناما مبشرا ولكن لا ينبغي الجزم به. لا يُمكن أن يعصي أحدنا ربه طوال الليل ثم يمسح ذلك بمنام رآه…! لابد من أن تكون العلامة حقيقية وجدانية. كيف يعرف الزارع أنه قد نجح في زرعه؟ عندما يرى البذور قد نبتت وأورقت وأثمرت. فعندما يرى المحصول يطمئن بالنتيجة.

زيارة الرحم الكاشح

ومن معالم العيد؛ زيارة الأهل والأرحام بنية صادقة. وذلك ألا تكون الزيارة للأرحام الذين تُحبهم وتأنس بهم فحسب؛ بل تزور كل الأرحام ممن ينسجمون معك وممن لا ينسجمون. ففي الحالة الأولى ليس الهدف صلة الرحم وإنما التسلية والأنس وقضاء وقت ممتع. أما في الحالة الثانية التي تزور فيها الرحم الكاشح الذي لا تنسجم معه،  فإنما تكون نيتك في الحقيقة زيارة الرحم لا تكون لك نية أخرة. ولذا أقول: لو خيرت بين رحمين؛ رحم كاشح معرض، ورحم ودود مقبل عليك، تجمعكما علاقة طيبة، فاختر الكاشح ففيه الثواب الأعظم.

ونستخلص من ذلك قاعدة عامة تكون أساسا في عقد الصفقة مع الله عز وجل وإن كان ثقيلة صعبة لا يستطيعها كل أحد، وهي ما روي عن أئمة أهل البيت (ع): (تَصِلُ مَنْ قَطَعَكَ وَتُعْطِي مَنْ حَرَمَكَ وَتَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَكَ)[٣].

بهذه النية صل رحمك

إن صلة الرحم لوجه الله، من موجبات خرق الحجب والوصول إلى عالم العرش. لقد خرج موسى (ع) من المدينة خائفاً يترقب وكان مع ذلك جائعا لا يجد طعاما يأكله؛ فسقى للبنتين ودعا ثمة ربه. فجاءته إحداهما تطلب منه الذهب معها ليتلقى الأجر من والدها على ما فعل. ولما دخل على شعيب وهو نبي من أنبياء الله دعاه إلى الطعام فقال: لا آكل طعامك. فسأله عن سبب ذلك فقال: إن طعام الأنبياء في أعلى درجات الحلية وأنا لا أريد أن يكون هذا الطعام أجر ما سقيت لابنتيك. فلم يشأ أن يستثمر عمله وإن كان قد أعياه الجوع والتعب.

فلتكن أولا: صلتك للأرحام خالصة لوجه الله عز وجل، كما أخلص موسى (ع) في سقيه لابنتي شعيب (ع) ولا تكن نيتك الذهاب لتناول طعام شهي أو حلوى لذيذة.

صلة الرحم البنائة

ثانيا: لتكن صلتك سببا لتغيير الموصول إذا كان مبتلى بمعصية أو مرض باطني ولا تكن صلتك خالية من موعظة شافية أو كلمة طيبة. ما أجدر بالمؤمنة التي تزور أرحامها من النساء اللواتي لا يلتزمن بالحجاب، أن تنبههن إلى ذلك بكلمة طيبة ولا يكن همه السلام والكلام المتعارف بين الرحام. هل صلة الرحم أن تذهب وتأكل وتشرب يوم العيد ثم تخرج من دون أن تأمر بمعروف أو تنهى عن منكر؟ إن البعض من المؤمنين يمن على الله ورسوله أن زار عشرة أو عشرين من أرحامه بأن يجلس عند كل واحد منهم خمس دقائق، ولكنه لو زار واحدا وأثرت زيارته عليه وغيرت من مجرى حياته لكان خيرا له من زيارة العشرين.

الحذر من سم اليأس من روح الله

ولكن لا ينبغي أن ييأس المؤمن الشاب من رحمة الله عز وجل. نعم، إن للشباب فورة وسكرة كسرة الخمر والرئاسة، فتزل لذلك قدمه في بعض المواقف بعد شهر رمضان المبارك، ولكن لا ينبغي أن يؤدي ذلك به إلى البأس من روح الله عز وجل ما دام قد وُفق للصيام وإحياء ليالي القدر التي هي منصة للانطلاق نحو عالم أفضل وأرحم. لقد روي عن الإمام الباقر (ع) أنه قال: (مَا ثَبَّتَ اَللَّهُ تَعَالَى حُبَّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي قَلْبِ أَحَدٍ فَزَلَّتْ لَهُ قَدَمٌ إِلاَّ ثَبَتَتْ لَهُ أُخْرَى)[٤]. فأن يكون الإنسان مستقيما سليم العقيدة محبا لأهل البيت (ع) فتزل له قدم في بعض المواقف خاصة فيما يتعلق بحقوق الخالق؛ فإن الله سبحانه غفور رحيم.

إن ذنوب الشباب عادة ما تكون معصية نظر أو استماع إلى محرم أو تكلم ببطال وما شابه ذلك وهي تختلف عن المعاملات المحرمة الربوية والغش في المعاملة وأكل حق الناس التي عادة ما يقوم بها كبار السن. وما على ذلك على الله عز وجل أن يغفر أمثال هذه الذنوب بركعتين خاشعتين يتوب فيهما المؤمن إلى ربه توبة نصوحا؟ إذا اغتسل المؤمن غسل التوبة وصلى لله ركعتين ولهج في سجوده بالذكر اليونسي فلا نستبعد أن يغفر الله عز وجل له ذنوب خمسين أو ستين سنة بتلك السجدة مع العزم على عدم العود والندامة والتوبة الصادقة.

مجرد الصيام كافٍ لك…!

ولا ينبغي الاستهانة بالصيام في شهر رمضان المبارك. يكفي أنك وفقت للصيام في هذا لاشهر وبتعبير أحد العلماء: إنني في شهر رمضان المبارك لم أنجز عملاً علميا، لأن الصيام إنجاز في حد نفسه. والملفت أنك ترى بعض تاركي الصلاة وبعض العاصين في شهر رمضان المبارك من الصائمين حتى في بلاد الغرب التي يطول فيها النهار ويصل إلى قرابة عشرين ساعة. وأقول لهؤلاء: ما دمت صمت في هذا الشهر الكريم، لماذا لا ترجع إلى الله عز وجل رجوعاً جاداً؟ أيها الشاب، لا تحتاج إلا إلى همة من همم الملوك والشاب إذا عزم على شيء فإنه قادر على الاستمرار بفضل هذه العزيمة الشبابية.

لا يكن المشرك أفضل منك في الإنفاق…!

وإن من المسائل التي يهتم بها المؤمن كثيرا؛ الإنفاق في سبيل الله عز وجل. إننا نجد بعض أهل الكتاب وبعض الكفار والمشركين يتصدقون بأموالهم بدوافع إنسانية وقد يرحم الله البعض من الكرماء من أجل ذلك وقد أثنى النبي (ص) على كرم حاتم الطائي وقدر فعله الكريم. فإذا كان الكرم الذي يكون دافعه إنسانيا بحتا ممحودا عند الشارع؛ فكيف إذا كان بدافع إلهي رباني؟

إنفاقٌ يخرج الحجب…!

لو وجدت فقيرا يتيما مسكينا لا يملك قوت سنته وكان مع ذلك من ذرية الرسول (ص) وكان والده شهيدا نال شرف الشهادة في جبهات القتال وصادف أن يكون ابن سبيل مثلا قد انقطع في بلد غريب وتقطعت به السبل، فأنفقت عليه، لجمعت في إنفاقك عليه خمسة عناوين للبر. وإنني أعتقد أنك لو وضعت في فمه قطعة من الحلوى لخرقت بها الحجب…!

هؤلاء أولى بالبر والإنفاق من غيرهم

وينبغي للمؤمن البحث عن هؤلاء ولا ينتظر مجيئهم وطلبهم منه. قد يكون الرجل مكفيا ولكن تطرأ على المجتمع أزمة اجتماعية فينزل مرتبة دون الكفاف. ماذا يصنع أصحاب الرواتب الثابتة في هذه الأزمات؟ ليس هو من التجار حتى يرفع أسعار بضاعته مع ارتفاع الأسعار؛ بل هو ممن يُنصفون بأصحاب الدخل المحدود. إن هؤلاء يُعدون من الفقراء شرعا. ليس الفقير من يستجدي على أبواب المساجد وفي الأسواق فحسب؛ بل إن منهم من قال الله عز وجل عنهم: (لِلۡفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحۡصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لَا يَسۡتَطِيعُونَ ضَرۡبࣰا فِي ٱلۡأَرۡضِ يَحۡسَبُهُمُ ٱلۡجَاهِلُ أَغۡنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعۡرِفُهُم بِسِيمَٰهُمۡ لَا يَسۡـَٔلُونَ ٱلنَّاسَ إِلۡحَافࣰاۗ)[٥]. وهؤلاء أولى بالبر ممن يسأل بكفه؛ فالسائل بكفه مذموم في الروايات الشريفة.

التأسي بأئمتنا (عليهم السلام) في التكافل الاجتماعي

إن التكافل الاجتماعي هو ألا تجعل الشخص يبادر إلى الطلب فذلك خلاف ما أدبنا عليه أئمتنا (ع). إنهم (ع) كانوا يعطون الرجل من وراء الباب لئلا يروا انكسار السائل. ولقد وجدوا آثارا على ظهر سيد الشهداء (ع) تختلف عن آثار الجراح والسنان فسألوا الإمام زين العابدين (ع) عن ذلك فقال (ع): (هَذَا مِمَّا كَانَ يَنْقُلُ اَلْجِرَابَ عَلَى ظَهْرِهِ إِلَى مَنَازِلِ اَلْأَرَامِلِ وَ اَلْيَتَامَى وَ اَلْمَسَاكِينِ)[٦]. إن ليلة من ليالي سيد الشهداء (ع) كانت تعادل الدنيا وما فيها ولكنه كان يخرج فيها بنفسه ويحمل الطعام على ظهره ويتفقد الفقراء في المدينة.

يُقال في المثل العربي: يداك أوكتا وفوك نفخ[٧]، وهذا المثل ينطبق على صاحب المعاصي الكثيرة حيث تتسرب منه بركات أعماله بالمعاصي التي يرتكبها؛ فهو يكتسب من جانب ويضيع من جانب آخر. متى نستطيع ترك المعصية؟ هل نستطيع ذلك من خلال الاستماع إلى الخطب والمواعظ؟ إنك لا تترك الحرام إلا إذا رأيت ملكوت الحرام؛ فعندها تشمئز من الحرام. فهل يغتاب أحدا من رأى ملكوت الغيبة التي وصفها القرآن الكريم بأنها أكل لحم الميتة؟

[١] مفاتیح الجنان.
[٢] سورة البقرة: ٢٦٠.
[٣] الکافي  ج٢ ص١٠٧.
[٤] كشف الغمة  ج١ ص٣٨٨.
[٥] سورة البقرة: ٢٧٣.
[٦] بحار الأنوار  ج٤٤ ص١٩٠.
[٧] يُضرب هذا المثَلُ لِمَن كان سبب هلاكه مِنْه.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن التكافل الاجتماعي هو ألا تجعل الشخص يبادر إلى الطلب فذلك خلاف ما أدبنا عليه أئمتنا (ع). إنهم (ع) كانوا يعطون السائل من وراء الباب لئلا يروا انكساره.
  • لو وجدت فقيرا يتيما مسكينا لا يملك قوت سنته وكان مع ذلك من ذرية الرسول (ص) وكان والده شهيدا نال شرف الشهادة في جبهات القتال وصادف أن يكون ابن سبيل مثلا قد انقطع في بلد غريب وتقطعت به السبل، فأنفقت عليه، لجمعت في إنفاقك عليه خمسة عناوين للبر.
Layer-5.png