Search
Close this search box.
  • البلوغ الروحی فی مناجاة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

البلوغ الروحی فی مناجاة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)

بسم الله الرحمن الرحيم

السهو والغفلة وسكر الشباب في مناجاة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)

حديثنا حول المناجاة الخالدة لأمير المؤمنين (ع). تلك الشخصية التي هي جامعة للأضداد. ففي جوف الليل كان يلهج بهكذا مناجاة وفي النهار كانت معروفة بطولته وشجاعته. وكما قال الشاعر:

جمعت في صفاتك الأضداد
ولهذا عزت لك الأنداد

إن الإمام (ع) يشير في مناجاته إلى فناء العمر في الغفلة والسهو. إن المؤمن إذا لم يعمل على تغيير واقعه؛ فلن يتغير. وكما قرأنا في الفيزياء هذه النظرية المعروفة: أن الجسم يميل إلى السكون ما لم يُحرك. فالحجر ثابت على قمة جبل لملايين السنين، ولولا العواصف والزلازل لم يتحرك من موضعه. إن الكسول المتقاعس؛ لا يتقدم في مسيرته إلى الله عز وجل.

إن الإنسان بشكل عام في خسر كما قال سبحانه: (وَٱلۡعَصۡرِ * إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ)[١]؛ ولكن يتضاعف هذا الخسران وتشتد الغفلة والسكر في مرحلة الشباب. إنك تجد الرجل كبير السن غافلا؛ ولكنه مع ذلك يتحسر على أيام شبابه، وعلى فوات الفرص. والشاب لا يلتفت إلى الفرص، ولذلك يقول إمامنا في الدعاء: (قَدْ أَفْنَيْتُ عُمُرِي فِي شِرَّةِ اَلسَّهْوِ عَنْكَ وَأَبْلَيْتُ شَبَابِي فِي سَكْرَةِ اَلتَّبَاعُدِ مِنْكَ)[٢]؛ فليست الخمرة هي التي توجب السكر فقط؛ فالمال والجاه والشباب لها سكرها.

النظرة الجوهرية

ومن دعائه (ع) قوله: (اُنْظُرْ إِلَيَّ نَظَرَ مَنْ نَادَيْتَهُ فَأَجَابَكَ)[٣]. إن هذه النظرة الإلهية هي نظرة جوهرية؛ فهو سبحانه قبل نذر أم مريم وأنبتها نباتاً حسناً وكفلها زكريا بهذه النظرة. إذا نظر إليك رب العالمين؛ فعندئذ يجتبيك ويستخلصك لنفسه. فحاول أن تدخل دائرة الجذب الإلهي لكي لا تحتاج إلى جهد كثير للرقي والصعود؛ كما لا يحتاج من دخل دوامة إلى جهد للغرق، فهي تدور به، وتسلبه الاختيار…! وكما أننا نجد دوامات في عالم الشر؛ فثم دوامات في عالم الخير. إنك إن دخلت دوامة اللطف الإلهي ودوامة الجاذبية الإلهية؛ فسيرفعك سبحانه إلى أعلى العليين.

الطفرة في عالم الأرواح والبلوغ الفجائي

إننا لا نستطيع أن نطوي مراحل العمر ونبلغ مثلا بين ليلة وضحاها. هل رأيتم طفلاً في بلغ في ليلة واحدة؟ إلا أننا في عالم الأرواح يمكننا أن نبلغ في ليلة واحدة. بإمكان أحدنا أن يُصبح بالغاً رشيداً متكاملاً؛ بعد أن كان طفلاً مراهقاً في ليلة واحدة؛ كما حدث ذلك لبشر الحافي الذي بلغ بنظرة ولائية من موسى بن جعفر (ع). وكما بلغ الحر بن يزيد في لحظات؛ فصار من خيار الأصحاب. هناك في عالم الأرواح طفرة وهذه لا تحصل إلا إذا نظر إليك رب العالمين. لقد أسري بالنبي (ص) فرأى في ليلة واحدة ما رأى، هو قوله سبحانه: (سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلٗا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِي بَٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنۡ ءَايَٰتِنَآۚ)[٤].

دور الشوق والحب في إتقان الأعمال

ومن دعائه (ع) قوله: (إِلَهِي هَبْ لِي قَلْباً يُدْنِيهِ مِنْكَ شَوْقُهُ). إن ما يقرب الإنسان إلى الله عز وجل؛ الشوق إليه. وقد ذكر (ع) في هذا الدعاء عبارة أخرى مشابهة: (أَيْقَظْتَنِي لِمَحَبَّتِكَ)؛ فلولا الشوق والمحبة لتكلف الإنسان العبادة تكلفا. ولهذا نرى البعض يذهب إلى الحج مرة واحدة إسقاطا للتكليف، والبعض يتمنى ليلة العيد أن يثبت الهلال ليرتاح من ثقل الصوم وهكذا. إن المشتاق إلى ربه المحب له؛ يسعى سعياً حثيثاً إلى درجة يصل فيها إلى ما وصفه إمامنا زين العابدين (ع) في مناجاته: (أَسْتَغْفِرُكَ مِنْ كُلِّ لَذَّةٍ بِغَيْرِ ذِكْرِكَ وَمِنْ كُلِّ رَاحَةٍ بِغَيْرِ أُنْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ سُرُورٍ بِغَيْرِ قُرْبِكَ)[٥].

مرحلة الوله بالذكر

ومن دعائه (ع) قوله: (إِلَهِي وَأَلْهِمْنِي وَلَهاً بِذِكْرِكَ إِلَى ذِكْرِكَ). هل الذي له وله بجمع المال يحتاج إلى حث وتحريض؟ هل تحتاج إلى أن تقول له: يا فلان تاجر وسافر؟ إنه بنفسه يذهب إلى الصين وإلى أبعد البلاد طلباً للمال، ولهذا روي عن النبي (ص) أنه قال: (مَنْهُومَانِ لاَ يَشْبَعَانِ طَالِبُ عِلْمٍ وَ طَالِبُ مَالٍ)[٦]. وكذلك الذي يسعى في طريق القرب منهوم لا يشبع. ألسنا نقرأ في الدعاء: (أَنَا مِنْ حُبِّكَ جَائِعٌ لاَ أَشْبَعُ أَنَا مِنْ حُبِّكَ ظَمْآنُ لاَ أَرْوَى)[٧]؟

إن الذي له هذا الوله في الذكر عندما يأخذ السبحة ليقول: سبحان الله؛ ليس همه آخر السبحة. ولذلك نرى لبعض المؤمنين عادة جميلة؛ ففي الليالي أول الأيام التي يُستحب فيها ذكر محدد بعدد محدد كذكر: استغفرالله وأسأله التوبة في شهر رجب أو الأذكار الواردة في شهر شعبان وهما من شهور الاستغفار؛ يقول: إنني لا أشبع من هذا الذكر إن قلته مئة مرة؛ فهو يأخذ السبحة ويبدأ بالذكر ساعة مثلا ويقول: يا رب، خذ منها مئة مرة مستحبة، والزيادة اجعلها شوقاً ورغبةً.

هل نطلب الأسماء الحسنى؟!

ومن دعائه (ع): (اِجْعَلْ هِمَّتِي إِلَى رَوْحِ نَجَاحِ أَسْمَائِكَ). إن هذه الجملة من الجمل المبهمة؛ ولن أفصل فيها كثيرا إلا أنني لا أستبعد أنه (ع) يطلب في هذه الفقرة من الدعاء أن يحقق الله سبحانه في وجوده مضامين الأسماء الحسنى. فهو يخاطب سبحانه ويقول: أنت الغفور؛ فاجعلني غافراً، وأنت الرحيم؛ فاجعلني رحيماً بعبادك، وأنت الكريم؛ فاجعلني جواداً كريماً وهكذا. إن المؤمن الكامل هو من انعكست في مرآت باطنه جمال الأسماء الحسنى.

[١] سورة العصر: ١-٢.
[٢] بحار الأنوار  ج٩١ ص٩٦.
[٣] زاد المعاد  ج١  ص٤٧.
[٤] سورة الإسراء: ١.
[٥] زاد المعاد  ج١ ص٤١٥
[٦] مجموعة ورّام  ج١ ص١٦٣.
[٧] بحار الأنوار  ج٩٤ ص٣٢٦.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن الذي له هذا الوله في الذكر ليس همه آخر السبحة. ولذلك نرى لبعض المؤمنين عادة جميلة؛ ففي الليالي أول الأيام التي يُستحب فيها ذكر محدد كالاستغفار في شهر رجب يأخذ السبحة ويبدأ بالذكر ساعة مثلا ويقول: يا رب خذ منها مئة مرة مستحبة والزيادة اجعلها شوقاً ورغبةً فإني لا أشبع من ذكرك.
Layer-5.png