البحث عن السعادة وراحة البال
بسم الله الرحمن الرحيم
البحث عن السعادة والراحة
إن البحث عن الراحة والسعادة والاطمئنان بغية الجميع. يشتكي هذه الأيام بعض المؤمنين من وجود موجة – ولو بسيطة – من إنكار للمبدأ والمعاد والدعوة إلى الإلحاد وإنكار الدين وإلى آخر ذلك. لقد قلت لبعضهم: لا تغتروا بهذه الموجة؛ فليست لها جذور فكرية. إن البعض ينكر المبدأ والمعاد لكي يريح ضميره وحتى لا يؤنبه ضميره عندما يرتكب حراما ولا يريد أن يتذكر الحساب والقيامة وغير ذلك ليأخذ راحته.
إن الجميع في هذا الوجود يبحثون عن الراحة الباطنية كافرهم ومؤمنهم. إن أولياء الله عز وجل يبحثون عنها في جوف الليل، وقد قال سبحانه عنهم: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ)[١]. وقد يبحث الإنسان عن الراحة الباطنية ولو على حساب تعب البدن وخير مثال على ذلك ما نراه في موسم الحج؛ فلو خيرت المؤمن بين الحج وبين أرقى مصائف العالم؛ لما اختار الحج عليها. إن الحج فيه متعة باطنية وفيه يشعر المؤمن بالسعادة؛ بخلاف شم الهواء وأكل الفاكهة ومشاهدة المناظر الخلابة التي لا يدخل منها في الجوف شيء. إننا عند السفر إلى هذه البلاد نرى آثار رحمة الله عز وجل ولا نمنع من السفر إليها إلا أن الذي يسافر إلى هذه البلدان لا لغرض العلاج والدراس؛ ليعلم أنه في يوم العودة في المطار سينتهي كل شيء. سوف ينتهي الشهر الذي تقضيه والهواء العليل[٢] الذي تستنشقه والطيب من الطعام الذي تتناوله وستعود إلى المنزل وإلى الزوجة والأولاد والعمل ومشاكله وهم هم. وكن على ثقة أن الذي يريحك هو تغيير الباطن؛ وإلا فإن الذهاب من بلد إلى آخر لا يغير من واقعك كثيرا.
أين نجد راحة البال؟
لقد دعاني أحد المؤمنين إلى أجمل بقاع العالم في مكان ما وبعد أن انتهت زيارتي قلت: ما الذي أضاف إلي هذا المكان؟ هل دخل في جوفي من هذه المناظر شيء؟ إنه منظر مؤقت ننظر إليه ثم نرحل عنه. أما في قيام الليل فأنت تتحد مع عالم المبدأ؛ أي تتفاعل مع عالم الغيب، وتسجد وفي سجودك تغوص في عالم يدرك ولا يوصف.
حاول أن تبحث عن راحة الباطن وهدوء البال لا لذاته؛ فالبحث عن الراحة لذاتها يحرمنا شيئا من الأجر؛ أي أجر الابتلاء. بل ينبغي أن نعلم أن الراحة الباطنية وهدوء البال ينفعنا في علاقتنا مع الرب. فلو كنت اليوم في المستشفى أو كنت في خصومة مع زوجتك أو كنت مبتلى بولد عاق لما كنت الآن في المسجد. إن راحة البال نعمة للمؤمن؛ حيث يصلي وليس هناك شاغل يشغله؛ وإن كان إبليس لا يكف عن كيده للمؤمنين. إن البعض من المؤمنين لو نظرت إلى حياتهم لوجدتهم على ما يرام ولكن الشيطان يشغلهم بالأوهام ويخوفهم من المستقبل؛ فيقول: أخشى أن يصيبني المرض الفلاني. فهو يذهب إلى المستشفى لزيارة مريض ويقول: لعلني أيضا ابتلى بهذا المرض، وهو في خير وصحة وعافية وله دخل جيد. وقد سمعت عن بعض الغربيين أنهم يدخرون بعض الأطعمة في السراديب خوفا من قيام حرب عالمية ثالثة؛ فباب الوهم مفتوح دائما.
محاسبة النفس
ومن موجبات السعادة محاسبة النفس. فقد روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ سَعِدَ)[٣]. خذ وقفة بين وقت وآخر – لا أقول في اليوم والليلة مرة واحدة وإن كان هو الأفضل – في الشهر مرة أو في السنة مرة، وحاسب نفسك. لقد كنت جالساً مع أحد الموفقين – فالبعض في الحقيقة موفق وهو من غير أهل العلم؛ فالتوفيق له وجوه – وإذا به يشتكي من قلة توفيقاته..! يقول لي: يا فلان، إنني أشكو عمري الذي يذهب سدىً؛ فيا ليت الوقت يتسع وتصبح الأربع وعشرون ساعة ضعفها لعلني أنجز شيئا، فيدي فارقة. ويا للعجب..!
إنسان يقدم العطاء الكثير ويشتكي من الفقر الداخلي ومن البطالة؛ فكيف بالبطالين من الصباح إلى الليل الذين ليس في حياتهم إلا الأكل والشرب والنوم. لقد روي عن الإمام موسى بن جعفر (ع) أنه قال: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُحَاسِبْ نَفْسَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ)[٤]؛أي ليس من شيعتنا الخلص. فحاول قبل النوم أن تسبر أعماق نفسك وتعمل مسحاً ضوئياً لليل والنهار كله.
تصحيح الصورة الذهنية
إن في روايات أهل البيت (ع) ما لو سمعه علماء النفس الذين يبحثون عن السعادة والتنمية البشرية والبرمجة اللغوية العصبية وما شابه ذلك من المصطلحات لعلموا أن الخير كل الخير فيها. لقد روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (خُلُوُّ اَلصَّدْرِ مِنَ اَلْغِلِّ وَاَلْحَسَدِ مِنْ سَعَادَةِ اَلْعَبْدِ)[٥]. إن مشكلتنا نحن ليست مع الواقع وإنما مع الصورة الذهنية التي نرسمها للأشخاص في أذهاننا.
قد يتزوج الرجل امرأة معروفة بالصلاح في بيئتها أو تتزوج المرأة الرجل المعروف بالصلاح ولكن نرى مع ذلك بينهما الاختلاف والمشاكل ولذلك يعاتبهما الناس ويقولون: لماذا لا تعرفان قدر بعضكما البعض؟ وذلك أن المرأة لا تعامل الزوج الواقعي وإنما تتعامل مع الصورة التي رسمتها عنه وأنه أجمل رجال العالم لما سمعت منه ورأت من الغزل والعواطف الجياشة في شهر العسل. ثم إذا غضب عليها الرجل يوما أو لم ينفق عليها كما تحب مقتت عليه ومزقت الصورة الجميلة ورسمت له صورة أخرى قبيحة في ذهنها؛ كما يفعل الأطفال في المدارس حيث أنهم يرسمون أصدقائهم الذين غضبوا عليهم ولهم قرون ومخالب.
إن البعض منا هكذا هو حاله؛ فإذا غضب على أحدهم صوره على أنه إبليس رجيم. ومن الطبيعي للزوجة التي ترى زوجها كإبليس كيف يمكنها أن تعاشره؟ وقد يتفق الأمر مع الوالدين أو مع أحب الأشخاص؛ بل ومع كبار العلماء. فلماذا البعض يتجاسر على مراجع التقليد وعلى الصالحين؟ الكلام هو ذاته. إن الشيطان جعله يصور هذا الصالح المقدس بهذه الصورة القبيحة. إجعل صدرك نظيفاً وقلبك نقياً. ولذلك أمرنا بحسن الظن وأن نحمل فعل أخينا على سبعين محمل حتى تبقى صورته نقية في أذهاننا.
وَرُوِيَ: (أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَرَّ وَاَلْحَوَارِيُّونَ عَلَى جِيفَةِ كَلْبٍ فَقَالَ اَلْحَوَارِيُّونَ مَا أَنْتَنَ رِيحَ هَذَا – فَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَا أَشَدَّ بَيَاضَ أَسْنَانِهِ)[٦]؛ كن كذلك في معاشرتك لزوجتك، والله سبحانه يقول: (وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ)[٧]؛ فارسم صورة جميلة لزوجتك أو العكس ولا تنسيا تلك الأيام الجميلة بينكما. وقل: بين وقت وآخر – إن جائك إقبال في صلاة أو في طواف أو تحت قبة الحسين (ع): اللهم اجعل لي نوراً أمشي به في الناس وأرني الأشياء كما هي من دون زيادة أو نقصان.
خلاصة المحاضرة
- إن أولياء الله عز وجل يبحثون عن السعادة والراحة في جوف الليل، وقد قال سبحانه عنهم: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُم عنِ المَضاجِعِ يَدعُونَ رَبهُم) . وكثيرا ما تكون الراحة الباطنية على حساب تعب البدن وخير مثال على ذلك ما نراه في موسم الحج حيث لا يختار الحاج ما فيه على أرقى مصائف العالم.
- قد يتزوج الرجل امرأة معروفة بالصلاح في بيئتها أو تتزوج المرأة الرجل المعروف بالصلاح ولكن نرى مع ذلك بينهما الاختلاف والمشاكل ولذلك يعاتبهما الناس ويقولون: لماذا لا تعرفان قدر بعضكما البعض؟ وذلك أن المرأة لا تعامل الزوج الواقعي وإنما تتعامل مع الصورة التي رسمتها عنه وكذلك هو.