Search
Close this search box.
  • الاعتكاف أربعين يوما وليلة…!
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

الاعتكاف أربعين يوما وليلة…!

بسم الله الرحمن الرحيم

الاعتكاف الأربعيني

قد ينوي البعض الاعتكاف في أيام الاعتكاف في شهر رجب أو في شهر شعبان وفي غيرهما؛ فلا يوفق لظرف من الظروف. إلا أن بإمكان كل واحد منا يحول شهر رمضان المبارك إلى اعتكاف مستمر لثلاثين ليلة ويوم، ويعيش المشاعر التي يعيشها المعتكف في أيام وليال ثلاث. إلا أنه لا يُوفق لذلك إلا من هيئ نفسه وأعد العدة لهذا الاعتكاف المعنوي قبل شهر رمضان المبارك. إن لهذا الاعتكاف حكمته البالغة. فأولا؛ لم يُكلفنا الله بصيام شهر رمضان المبارك إلا وقد هيئنا في شهرين هما رجب وشعبان. إن الإنسان يقترب من هذا الجو المبارك تدريجياً.

على المؤمنين أن يغتنموا العشرة الأخيرة من شهر شعبان. اجعل شهر رمضانك هذا أربعينيةً بعنوان أربعينية التهذيب والتكامل. لقد كان بإمكان رب العالمين أن ينزل التورات والألواح على موسى (ع) في ليلة واحدة؛ كما أن الله عز وجل في المبعث الشريف في ليلة وفي يوم واحد أنزل القرآن على نبيه المصطفى (ص). إن القرآن نزل في ليلة القدر إنزال دفعيا في ليلة واحدة ثم نزل نجوماً[١] في ثلاث وعشرين سنة. ما المانع من أن رب العالمين ينزل التورات والألواح على موسى كليمه (ع) كما أنزل القرآن على النبي المصطفى (ص) دفعة واحدة؟ لقد جعل ذلك في أربعين ليلة، فقد قال سبحانه: (وَوَٰعَدۡنَا مُوسَىٰ ثَلَٰثِينَ لَيۡلَةٗ وَأَتۡمَمۡنَٰهَا بِعَشۡرٖ فَتَمَّ مِيقَٰتُ رَبِّهِۦٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗ)[٢].

التأكيد على الأربعين

وقد اتخذ البعض هذه الأربعينية ذريعة ودليلاً على أن المكوث هذه المدة في جو عبادي من موجبات التكامل الباطني. والله عز وجل قد بعث نبيه المصطفى بالنبوة في الأربعين من عمره؛ وكان بإمكان الرب سبحانه أن يبعث نبيه وهو في المهد كعيسى (ع) الذي كان يكلم الناس في المهد وكهلا. كان بإمكان رب العالمين أن يقدم الوحي النبوي عشرين سنة فيستضيئ الجاهليون بنور الإسلام قبيل هذه المرحلة بعشرين سنة. وهذه فترة مغتنمة فكانت البشرية عندها تنعم بالإسلام قبل ميعاده بعشرين سنة أو بثلاثين سنة أو بعشر سنوات ولكن الله عز وجل حكمته اقتضت ذلك.

قد تكون هذه الأربعينية ضرورية لترسيخ الملكات. لا يستطيع الإنسان في ليلة أو ليلتين أو في يوم ويومين أن يرسخ في نفسه الملكات. إن قيام ليلة في السنة هي كمن يصب الماء على أرض رملية جدباء؛ لا تسمن ولا تغني؛ ولكن الذي واظب أربعين ليلة على قيام الليل وعلى تلاوة القرآن والصلاة والإلتزام أصبحت هذه الأمور راسخة في نفسه. أضف إلى شهر رمضان عشرة من شهر شوال واجعلها أربعينية تكامل لا أربعينية الصيام المجرد. عاهد ربك في هذه الفترة أن تقوم ليلك وتصوم نهارك وألا تعصيه جهدك. هل ممكن هذا؟ نعم، ممكن. بعزمة من عزمات الملوك في شهر رمضان يصل المؤمن إلى هذا المقام. يقول: يا رب، أريد أن أكون عادلاً في شهر رمضان على الأقل. إن الإنسان إذا استطاع أن يكون عادلاً في شهر؛ استطاع ذلك في جميع شهور السنة.

تأثير الأربعينية على ما بعدها من الأيام

إنه بعد هذه العدالة المؤقتة لن يرجع إلى المعصية، ولا يستذوق الحرام بل يتبرم من نفسه ومما كان يصدر منه قبل الأربعينية، ويتذكر ما كان عليه في الربيع أو في جمادى من الأشهر السابقة. إن الخوف من أن يرجع إلى ما كان عليه سابقاً يجعله يبتعد عن المعصية. ولهذا ورد في الدعاء: (وَلاَ تَرُدَّنِي فِي سُوءٍ اِسْتَنْقَذْتَنِي مِنْهُ)[٣]. يقول: يا رب، لقد أخرجتني في شهر رمضان من ذلك الجو المظلم؛ فلا ترجعني إلى ذلك الجو ولا تسلب مني صالح ما أعطيتني أبدا. فلا تسلب مني في شهر شوال وما بعد شوال الأنوار التي اكتسبتها في شهر رمضان المبارك.

لقد روي أن: (اَلْحَاجُّ لاَ يَزَالُ عَلَيْهِ نُورُ اَلْحَجِّ مَا لَمْ يُلِمَّ بِذَنْبٍ)[٤]. إن هذا النور الذي يكسبه الإنسان من العبادات نور فرار، وهو بحاجة إلى زيت ووقود لكي يبقى مشتعلا؛ فإذا ما انتهى الوقود أو الزيت انتهت الإضائة وبقي صاحبنا في الظلمة. إن من يريد أن يجعل هذا النور مستمراً؛ فلابد أن يمون ويزيد من هذا الزيت في مصباحه. إذا هذا الزيت هو الذي اكتسبته في شهر رمضان المبارك؛ فحاول أن تستبقيه لسائر الأيام والليالي.

دور الصلاة والصوم في السلوك

حاول أن تكون أربعينيتك هذه مما تصل من خلالها إلى أدنى درجات التكامل على الأقل، والتي هي: إتقان الواجبات، وترك المحرمات، وعلى رأسها إتقان الصلوات الواجبة. وما دمت صائماً قد أرهقك الجوع والعطش؛ لماذا تسهو في صلاتك؟ أنت صائم وأنت متعبد وأنت متقرب وأنت متحمل لشيء من الأذى، وأنت قريب من الرحمة الإلهية الغامرة، وأنت في شهر ضيافة؛ فحاول أن تجعل صيامك مع صلاتك في غاية الإتقان. يقول سبحانه: (يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ)[٥] ، ويقال أن المراد بالصبر هنا الصيام. استعن بصبرك وهو الصيام واستعن بصلاتك واجعلهما معينان لك في التقرب إلى الله عز وجل والوصول إلى ذلك المعراج الذي يريده منك رب العالمين.

[١] متفرقا.
[٢] سورة الأعراف: ١٤٢.
[٣] البلد الأمین  ج١ ص٢٠٥.
[٤] وسائل الشیعة  ج١١ ص٩٨.
[٥] سورة البقرة: ١٥٣.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن للأربعين سرا في الشريعة حيث كان عمر الأربعين هو العمر الذي يبعث الله فيه الأنبياء. وقد أنزل الله الألواح على موسى (ع) في أربعين ليلة. وقد يكون السر في التأكيد على أربعينية للتكامل هو أن الملكات لا ترسخ في نفس الإنسان في يوم أو يومين وإنما تحتاج إلى ما لا يقل عن هذا العدد.
Layer-5.png