Search
Close this search box.
  • ThePlus Audio
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

الاستجارة بإمام العصر من أجل تحقيق الهدف من الشعائر

بسم الله الرحمن الرحيم

ثلاث آيات مبكيات

لو تدبر المؤمن القرآن الكريم وجد ثلاث آيات في القرآن نستطيع أن نصفها بالآيات المبكية، وهي آيات يعاتب فيها رب العالمين خلقه، وكأنه سبحانه يريد منا أن نقف عليها ونبكي عندها. الآية الأولى هي قوله سبحانه: (مَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)[١]. تصور رجلا يدخل على أسرته ويقول لزوجته وأولاده: إنكم لم تعرفوا قدري. ألا ينقلب هؤلاء ويشعرون بوخز الضمير أنهم لم يعرفوا قدر والدهم ويقولون: لابد أن نعوض والدنا؟

الآية الثانية قوله تعالى: (يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلۡكَرِيمِ)[٢]. ما الذي جعلك مغروراً؟ لماذا أسلمت زمامك إلى الشيطان وجعلته يخدك؟ إن الذي غرك هو الشيطان المغوي والنفس الأمارة بالسوء، فحذار أن تُسلم لهما القياد، لكي لا يشملك هذا العتاب.

الآية الثالثة قوله عز وجل: (مَّا لَكُمۡ لَا تَرۡجُونَ لِلَّهِ وَقَارࣰا)[٣]. إذا دخل مرجع التقليد إلى مجلس ثم لم يبالي به من الناس أحد، يقول أحدهم: ما لكم لا توقرون مرجعكم أو زعيمكم أو عالمكم؟ وهنا رب العالمين بعظمته يقول لخلقه: (مَّا لَكُمۡ لَا تَرۡجُونَ لِلَّهِ وَقَارࣰا).

أستاذ جامعي في الغرب يبكي لإعراض الناس عن ربهم…!

لقد رأيت ذات يوم في المملكة المتحدة رجلا مؤمنا كان له تخصص نادر وقد وصل إلى الدرجات العليا أكاديميا، ولكنه كان من المنتبهين ممن لهم جذور راسخة في الإيمان ولذلك لم تنل منه الحضارة الغربية ولا افتتن بزينتها. إننا ننظر إلى بعض الصحاري فنجدها قاحلة لا نبت فيها، فإذا جاء الربيع ونزل المطر عليها، نبتت البذور الكامنة في هذه الصحاري وأصبحت مراتع خضراء. إن صاحبنا هذا كان يملك هذه البذور الطيبة فوجد لها مناخا مناسبا فنبتت.

ومن المجالس التي تُخرج هذه البذور الكامنة هي مجالس الحسين (ع) ونظرته الخاصة برواد هذه المجالس. إن نظرة واحدة منه كانت كفيلة بأن تنقل حر من الجحيم إلى الجنان الفسيحة. ونظرة منه فعلت بطفل لم يبلغ الحلم ما فعلت حتى أتى الحسين (ع) يستأذن في قتال القوم.

قال لي هذا الرجل من سكان المملكة المتحدة: إنني تجاوزت مرحلة التفكير في المعاصي، وإنما أبكي على العرش وحال الناس في التعامل مع عالم العرش. كان يتألم لعدم اكتراث الناس بالدين وبخالقهم وعدم توقيرهم له، وكان يقول: إنني لا أتألم من دخول النار تألمي من إعراض هذا الخلق عن الله سبحانه. ألسنا نقرأ في المناجاة الشعبانية: (وَإِنْ أَدْخَلْتَنِي اَلنَّارَ أَعْلَمْتُ أَهْلَهَا أَنِّي أُحِبُّكَ)[٤].

في هذه الحالة لا تحتاج إلى مجاهدة

نعم، قد يصل الشاب إلى مرحلة يتألم من مشهد الفتيات السافرات في الجامعات في بلاد الغرب أو في غيرها، ويبكي لحالهم بدلا من التأثر بهم، وهو بالأحرى لا يحتاج إلى مجاهدة في الإعراض عنهن. يقول: يا رب، انظر إلى أين وصل حال الناس وخاصة في بلاد المسلمين وخاصة في المدن المشرفة. إنني ذهبت إلى جامعات النجف وكربلاء فرأيت ما لا يسرني. فقلت لهم: أ في هذه المدينة المقدسة ترتدون هذه الأزياء؟ ألا يستحي الطالب وهو في مدينة مقدسة وقد تلوح له القبة الذهبية من بعيد من أن يرتدي ما لا يليق؟

يقول عز وجل: (ذَٰلِكَۖ وَمَن يُعَظِّمۡ شَعَـٰٓئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقۡوَى ٱلۡقُلُوبِ)[٥]. إن العمل بالقسم الأول من هذه الآية عمل سهل يستطيعه كل إنسان. إن المؤمنون يجتمعون في مجالس الحسين (ع) ويقيمونها في كل عام وهي من أعظم الشعائر. ولكن ينبغي أن نعلم أن قسما من إقامة الشعائر يرتبط بالجوارح؛ فيدك تلطم وعينك تبكي ورجلك تمشي إلى المجالس وهكذا. وإذا ذهبت إلى الحج لا تستطيع أن تقول: سأذهب إلى جبل أبي قبيس للمناجاة والبكاء ولا أطوف ولا أسعى. لابد أن تقوم بكل الأعمال والمناسك إن أردت أن تكون حاجا ولكن عليك بحركة القلب التي لولاها تتحول إلى فرجار يطوف حول الكعبة.

لا تكن ممن يطوف طواف الآلة من دون توجه والتفات؛ بل صل ركعتين خلف المقام واجعلهما من أفضل الركعات في حياتك. لا تفكر في غير الله سبحانه وأنت ترتدي ثوب الإحرام وإمامك الكعبة؛ كأن تفكر فيما ينبغي أن تشتريه لزوجتم وعيالك. إن اللطم ولبكاء كالطواف والسعي وهي كلها شعائر لابد أن تصل إلى القلب كما قال سبحانه: (تقوى القلوب).

إنهم قوم لا يشقى بهم جليسهم…!

لابد أن تصفي هذه المواد الأولية وتحولها إلى طاقة؛ كما تقوم المصافي بتحويل النفط الخام إلى وقود للطائرات…! وإن كان كل من يدخل في هذه المجالس يتكهرب ويناله من النور ما يناله ولنا على ذلك شاهد روائي، فقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (إِنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ لِمَلاَئِكَتِهِ عِنْدَ اِنْصِرَافِ أَهْلِ مَجَالِسِ اَلذِّكْرِ وَاَلْعِلْمِ إِلَى مَنَازِلِهِمْ اُكْتُبُوا ثَوَابَ مَا شَاهَدْتُمُوهُ مِنْ أَعْمَالِهِمْ فَيَكْتُبُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ ثَوَابَ عَمَلِهِ وَيَتْرُكُونَ بَعْضَ مَنْ حَضَرَ مَعَهُمْ فَلاَ يَكْتُبُونَهُ فَيَقُولُ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا لَكُمْ لَمْ تَكْتُبُوا فُلاَناً أَ لَيْسَ كَانَ مَعَهُمْ وَقَدْ شَهِدَهُمْ فَيَقُولُونَ يَا رَبِّ إِنَّهُ لَمْ يَشْرَكْ مَعَهُمْ بِحَرْفٍ وَلاَ تَكَلَّمَ مَعَهُمْ بِكَلِمَةٍ فَيَقُولُ اَلْجَلِيلُ جَلَّ جَلاَلُهُ أَ لَيْسَ كَانَ جَلِيسَهُمْ فَيَقُولُونَ بَلَى يَا رَبِّ فَيَقُولُ اُكْتُبُوهُ مَعَهُمْ إِنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ فَيَكْتُبُوهُ مَعَهُمْ فَيَقُولُ تَعَالَى اُكْتُبُوا لَهُ ثَوَاباً مِثْلَ ثَوَابِ أَحَدِهِمْ)[٦].

هب أن قلبك قاس ولكن من بجانبك كاد أن يغمى عليه؛ فأنت مرحوم من أجله. يترقى الإنسان في مجالس أهل البيت (ع) وإن كان ساهيا. وقد ذكر لنا القرآن أن الله سبحانه خلد كلب أصحاب الكهف وهو لا قيمة له من أجلهم ولأنه انتسب إليهم. بل إنه يذكر الكلب معهم في أكثر من آية فيقول سبحانه: (سَيَقُولُونَ ثَلَٰثَةࣱ رَّابِعُهُمۡ كَلۡبُهُمۡ وَيَقُولُونَ خَمۡسَةࣱ سَادِسُهُمۡ كَلۡبُهُمۡ رَجۡمَۢا بِٱلۡغَيۡبِۖ وَيَقُولُونَ سَبۡعَةࣱ وَثَامِنُهُمۡ كَلۡبُهُمۡ)[٧].

لقد كان الكلب صاحباً لهم يحرسهم فخلد بخلودهم، ولعل جسمه بقي سليما لم تأكله الديدان في تلك الفترة الطويلة التي لبثوا فيها في كهفهم. كان مع أهل الكهف فصانوا جسمه، هذا ومن العلماء من تتلف في القبور أجسادهم وفي ذلك عبرة لمن اعتبر. وفي هذا قال الشاعر ما مضمونه: فاز كلب بحب أهل الكهف…! ولهذا نجد من يقف إمام أضرحة الأئمة (ع) متمتما بهذه الآية: (وَكَلۡبُهُم بَٰسِطࣱ ذِرَاعَيۡهِ بِٱلۡوَصِيدِ)[٨].

الاستجارة بصاحب العصر والزمان (عجل الله له الفرج)

ومن العوامل التي تساعد الإنسان على إيصال الشعائر بالقلب؛ الاستجارة بالحجة (عج). إننا نقرأ في زيارتنا له في يوم الجمعة: (يَا مَوْلاَيَ يَا صَاحِبَ اَلزَّمَانِ صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ بَيْتِكَ هَذَا يَوْمُ اَلْجُمُعَةِ وَهُوَيَوْمُكَ اَلْمُتَوَقَّعُ فِيهِ ظُهُورُكَ وَاَلْفَرَجُ فِيهِ لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى يَدِكَ وَقَتْلُ اَلْكَافِرِينَ بِسَيْفِكَ وَأَنَا يَا مَوْلاَيَ فِيهِ ضَيْفُكَ وَجَارُكَ)[٩]. هل المراد بالجار أن نكون من جيرانه في زمن الظهور؟ بالتأكيد ليس الأمر كذلك وإنما تأتي من الاستجارة؛ فنحن نستجير به في هذه الزيارة.

إن هذا المعنى يحتاج استيعابه إلى ترق روحي؛ فهل ترى نفسك في ضيافة إمام زمانك؟ كلنا ضيوف عليه في هذا العالم. قد تجد أحيانا أن عالما يُدعى إلى مكان فيذهب ومعه قوم، فيُكرمهم صاحب البيت ويستضيفهم إجلالا للعالم وتكريما له. لقد ورد في حقه (عج): (اَلْحُجَّةُ اَلْخَلَفُ اَلصَّالِحُ اَلْقَائِمُ اَلْمُنْتَظَرُ اَلْمَهْدِيُّ اَلْمُرْجَى اَلَّذِي بِبَقَائِهِ بَقِيَتِ اَلدُّنْيَا وَبِيُمْنِهِ رُزِقَ اَلْوَرَى وَبِوُجُودِهِ ثَبَتَتِ اَلْأَرْضُ وَاَلسَّمَاءُ)[١٠]. وقد روي عن الإمام الباقر (ع): (لَوْ بَقِيَتِ اَلْأَرْضُ يَوْماً بِلاَ إمام مِنَّا لَسَاخَتْ بِأَهْلِهَا)[١١].

هل تشعر بإمام زمانك في طريق الزيارة وعند المواكب؟

وقد لا نبالغ إذا قلنا أن الإمام الحجة (عج) هو من أكثر الأئمة (ع) ظلامة. فإذا لم تكن لك علاقة بالإمام الباقر أو الصادق (ع) لأنهما استشهدا قبل مئات السنين؛ فما بالك لا تبني علاقة ولا ترتبط مع إمام زمانك وهو حي حاضر يمشي بين أظهرنا ويحضر مجالسنا والمواكب؟ إنني أوصي أصحاب المواكب دائما، بأنهم ليستشعورا حضور الإمام (عج) عند تقديم الماء إلى الزوار مصلا، فقد يكون (عج) بين الزوار. فلا يُعقل أن يسير الزائرون بأرجل متورمة ثم تطوى الأرض له (عج) من دون أن يشاركهم ويسير معهم ويخصهم بعنايته.

حذار من مدعي العرفان الكاذب

من سلبيات هذا الزمان كثرة المدعين. تأتينا رسائل من البعض أنه مشى وراء فلان من الناس ممن يدعي شيئا من العلم، فألقاه في بئر، ثم يصيح واغوثاه. لماذا مشيت خلف إنسان ضائع؟ إذا رأيت من يدعي المقامات والمكاشفات، فضع عليه علامة استفهام، لأن كبار العلماء كانوا يهربون من الشهرة ولا يدعون شيئا مما يدعيه هؤلاء.

يقال أن صاحب كتاب تذكرة المتقين وهو عالم جليل، كان يمزح أحيانا مزاحاً لا يناسبه؛ لئلا يقال: إنه ولي من أولياء الله؛ فهو يضيع الطريق عليهم ويخفي نفسه بين الأولياء. كما يقول الشاعر:

لله تحت قباب الأرض طائفة
أخفاهم عن عيون الناس إجلالا

هل الطريق يُختصر بالأذكار؟

فاحذروا هؤلاء وخاصة أصحاب الأوراد والأذكار. يأتيهم الشاب المنغمس في الشهوات والمترطم في الشبهات ممن قد ضيع الطريق، فيقولون له: خذ هذا الذكر وكرره في خلوة كذا مرة. هل هذا هو الطريق؟ إذن أين المجاهدة والمراقبة؟ هل يُختصر الدين في الأذكار والأوراد؟ وليتها كانت أذكارا مأثورة كتسبيحات الزهراء (س) التي هي خير من ألف ركعة؛ لا أن تكون من مخترعات الصوفية وغيرهم.

هل الأستاذ نصف الطريق؟

قد يُقال: الأستاذ نصف الطريق ولكنني لا أعتقد بهذه المقولة. أولا: أين رب العالمين؟ إن الرب هو المربي الأعظك؟ إن آسية بنت مزاحم كانت في قصر أسوء خلق الله في التأريخ منذ أن خلق الله آدم إلى يومنا هذا، حيث لم يدع أحد مما ادعاه من الربوبية وإن كانوا كلهم في الظلم والقتل والسجن والتعذيب يسيرون على منهجهم واحد. إن المرأة الطاهرة كانت تحت التعذيب من قبل زوجها وهي تقول: (رَبِّ ٱبۡنِ لِي عِندَكَ بَيۡتࣰا فِي ٱلۡجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرۡعَوۡنَ وَعَمَلِهِ)[١٢]. وقد أوثقوها بالمسامير ولذلك ورد في وصف فرعون: ذو الأوتاد. ولكن من كان أستاذ آسية؟ لم نرى في الروايات أو في التفاسير أن نبيا كان يأتيها في الليل سراً أو يزورها في السجن مثلا، وإنما اكتشفت الطريق لوحدها. فإن كان لمريم أستاذ كزكريا، فإن آسية لا أستاذ لها، ولذلك نرى أنها قرينة مريم (س) عند حضورها في ولادة الزهراء (س).

فلا تبحث في المواقع الروحانية وغيرها عن الأستاذ وأنت لا تعرفهم؛ فقد تقعل في مهلكة. وقد يقول لك رب العالمين:  أين عقلك؟ كيف تُسلم نفسك لمن هو مصداق هذا الشعر:

ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له
إياك إياك أن تبتل بالماء

إمامك مربيك

ثانيا: هل إمام زمانك غافل عنك؟ إن صاحب المشتل يتفقد زرعه في كل يوم، فيُلقي ما يبس منها ويأخذ النبت الطيب ويغرسه في الأرض. أو يقوم صاحب مزرعة النخيل بنقل الفسائل التي خرجت من شجرة ذي ثمر طيب وينقلها إلى مكانها المناسب لكي تنمو وتُثمر في نهاية المطاف. وهكذا يفعل الإمام (عج) بمن يجد فيه قابلية النمو؛ يقلعه من مكانه ويغرسه في المكان المناسب.

لقد ذكر لي أحد طلبة العلم: أن والده كان ضابطا في زمن النظام البائد ولكن يبدو أن قلبه كان مع الله سبحانه ولذلك وجد طريقه إلى الحوزة العلمية فيما بعد وأصبح من علمائها. لقد اختاره الإمام (عج) من بين الكثير لأنه وجد فيه قابلية النمو. فلا تقترح على الإمام (عج) شيئا وكن طيباً لا خبيثاً، فقد قال سبحانه: (وَٱلۡبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخۡرُجُ نَبَاتُهُۥ بِإِذۡنِ رَبِّهِۦۖ وَٱلَّذِي خَبُثَ لَا يَخۡرُجُ إِلَّا نَكِدࣰا)[١٣]

الأبدال والإمام المهدي (عجل الله فرجه)

قل: يا مولاي، ربني بنظرتك، وتولني فيمن تتولاه وتربيه، فأنت ولي أمرنا في هذا الزمان. واعلم أن للإمام دوائر متعددة؛ فالدائرة الأولى هي لللصيقين به وهم الأوتاد أو الأبدال، فإلإمام لا يعيش منفردا في جبل وإنما مع الخضر وعيسى (ع) وكبار الأولياء ممن يقضي على يديهم حوائج الناس، وهم الوفد المرافق له إن صح التعبير.

إن ضللت في صحراء وظهر لك أحدهم فجأةً وأخذ بيدك وقال: أغمض عينيك، وإذا بك بعد خطوتين تصل إلى البلد كرامة، لا تقل: رأيت الإمام (عج) فلعله أحد أعوانه، وهؤلاء غير مشمولين بطول العمر، يموت أحدهم فيقوم غيره مقامه.

الطبقة الثانية هي التي يشرف عليها الإمام (عج) من بعيد ويتحكم بها؛ إما من خلال التصرف في قلوبهم، وإما من خلال الدعاء لهم. إننا نرى اليوم أجهزة التحكم من بعيد، فنحن نتقلب بين القنوات وننتقل من قناة محللة إلى أخرى محرمة بكبسة زر. ونرى الأنظمة الصاروخية كيف يُتحكم بها من بعيد. والإمام من دون تشبيه يتحكم ببعض المؤمنين من خلال ما ذكرناه. إن إمامنا هو إمام على القلوب وعلى الجن وعلى الإنس وعلى الملائكة. ألسنا نقرأ في زيارة الرضا (ع): (اللهم صل على علي بن موسى الرضا المرتضى، الإمام التقي النقي وحجتك على من فوق الأرض ومن تحت الثرى)[١٤].

تصرف الإمام في قلوب الطغاة

ولو قرأنا تاريخ الطواغيت في الدول الكبرى، نرى أنهم أشعلوا الحرب العالمية الأولى والثانية – ويبدو أن الثالثة في الطريق لا قدر الله أو قدر الله؛ فلعها تكون مقدمة لظهوره الشريف – من أجل أمور لا تستحق الحرب وتبين لنا أنهم حمقى في أخذ قراراتهم وأن حتفهم على أيديهم دائما. ولقد رأينا أن نهاية الطاغية في العراق كان من أجل غزوه بعض دول الخليج، وهو تصرف أحمق؛ ولكن الله سبحانه أراد أن يكون هلاكه على يديه، والإمام إذا أراد أن يمشي معاملة، سلب العباد عقولهم، وجعلهم يأخذونا قراراً خطأ فيه نهايتهك. فإذا كانت قلوب الطواغيت بيد المولى (عج) فكيف بقلب الموالي الباكي الذي يبكيه في كل ندبة في يوم جمعة؟

والإمام يدعو لشيعته الخلص، ولمحبيه، وقد يذكر أسماء البعض منهم في صلاة ليله؛ فهو قد يذكر أربعين مؤمن في ليلة وفي الثانية أربعين أخرى. لو أن الإمام (عج) أدخلك في أربعينية من هذه الأربعينات ربحت صفقتك. ولهذا إذا رق قلبك في صلاة الليل في ليلة من الليالي قل لإمامك بكل لهفة: أقسم عليك بأمك الزهراء (س) وبجدك الحسين (ع) – من دون ذكر المصائب لكي لا ترهقه بذكر المصائب المفجعة – اذكرني الليلة في صلاة ليلك، وتوقع الإجابة. كن طموحاً، واضرب بالعالي كما يُقال في العامية. لماذا أنت يائس تقبل القليل؟

كيف تتأكد من سلامة قلبك؟

من أهم العناصر أن تصل إلى مرحلة يتبناك فيها إمام زمانك، ويتولاك بالرعاية. فإذا شككت في سلامة قلبك وفي حسن عاقبتك وفي موقعك من الله ورسوله؛ انظر إلى قلبك كما ورد ذلك عن أحد علمائنا الكبار. فإذا رأيت فيه حباً مضاعفاً عميقاً شجياً للزهراء (س) فأنت على خير. إن الزهراء (س) هي أم المصائب وهي التي كان يبكي عليها أئتمنا (ع) وقد ورد أن الجواد (ع) بكى من غير مناسبة فسأله الرضا (ع) عن سر بكائه، فأجاب بأنه قد تذكر أمه الزهراء (س).

[١] سورة الحج: ٧٤.
[٢] سورة الانفطار: ٦.
[٣] سورة نوح: ١٣.
[٤] الصحیفة العلویّة  ج١ ص١٨٥.
[٥] سورة الحج ٣٢.
[٦] عوالي اللئالي  ج٤ ص٦٧.
[٧] سورة الكهف: ٢٢.
[٨] سورة الکهف: ١٨.
[٩] جمال الأسبوع  ج١ ص٣٧.
[١٠] زاد المعاد  ج١ ص٤٢٢.
[١١] بحار الأنوار  ج٢٣ ص٣٧.
[١٢] سورة التحريم: ١١.
[١٣] سورة الأعراف: ٥٨.
[١٤] كامل الزيارت ص ٥١٣.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إنني ذهبت إلى جامعات النجف وكربلاء فرأيت ما لا يسرني. فقلت لهم: أ في هذه المدينة المقدسة ترتدون هذه الأزياء؟ ألا يستحي الطالب وهو في مدينة مقدسة وقد تلوح له القبة الذهبية من بعيد من أن يرتدي ما لا يليق؟
  • من أهم العناصر أن تصل إلى مرحلة يتبناك فيها إمام زمانك، ويتولاك بالرعاية. فإذا شككت في سلامة قلبك وفي حسن عاقبتك وفي موقعك من الله ورسوله؛ انظر إلى قلبك كما ورد ذلك عن أحد علمائنا الكبار. فإذا رأيت فيه حباً مضاعفاً عميقاً شجياً للزهراء (س) فأنت على خير.
Layer-5.png