Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

اختلاف الناس في الاعتقاد بيوم القيامة

بسم الله الرحمن الرحيم

التهيئ للسفر الأبدي

ليس منا أحد إلا وقد فقد عزيزا له. والبعض منا قد فقد عزيزه بين يديه، فهو رأى والديه أو أحدهما يتقلبان على فراش الموت أو رأى بعينه موت ولده. يقول سبحانه: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ)[١] وهو القائل: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ)[٢]؛ فالموت هو المصير الذي لا مفر منه. إن الشلال يجري على وجه الأرض فإذا واجه منحدرا سحيقا نزل الماء بقوة فيحدث هديرا ويتطاير فذلك يسمى شلالا، وهذا هو حالنا في الدنيا بمثابة هذا الماء الذي يجري وإذا نرى أمامنا من يهوي فجأة في حفرة القبر. إن الميت لا يذهب إلى السماء؛ بل نحن الذين نحمله بأيدينا إلى المغتسل ثم نكفنه وندفنه. وإن كنا لا نعلم حال من سقط في وادي الموت؛ فهو إما في روضة من رياض الجنة أو في حفرة من حفر النار. وكلنا على يقين بمصيرنا هذا وأننا سنسقط في هذه الوادي لا محالة كما يقول الشاعر:

كُلُ اِبنِ أُنثى وَإِن طالَت سَلامَتُهُ
يَوماً عَلى آلَةٍ حَدباءَ مَحمولُ[٣]

أصناف الناس في الاعتقاد بيوم القيامة

وبعد هذه المقدمة التحفيزية التي أرجوا أن ينتفع بها المؤمنون، أقول: ليس الحل في التغافل. إن الناس تختلف مذاهبهم بالنسبة إلى يوم القيامة؛ فمنهم الذي ينكر المعاد أصلا وهم كما قال سبحانه يقولون: (إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ)[٤]، ويقولون: ليس بعد الموت إلا الفناء، وهو كلام الملحدين المنكرين للبعث وقد بين سبحانه في آية ملفتة علة إنكارهم للبعث فقال: (بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ * يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ)[٥]؛ فهم لكي لا يعتقدوا برقيب على أعمالهم ينكرون المعاد حتى يفجروا كما يريدون. إن قسما كبيرا من هؤلاء ليس إلحادهم فكريا فلو ناقشت عجز عن جوابك وإنما يريد أن يكون حرا من قيود الشريعة؛ فمادام أنه يؤمن بالله وبرسوله فستكون حريته مقيدة عند ارتكاب المحارم ويصاب لذلك بعذاب الضمير ولذلك هم كالنعامة التي تدس رأسها في الرمال من خوف الصياد.

ومنهم المؤمنون الذين يؤمنون بالمعاد إلا أنهم يتغافلون. لقد سمعت عن بعض المؤمنين أنهم لا يذهبون إلى المقابر مطلقا فضلا عن المغتسل واللحد، ويرون أن المقبرة مكان موحش. فهم يتغافلون ولا يريدون أن يتذكروا الموت. ولقد سمعت بأحدهم قد أشرف اليوم على الهلاك؛ حيث لم يعالج نفسه من المرض الذي كان بإمكانه أن يعالجه؛ لأنه كان يتغافل ولم يكن يريد أن يتقبل مرضه.

ومنهم من يتبع سياسة التبعيد؛ أي يرون الموت بعيدا عنهم. فهؤلاء يذهبون إلى المقابر وقد يغسلون الموتى إلا أنهم يعتقدون أن الموت بعيد عنهم لأنهم في غرة الشباب وعنفوانه والموت إنما هو لمن في أعمار أجدادهم وآبائهم. وهذا بالطبع كلام مضحك؛ حيث لا يفرق عزرائيل (ع) بين الشاب وغيره إذا اقترب إليه أجله. هذا ونحن نعيش في زمن كثر فيه موت الفجأة من أنواع السكتات القلبية والدماغية وحوادث السير والخلايا المسرطنة وما شابه ذلك من أطوار الموتات.

ومنهم المسهلين وهم الذين يعتقدون أنهم يموتون ولكن شعارهم:

سودت صحيفة أعمالي
ووكلت الأمر إلى حيدر

إننا بالطبع نعتقد بالشفاعة بأعلى صورها ولكن لا يعني ذلك أن نتكاسل أو نتهاون على أمل أن يأخذ أئمة أهل البيت (ع) بأيدينا. إن علينا أن نغتنم شفاعتهم للدرجات العلى. كن مرفوع الرأس أمام النبي وآله (ع) ولكن قل: يا رسول الله، خذني إليك وأسكني في جنتك وأدخلني منطقتك.

سكرات الموت في القرآن الكريم

ولا بأس أن نتاول بعض الآيات القرآنية التي تحدثت عن الموت. إن البعض يظن أنه عليه أن يبادر إلى كتابة الوصية إذا رأى علامات الموت؛ فأغلب الناس في ذممهم شيء من الخمس المؤجل أو صلوات وصيام فائتة أو أموال مجهولة المالك أو مهر لزوجته وما شابه ذلك، فمن منا طليق؟ والذي ليس في ذمته شيء من هذا فلماذا يخاف الموت؟

يقول سبحانه: (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ)[٦]؛ فللموت سكرة كتلك السكرة التي تعتري شارب الخمر حتى إنك لتحدثه فلا يجيبك. ولذلك فإن بعض الأطباء الحاذقون يتبين له بنظرة واحدة أن المريض في طريقه إلى الموت من دون أن يجس نبضه، فيقول: إن علائم الموت بادية عليه. ولذلك يقول سبحانه: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ)[٧]؛ فأولاده وزوجته وأهله من حوله ولكنه يخوض غمرات الموت ويجود بنفسه؛ فهو مشغول بها لا يبالي بمون حوله.  ومن الغريب أن نزور البعض في المستشفى يعاني ممن مرض الموت ويعالج سكرات الموت، فنقول له: أوص بثلث أموالك في سبيل الله عز وجل. قل هذه الكلمة واشتر بها سعادة الأبد ولكن تلك السكرات تمنعه من ذلك.

[١] سورة النساء: ٧٨.
[٢] سورة العنكبوت: ٥٧.
[٣] كعب بن زهير.
[٤] سورة المؤمنون: ٣٧.
[٥] سورة القيامة: ٥-٦.
[٦] سورة ق: ١٩.
[٧] سورة الأنعام: ٩٣.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • يقول سبحانه: (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ) ؛ فللموت سكرة كتلك السكرة التي تعتري شارب الخمر حتى إنك لتحدثه فلا يجيبك. ولذلك فإن بعض الأطباء الحاذقون يتبين له بنظرة واحدة أن المريض في طريقه إلى الموت من دون أن يجس نبضه، فيقول: إن علائم الموت بادية عليه.
Layer-5.png