إليك آثار التهاون في الصلاة…!
بسم الله الرحمن الرحيم
التهاون في الصلاة؛ ليست من صفات المؤمنين
افتتح الله سبحانه سورة المؤمنون بذكر أهم الصفات التي ينبغي أن يتصف بها المؤمنون جميعا فقال سبحانه: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ)[١]. وتعني (قد) هنا التحقيق وكلمة (أفلح) فعل ماض محقق الوقوع. ومن الملفت في هذه الآيات ذكر الخشوع في الصلاة كأول صفة من صفات المؤمنين وتقديمهما على المحافظة على أوقاتها.
كل شيء تابع للصلاة
ولعل السبب في ذلك: أن الخشوع في الصلاة دليل على وجود علاقة منسجمة مع الله عز وجل. والذي يريد أن مكانته عند الله عز وجل ويطلع على سلامة قلبه وروحه؛ فلينظر إلى خشوعه في الصلاة. ولا ريب في أن عدم الإقبال في الصلاة وعدم التفاعل القلبي في مجالس الذكر دليل على وجود الخلل في العلاقة بالله تعالى. وكما ورد عن أمير المؤمنين (ع) في وصية له لأحد ولاته: (وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ عَمَلِكَ تَبَعٌ لِصَلاَتِكَ، فَمَنْ ضَيَّعَ اَلصَّلاَةَ فَإِنَّهُ لِغَيْرِهَا أَضْيَعُ)[٢].
إصلاح النفس وإتقان الصلاة
وقد أصبحنا في زمن قل فيه من يبحث عن التكامل؛ من حيث كثرة المغريات والمفاسد التي أنتجها التطور والحداثة. ولو ترك المرء نفسه من دون عمل ومراقبة فإنه يتقهقر[٣] من دون ريب. فلا بد من أن يعيش المؤمنون هموم إصلاح النفس والرقي بها والعمل على تكاملها والتفكير الجاد في الاستعداد لما بعد الموت من حياة البرزخ وعرصات القيامة والوقوف بين يدي رب العزة قبل أن يغزوهم الشيب ويفوت الأوان. وعلى رأس ما ينبغي إتقانه والعمل على تحسينه الصلاة. ولو قام المرء بعمل لفترة معينة سرعان ما يتقن ذلك العمل فما بال الصلاة التي لا تتغير من حين بلوغ الحلم لحين بلوغ الأجل..! ألا يستدعي ذلك التفكير الجاد للوصول إلى الأسباب؟
رأس الأعمال
والصلاة هي رأس الأعمال كما أشار إلى ذلك أمير المؤمنين (ع) في وصيته لمحمد بن أبي بكر. وينبغي إتقانها ظاهرا وباطنا. وإقامتها في وقتها، ومعرفة أحكام الطهارة وأحكام الصلاة، والمحافظة خصوصا على وقت صلاة الفجر التي قل من يحافظ عليها للأسف الشديد والحال أنه قد ورد في الروايات الشريفة أن: (ذِكْرُ اَللَّهِ بَعْدَ طُلُوعِ اَلْفَجْرِ أَبْلَغُ فِي طَلَبِ اَلرِّزْقِ مِنَ اَلضَّرْبِ فِي اَلْأَرْضِ)[٤].
ومن مصاديق التهاون في الصلاة؛ تركها أو ترك بعضها عمدا أو تأخيرها عن أول الوقت من غير علة، أو تأديتها في حالة من السهو واللهو. هذا وقد ورد عن النبي الأكرم (ص) أنه قال في جواب السيدة الزهراء (س) حينما سألته عن المتهاون في الصلاة من الرجال والنساء: (قَالَ يَا فَاطِمَةُ مَنْ تَهَاوَنَ بِصَلاَتِهِ مِنَ اَلرِّجَالِ واَلنِّسَاءِ اِبْتَلاَهُ اَللَّهُ بِخَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً سِتٌّ مِنْهَا فِي دَارِ اَلدُّنْيَا وَثَلاَثٌ عِنْدَ مَوْتِهِ وَثَلاَثٌ فِي قَبْرِهِ وَثَلاَثٌ فِي اَلْقِيَامَةِ إِذَا خَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ)[٥]. ومن المناسب هنا أن نقف وقفة تأملية حول هذه الخصال، لنلتمس منها العظة والعبرة.
الخصال التي يبتلى بها المتهاون في صلاته في الدنيا
أما الخصال التي يبتلى بها في الدنيا: (يَرْفَعُ اَللَّهُ اَلْبَرَكَةَ مِنْ عُمُرِهِ)[٦]. ومما ريب فيه أن الذي يتهاون في صلاته تمر عليه الليالي والأيام وتجري عليه السنين والدهور وهو لم يستغلها في ما يوجب له السعادة في الآخرة ويخرج من الدنيا صفر اليدين مفلس يقلب كفيه حسرة على ما فرط في جنب الله ولات حين مندم.
(يَرْفَعُ اَللَّهُ اَلْبَرَكَةَ مِنْ رِزْقِهِ)[٧]: فلا يوفق للإنفاق في وجوه الخير – ولو كان يملك ما يملك من الأموال والثروات الطائلة – وبالتالي فإنه يحرم مما يعود عليه بالنفع في دنياه وأخراه.
(يَمْحُو اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ سِيمَاءَ اَلصَّالِحِينَ مِنْ وَجْهِهِ)[٨]: فتغمر الظلمة وجهه وقلبه، فلا يكاد يطاق شكلا ولا حديثا وإن كان من أحسن الناس وجها بحسب المقاييس الظاهرية. وقد (سُئِلَ – الصادق – عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَا بَالُ اَلْمُتَهَجِّدِينَ بِاللَّيْلِ مِنْ أَحْسَنِ اَلنَّاسِ وَجْهاً قَالَ لِأَنَّهُمْ خَلَوْا بِاللَّهِ فَكَسَاهُمُ اَللَّهُ مِنْ نُورِهِ)[٩].
(وَكُلُّ عَمَلٍ يَعْمَلُهُ لاَ يُؤْجَرُ عَلَيْهِ)[١٠]: وقد روي عن الإمام الباقر (ع) أنه قال: (إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ اَلْعَبْدُ اَلصَّلاَةُ فَإِنْ قُبِلَتْ قُبِلَ مَا سِوَاهَا)[١١]. ولكن ماذا عن قوله تعالى: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)[١٢]؟ قد يكون المقصود من ذلك الأجر التفضلي منه لا الاستحقاقي؛ إذ أن الله سبحانه وتعالى بلا شك المتفضل دوما على عباده تحننا منه ورحمة.
(وَلاَ يَرْتَفِعُ دُعَاؤُهُ إِلَى اَلسَّمَاءِ)[١٣]: لا خلاف في أن الحبيب يستجيب لحبيبه، والإنسان المتهاون في صلاته، يفقد العلاقة الحميمة مع رب العالمين؛ إذ لا توجد بينه وبين الله تعالى ألفة ومودة توجب استجابة الدعاء.
(لَيْسَ لَهُ حَظٌّ فِي دُعَاءِ اَلصَّالِحِينَ)[١٤]: والذي يتهاون في صلاته يخرج من دائرة المؤمنين، وإن انطبقت عليه بعض العناوين العامة من ولاية علي وذريته (ع)، وبالتالي فإنه لا حظ له في دعاء الصالحين. وفي رواية جميلة عن المفضل أنه قال: (قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ جُعِلْتُ فِدَاكَ عَلِّمْنِي دُعَاءً جَامِعاً فَقَالَ لِيَ اِحْمَدِ اَللَّهَ فَإِنَّهُ لاَ يَبْقَى أَحَدٌ يُصَلِّي إِلاَّ دَعَا لَكَ يَقُولُ سَمِعَ اَللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ)[١٥].
الخصال التي يبتلى بها المتهاون في صلاته عند الموت
(أَمَّا اَللَّوَاتِي تُصِيبُهُ عِنْدَ مَوْتِهِ فَأُولاَهُنَّ أَنَّهُ يَمُوتُ ذَلِيلاً وَاَلثَّانِيَةُ يَمُوتُ جَائِعاً وَاَلثَّالِثَةُ يَمُوتُ عَطْشَاناً)[١٦]: من أصعب حالات على الإنسان ساعة فراقه الدنيا ونزع روحه؛ حيث يهجم على عوالم كثيرة وشديدة لا يعلمها إلا الله عزوجل. فمن تهاون في صلاته عليه أن يتحمل الذلة في الممات والجوع والعطش بالإضافة إلى كل ذلك.
الخصال التي يبتلى بها المتهاون في صلاته في القبر
(وَأَمَّا اَللَّوَاتِي تُصِيبُهُ فِي قَبْرِهِ فَأُولاَهُنَّ يُوَكِّلُ اَللَّهُ بِهِ مَلَكاً يُزْعِجُهُ فِي قَبْرِهِ وَاَلثَّانِيَةُ يُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ وَاَلثَّالِثَةُ تَكُونُ اَلظُّلْمَةُ فِي قَبْرِهِ)[١٧]: وما أحوج الإنسان في تلك الساعة إلى ملك يدخل عليه السرور والبشرى والراحة لا إلى هذا النوع من الملائكة..!
الخصال التي يبتلى بها المتهاون في صلاته في يوم القيامة
(وَ أَمَّا اَللَّوَاتِي تُصِيبُهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ إِذَا خَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ فَأُولاَهُنَّ أَنْ يُوَكِّلَ اَللَّهُ بِهِ مَلَكاً يَسْحَبُهُ عَلَى وَجْهِهِ وَ اَلْخَلاَئِقُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَ اَلثَّانِيَةُ يُحَاسَبُ حِسَاباً شَدِيداً وَ اَلثَّالِثَةُ لاَ يَنْظُرُ اَللَّهُ إِلَيْهِ وَ لاَ يُزَكِّيهِ وَ لَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[١٨]
محاولات الإصلاح
وعندما يستيقظ الإنسان على واقعه المرير بعد فترة من الغفلة المطبقة ويجد نفسه على مزبلة نتنة؛ يعرض له الشيطان ليحول بينه وبين خروجه من تلك المزبلة وعدم استصلاحه لما فسد منه أيام حياته. فيقول له الشيطان: ما لك ولهذا الطريق..! أبعد أن اشتعل رأسك شيبا وبلغت من العمر ما بلغت جئت تريد الإصلاح؟ فهذا شأن علماء الحوزة لا شأنك. والحال أن إيقاف الخسارة في أي وقت هو ربح في حد ذاته بحسب منطق التجار الأذكياء. فينبغي الحذر الشديد من الشيطان الذي همه تثبيط الهمم والدعوة إلى التثاقل إلى الأرض، فما أشد حرصه على الغواية والحيلولة دون الخروج من سلطان الهوى.
الصلاة في أول الوقت
إن الأمر لا يحتاج جهد كبير والالتزام بالصلاة في أول الوقت هو مفتاح لكل البركات. ومما ينقل عن أحد العلماء الكبار أنه قبيل وفاته لخص تجاربه في الحياة بهذه الكلمة: (عليكم بصلاة أول الوقت). وما أجمل أن تتوج بالالتزام بها جماعة في المسجد؛ إذ لا يخفى أهمية ارتياد المساجد من ناحية تعلم الأحكام والاطلاع على الثقافة الدينية.
[٢] الأمالي (للطوسي) ج١ ص٢٤.
[٣] رجع إلى الوراء من غير أن يعيد وجهه إلى جهة مشيه.
[٤] بحار الأنوار ج٥ ص١٤٧.
[٥] بحار الأنوار ج٨٠ ص٢١.
[٦] بحار الأنوار ج٨٠ ص٢١.
[٧] بحار الأنوار ج٨٠ ص٢١.
[٨] بحار الأنوار ج٨٠ ص٢١.
[٩] كشف الغمة ج٢ ص٢٩٤.
[١٠] بحار الأنوار ج٨٠ ص٢١.
[١١] كشف الغمة ج٢ ص٢٩٤.
[١٢] سورة الزلزال: ٧-٨.
[١٣] بحار الأنوار ج٨٠ ص٢١.
[١٤] بحار الأنوار ج٨٠ ص٢١.
[١٥] الکافي ج٢ ص٥٠٣.
[١٦] بحار الأنوار ج٨٠ ص٢١.
[١٧] بحار الأنوار ج٨٠ ص٢١.
[١٨] بحار الأنوار ج٨٠ ص٢١.
خلاصة المحاضرة
- الخشوع في الصلاة دليل على وجود علاقة منسجمة مع الله عز وجل. والذي يريد أن مكانته عند الله عز وجل ويطلع على سلامة قلبه وروحه؛ فلينظر إلى خشوعه في الصلاة. ولا ريب في أن عدم الإقبال في الصلاة وعدم التفاعل القلبي في مجالس الذكر دليل على وجود الخلل في العلاقة بالله تعالى.