Search
Close this search box.
  • ThePlus Audio
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

إلى من يُريد التوجه إلى الحسين (عليه السلام) سيرا على الأقدام

بسم الله الرحمن الرحيم

هل وصلت إلى ملكوت الأعمال وباطنها؟

لو تأملنا في العبادات التي فرضها الله سبحانه على عباده؛ لوجدنا أن لكل عبادة ملكوت غير الظاهر الذي نعمل به. إن الحج ظاهره طواف وسعي ورمي وتقصير وغير ذلك من المناسك المعروفة ولكن باطنه وملكوته؛ لقاء الله عز وجل. ولذلك الذي يرجع من الحج، يرجع وقد خرج من الذنوب كيوم ولدته أمه. وقد بين لنا الإمام السجاد (ع) في حديث الشبلي باطن الحج؛ بغض النظر عما يحتاجه الحديث من مناقشة وتدقيق.

ملكوت الصيام

والصيام في ظاهره إمساك عن الطعام من الفجر إلى الليل ولكن الباطن والملكوت هو الذي أشار إليه سبحانه في قوله: (يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ)[١]؛ فالتقوى غير محرزة وإنما هي مرجوة لهذا العمل كما نفهم ذلك من قواعد اللغة العربية.

ملكوت الصلاة

والصلاة في ظاهرها ركوع وسجود، ولكنها كما قال سبحانه: (وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكۡرِيٓ)[٢]، فاللام لام الغاية أو لام العلة؛ فمن صلى ولم يذكر الله عز وجل لم يُحقق باطن الصلاة وإن كانت هذه الحركات الظاهرية مجزية وتسقط التكليف. ومن ملكوتها أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر وأنها معراج المؤمن.

ملكوت الخمس وزكاة

والخمس والزكاة في ظاهرهما دفع المال ولكن في بطانها خوف ووجل، لما قال سبحانه: (وَٱلَّذِينَ يُؤۡتُونَ مَآ ءَاتَواْ وَّقُلُوبُهُمۡ وَجِلَةٌ أَنَّهُمۡ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ رَٰجِعُونَ)[٣]. فهل رأيت من يدخل بخمس وفير على أحد المراجع ثم يخرج باطيا من عنده وهو يشعر بالاضطراب والووجل؟ إن المؤمن يدفع ما يترتب عليه من الحقوق كالخمس؛ ولكنه ولجهله بحلية المال يكون وجلا بحسب التعبير القرآني.

كيف نستثمر المشي إلى الحسين (عليه السلام) في أيام الأربعين؟

لابد أن نعلم أولا؛ أن لكل عمل آداب ومستحبات ينبغي أن يُلم بها المؤمن قبل أن يأتي بها. فعلى سبيل المثال، نرى الرجل يعتكف في بيت من بيوت الله عز وجل وهو صائم نهاره، وقائم في ليله، ولكنه يفعل ذلك متململا وكأنه مسجون في هذا المسجد، وينتظر ساعة الإفراج. فهذا لن تؤثر عليه هذه الأعمال ولن تصل إلى أعماق وجوده.

اعتكاف الأربيعينة

إن المسيرة الأربعينية تشبه الاعتكاف، ويبدأ هذا الاعتكاف عند البعض من البصرة؛ حيث يسير المؤمنون من هناك سيرا على أقدامهم حتى ينزلوا كربلاء. وقد سألني أحدهم: هل أسير بمفردي أم مع الجموع؟ فقلت له: إن كنت ممن يطيق السير وحده، فكن وحيدا لا يشغلك الحديث مع الأصدقاء عن ذكر الله عز وجل، حتى تعيش خلوتك الباطنية. ولذلك عندما دخل عنوان البصري على الصادق (ع) قال له الإمام (ع): (لاَ تُفْسِدْ عَلَيَّ وِرْدِي)[٤]. ونرى في سيرة الرضا (ع) أن والدته طلبت له مرضعا تعينها عليه، لتنشغل بالعبادة بعد أن شغله عنها، فهي لم تُصبح والدة للرضا (ع) اعتباطا. وما المانع من أن تجعل لنفسك ورداً في هذا الطريق؟

حاول عند التوجه إلى الزيارة من بغداد مثلا إلى كربلاء؛ أن تستثمر هاتين الساعتين في الطريق بدل النظر يمنة ويسرة أو بدل العبث بهاتفك. لو تأملنا بصورة عامة لوجدنا الكثير من هذه الساعات تضيع من عمرنا في الطرقات وفي الازدحامات، وفي الطوابير وغيرها؛ ولكنك لو أصبحت من أهل الذكر، عندها لن يختلف معك طول الطريق أو قصره ولا ازدحامه من خفته ولا قرب دورك في الطابور من بعده؛ فأنت مشغول بذكرك ووردك.

أفضل الأذكار وسيدها

ومن افضل الأذكار البعيدة عن الرياء التهليل؛ فكل أحرفها مما ينطق بها الإنسان من دون أن يحرك شفتيه، فالهج بالتهليل ما أسعدك قلبك لتعيش حلاوة هذا الذكر. وهو الذكر الذي به يتم السلام والشهادة بالنبوة، وهو الذكر الذي نجى الله به يونس (ع) من بطن الحوت، وهو سيد الأذكار التوحيدية. أما سيد الأذكار الولائية؛ الصلاة على النبي وآله (ص). وهذه الصلاة على النبي وآله؛ تقديم طلب لله سبحانه بأن يصلي عليهم؛ فإن صلى عليهم، صلوا عليك، وأين صلاتك من صلاتهم؟ إذا صلى عليك النبي (ص) بارك الله في وجودك وملأك نورا من رأسك إلى قدمك؛ فلن تُرد للنبي (ص) دعوة.

لقد أدركت أحد العلماء الأجلاء ورأيته في حرم الرضا (ع)، فجائه زائر طالبا من الدعاء لحاجة مستعصية ولعل الرجل كان عقيما، فقال له العالم الجليل: سأدعو لك وأنذر لك نذرا. هذا والعالم غير ملزم بالنذر وإنما فعل ذلك فضلا منه. مضت الأيام واستجاب الله سبحانه دعاء هذا العالم، فأتى الرجل يطلب منه أن يوفي له النذر الذي نذره من أجله فهو أولى بالوفاء له، وكان يظن أن العالم قد نذر ذبيحة أو مبلغا كبيرا من المال، فقال له: لقد نذرت أن أصلي على النبي (ص) مرة أو ثلاث – التردد من الراوي – وأنا سأوفي به. بالطبع إن صلاة هذا العالم على النبي وآله، صلاة بكيفية مميزة.

الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) بهذه الكيفية، تهدم الذنوب

فمن المؤمنين من يقف على قبر النبي (ص) في الروضة الشريفة ويصلي عليه ودموعه جارية على خديه، لأنه يعتقد بأن الذي واقف أمامه هو الذي أنقذه من الجهالة ومن حيرة الضلالة. فإذا صليت على النبي (ص) في حياتك مرة واحدة وأنت تبكي؛ فقد وصلت إلى المقصد. هذا وقد روي عنه (ص): (مَنْ صَلَّى عَلَيَّ مَرَّةً لَمْ يَبْقَ لَهُ مِنْ ذُنُوبِهِ ذَرَّةٌ)[٥]، وقد لا تكون هذه الصلاة الهادمة للذنوب أي صلاة؛ فقد يُرسل أحدهم هدية لآخر، فتُسرق في الطريق، عندها لا يستطيع أن يمن على صاحبه أن أهدى إليه شيئا، فسيقول له: لم يصلني منك شيء. إن الصلاة التي تهدم الذنوب هي التي تصل إلى النبي (ص). هل تستبعد ألا تبقى من ذنوبك ذرة إذا وصلت الصلاة إلى النبي (ص)؟ كن على يقين بذلك ولا تستبعد هذه المعاني وما لا تُدركه من روايات أهل البيت (ع) فذره في سنبله.

لا تزر طلبا للحوائج وزر شوقا

من آداب الزيارة؛ أن تزورشوقا وحبا. لقد قال لي أحد طلبة العلم: أن والده يعيش في الأرياف وهو إنسان متواضع وبسيط وعندما يأتي إلى زيارة المعصومين في أيام محرم، يقول: أنه يذهب إلى أي معصوم يعزيه بالحسين (ع) لا طلبا للحوائج.

قد يسأل سائل فيقول: كيف أذهب إلى الزيارة شوقاً وفي قلبي حوائج؟ أقول: كن منصفاً…! كم زرت أباك وأمك؟ هل كلما زرتهما طلبت منها شيئا؟ ولو فعلت ذلك، ألا يقولان: أنك عاق لنا وإنما تأتينا طلبا للمال أو ما شابه ذلك؟ فإذا كنت تزورهما شوقا، فكيف لا تزور والدك المعنوي شوقا، وتزوره طلبا للحوائج فقط؟ هذا والبعض إن لم تتيسر حاته تجاسر وقال: لأشكونك إلى كذا وكذا، وهذا بعيد عن أدب الخطاب مع المعصوم. كن كالذي قال: زرت الحسين (ع) طلبا للحوائج فنسيتها عندما أصبحت تحت القبة الشريفة. زر الإمام (ع) وهو كريم من أولاد الكرام وعادتهم الإحسان وسجيتهم الكرم وهم أعلم بحوائجك منك.

ومن الآداب؛ عرفان الحق. قد لا تخلوا رواية من الروايات التي تحث على الزيارة من هذه الكلمة: عارفا بحقه، فحتى الرواية التي تتحدث عن زيارة السيدة الجليلة المدفونة في قم المقدسة السيدة المعصومة (س)، تذكر بشأنها هذه العبارة.

ما معنى عارفاً بحقه؟

أن تعلم أنه إمام مفترض الطاعة. فإذا أردت أن تكون حسينيا، لابد أن تكون كالحسين (ع) في يوم العاشر حيث تتوالى عليه السهام من كل جانب وهو محاط بالأعداء ولكنه لا يغفل عن الصلاة وقد تكون صلاته تلك ببدن مجروح. فكيف بعد هذا تستطيع أن تمشي في زيارة الأربعين ثم تؤخر الصلاة عن وقتها؟ إمامك يوم القتال، يصلي صلاة الحرب، ولعل بعض أصحابه قتلوا أمامه وأنت تؤخر الصلاة من غير سبب؟

الموكب الثقافي أعظم أجرا وأكبر نفعا

وقد نستطيع القول بناء على هذا: أن المواكب والخيم التي لها دور ثقافي والتي تعلم الناس معالم الدين، وسيرة المعصوم (ع) وتذكر بالتكليف؛ هي أولى من الموكب الذي يقدم طعاماً، وقد ورد في تفسير قوله تعالى: (فَلۡيَنظُرِ ٱلۡإِنسَٰنُ إِلَىٰ طَعَامِهِ)[٦]، أنه لابد أن ينظر الإنسان إلى علمه ممن يأخذه. ولهذا في الطريق من المناسب في المحطة من محطات الاستراحة أو في مكان المبيت ليلاً، أن تأخذ كتابا أو تقرأ كتابا في هاتفك الذي يحتوي على المئات منها، وأن تتثقف في دينك فتعرف من هو الإمام ومن هو المعصوم.

الهجرة إلى الحسين (عليه السلام) في الأربعين

لقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (مَنْ زَارَ قَبْرِي بَعْدَ مَوْتِي كَانَ كَمَنْ هَاجَرَ إِلَيَّ فِي حَيَاتِي)[٧]؛ فإذا فاتتك نصرة الحسين (ع) يوم عاشوراء، فلتكن هذه الزيارة والمشي إليه؛ هجرة بنية النصرة. فإذا وصلت إلى الحرم خاطب الإمام من دون مقدمات وقل: يا أبا عبدالله، جئتك شوقا ومهاجرا، ولا تطلب منه المال والبنون فهي زينة الحياة الدنيا ولا تطلب الشهوات من النساء والبنين وغيرها، ولكن اطلب هذه الحوائج الثلاث المعنوية. قل: يا مولاي، صيرني من همك؛ فالإمام كريم، وما دمت في كربلاء فإنه يضيفك ويُكرمك، ويستمر هذا الإكرام حتى بعد خروجك من الحرم ومن كربلاء، ولكنه لا يكون كالإكرام الذي تناله في تلك الأرض المقدسة. فقل: لا تقطع ضيافتك عني وأنا في أرض الوطن؛ بل إلى آخر عمري وفي ساعة الوحشة التي يقول فيها أمير المؤمنين (ع) لحارث الهمداني:

يا حار همدان من يمت يرني

اطلب استمرار الضيافة الحسينية

إن هذه الضيافة قد تستمرإلى ذلك العالم؛ والحسين (ع) في عالم القيامة عينه على الزوار وأصحاب المواكب وعلى من لطم على صدره، ومن بكى على مصيبته، وهؤلاء حُداث الحسين (ع) تحت العرش كما نصت على ذلك الروايات الشريفة. بل البعض عند الحسين (ع) في منزلته. لا أقول في قصره ولكن في حيه، حي بني هاشم، وكلما اشتاق، نظر إلى الحسين (ع). إن من أهل الجنة من يريد أن يدخل الجنة، فيرى الحسين (ع) فيطيل النظر إليه وهو لا يرغب بعد ذلك أن يفارقه ولو إلى الجنان.

ولا تستقل المنزلة التي حباك الله بها أن كنت من محبي الحسين (ع) ومن المؤمنين بجده من دون أن تراه. فقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (يَا عَلِيُّ أَعْجَبُ اَلنَّاسِ إِيمَاناً وَ أَعْظَمُهُمْ ثَوَاباً قَوْمٌ يَكُونُونَ فِي آخِرِ اَلزَّمَانِ لَمْ يَلْحَقُوا اَلنَّبِيَّ وَ حُجِبَ عَنْهُمُ اَلْحُجَّةُ فَآمَنُوا بِسَوَادٍ عَلَى بَيَاضٍ)[٨]. إن منزلة البعض من المؤمنين أعلى من منزلة بعض من رأى أمير المؤمنين (ع) خطيبا في مسجد الكوفة وصلى خلفه ورأى مناجاته ودعائه.

[١] سورة البقرة: ١٨٣.
[٢] سورة طه: ١٤.
[٣] سورة المؤمنون: ٦٠.
[٤] مشکاة الأنوار  ج١ ص٣٢٥.
[٥] جامع الأخبار  ج١ ص٥٩.
[٦] سورة عبس: ٢٤.
[٧] كامل الزيارات  ج١ ص١٤.
[٨] جامع الأخبار  ج١ ص١٨٠.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن المواكب والخيم التي لها دور ثقافي والتي تعلم الناس معالم الدين، وسيرة المعصوم (ع) وتذكر بالتكليف؛ هي أولى من الموكب الذي يقدم طعاماً، وقد ورد في تفسير قوله تعالى: (فَلۡيَنظُرِ ٱلۡإِنسَٰنُ إِلَىٰ طَعَامِهِ) ، أنه لابد أن ينظر الإنسان إلى علمه ممن يأخذه.
  • من آداب الزيارة؛ أن تزورشوقا وحبا. لقد قال لي أحد طلبة العلم: أن والده يعيش في الأرياف وهو إنسان متواضع وبسيط وعندما يأتي إلى زيارة المعصومين في أيام محرم، يقول: أنه يذهب إلى أي معصوم يعزيه بالحسين (ع) لا طلبا للحوائج.
  • من المؤمنين من يقف على قبر النبي (ص) في الروضة الشريفة ويصلي عليه ودموعه جارية على خديه، لأنه يعتقد بأن الذي واقف أمامه هو الذي أنقذه من الجهالة ومن حيرة الضلالة. فإذا صليت على النبي (ص) في حياتك مرة واحدة وأنت تبكي؛ فقد وصلت إلى المقصد.
Layer-5.png