إبراهيم الخليل (عليه السلام) والقلب السليم
بسم الله الرحمن الرحيم
لماذا استحق إبراهيم (ع) لقب الخليل؟
كثيرا ما يسمع المؤمنون عن النبي إبراهيم (ع) وقربه وخلته ودرجاته عند الله عز وجل. وقد يتمنى بعض تلك الدرجات؛ إلا أنه لا يعلم ما الذي قاساه إبراهيم (ع) وعاشه من صنوف المحن والابتلاءات حتى وصل إلى ما وصل إليه.
ومن الأمور التي استحق بها إبراهيم (ع) الوصول إلى مرتبة الخلة هي أولا: ما وصفه به القرآن الكريم في قوله: (إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)[١]. ثانيا: مجاهدته العظمى المتمثلة في التضحية بإسماعيل ولده ذبحا بيده وبأمر من الله تعالى. وثالثا: صدقته الجارية المستمرة إلى يوم القيامة المتمثلة في بناء الكعبة المشرفة.
ما هو القلب السليم الذي جاء به إبراهيم الخليل (عليه السلام)؟
وقد وصفت الروايات القلب السليم وهو القلب الخالي من كل شيء يضر بالإيمان بالله سبحانه والتصديق به والخالي من الشرك الجلي والخفي ومساوئ الأخلاق وآثار المعاصي. وهو قلب لا يتعلق بسوى الله تعالى ولا ينجذب إلى غيره مما يختل به صفاء توجهه إلى الله عز وجل. وقيل: هو القلب السالم من الشرك. وقيل أيضا: هو القلب الحزين.
ما الذي يمنع الإنسان من التركيز في صلاته؟
وقد يكون القلب خال من الشرك ومن حب المعاصي بحسب الظاهر؛ إلا أنه متعلق بشيء من الدنيا وكلما أراد أن يتوجه إلى الله عز وجل حالت بينه وبين ذلك. وقد قال سبحانه عن الصلاة: (وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ)[٢]؛ فقد يبتلى الإنسان أثناء الصلاة ببعض الصور المحببة إليه أو المبغوضة لديه تصرفه عن التوجه فيها إلى الله عز وجل.
من أعظم ما ابتلي به النبي إبراهيم (عليه السلام)
فينبغي للمؤمنين التأسي بالنبي إبراهيم (ع) في الحصول على القلب السليم ثم الاستعداد للمجاهدة في سبيل الله سبحانه ولا ريب في أنه أسوة حسنة بنص القرآن الكريم: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ)[٣]. ولقد ابتلي بما لم يبتلي به الأنبياء قبله ولا بعده في الأمر بذبح ولده الذي جاء بعد طول فترة من الدعاء والطلب، كما ذكر ذلك القرآن الكريم في قوله: (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ)[٤].
إن إبراهيم يتمنى ولدا صالحا، فتستجاب الدعوة، ويأتيه الوحي من الله أن استجيبت الدعوة ثم يبدأ الابتلاء في قوله: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَىٰ)[٥]. والفاء في أول الآية تدل على محذوف، والتقدير: فلما ولد له ونشأ وبلغ معه السعي؛ أي بلغ من العمر مبلغا يسعى فيه لحوائج الحياة وهو سن المراهقة.
إسماعيل (عليه السلام) ذبيح الله
فيؤمر من قبل الله عز وجل بذبح هذا الولد – الذي بُشر أنه من الصالحين وقد بلغ الآن مبلغا يسعى بين يدي حوائج أبيه – وليس من خلال وفد من الملائكة فيهم جبريل وميكال مثلا؛ بل من خلال رؤيا رآها في منامه. ولم يتردد إبراهيم (ع) في تنفيذ ما أمر به ولا تلكأ في ذلك بأن يسأل جبريل مثلا عن صدق هذه الرؤيا وما شابه ذلك. ولذلك عبر عنه القرآن الكريم بالحليم، ولم يصف القرآن بالحليم إلا إبراهيم وولده إسماعيل (ع) لشدة صبرهم في ذات الله عز وجل.
وقد أراد إبراهيم (ع) أن يقدم على الذبح بقناعة تامة من ولده فأخبره بذلك في قوله تعالى: (قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)[٦]. وكان بإمكان النبي إبراهيم (ع) أن يجبر ولده على ذلك ولكنه لم يكن بحاجة إلى الإجبار ما دام الولد منقادا لأمر الله عز وجل. ويا له من بلاء عظيم أن يعيش الأب فقدان الولد الذي سيذبحه بيده ويعيش الولد مرارة الذبح بالسكين وهو ابتلاء قد يكون أعظم من ابتلاء الوالد.
وصايا إسماعيل (عليه السلام) قبل الذبح
لقد بلغ إبراهيم (ع) مقام الخلة والإمامة ولكن إسماعيل لم يكن إلا شابا في عنفوان شبابه. وقد روى شيخنا أمين الإسلام الطبرسي رحمه الله نصا عاطفيا عن هذه الحادثة التاريخية وهو: (أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لَمَّا خَلاَ بِابْنِهِ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَهُ بِمَا قَدْ ذَكَرَ اَللَّهُ عَنْهُ فِي اَلْمَنَامِ فَقَالَ يَا أَبَتِ اُشْدُدْ رِبَاطِي حَتَّى لاَ أَضْطَرِبَ وَاُكْفُفْ عَنِّي ثِيَابَكَ حَتَّى لاَ يَنْتَضِحَ مِنْ دَمِي شَيْءٌ فَتَرَاهُ أُمِّي وَاشْحَذْ شُفْرَتَكَ وَأَسْرِعْ مِنَ اَلسِّكِّينِ عَلَى حَلْقِي لِيَكُونَ أَهْوَنَ عَلَيَّ فَإِنَّ اَلْمَوْتَ شَدِيدٌ فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ نِعْمَ اَلْعَوْنُ أَنْتَ عَلَى أَمْرِ اَللَّهِ)[٧]
أجر النبي إبراهيم (عليه السلام) في دار الدنيا
والذي نستفيده من هذه القصة المعبرة؛ أن الدرجات العلى لا تنال بالتعبد في زاوية من زوايا المسجد أو هدئة من هدوء المنزل أو من خلال أعمال لا تحتاج من المرء كثير مجاهدة وإن كان لكل ما ذكرنا أجر يناله العامل يوم القيامة. ولكن الخلة والقرب المتميز لا بد وأن يمر بمرحلتين: القلب السليم، والجهاد العظيم، وما أجملها مغبة وأحلاها عاقبة في أن يتأسى المسلمون إلى يوم القيامة بإبراهيم (ع) طوافا وسعيا وهرولة وهي بلا شك مكافأة من الله امتاز بها إبراهيم (ع) دون سائر الأنبياء.
وهناك تفسير جميل لقوله تعالى: (إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)[٨]، وهو أن الله عز وجل يثيب على السعي والمحاولة؛ فإبراهيم (ع) لم يذبح ولده حقيقة وإنما كانت منه محاولة محمودة شكرها له الله عز وجل. وكذلك الأمر بالنسبة إلى المؤمنين؛ فالله عز وجل يعينهم على تأدية حقه ووظائفه واجتياز العقبات إذا استفرغوا الوسع وبذلوا المجهود المطلوب لذلك.
الاستعداد الدائم لأنواع البلايا
وينبغي الاستعداد لجميع أنواع البلاء من قبيل الأمراض والأزمات المالية والتعرض لسجون الظالمين وغيرها. وإذا سلم المؤمن أمره لله عز وجل وأبدى استعداده للتحمل وخوض الامتحان فقد يسهل الله عليه أمره ويرفع عنه البلاء عاجلا ويأتيه الفرج سريعا وإذا به يسجل في ديوان المجاهدين والصابرين رغم قصر أيام البلاء.
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- ينبغي الاستعداد لجميع أنواع البلاء من قبيل الأمراض والأزمات المالية والتعرض لسجون الظالمين وغيرها. وإذا سلم المؤمن أمره لله وأبدى استعداده للتحمل وخوض الامتحان فقد يسهل الله عليه أمره ويرفع عنه البلاء ويأتيه الفرج سريعا فيسجل في ديوان المجاهدين الصابرين رغم قصر أيام البلاء.