- ThePlus Audio
أكثر شيء كان يخاف منه أمير المؤمنين (عليه السلام)
بسم الله الرحمن الرحيم
لا يكفي الانتساب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)
إننا منسوبون إلى الإمام أمير المؤمنين (ع) ونحن نفتخر بذلك وسنُحشر تحت لوائه يوم القيامة. وكلما ازددنا معرفة به (ع)، ازددنا به تعلقا شعوريا وانقدح في قلوبنا الميل إلى التأسي به. ومهما أسهبنا في الحديث عن أمير المؤمنين (ع) لن نبلغ أدنى مراتبه؛ كيف وهو الذي لم يعرفه إلا الله ورسوله (ص) حق المعرفة؟
ولكننا نستطيع أن نلم بشيء من المعرفة حوله، وذلك من خلال دراسة سيرته ومواقفه والاطلاع على كلماته وخطبه التي جمعها الشريف الرضي في كتاب نهج البلاغة. وجدير بالمؤمن أن يراجع غرر حكمه (ع) ولو في العمر مرة واحدة ويطالع كتاب نهج البلاغة الذي لم يطلع عليه الكثير من الشيعة وإن كانوا يضعونه على رفوف المنازل. إن الكلمات القصيرة في نهج البلاغة، لهي من الروائع. وقد شرح العلماء هذه الكلمات لمن لا يعرف معانيها، فليراجع تلك الشروح. وهذا البعد الفكري من أبعاد شخصيته العظيمة.
البعد العاطفي في محراب العبادة
أما البعد الثاني من شخصيته؛ فهو البعد العاطفي في محراب العبادة بين يدي الله عز وجل. إنني سمعت بمن استبصر بمجرد الاستماع إلى دعاء كميل مرة واحدة. فقد سأل عن صاحب هذه الكلمات، فقيل له: إنه أمير المؤمنين (ع)، فتغير حاله وقرر اتباع مذهب أهل البيت (ع). فلو تأملنا في التراث البشري منذ أن خلق الله آدم إلى يومنا هذا، فقلما نجد حديثا مع الله عز وجل بهذه الرقة والعذوبة التي عليها دعاء أمير المؤمنين (ع) الذي رواه كميل بن زياد.
ما هي علاقة أمير المؤمنين (ع) برب العالمين؟
ماذا نصنع بمن وصلتنا منه عطية أو قدم لنا معروفا؟ نشكره وبعد الشكر نحبه ونكون أسراء إحسانه إلينا. ولكن لأمير المؤمنين (ع) مقام درجة هي من الدرجات الخاصة بالنبي وآله (ص). يتحدث أمير المؤمنين (ع) مع ربه ويقول له: (يَا إِلَهِي وَسَيِّدِي وَمَوْلاَيَ وَرَبِّي صَبَرْتُ عَلَى عَذَابِكَ فَكَيْفَ أَصْبِرُ عَلَى فِرَاقِكَ)[١]. إنه يتحدث افتراضاً، فكيف يدخل النار وهو قسيم الجنة والنار، وفرض المحال ليس بمحال. يقول (ع): يا رب، لنفترض أنك أدخلتني النار، فهل يتغير حبي لك؟ إنني لا أحبك طمعا في جنتك ولا خوفا من نارك وإنما حبا لذاتك؛ فإن أدخلتني الجنة شكرت، وإن أدخلتني النار صبرت.
إنك قد تسمع من سجين تعرض إلى أشد التعذيب ثم خرج من السجن ولاقى من المحن في حياته ما يصفها قائلا: إن ما لاقيت من المحن، أنساني التعذيب السابق. وكأن الإمام (ع) يقول: إن هذه النار المستعرة وأصناف العذاب فيها، لهو أهون عندي من عذاب الفراق.
إن الفراق عند علي (ع) هو العذاب بعينه. فلو غفلت عن الله عز وجل ساعة في زفافك أو في زفاف ولدك مثلا؛ فأنت تشعر أنك في عذاب إذا كنت قد وصلت إلى هذه الدرجة. إننا نتحدث عن هذه المعاني التي أدركها أمير المؤمنين (ع). ثم يؤكد ذلك بقوله (ع): (وَهَبْنِي صَبَرْتُ عَلَى حَرِّ نَارِكَ فَكَيْفَ أَصْبِرُ عَنِ اَلنَّظَرِ إِلَى كَرَامَتِكَ)[٢].
الخوف من الفراق الذي تهون عنده كل مصيبة
إن أمير المؤمنين (ع) يُعرفنا في هذا الدعاء على نوع من العذاب لم نعهده في حياتنا الدنيا ولا في الآخرة، وهو أن يخشى العبد من أن يعيش حالة البعد عن الله عز وجل؛ خاصة في الصلاة في المسجد. فهو إذا قطع المسافات متجها إلى المسجد ثم أقام الصلاة فيه وكانت حاله كحاله في السوق أو حاله عندما كان عند زوجته، فهو يشعر بعذاب شديد وهو عذاب الفراق الذي أشار إليه (ع). وهو لا يُصاب بالعجب لأنه ما إن أحس بالفراق، شعر بعذاب لا يضاهيه عذاب.
إن سعادة هذا الصنف العلوي؛ أن يعيش حالة القرب من الله عز وجل وإن كان في أسوء الظروف كما قال يوسف (ع): (قَالَ رَبِّ ٱلسِّجۡنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدۡعُونَنِيٓ إِلَيۡهِۖ)[٣]. فضع قصر زليخا ومجاورتها في كفة وضع السجن ومشقته في كفة أخرى؛ فأيهما فضل يوسف (ع)؟ هل كان يشتري الفراق الإلهي بالتنعم في قصر زليخا؟ أم كان السجن له وصال، وجوار زليخا فراق يخشاه؟ وقد كان السجن لإمام موسى بن جعفر (ع) وصال ولذلك شكر الله عز وجل على نعمة الفراغ الذي أتيح له في السجن. إن المؤمن ينتظر مثل هذه النفحات ليتعرض لها.
خلاصة المحاضرة
- إنني سمعت بمن استبصر بمجرد الاستماع إلى دعاء كميل مرة واحدة. فقد سأل عن صاحب هذه الكلمات، فقيل له: إنه أمير المؤمنين (ع)، فتغير حاله وقرر اتباع مذهب أهل البيت (ع). فلو تأملنا في التراث البشري منذ أن خلق الله آدم إلى يومنا هذا، فقلما نجد حديثا مع الله عز وجل بهذه الرقة والعذوبة.