إن من الآيات النازلة في حق أهل البيت (ع) آية التطهير: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}.. هذه الآية واضحة في أنها تدل على أن الله -عز وجل- خص أهل البيت (ع) بهذه الخاصية.. والعبارات فيها تأكيد {لِيُذْهِبَ} اللام لام التأكيد، {وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} أيضاً تأكيد.. فإذن، هناك تأكيد واضح أن هذا التطهير، وهذه العصمة؛ هي من لوازم الدعوة والتبليغ.. فالنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) أُذهب عنه الرجس، والوصي كذلك.. ولولا هذه الصفة: لما صار النبي نبياً، ولا صار الوصي وصياً.
أولاً: هل يمكن للإنسان أن يصل إلى درجة من درجات التطهير؟..
ثانياً: لماذا طهر الله -عز وجل- أهل البيت، وأذهب عنهم الرجس؟..
النقطة الأولى: نعم، هنالك في القرآن الكريم آيات، نفهم منها أن الله -عز وجل- إذا أحب عبدا تصرف في قلبه!.. فالإنسان يجاهد في ترك المعاصي، وفعل الواجبات.. ولكن الله -عز وجل- يتصرف في قلوب البعض {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ}؛ أي يصبح الحرام ثقيلا على نفس الإنسان، والواجب مستمتعا به.. وعندئذ لا تكلف في البين!.. فالذي يكره الحرام، سوف لن يرجع إليه.. أما الذي يحب الحرام، ويجاهد نفسه في عدم ارتكابه؛ فإنه سيسقط يوما في فخ الشيطان.. إذن، كما أن الله -عز وجل- أذهب الرجس عن أهل البيت بالدرجة العليا، هو قادر على أن يتصرف في قلوبنا، ويمكن أن نصل إلى درجة من درجات الطهارة.
النقطة الثانية: إن رب العالمين يزين الإيمان في قلب العبد، ويكره إليه الكفر والفسوق والعصيان؛ متى يختص رب العالمين عبده بهذه الهبة؟..
إن هناك طريقين للوصول إلى هذه المرتبة:
الطريق الأول: المجاهدة المستمرة: أي أن الإنسان الذي يجاهد نفسه، ويراقب نفسه؛ يصل إلى هذه الدرجة.. فالنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) أربعون سنة، وهو في حال مراقبة لنفسه.
الطريق الثاني: تقديم قربان لله: في العرف السياسي: إذا أطلقت دولة مساجين دولة أخرى عندها، فهذه الحركة يسمونها سياسة إبداء حسن نية.. فمثال على ذلك:
إن أبا الأنبياء إبراهيم (عليه السلام) {إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} كان قد حطم الأصنام في أول حياته؛ لذا وصل إلى درجة الخلة..
وموسى (عليه السلام) تزوج من ابنة النبي شعيب (عليه السلام)، وصار خادما له {ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ}.. كل هذا من بركات عمل بسيط، {وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ}؛ {فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}؛ هذه الحركة البسيطة جعلته صهرا لشعيب.. وعندما حملت زوجته أراد أن يقتبس لها نارا، وإذا برب العالمين يقول: {يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}.. لاحظوا الترتيب: زواج، حمل، ذهاب لاقتباس نار، فإذ بموسى (عليه السلام) يرجع كليماً.. هكذا رب العالمين يرتب الآثار مرحلة بعد مرحلة!..
وكذلك عندما نذرت امرأة عمران نذراً: {رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}؛ فكانت الجائزة من رب العالمين أن تقبل منها نذرها، ووهب لها مريم التي {…أَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا}..
أما مريم (عليها السلام) فقد اصطفاها رب العالمين، واجتباها، ووهب لها عيسى (عليه السلام)؛ لأنها أحصنت فرجها {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا}.
فإذن، كل إنسان إذا أراد أن يتكامل ويتقدم إلى ربه بخطوات متسارعة، لا بد أن يقدم جهادا في سبيل ربه، ولو جهادا بسيطا!..
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.