أقسام الناس..
إن الناس بالنسبة إلى منهجهم في الحياة قسمان:
أولاً: غير المبرمج.. إن بعض الناس يعيشون في هذه الدنيا لا برنامج لهم، يعيشون مع مهب الريح: إذا صار في وضع إيجابي؛ دفعته الرياح إلى جانب الخير، وإلا ذهب إلى جانب الشر!..
ثانياً: المبرمج.. إن هناك قسماً من الناس يبرمجون حياتهم، والذين يبرمجون حياتهم على قسمين أيضاً:
١. قسم يبرمج يقظته!.. أي مادام يقظاً؛ فإنه يقوم بما خطط له.
٢. قسم يبرمج نومه أيضاً!.. والشريعة المقدسة الجامعة، فكرت في ثلث أعمارنا الضائعة، ألا وهو النوم.. فالإنسان عندما ينام ينقطع عمله، فهو كالميت بل هو ميت؛ لأن النوم أخو الموت، كما ورد عن النبي (صلی الله عليه).. عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله عليه): (النَّوْمُ أَخُو الْمَوْتِ، وَلا يَنَامُ أَهْلُ الْجَنَّةِ).
النوم الشرعي..
أولاً: إن المؤمن لا ينام من دون حاجة للنوم، لأن من يذهب إلى الفراش، وهو لا يعيش حالة النعاس؛ فإنه سيتقلب يميناً وشمالاً، وتأتيه الأفكار السودوية، والأفكار الباطلة، والأفكار الشهوية.. لذا، نحن مأمورن أن لا ننام إلا عند الحاجة، وقد ورد أن الإمام الهادي (عليه السلام) قال في بعض مواعظه: (السهر ألذّ للمنام، والجوع يزيد في طيب الطعام…)؛ أي أن النوم الذي يكون بعد سهر، هذا نوم لذيذ!.. لأن الإنسان يكون بحاجة إلى النوم.
ثانياً: إن المؤمن يحوّل فراشه إلى مسجد، بينما بعض الناس فراشه محل معصية؛ فهنيئاً للمؤمن!..
الآداب الشرعية للنوم..
أولاً: الوضوء.. قال الإمام الصادق (عليه السلام): (مَن تطهّر ثمّ أوى إلى فراشه؛ بات وفراشه كمسجده.. فإن ذكر أنه ليس على وضوء، فتيمّم من دثاره كائناً ما كان؛ لم يزل في صلاةٍ ما ذكر الله عزّ وجلّ).. كمسجده: أي كبيت الله عز وجل، أو كمحل سجوده.. وبعبارة أخرى: أنه في حال عبادة.. فالإنسان الذي يتوضأ ثم ينام ثمان ساعات -مثلاً- فإنه يكون طوال هذه الساعات في حال عبادة.. قد يستغرب بعض الناس من هذا الثواب؛ ولكن لمَ الاستغراب من كرم الله عز وجل!..
١. إن هناك مقولة جميلة تقول: إن الذي يشك في الثواب العظيم؛ فإنه يشك في أحد أمرين: إما أنه يشك في كرم الله عز وجل، أو أنه يشك في قدرة الله عز وجل؛ وكلاهما باطلان.. فإذا كان هو كريم وقادر؛ ما الذي يمنعه من العطاء؟!..
٢. إن الذي يستغرب من هذا العطاء، نذكره بثواب الصيام الذي ذكره النبي (صلی الله عليه) في خطبته المشهورة في استقبال شهر رمضان: (أَنْفَاسُكُمْ فِيهِ تَسْبِيحٌ، وَنَوْمُكُمْ فِيهِ عِبَادَةٌ)، ويقول الإمام الصادق (عليه السلام): (نوم الصائم عبادة، وصمته تسبيح، وعمله متقبل، ودعاؤه مستجاب).. فالذي جعل النفس في شهر رمضان عبادة، هو كون الإنسان في ضيافة الله عز وجل.. والذي ينام متطهراً أيضاً هو في ضيافة الله سبحانه وتعالى.
٣. إن هناك رواية عن النبي (صلی الله عليه) تقول: (من نام على الوضوء، إن أدركه الموت في ليله؛ فهو عند الله شهيد)؛ ليس الشهيد الذي يقتل في ميدان القتال، ولكن هناك عدة روايات تصف بعض الناس الذين يموتون بطرق معينة، بأنهم شهداء، كـ: الغريق، والمرأة التي تموت في حال الولادة، روي عن النبي (صلی الله عليه) أنه قال: (الشُّهَدَاءُ سَبْعَةٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ، وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ، وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ، وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ، وَالْحَرِقُ شَهِيدٌ، وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ، وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيد)؛ هؤلاء لهم بعض ثواب الشهداء، وهو ثواب عظيم.. لذا، فإن بعض العلماء كان يتمنى الموت في النوم؛ لأن الإنسان إذا نام ومات في نومه؛ لا يعيش سكرات وأذى الموت، إنما ينام ويذهب إلى ربه، كما في قوله تعالى: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾..
-﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ﴾.. بعض العلماء ماتوا في نومهم.
-﴿وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾.. إن الإنسان عندما يستيقظ من نومه؛ كأنه بُعث من جديد.. فهذه الروح كأنها كانت محبوسة في عالم النوم، ثم رجعت ثانية، لهذا عندما يستيقظ يقول: (الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني، وإليه النشور.. الحمد لله الذي ردّ عليّ روحي؛ لأحمده وأعبده).
ثانياً: قلة النوم.. إن بعض الناس -مع الأسف- يكون نومه زيادة عن المتعارف في بعض فصول السنة، فهو أيام العمل نومه قليل؛ ولكن في أيام العطل؛ فإنه يستغفرق النهار والليل في النوم الكثير.. هنا يكفي ذكر هذه الرواية المخيفة عن الإمام الكاظم (عليه السلام) التي يقول فيها: (إن الله يبغض العبد النوام الفارغ)؛ أي أن الإنسان كثير النوم، والفارغ؛ هذا مبغوض عند الله تعالى.
ثالثاً: المحاسبة والمراقبة.. قال الإمام الصادق (عليه السلام): (إذا أويت إلى فراشك: فانظر ما سلكت في بطنك، وما كسبت في يومك، واذكر أنّك ميّت، وأنّ لك معاداً)!.. إن محاسبة النفس قبل النوم؛ أمر جداً لازم!.. لأن الإنسان الذي يقصر في النهار، ويتذكر ذلك قبل النوم؛ فإنه عندما يستيقظ ويذهب إلى العمل؛ يعوّض ذلك التقصير!..
المنامات..
إن من أكثر المنام؛ رأى الأحلام!.. ولكن القاعدة العامة، هي: أن المؤمن لا يعوّل على المنام!.. فمن يقول: رأيت عالماً جليلاً، أو رأيت الإمام؛ كيف يمكن له القطع أنه هو المعصوم؟..
أولاً: هو لم يقل شيئاً، ولكن الذي رأى المنام يقول: كأنه المعصوم!.. وهذا ليس بدليل.
ثانياً: على فرض أنه أحس أن من رآه في منامه هو المعصوم، فإن قول الرسول (صلی الله عليه): (من رآني في منامه فقد رآني، لأن الشيطان لا يتمثل في صورتي، ولا في صورة واحد من أوصيائي، ولا في صورة أحد من شيعتهم.. وإن الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزءً من النبوّة).. فسر بمعنى آخر؛ أي: من رأى النبي (صلی الله عليه) في اليقظة، وعلم ملامحه وشكله، ثم رآه في المنام؛ فإن الشيطان لا يتمثل بالنبي (صلی الله عليه).. أما أن يرى إنسان وجهاً نورانياً ويدّعي أنه هو النبي؛ فبأي دليل؟.. نحن لا نقطع لا بالوجود، ولا بالعدم.
ثالثاً: إن الإنسان الذي يكون عاصياً لاهياً في النهار، وفي الليل يرى في منامه أحد المعصومين؛ هذا الإنسان قد يُغشّ؛ لأنه يعتبر أن معصيته ليست مهمة، وإلا كيف رأى في الليل مناماً طيباً.. هنا الشيطان قد يدخل على الخط، ويريه مناماً جميلاً؛ ليخدره ويصده عن التوبة.. والعكس صحيح أيضاً: أي أن الإنسان الذي يقوم بطاعة في النهار؛ وفي الليل يرى مناماً مزعجاً؛ فإنه قد يترك تلك الطاعة.
رابعاً: إن من أسوأ أنواع التصرفات وأخطرها، هي تقييم الناس على أساس المنامات الفارغة!.. فمثلاً: إن بعض الناس يحذر الآخرين من شخص رآه في منامه على شكل وحش كاسر.. وقد يكون هذا الشخص مؤمناً وعبداً صالحاً، وكل القرائن تدل على إيمانه!.. والمصيبة أنه لا يحذر هو، بل يُحذّر الناس منه بسبب منام شيطاني سخيف!.. يجب على المؤمن أن يحذر من الحكم على إنسان بمجرد منام قد رآه؛ إن هذا العمل يدل على قلة العقل!.. فلو كان هناك إنسان في قمة الزهد والتقى، ولكنه يحكم على الناس من خلال مناماته؛ هذا لا وزن له!.. وكذلك لو كان هناك إنسان فاسق فاجر في الظاهر، والناس لا تتعامل معه، فإن رأيته في المنام والنور يصعد من رأسه؛ هذا أيضاً لا يُعوّل عليه.. فإذن، لا هذا يعول عليه، ولا هذا يعول عليه، يقول تعالى: ﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ﴾ ومن سبل نجوى الشيطان أن يأتي للإنسان في المنام، ألا يتعوذ الإنسان في بعض الحالات من تلاعب الشيطان به، كما جاء في رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام): (إذا خفت الجنابة فقل في فراشك:” اللهم!.. إني أعوذ بك من الاحتلام، ومن سوء الأحلام، ومن أن يتلاعب بي الشيطان في اليقظة والمنام).
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.